5/8/2021
تعثر جهود التطعيم الدولية ضد فيروس كورونا مقارنة بدول الخليج
منذ بداية جائحة كورونا في ربيع عام 2020، كانت هناك مخاوف كبيرة من حدوث فجوة بين البلدان المتقدمة اقتصاديا والأقل نموا في قدرتها على تأمين اللقاحات لمواطنيها. وحتى أغسطس2021، كان هذا السيناريو قد دخل حيز التنفيذ، حيث حققت عديد من الاقتصادات الرائدة معدلات تطعيم عالية نسبيا، في حين تعاني الدول التي تعتمد على برنامج «كوفاكس» التابع للأمم المتحدة لتوزيع اللقاحات، نظرًا إلى حصولها على عدد قليل من الجرعات التي وعدت بها الحكومات الغربية.
ومن المعلوم، أن اللقاح الأول الذي اجتاز تجارب سريرية غربية تم استخدامه فقط في المملكة المتحدة في ديسمبر2020بغض النظر عن الاختلالات المتوقعة بين الدول في توزيع اللقاحات؛ فإن الاستجابة لتلقي اللقاح كانت استثنائية، حيث تلقى ملايين الأشخاص بالفعل إما جرعة لقاح واحدة أو جرعتين، وفي حين أن هذا في حد ذاته لا ينهي الانتشار المحتمل للفيروس، فإنه أصبح الآن معترفًا به عالميا باعتباره الخيار الأفضل للحد من العدوى والوفيات على المدى الطويل.
وفي واقع الأمر، لاتزال هناك مشاكل كبيرة بشأن اللقاحات؛ ففي حين أن الملايين في جميع أنحاء العالم لا يزالون غير محصنين، يستمر كثيرون في رفض تلقي اللقاح بناءً على معلومات مضللة منتشرة على نطاق واسع حول الآثار السلبية المحتملة في البلدان التي تتوافر فيها هذه اللقاحات، خاصة الأوروبية، مثل فرنسا، وإيطاليا؛ حيث بدأت حكوماتهما في الاستجابة بفرض قيود صحية تُلزم مواطنيها بتلقي اللقاح لحضور الأحداث العامة، في ظل بعض التراجع العام في معدلات التطعيم.
من ناحية أخرى، تواصل المملكة المتحدة ريادتها في جهود التلقيح الشاملة. حتى بداية أغسطس2021 تلقى 88.6% من جميع البالغين على الأقل جرعة واحدة من الجرعتين اللازمتين، وتلقى 72.5% من السكان الجرعتين المطلوبتين. ويعادل هذا تسليم أكثر من 85.000.000 جرعة، ما يعني أن الدولة استوفت خطتها لتحصين ثلثي المقيمين البريطانيين البالغين بشكل كامل بحلول منتصف يوليو 2021. وعلى الرغم من المخاوف الأولية من أن الشباب سيترددون في الحصول على اللقاح، تلقى أكثر من 68% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا الجرعة الأولى على الأقل.
وبعد بداية بطيئة في عهد الرئيس «ترامب» طورت الولايات المتحدة أيضًا برنامج تطعيم ناجح. ووفقًا لصحيفة «واشنطن بوست»، تلقى67% من السكان الأمريكيين المؤهلين للحصول على اللقاح جرعة واحدة على الأقل، وتم تطعيم 57.7% بشكل كامل. ومع ذلك، فقد أكدت صحف أخرى أيضًا أنه في بعض أجزاء البلاد، تم تطعيم ما لا يزيد على20% من الأشخاص حاليا. لكن يبدو أن ارتفاع الإصابات مرة أخرى قد أقنع الكثيرين بقبول اللقاح طواعية، حيث تلقى 4.7 ملايين أمريكي جرعاتهم الأولى أو الثانية في الأسبوعين الماضيين فقط. وعلى وجه الخصوص، شهدت ولايات أمريكا الجنوبية -التي سجلت معدلات إصابة عالية- ارتفاعًا مذهلاً في عدد المواطنين الذين تقدموا للحصول على اللقاحات، وعلى سبيل المثال حدثت زيادة بنسبة 65% في ألاباما، و49% في ميسوري، و96% في أركنساس.
