17/6/2021
ما بعد تفاهم «بايدن» و«جونسون» على «ميثاق الأطلسي الجديد»
في أول جولة أوروبية له، شرع الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، بزيارة العديد من قادة العالم وكبار الشخصيات من الأصدقاء والأعداء على حد سواء، الأمر الذي اعتاده الرؤساء الأمريكيون الجدد في بداية فترة رئاستهم. وبدأت هذه الجولة بالقمة السنوية لمجموعة السبع لعام 2021، والتي تعد أول اجتماع من نوعه لزعماء الديمقراطيات الليبرالية الرائدة في العالم منذ أغسطس 2019، حيث ألغيت قمة عام 2020؛ بسبب جائحة فيروس كورونا.
عقدت القمة في مقاطعة «كورنوال» بإنجلترا، حيث اجتمع «بايدن»، مع قادة المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا، بالإضافة إلى الهند، وكوريا الجنوبية، وجنوب إفريقيا؛ لمناقشة المسائل العالمية، مثل الصحة، والشواغل الأمنية، والاقتصادية، والسياسية المشتركة.
جرت أولى المباحثات يوم الخميس 10 يونيو، حيث التقى الرئيس الأمريكي، برئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون»؛ لمناقشة الأمور المتعلقة بأيرلندا الشمالية وفيروس كوفيد-19، وكشف الزعيمان النقاب عن ميثاق الأطلسي المعدل -تم التوقيع عليه في الأصل عام 1941 من قبل ونستون تشرشل، وفرانكلين روزفلت- لتلبية احتياجات القرن الحادي والعشرين.
وفي الواقع، يعد التوقيع المبكر على الميثاق الجديد سمة مميزة للأجواء المختلفة التي تمتعت به قمة مجموعة السبع لهذا العام عن سابقاتها. ويعود ذلك إلى التناقض التام في لهجة وسلوك الرئيس «بايدن» عن سابقه، دونالد ترامب. وذكرت «آن جيران»، و«آشلي باركر»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن شخصية ترامب قد «عرقلت اجتماعين من اجتماعات مجموعة السبع لتبنيه سياسة أمريكا أولاً، وعدائه لمفهوم صناعة القرار الدولي الجماعي». وفي المقابل، عند وصوله إلى المملكة المتحدة للمرة الأولى كقائد أعلى للقوات الأمريكية؛ اختار «بايدن»، إعادة التأكيد على دعم واشنطن لحلفائها والديمقراطيات الليبرالية في جميع أنحاء العالم». وفي خطاب ألقاه أمام العسكريين الأمريكيين المتمركزين في بريطانيا، أشار إلى أننا «سوف نوضح أن الولايات المتحدة قد عادت، وأن ديمقراطيات العالم تقف معا لمواجهة أصعب التحديات والقضايا الأكثر أهمية بالنسبة إلى مستقبلنا».
ولقي التأكيد الأمريكي على التعاون الدولي ترحيبا كاملاً من قبل الأعضاء الآخرين في مجموعة السبع. ولاحظ «رافائيل بير» في صحيفة «الجارديان»، أن «القادة الأوروبيين ممتنون لمجرد حقيقة أن رئيس الولايات المتحدة يؤمن بالديمقراطية، ويعي أهمية الدبلوماسية». في حين زعم «جيمس تروب»، من «مركز التعاون الدولي»، أن «بايدن هو كل ما تريده أوروبا»؛ لأنه أول رئيس أمريكي يؤمن بأهمية حلف شمال الأطلسي منذ جورج دبليو بوش».
وعلى الرغم من أهمية النهج الأمريكي الجديد في تعزيز الشعور بالتعاون، بدلاً من المنافسة، إلا أنه وحده لا يضمن النجاح. ورأت «جيران»، و«باركر»، أنه «سرعان ما سيتضح ما إذا كان بايدن نموذجا للشخصية الدبلوماسية والألفة في التعامل مع القادة الأجانب، مما يمكن أن يؤدي إلى نتائج جيدة للولايات المتحدة». ويعتبر النجاح الكامل لنهج الرئيس الأمريكي في الديمقراطية هو الأكثر أهمية؛ لأن القضايا التي تناقشها مجموعة السبع ذات أهمية كبيرة لجميع الأعضاء.
ومثل جميع المؤتمرات أو المناقشات الدولية، سواء كانت افتراضية أو شخصية، والتي عقدت منذ ربيع عام 2020، تهيمن إلى حد كبير أزمة فيروس كورونا على قمة مجموعة السبع لهذا العام. وعلى وجه الخصوص وجود إجماع على الحاجة إلى إمداد البلدان الأقل تقدمًا اقتصاديًا بأعداد كافية من اللقاحات.
