6/7/2021
دعم غربي لمحاربة «داعش» في الشرق الأوسط وإفريقيا
على الرغم من إعلان الولايات المتحدة وحلفائها الانتصار العسكري على داعش في العراق وسوريا عام 2019، إلا أن التطورات الأخيرة المقلقة المتعلقة بالتنظيم الإرهابي أظهرت أن الحرب ضد تدعيمه وإيديولوجيته لم تنته بعد. وفي ظل غياب قاعدة قوة أساسية في الشرق الأوسط، يبدو الآن أن الاهتمام به قد تحول إلى أجزاء معينة من إفريقيا، حيث تمكن الإرهابيون من الاستفادة من عدم الاستقرار والانقسامات هناك.
وإدراكًا لتناقص تهديدات داعش في الشرق الأوسط -وإن كانت لا تزال قائمة- فضلاً عن التهديدات المتزايدة في إفريقيا، اجتمع في روما، يوم 28 يونيو 2021، ممثلو الدول الأعضاء في «التحالف الدولي لهزيمة داعش»، الذي تم إنشاؤه في ديسمبر 2015؛ لمناقشة الإجراءات الجارية والمستقبلية لهزيمة التنظيم سياسيا وعسكريا.
استضاف الاجتماع بشكل مشترك وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن»، ووزير الخارجية الإيطالي، «لويجي دي مايو». وتعد هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها أعضاء التحالف شخصيًا منذ نوفمبر 2019، أي قبل انتشار جائحة كورونا. فيما تناولت المحادثات عددا من القضايا ذات الصلة، وهي، استمرار الجهود لمحاربة بقايا التنظيم في سوريا والعراق، ووضع الآلاف من مؤيديه ومقاتليه المحتجزين في معسكرات الاعتقال، وإمكانية إعادة هؤلاء الأشخاص إلى أوطانهم أو سجنهم أو إعادة تأهيلهم، وجهود مكافحة انتشار داعش عبر أجزاء من إفريقيا.
في المقام الأول، أعاد ممثلو التحالف الدولي التأكيد على التزاماتهم المشتركة بالقضاء على داعش كتهديد أمني للشرق الأوسط، لا سيما في سوريا والعراق. وشدد بيان مشترك لوزراء الخارجية الدول الأعضاء على أن جميع الدول تظل «ملتزمة بتعزيز التعاون لضمان عدم قدرة التنظيم والهيئات التابعة له على إعادة تشكيل أي جيب إقليمي، أو الاستمرار في تهديد أوطاننا وشعبنا ومصالحنا».
من جانبه، أشاد «بلينكن»، بـ«الإنجازات الكبيرة» للتحالف الدولي في محاربة داعش، مشيرا إلى أن «انتقال المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق قد توقف فعلياً». ومع ذلك، أدرك أن الهزيمة الكاملة له ليست مجرد مسألة عسكرية، بل ضرورة سياسية أيضًا، مؤكدا أنه «لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به». ووفقًا لـ«جون فولين» من وكالة «بلومبرج»، تحدث وزير الخارجية الأمريكي، أيضًا عن الحاجة إلى «مساعدة الاستقرار» في سوريا والعراق؛ «لضمان عدم عودة ظهور التنظيم في هذين البلدين». وكجزء من ذلك، أعلن عن خطط لتقديم 436 مليون دولار أخرى من المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين.
وفي السياق ذاته، أكد وزير الخارجية البريطاني، «دومينيك راب»، أن «المملكة المتحدة ستحتفظ بقوات منتشرة لدعم العمليات في سوريا والعراق»، وأنها «ستواصل قيادة جهود التحالف لتدمير وتعطيل دعاية داعش، وتقويض جهودهم الرامية إلى التجنيد والتحريض على الهجمات».
وكانت قضية إعادة المقاتلين أو أتباع داعش المحتجزين حاليًا في معسكرات الأسرى في سوريا والعراق أو سجنهم، أو إعادة تأهيلهم من أهم القضايا التي تناولها الاجتماع، وخاصة مع وجود ضغوط شعبية كبيرة على الحكومات الغربية لعدم السماح بعودتهم إلى بلدانهم الأصلية؛ نظرًا للمخاطر الأمنية الكبيرة التي قد تترتب على ذلك، وخاصة إذا لم يتم سجنهم. ووفقًا لإذاعة «صوت أمريكا»، هناك ما يصل إلى 10.000 مقاتل من داعش، بما في ذلك حوالي 2000 مقاتل أجنبي، وهم محتجزون حاليًا من قبل القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال سوريا وحده.
