top of page
11 / 2

العدد 31 خريف 2002

 

افتتاحية العدد: بوش وبلير يدقان طبول الحرب

في الوقت الذي يواجه فيه المجتمع الدولي سياسات إرهاب الدولة التي يمارسها رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون ضد الشعب الفلسطيني مما يستدعي التعامل الفوري معها، تكثف إدارة الرئيس الأمريكي بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير جهودهما وضغوطهما من أجل استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يعطي لهما الحق في استخدام القوة العسكرية ضد الرئيس العراقي صدام حسين بزعم امتلاكه وسعيه إلى تطوير أسلحة الدمار الشامل، ودعمه للإرهاب واجتياح بعض جيرانه وأنه مصدر تهديدهم ولا يلتزم بقرارات مجلس الأمن، ويتبع سياسة قمعية تجاه شعبه.
ويكشف ذلك النمط من السياسات عن ازدواجية مفضوحة في تعامل البلدين مع قضايا المنطقة، لأن هذه الاتهامات يجب أن توجه وبدرجة أقوى وأكثر صدقية وموضوعية إلى شارون، فهو أيضًا غزا بلدانًا مجاورة، وما زال يحتل أجزاء من أراضيها، وتحدى قرارات الأمم المتحدة، ولا يلتزم بها وانتهك وما يزال ينتهك أكثر من 22 قرارًا من مجلس الأمن تطالبه بوقف الممارسات القمعية والإرهابية والانسحاب من الأراضي التي يحتلها، وهو أيضًا يمارس إرهاب الدولة وعلى نطاق واسع طبقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، ثم إنه يتربع على أكبر مخزون من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وله رصيد من الحماقة والجنون يكفي لاستخدام مثل هذه الأسلحة خاصة أنه لم ينكر وجود هذه النية لدية.
وهذا التجاهل الأمريكي البريطاني المتعمد لهذه الممارسات الإسرائيلية دفع شارون إلى تصعيد سياساته القمعية والإرهابية ضد الفلسطينيين والتي تنوعت مظاهرها، فمن ناحية صعدت حكومة شارون من عمليات القتل والاغتيال والتصفية وتدمير المنازل والمزارع والمصانع وغلق المدارس والجامعات وحظر التجول على المدن والقرى منذ أكثر من شهرين وساسة التجويع، وقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ توليه السلطة في يناير 2001 وحتى الآن ما يزيد عن 1890 شهيدًا، 86.3% منهم مدنيون من بينهم 347 طفلاً لا تتجاوز أعمارهم 17 سنة، وتجاوز عدد الجرحى في الضفة الغربية وحدها 40 ألفًا، 35.7% منهم أطفال.
من ناحية ثانية بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية منذ أبريل 2002 نحو 15 ألف معتقل ما زال 6 آلاف منهم رهن الاعتقال بينهم 350 طفلاً، كما أنها تقيم نحو 120 حاجزًا عسكريًا يقسم قطاع غزة في ثلاثة أجزاء والضفة إلى 300 جزء، وقد امتد الحصار إلى شخص الرئيس عرفات الذي تم حصاره داخل مقره 6 مرات في أقل من سنة آخرها الحصار الذي تم فرضه في منتصف سبتمبر 2002 والذي تزامن مع تدمير معظم بنايات مقر الرئاسة وما زال قائمًا رغم قرار مجلس الأمن رقم 1435 الداعي إلى رفع الحصار عنه.
هذا بالإضافة إلى المجازر الجماعية التي ارتكبتها ولا زالت القوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في جنيني وغزة ونابلس وغيرا والتي وصفتها المنظمات الدولية بأنها جرائم حرب تستدعي محاكمة مرتكبيها، علاوة على قيامه بتوسيع المستوطنات القائمة بنسبة 60% وبناء نحو 47 مستوطنة جديدة ليتضاعف عدد المستوطنات التي شيدت منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 وحتى هذه اللحظة إلى أكثر من الضعفين.
غير أن الممارسات القمعية والإرهابية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لم تقتصر على ما سق من أعمال تتناقض وأبسط قواعد حقوق الإنسان، بل اتسعت لتشمل تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق باستخدام أكثر الأسلحة تطورًا ضد المدنيين الفلسطينيين أطلقت عليها مسميات مختلفة بدءًا من "الكرة الملتهبة" مرورًا "بالسور الواقي" و"الطريق الحازم" و"انتهاءً بـ"مسألة وقت" التي ما زالت قائمة، مما دفع العديد من المنظمات الحقوقية الدولية إلى إدانة هذه الممارسات التي وصفتها منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في يونيو عام 2002 بأنها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، واعتبرت منظمة هيومات رايتس ووتش في تقرير لها في إبريل 2002 ما ارتكبته إسرائيل في جنين من مذابح كجرائم حرب تستدعي محاكمة المسؤولين عنها، إضافة إلى إدانات العديد من المنظمات الإقليمية والدولية الإنسانية الأخرى لهذه الممارسات.
ورغم ذلك، فإن الموقف الأمريكي البريطاني من هذه الممارسات قد تجاوز مرحلة التجاهل المتعمد إلى مرحلة الدعم والمساندة وتقديم المبررات لها ووأد أي محاولة لإدانتها أو توقيع العقاب عليها في مجلس الأمن، خاصة بعد أن نجح شارون في إقناع واشنطن بأن ما يقوم به ضد الفلسطينيين هو جزء من الخطط الأمريكية لمكافحة الإرهاب في العالم، ومن ثم فأي ممارسات يقوم بها في حق الفلسطينيين ليست إلا دفاعًا عن النفس من وجهة نظر بوش الذي لا يعنيه تجاهله لقرارات مجلس الأمن في حين يصعد غضبه ضد العراق ويهدد بشن حرب عليه متهمًا النظام بأنه يرفض الانصياع لقرارات الأمم المتحدة.
