20/7/2021
أمريكا وإدارة شراكات الدفاع وسط منافسة القوى العظمى
بالنظر إلى إعادة تنظيم الولايات المتحدة المُتسارع لوجود أفرادها ومواردها، بعيدًا عن الشرق الأوسط ليتجه نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لمواجهة التحدي المتمثل في التهديد الصيني المتزايد لمكانتها الدولية، وعلى وجه الخصوص، أدى إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، بما في ذلك منطقة الخليج، إلى إثارة قلق المحللين الغربيين؛ حيث لا تزال المخاوف الأمنية كثيرة، خاصة فيما يتعلق بدعم شركاء الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة في الأولويات الأمنية لبلدانهم.
ولمعالجة هذا الأمر، صدر تقرير عن «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، بعنوان «إدارة شراكات الدفاع في الشرق الأوسط وسط منافسة القوى العظمى»، حول كيف يمكن للولايات المتحدة أن تخفف من وجودها المادي إلى جانب الحفاظ على نفوذها الحالي وقدراتها الأمنية في المنطقة، أعده كل من «جرانت روملي»، المتخصص في الشؤون الأمنية بالشرق الأوسط بالمعهد، و«كاثرين ويلبارجر»، زميلة زائرة بالمعهد تركز أبحاثها على سياسة الأمن والدفاع الأمريكية في الشرق الأوسط.
في البداية، أوضح الباحثان أن حكومة الولايات المتحدة «يمكنها مواجهة الانسحاب من المنطقة من خلال فصل التزامها الإقليمي عن عدد الجنود على الأرض وتوجيهه نحو بناء خطط تعاون أمني طويلة المدى»، وأيضًا «بتوضيح سياسات عقوباتها على الدول الصديقة»، مشيرين إلى أنه «عند النظر إلى التزامها الإقليمي على خلفية إعادة مشاركة إيران دبلوماسيا وسحب القوات من أفغانستان؛ فإن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط سيُرى من قبل بعض الشركاء المحليين أنه بمثابة «تخلٍ عن المنطقة»، لكن لحسن الحظ، فإن الولايات المتحدة لديها «تدابير كافية لمواجهة هذه الرواية».
علاوة على ذلك، فإن «الانخفاض في وجود القوات لا يعني بالضرورة انخفاضًا في النفوذ أو الفعالية، حيث ستظل حقيقة مفادها أنه لا يمكن لأي منافس آخر أن يضاهي شبكة العلاقات الدفاعية القوية لواشنطن في المنطقة». ومع ذلك، من أجل «إنهاء الحديث عن رواية الانسحاب الأمريكي من المنطقة»، أوضحا أن إدارة بايدن بحاجة إلى «زيادة جهودها الدبلوماسية على جبهات مختلفة، وكذلك توضيح رسالتها وتقديم التزام دائم؛ لتلبية احتياجات شركائها».
وفيما يتعلق بنشر القوات ووجود المنشآت العسكرية الأمريكية داخل دول الخليج، أوضح «روملي» و«ويلبارجر»، أن الجنرال «كينيث ماكنزي»، قائد القيادة المركزية الأمريكية، قد وضع بالفعل خطة شاملة «لاستكشاف خيارات لقواعد بديلة في المنطقة؛ من أجل تقليل المخاطر التي تشكلها صواريخ كروز والباليستية الإيرانية على القواعد الأمريكية»، وهو أمر يصفانه بأنه «نتيجة ثانوية لسياسة الاحتواء الأمريكية في التسعينيات وغزو العراق في عام 2003». ومن ثم، علقا بأن «نقل القوات الأمريكية إلى قواعد أخرى يقلل من المخاطر الكلية ويزيد من مرونة واشنطن في الاستجابة للتهديدات في مواقع مختلفة».
وبالفعل، يبدو أن هذه العملية قد بدأت. ففي يونيو 2021، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن «إدارة بايدن تقلل بشكل كبير من عدد الأنظمة الأمريكية المضادة للصواريخ في الشرق الأوسط» كجزء من «إعادة تنظيم رئيسية» في المنطقة، مع سحب بطاريات صواريخ «باتريوت» من العراق، والكويت، والسعودية، والأردن، بالإضافة إلى إزالة «أنظمة ثاد» المضادة للصواريخ من المملكة العربية السعودية.
وكمثال على المرونة الأمنية المطلوبة مُستقبلًا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لاحظ الباحثان، كيف جاء رد الولايات المتحدة على هجمات الصواريخ الباليستية الإيرانية عام 2020، حيث «عززت قواتها في العراق لزيادة مرونة الوجود الأمريكي»، وأنه «حتى لو انخفض المستوى العام للقوات، فإن مثل هذه الجهود تُظهر التزاما بتشديد الدفاعات من أجل زيادة طول بقاء واشنطن في المنطقة إلى أقصى حد، ويحتم عليها إرسال رسالة إلى شركائها وخصومها وفقًا لذلك».
من ناحية أخرى، شدد «روملي»، و«ويلبارجر»، على كيفية استمرار الولايات المتحدة في «برامج التدريب العسكري المختلفة» مع حلفائها بالشرق الأوسط، بما في ذلك البرامج المتعلقة بمكافحة الإرهاب «لإثبات أن الالتزام الدائم لا يتطلب وجود قوات كبيرة». وكمثال على ذلك، فإن الأسطول الأمريكي الخامس، يستمر في الإشراف على مهام التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية «آي إم إس سي»؛ لحماية تدفق التجارة عبر مضيق هرمز ضد الاستفزازات الإيرانية، بالإضافة إلى قيامه أيضًا بإجراء مناورات منتظمة بالتعاون مع الحلفاء لمصادرة شحنات الأسلحة غير الشرعية المتجهة إلى المتمردين المدعومين من إيران.