وفي ضوء هذه الأرقام، عمدت إدارة «بايدن»، إلى زيادة الضغط على الحكومتين البريطانية، والفرنسية لإعادة أعضاء داعش. وفيما يتعلق باحتجاز مقاتلي التنظيم السابقين في سوريا والعراق، وصف «بلينكن»، هذا بأنه «ببساطة لا يمكن الدفاع عنه، كخيار طويل الأمد»، فضلًا عن كونه خيارا «لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى». ولهذا السبب، حث حلفاء الولايات المتحدة على «إعادة مواطنيها وإعادة تأهيلهم ومقاضاتهم عند الضرورة».
وتزعم الولايات المتحدة أنها أعادت 28 شخصًا من سوريا، منهم 12 بالغًا و16 طفلاً. ومن بين هؤلاء، حوكم 10 بالغين؛ لارتكابهم جرائم إرهابية. وتأكيدًا لحجته السابقة، أشاد وزير الخارجية الأمريكي خلال الاجتماع، بإيطاليا؛ لإعادة أتباع داعش السابقين، وكذلك بدولة كازاخستان بآسيا الوسطى، والتي أعادت 600 مقاتل وأفراد عائلاتهم وأدخلتهم في برامج إعادة التأهيل.
وتتركز الحُجة الأمريكية الأساسية لضرورة إعادة الدول الأوروبية أعضاء داعش السابقين إلى الوطن، في تنامي الراديكالية والتطرف داخل معسكرات الأسرى بسوريا والعراق. وفي ندوة عبر الإنترنت مع «معهد أمريكان إنتربرايز» في أبريل 2021، حذر الجنرال «كينيث ماكنزي»، قائد القيادة المركزية الأمريكية من أن الأطفال في معسكرات الأسرى «يتحولون إلى التطرف»، وأنه ما لم يتم إعادتهم إلى الوطن وتخليصهم من الأفكار المتطرفة «فنحن بذلك نمنح أنفسنا هدية من المقاتلين في الطريق خلال خمس إلى سبع سنوات، وهذه مشكلة عميقة». وخلص إلى القول: «ستكون مشكلة عسكرية في غضون سنوات قليلة إذا لم نعالج الجوانب غير العسكرية لها الآن».
ووفقًا لـ«باتريك وينتور»، من صحيفة «الجارديان»، فإن كلاً من فرنسا والمملكة المتحدة مترددان بشكل غير مفاجئ في إعادة مقاتلي داعش وأتباعهم السابقين إلى أوطانهم؛ بسبب «خشيتهم من أن تطلب المحاكم منحهم حريتهم؛ وبالتالي إلقاء المزيد من العبء على كاهل أجهزة المخابرات». ففي بريطانيا، أظهرت قضية «شميمة بيجوم»، مدى توجس كل من الرأي العام والحكومة في السماح لأتباع داعش السابقين بالعودة إلى وطنهم الأصلي.
وكانت «بيجوم»، قد جردت من جنسيتها البريطانية عام 2019 لأسباب أمنية جنبًا إلى جنب مع 18 بريطانيًا بالغًا تم اعتقالهم لدعمهم داعش أو قتالهم في سوريا. وزعم «بيتر جالبريث»، الدبلوماسي الأمريكي السابق أن بيجوم، «قد تبرأت تمامًا من التنظيم»، بيد أنه اعترف كذلك، أنه من الأفضل للحكومات الغربية أن «تلتزم جانب الحذر». بالنظر إلى أنه في وقت سحب الجنسية من بيجوم، أيد 78% من البريطانيين هذه الخطوة، فمن ثم لا يوجد دليل ملموس على وجود أي بادرة من الدعم العام لتحفيز الحكومة على إعادة الأفراد الذين سافروا عن قصد إلى الخارج للانخراط في منظمة إرهابية دولية.
وبعيدًا عن سوريا والعراق، تمثلت القضية الأكثر إلحاحا في تسلل داعش إلى إفريقيا. وأوضح «بلينكن»، أن «ضمان هزيمة داعش بشكل نهائي يعني أيضًا مواجهة تهديدات داعش بشكل فعال خارج العراق وسوريا، في الأماكن التي ركزت فيها جهودها مؤخرًا»، وخاصة فيما يتعلق بالعديد من الدول الإفريقية، التي وصفها بأنها تقبع «في الخطوط الأمامية لتهديد التنظيم». كما أشار «لويجي دي مايو»، إلى أنه «حتى لو ظل تهديد داعش في كل من العراق وسوريا أمرا رئيسيًا ينبغي للتحالف الدولي المناهض له مواجهته في تلك المنطقة تحديدًا، فلا يمكننا تجنب معالجة تداعيات مثل هذا التهديد خاصة في إفريقيا، التي يعد استقرارها أمرًا حاسمًا للقارة الأوروبية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
وبشكل أوسع، حذر وزير الخارجية الإيطالي، من أننا «نخشى توسع وانتشار داعش في القارة الإفريقية»، وأنه «ربما لا نرى أن عددًا من الخلايا الإرهابية بدأ يزداد في مناطق مثل الساحل (بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر) في الوقت الراهن، لكن من الواضح أن طرق الهجرة الرئيسية أمام تلك الخلايا المحتمل ظهورها في المستقبل مفتوحة للوصول إلى الدول الأوروبية». وفي مارس 2021، ذكرت صحيفة «الإندبندنت»، أن الهجمات الإرهابية الدولية التي شنها داعش ارتفعت بمقدار الثلث في 2020 بالمقارنة مع الأعوام السابقة».