ووفاءً منها بالتزام مبكر بهذه المهمة، تعهدت إدارة «بايدن» بشراء وتوزيع 500 مليون جرعة من لقاح «فايزر» المضاد للفيروس للاستخدام في دول أخرى قبل بدء القمة. وفي 9 يونيو. ووفقًا لخططها، سيجري توزيع 200 مليون جرعة عام 2021، وسيتم استخدام 300 مليون أخرى عام 2022. وسيتم توزيع اللقاحات من قبل «كوفاكس» -وهو مُخطط معني بتوفير اللقاحات للدول المنخفضة الدخل بدعم من منظمة الصحة العالمية- حيث يهدف إلى تقديم ملياري لقاح في جميع أنحاء العالم بحلول نهاية عام 2021، واعتبارًا من يونيو 2021، قدم البرنامج 82 مليون لقاح في 129 دولة.
ومثلت تلك الاستجابة بين المهنيين الطبيين قوة دعم هائلة. ووصفتها «جينيفر نوزو»، من مركز «جونز هوبكنز للأمن الصحي»، بأنها «تطور غير عادي»، وأضافت أن هذه الخطوة «تُرسل إشارة عميقة من حيث التزام الولايات المتحدة بالأمن الصحي العالمي والاستعداد للمساعدة في دحر هذا الوباء في العالم». ومع ذلك، لم يقتنع الجميع تمامًا بحجم تلك المُشاركة، ووصفها «توماس بوليكي»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، بأنها «ذات مغزى»، ولكن «العدد غير كافٍ بحد ذاته».
وبمجرد أن بدأت المناقشات الأولى في العاشر من يونيو؛ كان التطور الرئيسي، هو مراجعة ميثاق الأطلسي بواسطة «جونسون»، و«بايدن». وفي حين أن اتفاقية عام 1941 الأصلية حددت شكل عالم ما بعد الحرب، فإن تحديث الاتفاقية لعام 2021؛ يهدف إلى إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المشترك بالدفاع عن الديمقراطيات الليبرالية في وقت تتحدى فيه الأنظمة الاستبدادية مكانتهما الدولية. ووفقًا لشبكة «سكاي نيوز»، فبالإضافة إلى إعادة استئناف السفر الآمن، وتخفيف النزاعات التجارية بشأن التعريفات، سيقلل الميثاق الجديد أيضًا من الحواجز أمام شركات التكنولوجيا البريطانية للعمل مع نظرائها الأمريكيين على صعيد الأمن السيبراني».
من ناحية أخرى، فإن الميثاق الجديد يعد علامة على تمتع «بايدن»، و«جونسون»، بعلاقات شخصية أكثر ودية مما كان متوقعًا. وأوضح كل من «ديفيد سانجر»، و«مايكل شير» في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «الزعيمين كشفا النقاب عن الميثاق الجديد، الذي يهدف إلى تركيز انتباه العالم على التهديدات الناجمة عن الهجمات الإلكترونية، ووباء كوفيد 19، مرورا بقضية تغير المناخ، من خلال التركيز على نهج يؤكد تعزيز حلف الناتو والمؤسسات الدولية؛ وهو النهج الذي يأمل بايدن أن يوضح من خلاله أن عهد ترامب المتمثل في نهج «أمريكا أولاً»، قد ولى إلى غير رجعة، كما أنهما سعيا بوضوح إلى الاقتداء بنهج تشرشل، وروزفلت».
ووفقا للعديد من المحللين، فإن الميثاق الجديد، وخطاب بايدن قبل القمة «لحشد الديمقراطيات في العالم»، لا يعني عدم وجود اختلافات جوهرية بين واشنطن ولندن في الشؤون الدولية. وعلى وجه الخصوص، كانت مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحالة أيرلندا الشمالية، مصدر تحذير من «بايدن»، من أن البرلمان البريطاني يجب أن يبذل قصارى جهده لتجنب انتهاك «اتفاق الجمعة العظيمة»، أو ما يعرف باتفاق بلفاست لعام 1998. ومع ذلك، فبمجرد أن التقى كل من «بايدن»، و«جونسون»، لم يتم التطرق إلى الخلافات الدائرة حول البريكست، واكتفى الزعيمان بالإشارة إلى أنهما، «على وفاق تام»، بشأن مسألة الحفاظ على السلام في إيرلندا الشمالية. ومن جانبها، أشارت «بيث ريجبي»، من شبكة «سكاي نيوز»، إلى أن البيان المشترك الصادر في نهاية قمة مجموعة السبع كان «محايدًا بشكل مدروس».
