top of page

10/8/2021

الرئيس الإيراني الجديد وسلوك إيران الإقليمي

في‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬مجمع‭ ‬الهيئات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمكتب‭ ‬المرشد‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬طهران،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تقام‭ ‬مراسم‭ ‬تنصيبه‭ ‬رئيسًا‭ ‬جديدًا‭ ‬لإيران،‭ ‬شدد ‭ ‬‮"إبراهيم‭ ‬رئيسي"‬،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحسين‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لبلاده‭ ‬لن‭ ‬يرتبط‭ ‬بإرادة‭ ‬الأجانب،‭ ‬وعلى‭ ‬حد‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬لن‭ ‬نربط‭ ‬ظروف‭ ‬حياة‭ ‬الأمة‭ ‬بإرادة‭ ‬الأجانب‮»‬‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬باكورة‭ ‬تصريحاته‭ ‬حول‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وجه‭ ‬خطابًا‭ ‬لينًا‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬يفصح‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬معها‭ ‬ومع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬سياسات‭ ‬إيران‭ ‬تجاهها‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬سياساتها‭ ‬تجاه‭ ‬المملكة،‭ ‬وكأنه‭ ‬بذلك‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬انفراجة‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬سلوك‭ ‬إيران‭ ‬الإقليمي،‭ ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬‮«‬محادثات‭ ‬فيينا‮»‬،‭ ‬بشأن‭ ‬عودة‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭. ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬اللين‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬خطابه‭ ‬المتشدد‭ ‬الموجه‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فهل‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬لديها‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬تعديل‭ ‬سلوكها‭ ‬الإقليمي،‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بخروجها‭ ‬من‭ ‬عزلتها،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬مقدمة‭ ‬لمعالجتها‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتردية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬يرتبط‭ ‬رفعها‭ ‬بعودة‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭.‬

يقابل‭ ‬هذا‭ ‬تساؤل‭ ‬وهو‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬لدول‭ ‬الجوار‭ ‬الإيراني‭ ‬ألا‭ ‬تطبق‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬استثناءً‭ ‬منها؟‭ ‬وإن‭ ‬فعلت،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬تفقد‭ ‬مصداقيتها‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬حاليًا‭. ‬ولهذا،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بداية‭ ‬إن‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬الجديد‭ ‬هو‭ ‬لتلطيف‭ ‬الأجواء‭ ‬غداة‭ ‬توليه‭ ‬الرئاسة‭ ‬وسط‭ ‬اضطرابات‭ ‬محلية‭ ‬ومظاهرات‭ ‬وشعارات‭ ‬داعية‭ ‬لإسقاط‭ ‬النظام‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬المصاعب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬هي‭ ‬منطلق‭ ‬هذه‭ ‬الاضطرابات،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسية‭ ‬لهذه‭ ‬المصاعب‭ ‬الكلفة‭ ‬العالية‭ ‬لسلوك‭ ‬إيران‭ ‬الإقليمي،‭ ‬فإن‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬حين‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬بتحسين‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬دون‭ ‬انتظار‭ ‬لرفع‭ ‬العقوبات،‭ ‬فإن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬موارد‭ ‬أو‭ ‬يخفض‭ ‬تكلفة‭ ‬سلوك‭ ‬إيران‭ ‬الإقليمي‭. ‬

ومن‭ ‬المعلوم،‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أثرت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬موارد‭ ‬إيران‭. ‬وبينت‭ ‬تطورات‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬المنصرم‭ ‬تقليص‭ ‬الإمدادات‭ ‬الإيرانية‭ ‬للمليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأكدت‭ ‬مصادر‭ ‬ميدانية‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬المليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لطهران‭ ‬لوكالات‭ ‬أنباء‭ ‬عالمية‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات‭ ‬قد‭ ‬شهدت‭ ‬تقليصًا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬2020‭. ‬وزادت‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬وتفاقم‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وإغلاق‭ ‬الحدود‭ ‬الإيرانية‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التقليصات،‭ ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬انخفاض‭ ‬موارد‭ ‬هذه‭ ‬المليشيات‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬بديل‭ ‬آخر‭ ‬تأخذ‭ ‬منه‭ ‬الدعم،‭ ‬كما‭ ‬تتراجع‭ ‬وتيرة‭ ‬عملها،‭ ‬أو‭ ‬تنخرط‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬سلام‭ ‬بتنسيق‭ ‬أو‭ ‬بدون‭ ‬تنسيق‭ ‬مع‭ ‬إيران‭.‬

