30/6/2021
نتائج قمة بايدن – بوتين.. وردود الأفعال الغربية
التقى جو بايدن مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة كرئيس للولايات المتحدة يوم الأربعاء 16 يونيو، وفي حين أن الاجتماعات الأولى الشهيرة بين الأمريكيين والروس، مثل الاجتماعات بين جون إف كينيدي ونيكيتا خروتشوف في يونيو 1961، وبين رونالد ريجان وميخائيل جورباتشوف في نوفمبر 1985، قد دخلت التاريخ على أنها لحظات حاسمة في تحديد العلاقات بين القوتين العظميين، سيكون من المنصف القول إن القمة في جنيف في يونيو 2021 تمثل أكثر من مجرد إعادة ضبط الوضع السابق بين موسكو وواشنطن، بعد أربع سنوات من الارتباك بفترة دونالد ترامب.
تعد القمة الاجتماع الرئيسي ضمن جولة بايدن الرئاسية الأولى في أوروبا، والتي جرت بعد أن التقى بقادة من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، حيث أتاح الاجتماع الفرصة الأولى لبايدن لتحديد نهجه الدبلوماسي الخاص ضد أحد المنافسين العالميين للولايات المتحدة الأمريكية.
كانت تفاصيل المناقشات، وخاصة محادثات بايدن الشخصية الفردية مع بوتين، تحت حراسة مشددة، على الرغم من أن العديد من نقاط الحديث في القمة كانت معروفة جيدًا مسبقًا، بما في ذلك معارضة الولايات المتحدة لخط أنابيب نورد ستريم 2 الروسي مع أوروبا، مما يثير القلق بشأن العدوان الروسي على حلف شمال الأطلسي، وتفسير حدوث الهجمات الإلكترونية الضارة على الولايات المتحدة التي يُزعَم أن موسكو هي التي دبرتها.
ربما كان أهم عنصر في القمة بالنسبة للمحللين هو كيفية إجرائها؛ فلم تتحول المحادثات لتصبح متوترة أو تصادمية بشكل علني، وذلك نظرًا للإدارة الدقيقة لإجراءاتها من قِبَل الأمريكيين الحاضرين، وقد أشار ديفيد إي سانجر ومايكل دي. شير وأنتون ترويانوفسكي، من صحيفة نيويورك تايمز، في تحليلهم، إلى أن الزعيمين لم «يتركا الانطباع بأنهما كانا يحاولان التعرف على بعضهما البعض، حيث تم إجراء الاجتماع بحذر شديد؛ لتجنب إظهار وجود صداقة بينهما». وتأكيدًا على ذلك، كانت جميع اجتماعات القمة رسمية بطبيعتها، وانتهت المناقشات قبل ساعة من الموعد المخطط لها.
وتعد الاحترافية المتعمدة في إدارة المناقشات من قِبَل الحكومة الأمريكية مؤشرًا واضحًا على أن نهج بايدن تجاه روسيا سيكون مختلفًا إلى حد كبير عن نهج الرئيس السابق. وقد سلّط روبين ديكسون، من صحيفة واشنطن بوست، الضوء على «الطابع العملي» للقمة، في تناقض حاد مع الاجتماع السابق بين الرئيس الأمريكي السابق وبوتين، الذي استضافته هلسنكي في عام 2018. بينما أشارت كاثرين فيليب، من صحيفة التايمز، إلى أنه «تم الترتيب لكل شيء في قمة بايدن مع الرئيس بوتين لتجنب أي أصداء لمقابلة الرئيس السابق الكارثية في فنلندا»، حيث اختار ترامب الوقوف إلى جانب الزعيم الروسي بدلاً من وكالات استخباراته بشأن التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. وفي ضوء هذه اللهجة الجديدة من واشنطن، أعلن لوك هاردينج، من صحيفة الجارديان، بشكل قاطع أن «عصر ترامب الغريب الذي لا يمكن التنبؤ بأحداثه قد انتهى».