وفي هذا الوقت بالذات الذي تصمت فيه الدبلوماسية الأمريكية ـ البريطانية عن إدانة الجرائم الإسرائيلية، تدق واشنطن ولندن طبول الحرب وتصران على موقفهما من ضرورة ضرب العراق، رغم رفض العديد من الأطراف الإقليمية والدولية. فالرئيس الأمريكي من ناحيته وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13/9/2002 أملى شروطًا على بغداد يجب أن تفي بها وغلا عليها أن تتحمل عقبات الضربة المنتظرة، وكرر ذلك أعضاء دارته، منهم وزير الدفاع ومستشارة الأمن القومي ووزير الخارجية في جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ يوم 27/9/2002، وجاء الحليف المخلص توني بلير ليقدم أمام مجلس العموم البريطاني يوم 24/9/2002 تقريرًا أفاض فيه بالأسباب التي تدعو بلاده إلى دعم الخطط الأمريكية لضرب العراق ومساندتها لمواجهة ذلك "الخطر" الذي تمثله بغداد على أمن الشرق الأوسط والعالم.
وعلى الرغم من أن العراق قد أفقد خطاب بوش قوته بقبول عودة المفتشين دون شروط يوم 16/9/2002، وثبوت ضعف الأسانيد التي قدمها ملف رئيس الوزراء البريطاني بخصوص امتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل ـ على الرغم من ذلك تبدو الازدواجية الأمريكية البريطانية واضحة في تعاطيهما لقضايا المنطقة، وقد لا يكون ذلك شيئًا غير معتاد، فالولايات المتحدة بموقفها المصر على ضرب العراق كانت تعتبر نظامه في التمرينات أحد أركان تنفيذ استراتيجيتها في المنطقة، وشكَّل في وقت من الأوقات جزءًا مهمًا من ترتيباتها الأمنية، فشجعته وساعدته ليحارب إيران بكل ما هو متصور من منظومات الأسلحة المتطورة وصور أقمار التجسس للأهداف الإيرانية. وكذلك فعلت بريطانيا مع العراق التي كانت تعتبر المصدر الرئيسي للسلاح لبغداد في فترة من الفترات بل وقدمت له تسهيلات بنكية بدأتها عام 1983 بمبلغ 240 مليون جنية إسترليني وزادتها إلى 750 مليون جنية إسترليني عام 1988 رغم معرفتها باستخدامه للأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في حلبجة، وأنه نظام قمعي و() ثوري كما يقولون.
والحقيقة أن الموقف الأمريكي البريطاني من العراق يثير الكثير من الأسئلة من بينها: لماذا العراق دون إسرائيل؟ وقد تبدو الإجابة واضحة بالنسبة لإسرائيل باعتبارها حليفة الولايات المتحدة والغرب ومن غير الممكن أن تستهدف بسبب ممارساتها، كذلك إلى أي مدى يمكن أن تمضي العاصمتان الأمريكية والبريطانية في مخططاتهما لشن حرب ضد العراق؟ وما هو السبيل الذي يمكن عن طريقة حماية دولة عربية مهددة بالاحتلال وإسقاط النظام وقد لا تقتصر على العراق فحسب؟
وللإجابة عن تلك التساؤلات يمكن البدء بأسباب استهداف العراق، ومن الواضح أن المنافع الاقتصادية هي المحدد الرئيسي لاتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية والتي على ضوئها تتخذ واشنطن قراراتها بما يحقق أهدافها بعيدة المدى، ضمن أهدافها بضرب أفغانستان تحت غطاء "الحرب ضد الإرهاب" الهيمنة على لامنابع النفطية في منطقة حوض بحر قزوين، كما أن إصرارها الواضح على غزو العراق وتغيير نظامة السياسي في تحد صريح لقرارات الشرعية الدولية ولمصالح الدول الكبرى في المنطقة العربية يمثل هدفًا استراتيجيًا أمريكيًا التحكم بالطاقة لضمان استمرارية تدفق الإمدادات النفطية العراقية وضفاف منظمة أوبك، وهو ما يتحقق عبر احتلل العراق واستغلال احتياطياته النفطية، حسب ما صرح به مستشار الرئيس الأمريكي للشئون الاقتصادية "لورانس لنيدساي" بأن النفط هو الهدف الرئيس للولايات المتحدة لشن هجوم على العراق.
وكثيرة هي الأرقام التي تؤكد ذلك فالعراق يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، بعد السعودية؛ حيث يقدر بأكثر من 112.5 مليار برميل أي ما يعادل 10.9% من مجموع الاحتياطيات العالمية، وهو ما يعني في كل الأحوال أن الشركات النفطية الأمريكية ـ في حالة نجاح خطة ضرب العراق ـ ستتمكن من التهام "الكعكة" النفطية العراقية التي تتلهف إليها منذ أكثر من 12 عامًا من خلال زيادة استثماراتها في الحقول النفطية وإصلاح المعدات النفطية المتهالكة هناك. وكنتيجة طبيعية لتلك الاستثمارات ـ التي يتوقع أن تصل قيمتها إلى 14 مليار دولار ـ سيتمكن العراق في ظل وجود حكومة موالية أو عملية لواشنطن من أن يزيد إنتاجه النفطي الذي يتراوح حاليًا بين 2.8 ـ 3 ملايين ب /ي، يصدر منها 2.2مليون ب/ي في المتوسط بصورة تدريجية ليتجاوز 8 ملايين ب/ي (25% من الاستهلاك الدولي) تستورد منه ما يقرب من 11 مليون ب/ي منها حوالي 2.58 مليون ب/ي من دول مجلس التعاون الخيلجي، ولأنها تعد أكبر مستهلك للنفط العراقي في العالم حيث حصلت على 790 ألف ب/ي من  الخام العراقي عام 2001 عبر شركات وسيطة وتشكل نحو 7% من إجمالي الواردات النفطية الأمريكية ـ فإن العامل النفطي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يزداد أهمية في تحديد هدف الحرب ومرجعيتها، وعليه فإن نجاح خطتها في ضرب العراق سيحدث وفرة في إمدادات النفط دون منغصات.