وفي مقابل النجاحات التي حققتها كل من لندن وواشنطن، كانت هناك انتكاسات في الاتحاد الأوروبي، وهو ما أظهر أن مجرد القدرة على شراء وامتلاك اللقاحات ليس كافيا لإقناع السكان المترددين في الموافقة على تلقي اللقاح. على سبيل المثال، بعد أن تم حل مشاكل الاتحاد مع إمدادات اللقاحات من شركات مثل «أسترازينيكا»، فإن العائق الرئيسي لتلقيها هو التردد والتشكيك في فعاليتها وسلامتها، الأمر الذي لاحظه «تيري بريتون» مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون السوق الداخلية والمسؤول عن اللقاحات يوم 10 يوليو2021. كما أفادت قناة «فرانس 24» بأن «الدول الأوروبية بشكل عام قد قطعت أشواطا في معدلات التطعيم في الأشهر الأخيرة» لكن على الجانب الآخر «لم تقم أي دولة بإقرار اللقاحات كإلزامية» كما افتقدت الحملات المؤيدة للتطعيم القدرة على إقناع المواطنين المترددين.
وفي يوليو2021، ذكرت مجلة «الإيكونوميست» أن «قلة من الفرنسيين أبدوا تشككًا حول اللقاحات» في حين كان استطلاع للرأي أظهر في ديسمبر2020 أن ما يصل إلى 61% من سكان البلاد كانوا يعارضون تلقي لقاح كوفيد-19، واعتبارًا من يوليو2021 تم تطعيم 55% فقط من العاملين في دور رعاية المسنين الفرنسيين. وفي ظل إحجام الفرنسيين عن تلقي اللقاحات، أبلغ الرئيس، «إيمانويل ماكرون» الأمة في 12 يوليو أنه سيتم السماح فقط للمواطنين الذين تم تطعيمهم بالكامل باستخدام الحانات والمطاعم ومراكز التسوق والسفر مسافات طويلة بدءًا من أغسطس. وإذا كان هذا التكتيك قد بدا متعنتا، فإنه نجح في إقناع عديد من الفرنسيين بتلقي التطعيمات، حيث حجز ما يصل إلى مليون شخص اللقاحات في الساعات التي أعقبت الخطاب الوطني لماكرون.
ووفقًا لاستطلاع الرأي الذي أُجري في إيطاليا، فإن ما يصل إلى 15% من المواطنين مُترددون في تلقي اللقاح، مع تأكيد 8% منهم معارضتهم للقاح. وبالنظر إلى هذه الأرقام المرتفعة، ينبغي ألا يكون مفاجئًا أن الخطط الفرنسية والإيطالية لإدخال بطاقات تعريف متلقي اللقاح قد قوبلت بحضور 80 ألف إيطالي للاحتجاج في عطلة نهاية الأسبوع في 31 يوليو و1 أغسطس، بالإضافة إلى آلاف المسيرات الأخرى في باريس. وبالنظر إلى كيفية تحول الحكومات بشكل متزايد إلى متطلبات اللقاحات لإعادة فتح قطاعات من اقتصاداتها بأمان، فمن المرجح أن تتكرر مثل هذه المشاهد خلال الأشهر المقبلة.
ومع ذلك، فإن هذه الأمثلة البارزة لا تعني أن جميع دول أوروبا الغربية كافحت مثل فرنسا وإيطاليا. وبعد المشكلات الأولية المتعلقة بالإمداد، طورت ألمانيا نظامًا قويا، حيث تلقى60%على الأقل من المواطنين الجرعة الأولى. وتم بالفعل تطعيم50% من السكان بشكل كامل. وداخل الاتحاد الأوروبي، يجري الآن تطعيم حوالي 45% من السكان البالغين. وتلقى 19% جرعة واحدة على الأقل. وأوضح «بروس لي» في مجلة «فوربس» أنه على الرغم من انطلاقته الصعبة، فإن برنامج التلقيح في أوروبا «لم يلحق في النهاية بالولايات المتحدة فحسب، بل تقدم بالفعل عليها أيضًا».
وعلى المستوى العالمي، من الواضح أنه لا تزال هناك مشاكل كبيرة في جهود التلقيح الجماعية، بما في ذلك مع آلية «كوكافس» -المعنية بتوزيع عادل للقاحات ضد فيروس كورونا- التي حظيت باستحسان كبير في الغرب لتوفير اللقاحات للبلدان الأقل نموا اقتصاديا. ووفقًا لبيانات من جامعة «جونز هوبكنز»، يتم حاليا تلقيح 14% فقط من سكان العالم بشكل كامل، بينما يتم تلقيح 40% فقط من الأشخاص بشكل كامل حتى في أكثر دول العالم تقدمًا. وشدد «بنجامين مولر»، في صحيفة «نيويورك تايمز» أن السبب الرئيسي لأوجه القصور في برنامج آلية «كوكافس»، هو البنية التحتية المُعيقة ومشاكل التنظيم في «الحصول على الجرعات من مدارج المطارات، ووصولًا إلى المتلقين».