وبحسب‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬بلومبرج‮»‬،‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإن‭ ‬طهران‭ ‬تنفق‭ ‬حوالي‭ ‬ستة‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا‭ ‬داخل‭ ‬سوريا،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تصل‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬15‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا،‭ ‬ووفقًا‭ ‬للخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬2019،‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬يدفع‭ ‬نحو‭ ‬700‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وأشار‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬‮«‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أثر‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬الدعم‭ ‬الإيراني‭ ‬المقدم‭ ‬لتنظيمه‭.‬

وكشفت‭ ‬تصريحات‭ ‬قائد‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬في‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني،‭ ‬‮«‬إسماعيل‭ ‬قائني‮»‬‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬إيران‭ ‬للحوثيين،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بالهجمات‭ ‬التي‭ ‬يقومون‭ ‬بها‭ ‬ضد‭ ‬الأهداف‭ ‬السعودية،‭ ‬وعزز‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬المبعوث‭ ‬الأمريكي‭ ‬الخاص‭ ‬باليمن‭ ‬‮«‬تيم‭ ‬لاندر‭ ‬كينج‮»‬‭ ‬في‭ ‬إبريل‭ ‬الماضي،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬دعم‭ ‬إيران‭ ‬لمليشيات‭ ‬الحوثي‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬كبير‭ ‬جدًا‭ ‬وفتاك‭. ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الشهر،‭ ‬صرح‭ ‬مساعد‭ ‬قائد‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬للشؤون‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬‮«‬رستم‭ ‬قاسمي‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬تليفزيونية‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬إبريل‭ ‬الماضي،‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يملكه‭ ‬الحوثيون‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬ومعدات‭ ‬عسكرية‭ ‬هو‭ ‬بفضل‭ ‬مساعدات‭ ‬إيران،‭ ‬وأن‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬قدم‭ ‬تدريبات‭ ‬عسكرية‭ ‬للمليشيات‭ ‬الحوثية‭.‬

وفي‭ ‬العراق‭ ‬تحظى‭ ‬كتائب‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬العراقي،‭ ‬وعصائب‭ ‬أهل‭ ‬الحق،‭ ‬وسرايا‭ ‬الخراساني،‭ ‬ومنظمة‭ ‬بدر،‭ ‬وغيرها‭ ‬بدعم‭ ‬ضخم‭ ‬من‭ ‬إيران‭. ‬ومثلت‭ ‬أذرعا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التهريب‭ ‬وإفشال‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية،‭ ‬وإبقاء‭ ‬العراق‭ ‬ساحة‭ ‬خالصة‭ ‬للنفوذ‭ ‬الإيراني‭. ‬وفيما‭ ‬تتعرض‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الموجودة‭ ‬بالعراق‭ -‬والتي‭ ‬تنسحب‭ ‬منها‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭- ‬لهجمات‭ ‬متكررة‭ ‬بالصواريخ‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المليشيات‭ ‬الممولة‭ ‬من‭ ‬إيران،‭ ‬فإن‭ ‬انسحابها‭ ‬النهائي‭ ‬غير‭ ‬المقترن‭ ‬بفرض‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬سيادتها‭ ‬يعزز‭ ‬ارتهان‭ ‬الساحة‭ ‬العراقية‭ ‬بالنفوذ‭ ‬الإيراني‭.‬

وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ -‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬‮«‬رئيسي‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬أعمدته‭- ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬إقليميًا‭ ‬إنجاز‭ ‬كبير‭ ‬لمشروعه‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬التشيع‭ ‬أو‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يحيد‭ ‬عن‭ ‬سلوكه‭ ‬الإقليمي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التوسع‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬التكلفة،‭ ‬إذ‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التكلفة‭ ‬استثمارا‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬نفسها‭ ‬بالفائدة‭. ‬ويقوم‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬هذا‭ ‬التواجد‭ ‬خارج‭ ‬إيران‭ ‬فيلق‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لعسكرة‭ ‬النظام‭ ‬السياسي،‭ ‬وإضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الأمني‭ ‬عليه‭. ‬

ويسيطر‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬مفاصل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإيراني‭ ‬العلني‭ ‬والسري،‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬أروقة‭ ‬عمل‭ ‬الحكومة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المنهج‭ ‬الأمني‭ ‬للنظام‭ ‬يجعله‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬المظاهرات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تهديد‭ ‬للأمن‭ ‬القومي،‭ ‬يقتضي‭ ‬استجابة‭ ‬فورية‭ ‬باستخدام‭ ‬أقصى‭ ‬طاقة‭ ‬أو‭ ‬قوة،‭ ‬ويرد‭ ‬على‭ ‬دعاوى‭ ‬ارتفاع‭ ‬التكلفة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لسلوكه‭ ‬الإقليمي‭ ‬بأن‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬إيران‭ ‬الخارجية‭ ‬أعانتها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬بوابات‭ ‬لصادرات‭ ‬البلاد‭. ‬