وفي إطار مرحلة "ما بعد صدام" من غير المتوقع أن تحترم الحكومة العراقية الموالية أي التزامات أو بروتوكولات اتفقت عليها القيادة الحالية انطلاقًا من دوافع سياسية بما في ذلك العقود النفطية التي وقعتها الشركات الأجنبية، لا سيما الروسية والصينية والهندية والفرنسية خلال عقد التسعينيات، والتي تترقب رفع العقوبات عن العراق، وهو ما يعني انفراد الشركات الأمريكية والبريطانية بالاحتياطيات النفطية العراقية. كما أن من شأن فرض الأوضاع الجديدة في العراق، انفراد الولايات المتحدة وبريطانيا بالسوق الاستهلاكية العراقية على حساب أكثر من 75 دولة أجنبية وعربية بلغت تعاملاتها التجارية مع العراق أكثر من 52 مليار دولار خلال السنوات (1997ـ 2001) وستكون روسيا إلى جانب الدول العربية، هي الأكثر تضررًا في هذا الصدد.
أما بالنسبة للمدى الذي يمكن أن تصل إليه واشنطن في موقفهما من ضرب العراق، فمن الواضح أن الساحة ستكون خالية لكل الاحتملاات، وإذا ما نجحت الحملة ضد العراق وأُسقط نظامه، فمن غير المستبعد ألا تنتقل الدائرة على دول أخرى في المنطقة مثل سوريا ولبنان وغيرهما إلى الحد الذي قد لا يُعرف مداه.
ويقابل هذا الوضع عجز عربي مهين في وقت تبدو في الحاجة ملحة لمواجهة تحديات فرض الإدارة الأمريكية لهيمنتها على الأمة العربية، التي تهدد وتتوعد وتجاهلت لغة السياسة والدبلوماسية وفضلت في إثبات أهليتها لقيادة العالم الذي ؟إلى السلام والتنمية لا إلى الدمار والخراب وإنكار الحياة على الشعوب.
فمما لا شك فيه أن مواصلة واشنطن لتهديداتها بضرب العراق في الوقت الذي تتجاهل فيه خرق إسرائيل الواضح لكل القرارات والمرجعيات الدولية والاتفاقيات التي قبلت فها وقيامها بممارسة القتل والتدمير والحصار على الشعب الفلسطيني بشكل يومي منذ تولي شارون السلطة قبل أكثر من سنة ونصف، يمثل تحديًا لمشاعر الأمة العربية بأكملها، فبدلاً من أن تلزم إسرائيل بالانصياع لقرارات الشرعية الدولية وتوقف عملية نزيف الدم المتواصل في الأراضي الفلسطينية وتخمد أو تحل مشكلة مشتعلة قد تهدد السلام والأمن الدوليين، سعت لفتح جبهة جديدة من خلال التهديد بضرب العراق تقلق كل عربي خاصة  في ظل عدم وجود دليل قاطع على قيام حكومة العراق بامتلاك أو تطوير أسلحة الدمار الشامل، وموافقة العراق على العودة غير المشروطة لمفتشي الأسلحة مما يجعل لجوء أمريكا إلى العمل العسكري غير مبرر قانونيًا وأخلاقيًا ودوليًا بل انتهاك صريح للشرعية الدولية ولتحقيق مصالح خاصة لها ولإسرائيل بإيجاد منطقة شرق أوسطية مهيمن عليها إسرائيل ، وهو سيناريو ينبغي على العرب مواجهته لما يحمله تداعيات مخيفة.
لذا فالعرب يواجهون في أزمة حقيقية يجب التعامل معها وإدارتها بكفاءة وجدية قبل فوات الأوان، وهذه الأزمة ليست بالعراق فقط بل بتغيير خريطة المنطقة، وهو البداية في التصور الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط صاغة ممثلو اليمين الأمريكي المتشدد والصهيوني ومنظروه من المعلقين والكتاب، ويستند إلى أن بقاء الأوضاع في هذه المنطقة كما هي سيغذي الإرهاب والتطرف فيها أمام نظام جديد يأخذ في الاعتبار التعددية العرقية والدينية ويضع المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة تقود إلى تسوية للقضية الفلسطينية وفقًا للشروط الإسرائيلية الأمريكية المتمثلة في حل مرحلي طويل الأمد بحكم ذاتي على قليل من الأراضي الفلسطينية في إطار السيادة الإسرائيلية، مع إرجاء كافة القضايا الأخرى إلى أجل غير معلوم، إضافة لذلك، فإن قيام الولايات المتحدة بإسقاط نظام صدام حسين سوف يشجع شارون على إنهاء ياسر عرفات إما بالقتل أو النفي، فإذا كانت واشنطن ترى أن نظام صدام قد استنفذ صلاحية وجوده وإنه آن الآوان لإحلال نظام آخر يحظى بالرضى الأمريكي فإن الحال كذلك بالنسبة لشاورن الذي يرى أن ضرورة وجود عرفات قد انتهت أيضًا.
خلاصة القول: إن الدول العربية مطالبة الآن بتحرك فاعل يحفظ لها كيانها الذي بات مهددًا ويمكنها في هذا الإطار استغلال ورقتي استجابة العراق للمطالب الدولية وسماحة بعودة مفتشي الأسلحة دون شروط وما يحدث من جرائم إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية من أجل تفعيل خطوات التحرك والتفاعل مع قوى المجتمع الدولي الرافض للعمل العسكري ضد العراق لمنع صدور قرار جديد في مجلس الأمن يتنافى والقرارات السابقة، كما أنه ينبغي في  الوقت الراهن لتبني موقف عربي يعمل على ضمان دعم دولي مؤيد ومناصر لشعب العراق للحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع معاناته ومآسيه التي قد تترتب على العمل العسكري، خاصة في ظل موقف أمريكي يتجاهل المصالح العربية ويتحدى مشاعر القادة والزعماء العرب.
وبالمقابل فإن على الجانب العراقي أن يهيئ المناخ المناسب للتحرك العربي فيعدل من لغة خطابه السياسي والإعلامي تجاه جميع العواصم العربية وقوى المجتمع الدولي والأمم المتحدة وأن يترك إدارة هذه الأزمة للدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية وبالتنسيق معها . ويشار في هذا الإطار إلى إمكانية أن تتولى الجامعة العربية الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي يبحث في مدى التزام العراق بالقرار رقم 687 الصادر عن مجلس الأمن والذي طالب بغداد بتدمير أسلحتها المحظورة ودول المنطقة بإخلائها من أسلحة التدمير الشامل. فإذا كان العراق قد التزم بما يطلبه القرار منه وتم تدمير ما يزيد  عن 90% من أسلحته المحظورة تبعًا لتأكيدات لجان التفتيش، فإن هذا القرار يطالب أيضًا بقية دول المنطقة بإعلان التزامها بالتخلي عن أسلحة التدمير الشامل بما فيها الأمثل.