ونظرًا لأن تفاصيل المناقشة بينهما غير معروفة، فقد رأى المعلقون أنه لم يتم الاتفاق في النهاية بين الأمريكيين والروس إلا على نقاط قليلة، وذكرت شبكة بي بي سي أنه على الرغم من إشادة الزعيمين بالمحادثات إلا أن المفاوضات «أحرزت تقدمًا ملموسًا ضئيلًا»، وفقًا لهاردينج، تعتبر القضية الوحيدة التي تم إحراز تقدم بشأنها علنًا كانت تتعلق بالولايات المتحدة وروسيا على حد سواء، وهي الموافقة على المشاورات المستقبلية بشأن معاهدة ستارت الثالثة النووية.
وفي ضوء عدم وجود تأثير كبير على المواقف الدولية لروسيا عقب ما تم الاتفاق عليه في جنيف، اعتبر العديد من المحللين أن القمة تعد انتصارًا دبلوماسيًّا لفلاديمير بوتين، حيث إنه، وفقًا لروبين ديكسون، سافر إلى الاجتماع «دون أن يخسر شيئًا، وعاد إلى بلده مع كل ما يريده تقريبًا». وانتقد جاري كاسباروف، بطل الشطرنج السابق والرئيس الحالي لمبادرة تجديد الديمقراطية، انعقاد القمة، بحجة أن بوتين قد استفاد منها لأن «الحكام المستبدين يحبون الأحداث التي تضعهم على قدم المساواة مع القادة الديمقراطيين، وتعتبر المحادثات الفردية مع رئيس الولايات المتحدة هي أكثر الجوائز المرغوبة على الإطلاق لبوتين».
علاوة على ذلك، عكست الصحافة الروسية مدى رضاها عن سياسات الرئيس الأمريكي، وتحوّلت من كونها معادية له إلى داعمة لتكتيكاته التفاوضية الحثيثة بعد انتهاء القمة، لدرجة أنها وصفته بـالقيادي «المنصف» و«البنّاء» على حد سواء، ولعل هذا الرضا والدعم لا يرتكز في المقام الأول على قدرة الأخير على تحسين العلاقات، ولكن هذه الحالة من الرضا التي تعتري وسائل الإعلام الروسية لبايدن تعود في الأصل إلى أنهم لا يرونه الآن منافسًا أو مناهضًا قويًّا لخطط السياسة الخارجية لموسكو.
وقد تباينت تحليلات المعلقين والخبراء الغربيين بشدة بشأن ما إذا كان بايدن قد نجح حقًّا في قمة جنيف؛ حيث إنه بعد انتهاء القمة، قال الرئيس الأمريكي للصحفيين إنه «فعل ما جاء من أجله» من خلال وضع سلسلة من الخطوط الحمراء للرئيس الروسي لعدم تجاوزها، وكشف عن تسليمه لنظيره الروسي قائمة من 16 نموذجًا من «البنية التحتية الحيوية» التي تعتبر «محظورة» على الهجمات الإلكترونية الروسية، وبالتالي إذا تم المساس بها فيمكن لواشنطن الرد المباشر على مثل هذه الهجمات في النهاية.
ومع ذلك، جادل روجر بويز، من صحيفة التايمز البريطانية، بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان «ساذجًا» خلال محادثاته مع بوتين، وأن قمة جنيف تمثل «فعلًا حالة أشبه بالتهدئة» مع الجانب الروسي، في حين أن ريبيكا هاينريش، الزميلة البحثية في معهد هدسون، أوضحت أن معارضة بايدن غير الحازمة لخط أنابيب نورد ستريم 2 خلال انعقاد القمة أظهرت أنه «لن يتصدى بحزم ضد بوتين» خلال الفترة المقبلة. وعلاوة على ذلك، علق «ماكس بيرجمان»، من مركز التقدم الأمريكي، بأن «إدارة بايدن لن تحبس أنفاسها أو أن تقف صامتة» بشأن أي تغير من جانب بوتين لما تمت مناقشته في جنيف.