من جهتها، قالت «أندريا تايلور» من جامعة «ديوك»، إن «آلية كوفاكس لتأمين اللقاحات للدول الفقيرة باتت مثل مشروع جماعي من دون قائد، يتم تنفيذ إجراءاته المخطط لها بشكل أبطأ بكثير مما يمكن أن يكون».
وبالإضافة إلى هذا الأمر، أشارت «كلير فيلتر» من «مجلس العلاقات الخارجية»، إلى أنه في ضوء التفشي المذهل لـمتغير دلتا «الهندي» في ربيع 2021، فإن أكبر مصنع للقاحات في العالم، وهو معهد «سيروم» الهندي لن يكون قادرًا على الوفاء بالتزاماته تجاه توفير اللقاحات للبلدان الأخرى المنخفضة الدخل.
وكما هو الحال في الدول الغربية، يشهد الشرق الأوسط أيضًا تباينًا حادًا بين بلدانه بشأن تلقي اللقاحات. وفي الواقع، تتفوق دول الخليج على معظم البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم، حيث وصلت معدلات التطعيم في الإمارات حاليا إلى 70%، تليها كل من البحرين، وقطر بنسبة 64%، و60% على التوالي ولا تزال معظم دول الشرق الأوسط لديها معدلات تطعيم منخفضة للغاية. فعلى وجه الخصوص، يبلغ معدله في العراق 1% فقط، وفي إيران 3%.
وتقترن معدلات التطعيم العالمية المنخفضة بعديد من البلدان الأقل تقدما اقتصاديا في وقت يستمر فيه انتشار متغير «دلتا» في جميع أنحاء العالم. ولعل هذه الحالة من الانتشار تثير أيضًا إمكانية تطور متغيرات جديدة تقلل من فاعلية اللقاحات الراهنة، حتى بعد وصولها إلى تلك البلدان. ولعل خطر انتشار متغير «دلتا» ارتبط بأشخاص تم تطعيمهم بالفعل بشكل كامل، وهو ما دفع «المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض» إلى تأكيد ضرورة «تغطية الجسم بالكامل لتقليل انتقال متغير دلتا وقابلية انتشاره».
ومع كل هذه التحديات، يبدو أيضًا أن استخدام المزيد من القيود أو التدابير الاحترازية أو أي إجراءات أخرى في الدول الغربية لتلبية متطلبات التطعيم الكامل لجميع المواطنين أكثر احتمالًا مع مرور الوقت.
وعلى الرغم من كل محاولات التوازن بين نقطتي الحفاظ على الحريات والصحة العامة في الوقت ذاته، فإن «روس سيلفرمان» من جامعة «إنديانا» يقول: «لقد فعلنا كل ما هو ممكن لتقليل أكبر عدد من العوائق التي تحول دون التطعيم، ومع ذلك، لا تزال لدينا فجوة لا يستهان بها بشأن الأعداد التي لم تتلق أي لقاحات بالمرة، وهو ما يمثل خطورة هائلة لا يمكن تصورها».
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى في البلدان -المذكورة أعلاه- التي كان أداؤها جيدًا في توزيع اللقاحات؛ فإن الشروط الضرورية والمتطلبات القانونية بتلقي جرعتين من اللقاح باتت أمرا ملزمًا للأشخاص من أجل حضور الأحداث العامة قد ثبت أنها مثيرة للجدل، حيث قالت عنها «كيت نيكولز» المديرة العامة لهيئات قطاع الضيافة في المملكة المتحدة: إن «مثل هذه الشروط تعتبر «ضربة قاضية» لممثلي الكثير من الشركات»، كما انتقد في الوقت ذاته «مارك هاربر»- الذي يرأس «مجموعة كوفيد ريكفري لأعضاء البرلمان المحافظين القلقين بشأن الآثار السلبية للإغلاق»- الحكومة «لانتقالها بفعالية إلى التطعيم الإجباري للمواطنين».
على العموم، في حين يستمر برنامج التطعيم في المملكة المتحدة في تحقيق مزيد من النجاح والتقدم، ولاسيما بالمقارنة بجيرانها الأوروبيين، فإن البلدان الأخرى، حتى تلك الموجودة في الغرب، تتخلف إلى حد كبير عن الركب، ويبدو أن تقديم أدلة تثبت تلقي مواطنيهم التطعيمات كشرط لحضور الأحداث العامة بات أمرًا مثيرًا للجدل ولا سيما في ظل الرغبة الحقيقية لخلق نوع من التوازن بين الحاجة إلى الحفاظ على الصحة العامة وضرورة عدم تقييد بعض الحريات على المدى الطويل.