العدد 30 صيف 2002

..إفتتاحية العدد:الأمريكيون يتساءلون لماذا يكرهوننا

أوقع الإرهاب على المستوى الدولي خلال السنوات القليلة الماضية عددًا غير قليل من الضحايا سواء في صفوف المدنيين أو في صفوف المنتمين للأجهزة الرسمية، فضلاً عن الخسائر المادية المتعاظمة في المؤسسات والمنشآت والمصالح، للدول المستهدَفة. وكان نصيب الولايات المتحدة من كل ذلك كبيرًا جدًا إلى الحد الذي بدت فيه وكأنها الهدف الرئيسي الأول للهجمات الإرهابية التي ضربت شتى أركان الكرة الأرضية في السنوات السابقة، وكان آخرها تفجير برجيّ مركز التجارة العالمي في نيويورك وأحد أجنحة مبنى وزارة الدفاع في واشنطن يوم 11 سبتمبر 2001.
وقد ثار جدل واسع بشأن الأسباب التي جعلت كل ما هو أمريكي مستهدفًا من جانب جماعات أو دول توصم بـ "الإرهابية"، ولماذا الولايات المتحدة تحديدًا ودون غيرها يُكن لها هذا الشعور بالكراهية والبغض في العالم أجمع وليس فقط في الدول العربية والإسلامية، وهل أدركت واشنطن الباعث وراء قيام أشخاص ينتمون إلى هذه الدولة أو تلك ودفعهم دفعًا إلى تنفيذ حملات اعتداء منسقة كتلك التي أصابت رموز قوتها ومكمن كرامتها في الحادي عشر من سبتمبر من العام الماضي، أم أنها ستختزل الأحداث كعادتها وتستمر في غيِّها وتصر على خطأ ممارساتها والتمادي فيها بل وتعمل على مواصلة نفس النهج الخاص بها والقائم على القهر والاستعلاء دون أن تتمهل قليلاً وتتروى وتعطي لنفسها فسحة من الوقت لمراجعة سياساتها وإعادة النظر في استراتيجيتها ناحية قضايا العالم المختلفة، لاسيما ما يتعلق منها بالدول العربية والإسلامية.
والحقيقة أن هناك صلة ما تربط بين ما تعرضت له الولايات المتحدة في الماضي وما يمكن أن تتعرض له مستقبلاً وبين سياسة الهيمنة والتسلط والاستغلال الأمريكية وتدخلها بشكل سافر في الشؤون الداخلية للغير، الأمر الذي يقدم إطارًا مهمًا وضروريًا لاستيعاب أسباب عداء الغير لها، ويمثل نقطة البدء التي يمكن الانطلاق منها لفهم مثل هذه الهجمات أو غيرها وبداية طيبة للإجابة عن السؤال المثار في أروقة الرأي والسياسة بالولايات المتحدة وهو: "لماذا يكرهوننا؟" بحيث يمكن التوصل إلى صيغة يمكن من خلالها منع مثل هذه الهجمات في المستقبل.
ونظرة سريعة لمجمل العمليات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة تفسر هذه الصلة بشكل أكثر وضوحًا؛ إذ لم تسلم منشأة أو مصلحة أمريكية من الاعتداء، ولم تقتصر الهجمات التي أصابتها على منطقة أو مكان بعينه، بل ولم يكن العرب والمسلمون وحدهم القائمين على تدبير وتنفيذ مثل هذه الهجمات التي تنوعت بدءًا من الهجوم على المؤسسات المدنية والتجارية مثل: حادث تفجير مرآب مركز التجارة العالمي في فبراير 1993، وتفجير المبنى الفيدرالي بمدينة أوكلاهوما سيتي 19/4/1995، وتدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11/9/2001، مرورًا باستهداف البعثات الدبلوماسية الأمريكية في الخارج والتي تعرضت لأكثر من
2000 هجوم خلال الخمس وعشرين عامًا الماضية وكان أبرزها حادث تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كل من  في كينيا وتنزانيا في أغسطس 1998 والقنصلية الأمريكية في كراتشي بباكستان في 14/6/2002، وانتهاءً باستهداف المؤسسات والمنشآت العسكرية ـ رمز القوة الأمريكية واليد الطولى لواشنطن ـ  مثل حادث تفجير المدمرة الأمريكية كول في خليج عدن في 12/10/2000، وقبلها الحوادث الإرهابية ضد تواجد القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية (حادثتا الرياض والخبر) في 13/11/1995 ويونيو 1996 على التوالي، وأخيرًا وليس آخرًا أحداث يوم 11/9/2001.
لقد خلقت سياسة الولايات المتحدة الخارجية القائمة على التدخل في شؤون الغير أعداءً لها في جميع أنحاء العالم، في أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا ووسطها وفي الشرق الأوسط. ويؤكد الكاتب الأمريكي "ويليام بلوم" في كتابه الأخير حول "القوة العظمى الوحيدة في العالم" ذلك بقوله "إن الممارسات الأمريكية في أمريكا اللاتينية أسوأ بكثير من ممارساتها في الشرق الأوسط 000 فإذا شارك أبناء القارة اللاتينية اعتقاد كثير من المسلمين بأن مصيرهم الجنة إذا ماتوا نتيجة لقتال الولايات المتحدة، فمن الآن يمكن أن يكون لدينا عقود من الأعمال الإرهابية المتكررة التي ستأتي من جنوب الحدود، وينطبق نفس الشيء على أبناء آسيا وأفريقيا". ويرى "روبرت بومان" أسقف الكنيسة الكاثوليكية المتحدة في فلوريدا ردًا على ما اعتبره الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" أن بلاده مهددة لأنها تقف إلى جانب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، بقوله: "إن هذا محض هراء ، إننا لسنا مكروهين بسبب ممارستنا للديمقراطية أو تقديرنا للحرية أو تدعيمنا لحقوق الإنسان، إننا مكروهون لأن حكومتنا تحرم تلك الأشياء على دول العالم الثالث . إن الكراهية التي زرعناها عادت إلينا في شكل الإرهاب، وفي المستقبل سوف تأتي في شكل الإرهاب النووي، فأمريكا تحصد ثمار ما تزرع" ومن التفسيرات التي تؤكد ذلك هي:
