13/7/2021
أهمية التضامن العربي مع مصر والسودان في قضية سد النهضة
اتخذت المجموعة العربية في الأمم المتحدة موقفًا موحدًا، يتبنّى المطالب المصرية والسودانية، وهو ما يعد أهم عوامل الضغط على الطرف الإثيوبي في قضية سد النهضة، لعمق وتشعُّب العلاقات الإثيوبية العربية، وتذكر إثيوبيا أن السعودية والإمارات هما من أنهى النزاع الطويل بينها وبين إريتريا، كما تذكر عمق مصالحها الاقتصادية مع الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج، والأمل ألا تغامر إثيوبيا بإغضاب هذا التجمع العربي.
وينتظر الشعب الإثيوبي الرخاء الذي وعدته به الحكومة الإثيوبية من هذا السد، ولا يجد هذا الرخاء في المياه، فهي متوافرة لديه بكثرة؛ إذ يهبط على الهضبة الإثيوبية كل عام نحو تريليون متر مكعب من مياه الأمطار، حتى أن إثيوبيا معروفة بأنها نافورة إفريقيا، ولكنه يجد هذا الرخاء في الحصول على الكهرباء، حيث إن نحو 60% من سكان إثيوبيا محرومون منها، ولا توجد لدى إثيوبيا مصادر للوقود الأحفوري، ولكن يمكنها الحصول على الكهرباء من خلال مشروعات السدود على الأنهار العديدة التي تجري في أراضيها، وإشكالية سد النهضة أنه مقام على النيل الأزرق الرافد الرئيسي لنهر النيل الذي تعتمد عليه السودان ومصر.
وكان مجلس جامعة الدول العربية قد تناول موضوع سد النهضة في دورته العادية رقم 153 على المستوى الوزاري في 4 مارس 2020، ودورته غير العادية في 23 يونيو 2020، إلا أن القرار الذي ذهبت به المجموعة العربية إلى مجلس الأمن يوم 8 يوليو 2021، كان من الدورة غير العادية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري المنعقد في الدوحة بتاريخ 15 يونيو 2021، بعد أن استمع إلى إحاطة مقدمة من مصر والسودان بشأن المستجدات ذات الصلة بهذا الملف، ونتائج جولات المفاوضات التي عقدت برعاية الاتحاد الإفريقي، بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لقواعد الملء والتشغيل.
وقدّر مجلس الجامعة الجهود التي بذلتها دولة جنوب إفريقيا ودولة الكونجو الديمقراطية، من أجل التوصل إلى تسوية عادلة لهذه القضية، وأكد أن الأمن المائي لمصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وأعرب عن القلق إزاء تعسر المفاوضات، وإزاء ما أعلنته إثيوبيا الاستمرار في ملء خزان سد النهضة في موسم الأمطار الحالي بشكل أحادي يخالف قواعد القانون الدولي، كما يخالف إعلان المبادئ المبرم في الخرطوم بين مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2015، ويتسبب في إلحاق الضرر بالمصالح المائية في مصر والسودان، وبناء عليه يطالب مجلس جامعة الدول العربية إثيوبيا بالامتناع عن إجراءات ملء خزان السد قبل التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل.
وإذ أخذ مجلس الجامعة العربية العلم بتوجه مصر والسودان إلى مجلس الأمن الدولي، لاتخاذ إجراءات لازمة تضمن إطلاق عملية تفاوضية فعالة، للتوصل إلى اتفاق عادل وملزم قانونًا في إطار زمني محدد يراعي مصالح الدول الثلاث، وطلب المجلس من العضو العربي في مجلس الأمن (تونس) واللجنة المشكّلة من مجلس الجامعة بتاريخ 23 يونيو 2020 لمتابعة تطورات هذا الملف، التي تضم الأردن والسعودية والمغرب والعراق والأمانة العامة.