ومع‭ ‬استمرار‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬الإيراني‭ ‬أصبحت‭ ‬سوريا‭ ‬أكبر‭ ‬مستورد‭ ‬لهذا‭ ‬النفط‭. ‬ويبلغ‭ ‬متوسط‭ ‬وارداتها‭ ‬اليومية‭ ‬منه‭ ‬84‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬منذ‭ ‬مايو‭ ‬2019،‭ ‬كما‭ ‬تمثل‭ ‬صادرات‭ ‬إيران‭ ‬25%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الواردات‭ ‬العراقية‭ ‬بقيمة‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭. ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬تتطلع‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬استرداد‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬أنفقتها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬مثلاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استثمارات‭ ‬اقتصادية‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل‭ ‬بعد‭ ‬استقرار‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬كما‭ ‬يصور‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬مغامراته‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ضرورة‭ ‬لحماية‭ ‬أمنه‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬صرح‭ ‬‮«‬رئيسي‮»‬‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬يوليو،‭ ‬بأن‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الجيران‭ ‬أولوية‭ ‬دبلوماسية‭ ‬للحكومة‭ ‬القادمة،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬‮«‬في‭ ‬متناول‭ ‬اليد‮»‬،‭ ‬ووصف‭ ‬علاقات‭ ‬بلاده‭ ‬مع‭ ‬مسقط‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬متنامية‭ ‬باستمرار‮»‬،‭ ‬وأنه‭ ‬يجب‭ ‬إعداد‭ ‬خطة‭ ‬شاملة‭ ‬لتوسيع‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬فرصة‭ ‬بإشراف‭ ‬خبراء‭ ‬من‭ ‬الجانبين‭ ‬وتنفيذ‭ ‬يتابعه‭ ‬قادة‭ ‬البلدين‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬قد‭ ‬يجد‭ ‬الطرفان؛‭ ‬الخليجي‭ ‬والإيراني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬مخرجًا‭ ‬يحقق‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭ ‬مصلحته‭. ‬فإيران‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اتفقت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬المرور‭ ‬الآمن‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬يحقق‭ ‬هذه‭ ‬المصلحة‭ ‬ولا‭ ‬يضرها،‭ ‬وأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يجدي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬تهديد‭ ‬هذا‭ ‬الأمن‭ ‬كورقة‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لأن‭ ‬الأخيرة‭ ‬قد‭ ‬صارت‭ ‬أقل‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬نفط‭ ‬الخليج،‭ ‬وخاصة‭ ‬أيضًا‭ ‬إذا‭ ‬اتفق‭ ‬الجانبان‭ ‬على‭ ‬تسوية‭ ‬الأزمة‭ ‬اليمنية،‭ ‬وينهي‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬2015‭.‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬رئيسي‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬ربط‭ ‬إمكانية‭ ‬معالجة‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لبلاده‭ ‬بنجاح‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭. ‬ويصبح‭ ‬تعهد‭ ‬إيران‭ ‬بأمن‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬وحل‭ ‬الأزمة‭ ‬اليمنية‭ ‬مقدمات‭ ‬لنجاح‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬دعائم‭ ‬الثقة‭ ‬المفقودة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الإيرانية‭ ‬الخليجية،‭ ‬ويفتح‭ ‬الباب‭ ‬لتطوير‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬ليشمل‭ ‬مجمل‭ ‬العلاقات‭ ‬الإيرانية‭ ‬العربية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مسألة‭ ‬المليشيات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬التي‭ ‬تمولها‭ ‬وتستخدمها‭ ‬لبسط‭ ‬نفوذها‭ ‬الإقليمي،‭ ‬وهو‭ ‬جزء‭ ‬معقد‭ ‬يرتبط‭ ‬بباقي‭ ‬جدول‭ ‬محادثات‭ ‬فيينا،‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬أيضًا‭ ‬برامجها‭ ‬للصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬ونشاطها‭ ‬النووي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يستغرق‭ ‬وقتًا‭ ‬طويلاً‭.‬