أ ـ سياسة الهيمنة والتسلط الناتجة عن الإحساس بالقوة بعد تحقيق ثلاثة انتصارات ـ على حد تعبير الصحفي الأمريكي تشارلز كراوتهام ـ  وهي الحرب العالمية الأولى، والثانية، والحرب الباردة. ويقول المؤرخ الأمريكي رونالد ستيل: "مَنْ يمكن أن يتحدانا؟ اليابان فقيرة بالمواد الخام وتحتاج إلى الأسواق الخارجية، والصين مجموعة شعوب توشك أن تقع في حمأة حروب السادة والعبيد، والهند على حافة التمرد والفوضى، وأوروبا لن تصبح أكثر من دار تجارية واستهلاكية حافلة بالمشاجرات". ويعبر الكثير من الأمريكيين عن الإحساس بالقوة والهيمنة بأساليب شتى، هذا الإحساس الذي يتم تطبيقه عمليًا من خلال السياسات الأمريكية في العالم التي لا تراعي في كثير من الأحيان مصالح الآخرين، حتى الحلفاء. ولعل هذا ما يعكسه تصريح وزير الخارجية الفرنسي السابق "هوبير فيدرين" الذي قال فيه: "إن هناك هيمنة أمريكية ضد المصالح الأوروبية المشروعة".
ب ـ مواقف الولايات المتحدة التي تخالف مصلحة عامة للعالم في كثير من المناسبات، مثل موقفها من الجهود المبذولة لحماية البيئة من التلوث، ومعارضتها لاتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، وموقفها تجاه انتشار الأسلحة المحظورة في العالم، إضافة إلى موقفها من المحكمة الجنائية الدولية والتي أعلنت الانسحاب منها خوفًا من خضوع بعض جنودها في الخارج لأحكامها، هذا فضلاً عن العديد من المواقف الأخرى التي بدت فيها واشنطن في جانب ومعظم دول العالم في جانب آخر.
جـ ـ سياسة العقوبات الاقتصادية التي تميزت بها الولايات المتحدة تجاه العديد من الدول، ولم تلجأ أية دولة في العالم في أية فترة من فترات التاريخ إلى استخدامها بالصورة التي استخدمتها بها واشنطن، حيث فرضت الحصار أكثر من 104 مرات خلال الخمسين عامًا الماضية، ووصل عدد الدول التي استهدفتها العقوبات الأمريكية نحو 35 دولة تحوي 42% من جملة سكان العالم، حتى إن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قد استخدم سلاح العقوبات أكثر من 37 مرة ضد 31 دولة. وعلى الرغم من تصاعد المعارضة ـ الدولية والداخلية ـ لسياسة العقوبات على أساس أنها تطول الشعوب بالأساس، فإن الولايات المتحدة تصر عليها وتستمر فيها، ومما يزيد من تأثيراتها السلبية بالنسبة للمشاعر تجاه الولايات المتحدة في العالم أنها تقوم بتطبيقها من جانب واحد في معظم الحالات دون بذل أية محاولة لحشد أو استقطاب التأييد الدولي ناحيتها.
د ـ سياسة الكيل بمكيالين التي تميزت بها السياسة الخارجية الأمريكية في مناطق عديدة من العالم، وتجاه العديد من القضايا، وتبدو بوضوح شديد في الشرق الأوسط وخاصة فيما يخص الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وموضوع الأسلحة المحظورة، ما أثار مشاعر السخط والكراهية ضدها من شعوب المنطقة.
هـ ـ محاولة الولايات المتحدة "أمركة" العالم، من الناحية الثقافية والاقتصادية والسياسية في إطار ما يسمى بالعولمة دون مراعاة لخصوصيات المجتمعات والشعوب المختلفة في هذا الشأن، حيث تسعى واشنطن إلى جعل العالم كله يحكم ويفكر ويدير ويدرس وحتى يأكل بالطريقة الأمريكية. وفي إطار ذلك ينظر إلى الولايات المتحدة على نطاق واسع على أنها مصدر للنماذج الثقافية غير السوية والإباحية وقيم الاستهلاك واللهو.
ومن الواضح أن السبيل الوحيد الذي تستطيع به الولايات المتحدة إنهاء الإرهاب الموجه إليها هو العمل على القضاء على أسبابه وجذوره وعلاج بواعثه المختلفة، ولن يتأتى لها ذلك إلا بعد أن توقف إرهابها الذي يدفع بالغير إلى الانتقام منها.

العدد 29  ربيع 2002

افتتاحية العدد: رأي  " شؤون خليجية" بوش ..ومواقفه المشينة

ليس جديدًا القول بأن الولايات المتحدة هي الحليفة الأساسية لإسرائيل في صراعها مع العرب، وهي الضامن لأمنها والداعم لاقتصادها والمدافع عنها في كل المحافل الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن على وجه الخصوص ـ ولكن الجديد هو أن الولايات المتحدة قد تجاوزت في تحيزها لإسرائيل، خلال الفترة الأخيرة، كل الحدود الممكنة، فبدت متورطة وبشكل علني ومباشر في أعمالها الإجرامية ومخالفة للرأي العام العالمي ومقتضيات الشرعية الدولية فضلاً عن التزاماتها كدولة كبرى، ولعل موقف الرئيس الأمريكي جورج بوش العدائي ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية وزعيمه المنتخب الرئيس ياسر عرفات هو دليل واضح على هذا المعنى.