ونعتقد أن إثيوبيا تدرك أهمية دلالات هذا التحرك العربي دوليًّا في هذه القضية، سواء لجهة العلاقات الإثيوبية العربية، حيث يمكن للتضامن العربي مع مصر والسودان أن يتخذ إجراءات تدريجية قد تخسر فيها إثيوبيا كثيرًا، أو لجهة العلاقات العربية الودية الوثيقة بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ففي اليوم التالي لقرار الجامعة العربية أصدرت الخارجية الإثيوبية بيانًا ترفض فيه قرار مجلس الجامعة دعوة مجلس الأمن الى الانعقاد لبحث الخلاف، مشيرة إلى أنها تمارس حقها المشروع في استخدام مواردها المائية.
وأرسل نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير خارجية إثيوبيا يوم 5 يوليو رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، يعبّر فيها عن خيبة أمل إثيوبيا من الجامعة العربية، لمخاطبتها الأمم المتحدة بشأن مسألة لا تدخل في اختصاصها، متهمًا الجامعة بأنها تدعم بنحو غير مشروط مطالب مصر والسودان، وزعمت أن تدخّل الجامعة يهدر جهود الاتحاد الإفريقي، وكرّرت رغبتها الانخراط في المفاوضات الثلاثية، مع التزامها بإنجاح العملية التفاوضية التي يقودها الاتحاد الإفريقي، ثم صعّدت في 6 يوليو من لهجة اعتراضها على قرار مجلس الجامعة العربية، وزعمت أن تدخُّل الجامعة في الأزمة، وتقديمها خطابًا إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة غير مرحّب فيه.
وقد اتهمت جامعة الدول العربية إثيوبيا بأنها تسعى لدق إسفين في علاقاتها بالاتحاد الإفريقي، والتي وصفتها بالوثيقة، وربطت في ردّها بين دور المنظمتين في حفظ الأمن والسلم الإقليمي، حيث إن أزمة سد النهضة تهدد أيضًا الأمن والسلم في القرن الأفريقي، وهي منطقة تداخل فيها اختصاصات الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، ويعزز كلاهما الآخر فيها.
وبناءً على التحرك العربي قدمت تونس يوم 8 يوليو 2021 لشركائها الـ14 في مجلس الأمن مشروع قرار يطالب أديس أبابا بالتوقف عن ملء خزان سد النهضة، والذي يطالب مصر والسودان وإثيوبيا باستئناف المفاوضات بناءً على طلب كل من رئيس الاتحاد الإفريقي والأمين العام للأمم المتحدة، للتوصل في غضون 6 أشهر إلى نص اتفاقية ملزمة لملء الخزان وإدارته، تضمن لإثيوبيا القدرة على إنتاج الكهرباء من سد النهضة، وفي الوقت نفسه تحول دون إلحاق أضرار بالأمن المائي لدولتي المصب السودان ومصر، ويدعو مشروع القرار من خلال مجلس الأمن الدول الثلاث إلى الامتناع عن إعلان أو إجراء قد يعرّض عملية التفاوض للخطر، ويحض إثيوبيا على الامتناع عن الاستمرار من جانب واحد في ملء خزان سد النهضة.
وقد كثّفت المجموعة العربية اتصالاتها بالدول الأعضاء في المجلس بغية الحصول على توافق يساند هذا المشروع، بتأمين 9 أصوات من أصوات المجلس الـ15، وشمل هذا التحرك العربي لقاءات مع ممثلي الدول دائمة العضوية، ومجموعة الترويكا الإفريقية المكونة من الكونجو الديمقراطية وجنوب إفريقيا والسنغال، والدول الإفريقية الأعضاء في مجلس الأمن إلى جانب تونس وهما كينيا والنيجر.
ودعم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش «الموقف العربي بتصريح أكد فيه عدم القيام بأي عمل أحادي يمكن أن يقوّض البحث عن حلول، لذا من المهم أن يجدد الناس التزامهم بالحوار بنية حسنة في عملية تفاوضية حقيقية»، وحذرت الخارجية الأمريكية من أن قيام إثيوبيا بملء خزان سد النهضة سيزيد التوتر على الأرجح، وحثت جميع الأطراف على الإحجام عن التحركات الأحادية إزاء السد، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «نيد برايس» إن الولايات المتحدة تدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بحل يتم التوصل إليه عن طريق التفاوض، وعيّنت الولايات المتحدة الدبلوماسي «جيفري فيلتمان» مبعوثًا خاصًّا للقرن الأفريقي يقود الجهود الدولية لإنهاء التوتر الناتج عن سد النهضة الإثيوبي.