ويصبح‭ ‬السؤال‭ ‬إذن‭.. ‬هل‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬الجزئي‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬مساعدة‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬بلاده‭ ‬الاقتصادية؟‭.. ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬فإنه‭ ‬يخفض‭ ‬التكلفة‭ ‬التي‭ ‬يمثلها‭ ‬الدعم‭ ‬الإيراني‭ ‬للمليشيات‭ ‬الحوثية،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬لعودة‭ ‬التجارة‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭. ‬ولكي‭ ‬تعتبر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هذا‭ ‬رفعا‭ ‬جزئيا‭ ‬للعقوبات‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬ما‭ ‬يقابله‭ ‬من‭ ‬تنازلات‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬ببرنامج‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬ونشاطها‭ ‬النووي‭. ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬واشنطن‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬واستخدامها‭ ‬حادثة‭ ‬السفينة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الأخيرة‭ ‬للتنديد‭ ‬بالتصرفات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ودعوة‭ ‬العالم‭ ‬لاتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬حيالها،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬المعاناة‭ ‬الشديدة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية؛‭ ‬فإن‭ ‬الخطاب‭ ‬المتشدد‭ ‬للرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬الجديد،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مقدمة‭ ‬لتنازلات،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تذكر‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭.‬

ومن‭ ‬نواحٍ‭ ‬عديدة،‭ ‬يتطلع‭ ‬‮«‬رئيسي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬وعوده‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬للناخبين‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬الانتخابي‭ ‬يوم‭ ‬27‭ ‬مايو‭ ‬الماضي‭. ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬قروض‭ ‬مخفضة‭ ‬الفائدة‭ ‬للأسر‭ ‬الفقيرة،‭ ‬وزيادة‭ ‬الدعم‭ ‬الحكومي‭ ‬للرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬وبناء‭ ‬4‭ ‬ملايين‭ ‬منزل،‭ ‬وخلق‭ ‬4‭ ‬ملايين‭ ‬فرصة‭ ‬عمل،‭ ‬مع‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬لذوي‭ ‬الدخول‭ ‬المنخفضة‭ ‬وخريجي‭ ‬الجامعات،‭ ‬وخفض‭ ‬الإيجارات‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬إلى50%،‭ ‬ومكافحة‭ ‬التضخم،‭ ‬ومعالجة‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية،‭ ‬هذه‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬خاطب‭ ‬بها‭ ‬معاناة‭ ‬الإيرانيين‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تتطلب‭ ‬موارد‭ ‬لن‭ ‬تتوافر‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬العقوبات‭ ‬بحالتها‭ ‬الراهنة،‭ ‬ولهذا‭ ‬تطلع‭ ‬إلى‭ ‬انفراجة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحوار‭ ‬الإقليمي‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬صاحب‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬تصرفات‭ ‬مؤسسة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬عكس‭ ‬الاتجاه،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة‭ ‬تصاعدت‭ ‬وتيرة‭ ‬الهجمات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬أهداف‭ ‬أمريكية‭ ‬وسفن‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وبحر‭ ‬العرب،‭ ‬طبقًا‭ ‬لما‭ ‬ذكرته‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬فورين‭ ‬أفيرز‮»‬‭. ‬وحاولت‭ ‬مجموعة‭ ‬مسلحة‭ ‬تعمل‭ ‬لصالح‭ ‬إيران‭ ‬اختطاف‭ ‬سفينة‭ ‬ترفع‭ ‬علم‭ ‬بنما‭ ‬في‭ ‬خليج‭ ‬عُمان،‭ ‬بعد‭ ‬حادثة‭ ‬السفينة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وتعرض‭ ‬دبلوماسيون‭ ‬وأهداف‭ ‬أمريكية‭ ‬للاستهداف‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬بصواريخ‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬عوامل‭ ‬تجعل‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بإمكان‭ ‬مفتشي‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬رؤية‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إيران‭ ‬داخل‭ ‬منشآتها‭ ‬النووية‭. ‬وبحسب‭ ‬تقارير‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬فإن‭ ‬إيران‭ ‬قد‭ ‬صارت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬90‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية،‭ ‬وتبدو‭ ‬واثقة‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬لصالحها،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهي‭ ‬تطمح‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تنازلات‭ ‬أكبر‭.‬

‮ ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬واشنطن‭ ‬بهذا‭ ‬الرفع‭ ‬الجزئي‭ ‬للعقوبات،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬‮«‬رئيسي‮»‬‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬وعوده‭ ‬الاقتصادية‭. ‬ويصبح‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬المتفق‭ ‬عليه،‭ ‬هو‭ ‬زيادة‭ ‬عزلة‭ ‬إيران،‭ ‬وتوحد‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭. ‬

{ انتهى  }
bottom of page