ففي الخطاب الذي ألقاه يوم 4أبريل والمؤتمر الصحفي الذي عقده مع توني بلير رئيس الوزراء البريطاني يوم 6 أبريل صنف بوش المقاومة الفلسطينية على أنها "إرهاب" وأن ما تقوم به إسرائيل هو جزء من الحرب الدولية ضد الإرهاب و"دفاع عن النفس!!" وأن الرئيس الفلسطيني يتحمل مسؤولية ما يحدث وأنه هو الذي أوصل نفسه إلى هذا الوضع!! ولذلك ذهب البعض إلى القول بأن الرئيس الأمريكي مصاب بمجموعة من العقد منها ياسر عرفات والمقاومة اللبنانية . . . وهي العقد ذاتها التي يعاني منها آريل شارون.

إن هذا الموقف غير النزيه وغير العادل للإدارة الأمريكية قد أعطى مشروعية للعدوان الإسرائيلي مما شجع شارون على القيام بحرب إبادة عنصرية ضد الشعب الفلسطيني قالت عنها ماري روبنسون مفوضة حقوق الإنسان الدولية التابعة للأمم المتحدة  بأنها جرائم حرب في خطابها في جنيف يوم 5/4/2002. وتتحمل الإدارة الأمريكية المتواطئة معه المسؤولية الأخلاقية والسياسية عنها.

وإذا كان الرئيس بوش قد أطلق مبادرة جديدة للتعاطي مع الوضع المتوتر في المنطقة فإن النظرة إليها تؤكد أنها جاءت لصالح "الصديق الإسرائيلي" وليس لصالح العرب والفلسطينيين وأن الهدف منها هو تسكين الغضب العربي، وإعطاء شارون مهلة من الوقت للانتهاء من مخططه العدواني . فلم يشر بوش، ـ سواء في خطابه أو مؤتمره الصحفي السابق الإشارة إليهما ـ إلى الأراضي الفلسطينية على أنها أراضٍ محتلة، ولم يتحدث ولو بكلمة واحدة عن القتلى والجرحى وأسر الضحايا من الفلسطينيين،  وبدلاً من ذلك ركز هو ورئيس الوزراء البريطاني على "ضحايا الإرهاب الفلسطيني من الإسرائيليين" واستخدم لغة مليئة بمفردات الغطرسة وسياسة القوة والإملاء والاستخفاف بكل ردود الفعل العربية والدولية.

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة في هذا الصدد أن مواقف إدارة بوش تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هي جزء من مواقفها العدائية التي تتخذها ضد العرب وقضاياهم منذ مجيئها إلى البيت الأبيض، وتزايدت وتيرتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فقد وضعت العراق ضمن ما أسماه بوش بـ "محور الشر" وتهدد وتخطط لضربه بدون تهمة محددة، وقد اختار نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وقتًا ذا دلالة للقيام بجولته في منطقة الشرق الأوسط بهدف "حشد تأييد دولها لضرب العراق"، حيث جاءت الجولة قبل أيام قليلة من انعقاد القمة العربية في إشارة إلى عدم الاكتراث بظروف العرب ومصالحهم وبهدف التأثير السلبي على أعمالها. ولكن رفض العرب وبشكل علني ضرب العراق فوَّت عليه هذه الفرصة، وهذا ما يتضح من ردود الفعل الأمريكية المشككة في التقدم الذي حدث في بيروت في ملف الحالة بين العراق

 والكويت والمصافحة التاريخية بين رئيس وفد العراق من ناحية وكل من ولي العهد السعودي ووزير الخارجية الكويتي من ناحية أخرى.

وإضافة للعراق وضع البنتاجون "وزارة الدفاع" كلاً من سوريا وليبيا، ضمن قائمة الدول التي من الممكن أن تتعرض لضربات نووية تكتيكية أمريكية، وهناك استهداف لمنظمات المقاومة العربية مثل "حزب الله" و "حماس" و "الجهاد" وشهداء الأقصى" وتوجيه تهم الإرهاب إليهم والمطالبة بتجميد أموالهم والقبض على زعمائهم.

ومن الأمور الفارقة هنا، أن أمريكا تدعم إسرائيل في عدوانها في الوقت الذي يطرح فيه كل العرب مشروعًا للسلام معها يقوم على مقررات الشرعية الدولية، والسلام الشامل بعد تطبيقها لقرارات مجلس الأمن 242، 338، 425، وانسحابها إلى حدود الرابع من حزيران 67، وهذا يعني أن المفهوم الأمريكي ـ الإسرائيلي للسلام يختلف عن المفهوم العربي حتى أن شارون رد على المبادرة العربية بقوله " إن انسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967 سوف يعنى انتهاءها!!" وعلى ذلك فإن تبنى أمريكا لقرار مجلس الأمن الأخير حول الدولة الفلسطينية ومن قبل ذلك ما يسمى بتوصيات "لجنة ميتشل"، هدفه الأساسي هو بناء مرجعية جديدة لعملية "السلام" غير مرجعية مدريد، تنطوي على الحد الأدنى من الحقوق العربية. وهكذا فإن الدولة الكبرى في العالم تسحب وعودها وتتخلى  عن ضماناتها التي قدمتها للعرب منذ عام 1991 وتغامر بمصداقيتها تحت ضغط إسرائيل واللوبي اليهودي.  والمثير في الأمر أن كل ذلك يحدث في ظل وجود شخصية معروفة بدمويتها وإجرامها على رأس السلطة في إسرائيل وهي شخصية آريل شارون الذي رفض كل مبادرات السلام مع العرب، حيث رفض معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية عام 1979 في وقت كانت فيه بمثابة "الحلم" لدى إسرائيل، ورفض معاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية (وادي عربة) عام 1994، وقبلها رفض مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، واتفاق أوسلو عام 1993، وأخيرًا رفض مبادرة السلام السعودية ـ العربية التي أقرتها قمة بيروت في مارس 2002، وعندما جاء للحكم خلفًا لإيهود باراك، جاء وليس لديه أي أفكار للسلام أو الحوار، بل إنه صرح بعد فوزه في الانتخابات العامة إنه جاء "ليكمل حرب 1948 مع العرب!!".