ومع ذلك، كان هناك الكثير من الثناء لـ بايدن، خاصة فيما يتعلق باستخدامه للدبلوماسية الحذرة والحنكة السياسية لمواجهة بوتين؛ حيث وصف جيه بريان أتوود، الباحث الزائر في معهد واتسون بجامعة براون ووكيل وزارة الخارجية السابق خلال إدارة كلينتون، تكتيكات قمة بايدن بأنها «تتسم بالدبلوماسية»؛ لأنها «وضعت آلية للحوار المستقبلي مع الروس» كما سمحت لبايدن بتسليط الضوء على اعتراضات واشنطن على الخطورة التي تمثلها الهجمات الإلكترونية والتهديدات التي تستهدف حلف الناتو والتوترات الموجودة في منطقة القطب الشمالي، فضلاً عن الاعتراض على طريقة معاملة زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني. وأضاف أتوود أنه على الرغم من عدم معرفة الآثار طويلة المدى لهذه القمة بعد، «لكن ما هو واضح من القمة في جنيف أنه لم تكن هناك نتائج حقيقية وقتية تم إنجازها من وراء استخدام السياسة الدبلوماسية الفعالة».
واتفق مع ذلك كاتب العمود والمؤرخ في واشنطن بوست الأمريكية «ماكس بوت»، مشيرا إلى أن بايدن «مسح ابتسامة الغرور من على وجه بوتين» بأهدافه «المتواضعة» المتمثلة في «مزيد من الاستقرار والقدرة على ضبط تحركات الكرملين المثيرة للجدل»، وهو الأمر الذي وصفه «بوت» بأنه جعل ردود فعل الرئيس الروسي «خافتة وبعيدة عن أي شعور بالانتصار والغطرسة» خلال المؤتمرات الصحفية التي شهدتها القمة. ومن جانبه أيضًا، يرى مدير مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي «جون هيربست»، أن القمة ذاتها تعتبر «تنازلاً من الكرملين»؛ لأن «أداء بايدن في جنيف يجب أن يمنح الطمأنينة» للبلدان القريبة من روسيا المهددة بالفعل من قِبَل أفعالها العدائية.
ولعل الانتقادات الموجهة إلى اللهجة التي اعتمدها الرئيس الأمريكي وقوتها ضد تصرفات بوتين الدولية، قادت إلى استنتاجات نهائية من قِبَل العديد من المحللين بشأن أن القمة نفسها لن تكون كافية للحكم بشكل فعال على مسار العلاقات الدبلوماسية الأمريكية الروسية خلال الأربع سنوات القادمة. وأشار الباحث ستيفن بيفر، في معهد بروكينجز الأمريكي، إلى أن «من السابق لأوانه معرفة ذلك»، بينما خلص هيربست إلى أنه «بينما تمتع بوتين بميزة الخروج بصورة القوي من قمة جنيف، فإن اللعبة الحقيقية قادمة خلال الأيام المقبلة.
ومع ذلك، هناك أيضًا توقع بأن الأسلوب الدبلوماسي لبايدن في نهاية المطاف سيتعين عليه أن يفسح المجال أمامه ليصبح أكثر تشددًا مع بوتين. وقد أوضح كاسباروف أنه إذا فشلت الولايات المتحدة في الرد على أي عدوان روسي مستقبلي، فإن «بوتين سيقتنع بأن بايدن هو نمر من ورق أمريكي آخر»، وفي حين أن «الكلمات والتعهدات سهلة»، فإن «العمل والالتزام بها صعب في الوقت ذاته». ومن جانبه أوضح «جون سوبيل»، مراسل بي بي سي، أن «السيد بوتين سيختبر في النهاية» «حدود» بايدن، ومن ثم «سيتعين على الرئيس الأمريكي في النهاية أن يقرر كيف سيرد عليه حال تجاوزه الخطوط الحمراء المتفق عليها».
في النهاية يمكن القول إنه في حين أن قمة جنيف بين جو بايدن وفلاديمير بوتين كانت بداية جديدة متفائلة ومهنية للعلاقات الأمريكية الروسية، فمن الواضح أيضا أن تلك القمة لن تمثل سوى حلقة أولى من العديد من اللقاءات المقرر انعقادها بين موسكو وواشنطن أثناء وجودهما في السلطة.