إن انعقاد مجلس الأمن يوم 8 يوليو 2021 هو استمرار للمسار الذي سلكته مصر والسودان، منذ جلسة المجلس بشأن السد يوم 29 يونيو 2020، فإذا ما مضت 6 أشهر من دون اتفاق تعود السودان ومصر إلى مجلس الأمن ثانية، وهو الذي كان قد دعا الاتحاد الإفريقي إلى رعاية المفاوضات في جلسته العام الماضي، ولكن هذه المرة ينعقد مجلس الأمن بتضامن عربي قوي من دون تحفظ (سبق أن تحفظت جيبوتي والصومال سابقًا) مع المطالب المصرية والسودانية، عبر عنه بوضوح التصريحات العربية خاصة الخليجية.
فقد أكد جلالة الملك حمد بن عيسى في مارس 2020، تضامن مملكة البحرين مع مصر، لضمان حقوقها المشروعة في حصتها من مياه النيل، وأن أمن مصر ركيزة للأمن القومي العربي، وفي مارس 2021 أصدرت الخارجية البحرينية بيانًا أعربت فيه عن تضامنها مع مصر في الحفاظ على أمنها المائي وحماية مصالح شعبها وحقه المشروع في الحياة، ودعمها للجهود المبذولة لحل أزمة سد النهضة، بما يحفظ الحقوق المشروعة لدول مصب نهر النيل وفق القوانين الدولية، وأكد مجلس الوزراء البحريني في أبريل 2021 تضامنه مع مصر والسودان في الحفاظ على أمنهما المائي وضمان استقرارهما.
وشدد بيان المملكة العربية السعودية في 6 يوليو على دعم مصر والسودان ودعوة المجتمع الدولي إلى تحمُّل مسؤوليته إزاء قضية سد النهضة، وتداعياتها على الاستقرار الإقليمي والسلم الدولي، وتكرر مضمون هذا التصريح في بيانات الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
وتدرك إثيوبيا ثقل النفوذ الاقتصادي الخليجي لديها، وإمكانية ربط الاستثمارات الخليجية فيها بمدى ما ستبديه من تجاوب ومرونة في قضية السد، وكان مجلس التعاون الخليجي قد وجّه رسالة قوية بشأن تداعيات سد النهضة على حقوق مصر والسودان المائية، وأعلن وزراء خارجية دول المجلس من خلال اجتماعهم في الرياض في يونيو الماضي رفضهم أي إجراء يمس حقوق مصر والسودان المائية.
تخشى إثيوبيا أن التضامن العربي قد يفقدها فرص الاستثمارات الخليجية، منها تأثر 92 مشروعًا استثماريًّا إماراتيًّا في إثيوبيا منتشرة في قطاعات الزراعة والصناعة والعقارات والرعاية الصحية، وتخشى تأثر حجم تجارتها البالغ 6 مليارات دولار مع السعودية، واستثمارات سعودية تقدر بـ5.2 مليارات دولار في 294 مشروعًا في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني، فضلاً عن القروض والمساعدات المالية التي تحصل عليها من دول الخليج العربية، فضلًا عن حجم العمالية الإثيوبية الكبير في دول الخليج، والتي يتركز معظمها في العمالة المنزلية، حيث تخشى استخدام هذه الأوراق الاقتصادية، والتي تم التلويح باستخدامها في اجتماع مجلس الجامعة العربية في الدوحة.
على العموم يبدو أن التضامن العربي مع مصر والسودان في قضية سد النهضة يمثل استفاقة لهذا التضامن المفقود لفترة طويلة، وهو مما تسببّ في التطاول على العالم العربي، واستباحة أمنه، وتغوُّل الأطراف فيه، واستهانتهم بقدرته، فهل يعود هذا التضامن كما كان في حرب أكتوبر 1973، ليكون مفتاحًا رئيسيا يُعوَّل عليه في حل قضايا العرب؟ إن أكثر ما تخشاه إثيوبيا الآن ليس انعقاد مجلس الأمن بحد ذاته، ولكن عودة التضامن العربي، وهو ما تخشاه إيران أيضًا.