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ما هي العوامل التي تقف وراء هذا الموقف الأمريكي المشين؟ . . هناك العديد من العوامل أهمها:

1 ـ الاتفاق في التوجهات بين جورج بوش وإدارته، وآريل شارون وحكومته، فكلاهما يتبنى منطق الهيمنة، ويؤمن بأن القوة هي الضمان الأساسي للأمن والسيطرة وليس الحوار، حيث يشير تاريخ شارون إلى أنه إرهابي معارض لأي سلام ولا يؤمن بالحوار مع العرب ومتورط في جرائم حرب يمكن بسببها أن يقدم للمحاكمة لو كان هناك عدل أو إنصاف.

كما تشير كافة التطورات التي شهدتها الولايات المتحدة وخاصة في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية واستخدمت فيها الأداة العسكرية كأداة رئيسية وحاكمة، ودشنت فيها سياسات من قبيل "الصد" و "حافة الهاوية" و "الانتقام" و "الردع" و "القسر" و "الاحتواء" وغيرها، تشير هذه التطورات إلى أنها اعتمدت من قبل إدارات جمهورية في عهد إيزنهاور ونيكسون وريجان وبوش الأب، ويسير بوش الابن على نفس النهج.

وتعكس سلوكيات بوش على المستوى الدولي (تبني برنامج الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، وزيادة ميزانية الدفاع) وسلوكيات شارون في الأراضي الفلسطينية وفي التعاطي مع سوريا ولبنان وإيران (ضرب مواقع سورية في لبنان، تهديد إيران) هذا الأمر بوضوح، ويجد كل منهما تأييدًا ملحوظًا من الداخل في توجهاتهما، ففي الولايات المتحدة هناك صعود بارز للتوجهات اليمينية المتشددة في دوائر صنع القرار المختلفة، وفي إسرائيل هناك صعود أيضًا للتيار الديني المتشدد على المستويين السياسي والشعبي.

2 ـ تنطلق واشنطن في سياستها تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي من مبدأ أساسي أقرته الإدارة الجمهورية بعد مجيئها للحكم وهو عدم التدخل المباشر في الصراع العربي ـ الإسرائيلي إلا للضرورة القصوى، وترك الأمر للتفاعلات الثنائية، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون قد أقنعها بعدم التدخل وأنه قادر على دحر الانتفاضة، وأن أسلوب القوة هو الوحيد الذي يجدي مع العرب.

3 ـ تأثير أحداث الحادي عشر من سبتمبر . فقد استغلت إسرائيل هذه الأحداث وصورت ما تقوم به من أعمال إجرامية ضد الفلسطينيين على أنه مقاومة للإرهاب، وادعى شارون أن من حق إسرائيل أن تطارد "الإرهابيين" في الشرق الأوسط، مثلما من حق أمريكا مطاردتهم في أفغانستان!!.

وتحت تأثير الصدمة في الولايات المتحدة من جراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدت أمريكا، الشعب والحكومة، مستعدة لتبني وجهة نظر إسرائيل وشارون، طالما أنه من أجل محاربة "الإرهاب"، ولذلك فإنه ليس من المبالغة القول بأن الولايات المتحدة قد بدأت المرحلة الثانية في الحرب ضد "الإرهاب" من الأراضي الفلسطينية.وفي ظل هذه الحرب المزعومة ضد "الإرهاب" تزايدت أهمية إسرائيل في الاستراتيجية الكونية الأمريكية في مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث أصبح الدور الإسرائيلي مطلوبًا بإلحاح من قبل واشنطن للمساعدة في تنفيذ الخطط الأمريكية بشأن ضرب العراق، واحتمالات استهداف دول أخرى في المنطقة مثل إيران أو سوريا ، وقد ذكرت بعض المصادر أن المبعوث الأمريكي في المنطقة الجنرال أنطوني زيني والذي أعلنت واشنطن أن هدفه الأساسي هو إعادة الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى مائدة التفاوض،له هدف آخر أكثر أهمية هو التنسيق مع إسرائيل بشأن خطط ضرب العراق.

4 ـ نظرة أمريكا الجديدة لمصالحها وأولوياتها في منطقة الشرق الأوسط، حيث طالب البعض داخل دوائر صنع القرار في واشنطن بعدم جعل النفط الخليجي قيدًا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وضرورة استثمار مخزونات البترول في مناطق أخرى وخاصة منطقة بحر قزوين، وبعد أن كان الصراع العربي ـ الإسرائيلي على قمة أولويات أمريكا في الشرق الأوسط، تراجع إلى مرتبة متأخرة لصالح العراق والحرب ضد "الإرهاب"وأولويات أخرى.

5 ـ ثمة أمر أساسي يمكن أن يساهم في تقديم تفسير للموقف الأمريكي من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، هو أن واشنطن سعت إلى وضع العرب أمام عملية مقايضة يتم بمقتضاها موافقتهم أو على الأقل عدم اعتراضهم على ضرب العراق، في مقابل التدخل وممارسة الضغط على إسرائيل للكف عن عدوانها وإعادة الأطراف المعنية إلى مائدة التفاوض، وكان ذلك واضحًا من إرسالها لكل من نائب الرئيس ديك تشيني والجنرال زيني للمنطقة في وقتين متزامنين، الأول لتسويق ضرب العراق، والثاني لإعادة الهدوء على الجبهة الإسرائيلية ـ الفلسطينية، حسب ما أعلن، ولكن العرب رفضوا استهداف العراق وأكدوا على هذا الرفض في قمة بيروت، فكان رد الفعل الأمريكي هو الإفراط في مساندة إسرائيل وتبرير ممارساتها العدوانية.