علاوة على ذلك، ففي ظل الخلافات الداخلية بين أعضاء مجموعة السبع، بسبب السياسات التجارية والملف الإيراني؛ تعرضت المجموعة لمزيد من الانتقادات في فترة ما قبل انعقادها. وتم تسليط الضوء على عدم أهميتها الواضحة مقارنة بمجموعة العشرين، ولا سيما أنها تبدو كما لو كانت «أثرًا خالدًا للحرب الباردة، بدلاً من أن تظهر كمؤسسة ديمقراطية رائدة على الصعيد الدولي». وفي عام 2018، كتب كل من «جيم أونيل» و«أليسيو تيرزي»، من «معهد الأبحاث الأوروبي»، أن «مجموعة السبع في صيغتها الحالية، لم يعد لديها سبب للوجود والاستمرار، ويجب استبدالها بمجموعة أكثر تمثيلاً لأطراف متعددة». وترى قناة «أي تي في نيوز»، أنها باتت «مدعاة للنقد بسبب نخبويتها وقلة عدد أعضائها».
وعلى أثر سيطرة فكرة أن «مجموعة السبع»، قد عفا عليها الزمن، وبحاجة إلى إصلاح؛ أصدر مسؤولون دبلوماسيون وأكاديميون سابقون أفكارًا ورؤى جديدة حول كيفية تنشيطها وتفعيل دورها ثانية. ففي عام 2008، تم اقتراح إجراء إصلاح عليها، يعد أبرز عناصره التحول إلى مجموعة الديمقراطيات العشر الرائدة؛ حيث تتوسع بإضافة عضوية كوريا الجنوبية، وأستراليا، وإما الهند أو الاتحاد الأوروبي، وهو المقترح الذي طرحه «آش جاين»، و«ديفيد جوردون» من فريق تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية آنذاك. وفي مقال بمجلة «ذا هيل»، مؤخرا، أعاد كلاهما التأكيد على حجتهما بأن «الولايات المتحدة وحلفاءها بحاجة إلى طرق جديدة لتعزيز التعاون بين كافة الأطراف الدولية»، كي يتمكنوا من تحقيق أهدافهم ومصالحهم بنجاح، وأن مجموعة الديمقراطيات العشر الرائدة سوف تعكس الأهمية المتزايدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال ضمان وجود الحلفاء المؤثرين بها على الطاولة».
وفي حين تبنى «المجلس الأطلسي»، فكرة التحول إلى مجموعة الديمقراطيات العشر الرائدة؛ تبنى «مجلس العلاقات الخارجية»، فكرة مشابهة، وهي وجود «وفاق القوى الجديد»The New Concert of Powers»، والتي تشبه «الوفاق الأوروبي»Concert of Europe« في القرن التاسع عشر، وذلك لتحقيق نوع من التوازن بين القوى العظمى أشباه الولايات المتحدة، والهند، واليابان، والاتحاد الأوروبي وبين والصين وروسيا».
ولعل ما يعكس هذه الديناميكية الجديدة، هو دعوة بريطانيا، كونها كانت مقرا لقمة مجموعة السبع الأخيرة، رؤساء كوريا الجنوبية، وجنوب إفريقيا، وكذلك رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى المشاركة في محادثات القمة». علاوة على ذلك، تدعم المجموعة خطة «بايدن» لتقوية وجود كتلة مناهضة للصين مكونة من الديمقراطيات الليبرالية لمواجهة التهديدات المنبثقة من كل من بكين وموسكو. وفي هذا الصدد، يقول «بير»، إن بايدن «يأتي ليقول لأوروبا أن تتعاون معًا في السباق القادم للسيطرة على العالم والتصدي لبكين».
وكما ذُكر سابقًا، فإن لقاء بايدن مع القادة الآخرين في «مجموعة السبع»، هو مجرد لقاء ضمن مناقشات عديدة مع قادة العالم، مثل الملكة إليزابيث الثانية، وقادة الناتو، والرئيس التركي، أردوغان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فيما وصفته صحيفة «واشنطن بوست»، بأنه «الحدث الرئيسي» في جولة بايدن بأكملها».
على العموم، على الرغم من أن القضايا المطروحة للمناقشات خلال قمة مجموعة السبع في يونيو 2021، مثل جائحة الفيروس التاجي، والتعاون الاقتصادي، والدفاع عن الديمقراطية الليبرالية، هي بلا شك مهمة للغاية، فإن التركيز الأهم كان على جو المناقشات الجيد، مقارنة بالمناسبات السابقة التي طغت فيها النبرة التشاؤمية لدونالد ترامب وعناده أمام إحراز أي تعاون دولي مشترك.
وعليه، فإن الأهمية الحقيقية للقمة، تكمن في أنها مثلت بحق بداية جديدة للتعاون العالمي بين أكبر الديمقراطيات الليبرالية وأكثرها نفوذا في العالم، فضلا عن أن مجموعة الدول الصناعية السبع التي طالما قاومت التغيير منذ التسعينيات، قد تقبل قريبًا أعضاءً جددا بداخلها.