وفيما يتعلق بالإطار الأعم للعلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، بما في ذلك دول الخليج، التي تتغير بمرور الوقت، فإن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط «يعتبرون في كثير من الأحيان التعاون الأمني بمثابة «استفتاء حول الكيفية التي تنظر بها واشنطن إلى علاقتها الشاملة معهم»، وأنه «في الماضي، أدت المستويات المتذبذبة من مبيعات الأسلحة بين مختلف الإدارات الأمريكية ووضع شروط على عمليات تسليمها في بعض الأحيان إلى إثارة التوترات مع واشنطن». لكن في الوقت الحالي، فإن مثل هذا التذبذب «ينطوي على مخاطر إضافية للشركاء الذين يحتمل أن يتحولوا إلى روسيا والصين من أجل شراء متطلباتهم التسلحية».
وفيما يتعلق بمبيعات الأسلحة المستقبلية إلى دول منطقة الشرق الأوسط، وصف المحللان رغبة إدارة بايدن في تقييد أو تعليق تلك الصفقات أو المبيعات إلى دول معينة بأنها «معقولة»، نظرًا إلى قوة حركة المعارضة الداخلية بها. ومع ذلك حذرا، من أن «إجراء تغيير مفاجئ بشأن تلك الصفقات المعتادة قد يعرض العلاقات الثنائية الأمريكية والمصالح ذات الأولوية الدولية للخطر على حد سواء». وفي ضوء هذه النقطة، حثا الإدارة الأمريكية الراهنة على وضع «جدول تخطيط زمني» للتعاون الأمني المستقبلي على المدى الطويل، من أجل «طمأنة كل الشركاء أنه حتى لو تراجعت وتيرة التعاون الأمني الأمريكي بشكل طفيف مع تغير الإدارات، فلن يتبدد هذا التعاون بأي حال من الأحوال بين عشية وضحاها».
بشكل عام، حث التقرير الولايات المتحدة على «مشاركة المخاطر المحتملة بشكل أكثر وضوحًا» مع شركائها في منطقة الشرق الأوسط خلال عمليات التعاون المستقبلية، وعلى الأخص، فيما يتعلق بقانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال فرض العقوبات (231)، والمعروف باسم «كاتسا«(CAATSA) لعام 2017 الذي يتطلب فرض ما لا يقل عن خمس من العقوبات الاثنتي عشرة الموضحة في القسم (235) من نفس القانون على أيّ شخص تمّ تصنيفه بأنه شارك عن علم في معاملة مهمة مع شخص يمثل جزءًا من أو يعمل لصالح أو نيابة عن قطاعي الدفاع أو الاستخبارات في الحكومة الروسية أو ضد أي دولة تقوم بعمليات شراء عسكرية من روسيا»، وقد تم تطبيق مثل هذه العقوبات حتى الآن على كل من بكين وأنقرة.
وتجنبًا للاستخدام المستقبلي لهذه العقوبات، اقترح التقرير أن تكون هناك مناقشات مستفيضة بين وزارة الدفاع الأمريكية والشركاء الإقليميين «لمعالجة سياسة هذا القانون ومناهجه» وتقديم نظرة ثاقبة حول طبيعة التهديدات والتحذيرات التي قد يوجهها الرئيس الأمريكي لدول مختلفة لتجنب الخضوع لأي عقوبات مستقبلية مهما كانت، مؤكدا أن «هذه المناقشات توفر أيضًا فرصة مفيدة لتحديد معايير ومستويات وأنواع الاستثمارات الصينية، وهو ما قد يحفز واشنطن على الحد من تعاونها الأمني مع أي شريك».
على العموم، قدم التقرير الذي أعده كل من «روملي»، و«ويلبارجر»، نظرة عميقة حول كيفية مواجهة رواية التراجع أو الانسحاب الأمريكي المتصور من منطقة الشرق الأوسط، وتهدئة وتيرة المنافسة الشرسة في تلك المنطقة بين القوى العظمى، وإعادة تركيز الموارد في أماكن أخرى بطريقة أكثر فاعلية واستدامة»، مشيرين إلى أن إدارة بايدن ستحتاج إلى اتخاذ عدة خطوات عاجلاً وليس آجلاً. وعلى وجه الخصوص، يجب أن تحول التركيز بعيدًا عن مجرد تنفيذ سياسة تمركز «الجنود على الأرض»، وتوضّح سياستها الخاصة بـ«قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات»، وتعزز التعاون الأمني مع الشركاء الرئيسيين في المنطقة».
ومع ذلك، فقد افتقد هذا التحليل الكثير من التفاصيل الملموسة لما سيعنيه ذلك التراجع وكيفية حدوثه. وفي الواقع، فإن استخدام العبارات المبالغة لوصف السياسة الخارجية للولايات المتحدة في ظل الإدارة الحالية، مثل «إعادة تأكيد أهمية التحالفات الأمريكية» و«دعم الشركاء الأمنيين»، من دون تقديم أي أمثلة أو دلائل واضحة حول هذا التأكيد أو الدعم من قبل المحللين ليؤسسا عليها كل اقتراحاتهما المستقبلية قد أضعف في النهاية الرؤى والحجج التي تناولاها.