وفي كل ذلك، وعبر كل مراحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فإن مشكلة العرب الأساسية هي أمريكا، فيما تعد إسرائيل مشكلة فرعية، ومن هنا فإن التحرك العربي المطلوب هو تجاه واشنطن ليس لاستجدائها أو "التوسل" إليها وإنما لاستخدام أوراق الضغط العربية المتاحة في مواجهتها  وبشكل مدروس، وهي عديدة، والانطلاق من قاعدة عربية صلبة ومتحدة، وإدراك أن عالم اليوم ـ مع كل الشعارات عن القانون الدولي والشرعية الدولية وحقوق الإنسان وغيرها ـ لا يحترم إلا القوة، السياسية والاقتصادية والعسكرية.، وأن كل الشعارات التي حاول البعض تسويقها خلال السنوات الماضية حول التعاون الشرق أوسطي أو الشرق الأوسط الجديد، كان ظاهرها التعاون وباطنها الهيمنة، وتنطلق من اعتبار العرب "أمة مهزومة" وأن عليها أن تتعامل مع الآخرين (إسرائيل) على هذا الأساس.

ويحتاج ذلك إلى "وقفة مع الصديق الأمريكي" بتعبير محمد حسنين هيكل، يتم فيها مراجعة المواقف والسياسات للإجابة عن تساؤل أساسي هو: هل فقد العرب أدوات التأثير على الولايات المتحدة وكيف تنظر واشنطن إلى علاقاتها ومصالحها معهم، وما هي مساحة الثبات والتغير في هذه النظرة؟

إن التحدي الذي يواجه العرب كبير ومصيري ويتعلق بوجودهم وموقعهم على خريطة العالم وفي تاريخه بعد أن سقطت كل الأقنعة وبدت الأهداف الحقيقية لإسرائيل وأمريكا جلية وسافرة 000 فهل يعون الدرس هذه المرة؟!.

العدد 28 شتاء 2002

افتتاحية العدد: عام جديد وتحولات عالمية وإقليمية جـــديــــدة

 

يصدر هذا العدد من مجلة " شؤون خليجية " في مطلع عام جديد وفي ظل ظروف بالغة الدقة والصعوبة والتعقيد على المستوى العالمي  والإقليمي ، بعد الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر الماضي ، وما ترتب عنها من تداعيات أهمها :
1-اتجاه الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي لمكافحة ما تسميه بالإرهاب .
2-صدور قرار مجلس الأمن الدولي والذي يلزم كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات معينة لمكافحة الإرهاب , خلال تسعين يومًا من صدور القرار وإخطار مجلس الأمن بذلك ، وإلا تعرضت للعقوبات الدولية وفقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق .
3- إعلان الولايات المتحدة وحلفائها الحرب على الإرهاب وكانت المحطة الأولى لهذه الحرب في أفغانستان بعد أن اتهمت الولايات المتحدة تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن والذي كانت تؤويه جماعة طالبان في أفغانستان بأنه المسؤول عما حدث في واشنطن ونيويورك .
4-وبعد انتصار سهل ومتوقع في أفغانستان بدأ الحديث عن المراحل التالية لهذه الحرب ، حيث ترى الولايات المتحدة أنه من الضروري توجيه ضربات عسكرية إلى مراكز تدريب تنظيم القاعدة الموجودة في بعض الدول الأخرى، وكذلك إلى الدول التي ترى الولايات المتحدة أنها تؤوي إرهابيين وفقا للمفهوم الأمريكي للإرهاب وحتى الآن لم يتحدد بعد مكان وزمان الجولة الثانية من هذه الحرب الأمريكية .
وقد تعددت الآراء بصدد الأهداف الأمريكية من هذه الحرب ، الا أنه من الواضح أن الهدف الأساسي هو إعادة بناء التوازنات الدولية والإقليمية في العالم ، بما يتوافق والمصالح الأمريكية العليا , هذه المصالح التي تتمحور حول تحقيق الهيمنة والسيطرة على العالم ، وتكريس موقع القوة العظمى الوحيدة الذي تحتله الولايات المتحدة  لأطول مدى زمني ممكن على قمة النظام الدولي .
وعلى المستوى العربي فوجئت الدول العربية شأنها في ذلك شأن سائر دول العالم بما حدث في الولايات المتحدة ، إلا أن هذه الدول صدمت بتركيز الولايات المتحدة وآلتها الإعلامية الضخمة منذ بداية هذه الأحداث على اتهام العرب والمسلمين بارتكاب هذه الأعمال ، بل وتعرضت الدول العربية - خاصة مصر والمملكة العربية السعودية - لحملة إعلامية شرسة ، ومن ثم وجدت الدول العربية نفسها منذ البداية في موضع الاتهام وفي موقع الدفاع عن النفس بصدد عمل لا يد لها فيه.
وبدلا من أن يجتمع العرب في إطار الجامعة العربية لتدارس الموقف وبناء موقف عربي مشترك ضد هذه الهجمة الشرسة الباطلة من الأساس ، اتجهت كل دولة لنفي التهمة عن نفسها ،في مشهد سياسي محزن.
في حين انتهز أرييل شارون وحكومته الأزمة وحاولوا الربط بين أعمالهم الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية والحرب الأمريكية ضد الإرهاب ، ومن ثم زادت الأعمال الإرهابية الوحشية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وعندما اتجه العرب إلي مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار بوقف هذه الأعمال وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني كان الفيتو الأمريكي لهم بالمرصاد , الأمر الذي أدى إلى ازدياد تعقيد الموقف في المنطقة العربية وطرح علامة استفهام كبيرة حول المستقبل! 
وفي هذا العدد نقدم عرضًا شاملاً لكافة الآراء والقضايا والأطروحات والمواقف حول ما أثير على المستوى العالمي والعربي والإقليمي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كما يتضمن العدد بعض الدراسات والتحليلات المتعمقة حول العديد من الأمور ذات الصلة بهذه القضايا ، لعلنا نستطيع من خلال هذه القراءة البانورامية للأحداث : أن نتلمس ملامح طريق جديد لعمل عربي مشترك جاد يتلاءم مع مستوى الأحداث . 
bottom of page