وخلال الاجتماع، تعهدت بريطانيا بالمساعدة في محاربة داعش في إفريقيا، وأعلن وزير خارجيتها «دومينيك راب»، أنها رصدت مبلغ 12.6 مليون جنيه إسترليني للمساعدة في محاربة التنظيم في دول حوض بحيرة تشاد، التي تضم أجزاء من دول كل من تشاد، النيجر، ونيجيريا، والكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى. وفي هذا الصدد، صرح بأنه «يجب علينا ضمان عدم وجود ملاذات آمنة لداعش».
واستنادًا إلى تعزيز عمل التحالف الدولي في القارة الإفريقية، أشار المعلقون الغربيون إلى ضرورة دعم وجود فريق عمل، أو قوة مشتركة للعمل على الأرض بنفس الطريقة التي تم فيها تشكيل التحالف الدولي لمحاربة التنظيم في مناطق الشرق الأوسط الأكثر توترًا. وأفاد «جيف سيلدين»، من «إذاعة صوت أمريكا»، أن القوى الغربية «تدعم خطط فرقة عمل أو قوة مشتركة»، كما تحدث «بلينكن»، نفسه عن وجود «إجماع قوي» على هذه الفكرة.
وانطلاقًا من تقييمها مثل هذه الخطوة، لاحظت «إميلي إستيل»، من «معهد أمريكان إنتربرايز»، أن فريق العمل أو القوة المشتركة المقترحة أن «تنسق هذا الأمر يبدو أنه لا يزال في مراحله الأولى في الوقت الذي نجد فيه «الظروف على الأرض تتدهور بسرعة غير مسبوقة»، مع وجود فجوة هائلة في الجهد والعداد أمام مضي الوقت بصورة قد تسمح لداعش والجماعات الأخرى بالعودة مجددًا إلى ما كانت عليه بعد كل خسائرها العسكرية».
ويبقى واضحًا أن تسلل داعش إلى إفريقيا ليس بالظاهرة الجديدة، فقد كان يمثل خطرًا جسيمًا بشكل متزايد لعدة سنوات، وهنا يمكن التأكيد أن التحالف الدولي لمحاربة داعش لطاما كان يتصرف بجدية بعد فوات الأوان. وبدوره، علق «جايسون وارنر»، من «مركز مكافحة الإرهاب بالأكاديمية العسكرية الأمريكية»، (ويست بوينت)، أن «وجود داعش في إفريقيا كان واضحًا وينمو باطراد، وربما كان هناك تضاؤل للقوة الرئيسية لداعش في الماضي»، لكن الآن «يمكن القول إن التهديدات في ذروتها».
وإلى جانب إفريقيا، كانت هناك منطقة أخرى مثيرة للقلق، وهي تسلل داعش إلى أفغانستان، حيث «أعرب التحالف الدولي عن قلقه» بشأن احتمال أن تستغل الجماعة الإرهابية في المستقبل حالة عدم الاستقرار المستمرة والانسحاب العلني للقوات الأمريكية من البلاد. وانعكاسًا لذلك، حذر وزير الدفاع الأمريكي، «لويد أوستن»، في وقت سابق من يونيو 2021 من خطر «تجدد ظهور» الجماعات المرتبطة بداعش في أفغانستان بعد هزيمتها في كل من سوريا والعراق.
على العموم، أعاد اجتماع روما لوزراء خارجية أعضاء التحالف الدولي لهزيمة داعش تأكيد التزام العديد من الدول بتدمير مقاتلي التنظيم الإرهابي ومعالم قوته في المناطق الجديدة التي ظهر بها في الداخل الإفريقي، وخاصة منطقة الساحل، بعد أن نجحوا في القضاء عليه في كل من العراق وسوريا. وبالتالي، من الواضح أن هناك مزيدا من العمل الذي يتعين القيام به مرة أخرى من خلال إجراءات متضافرة ومدروسة من قبل التحالف الدولي.
ولعل الفشل في معالجة التهديدات الأمنية في الوقت الراهن والمنبثقة من التنظيم المتمركز في المناطق الإفريقية يمكن أن يكون له نتائج مروعة حقًا على الأمن الدولي، وخضوع مئات الآلاف من الأشخاص لحكم داعش البربري.