11/8/2021
اتجاهات أسعار النفط في ضوء التطورات العالمية
على الرغم من حالة الانتعاش الثابت شبه المستمر التي شهدتها صناعة النفط العالمية بعد الانخفاض الذي أصابها في ربيع وصيف 2020، عندما انخفضت أسعار النفط العالمية في ظل انخفاض الطلب بشكل كبير من جانب الاقتصادات الكبرى، فإن طبيعة هذا الوباء العالمي والجغرافيا السياسية الدولية تعني بما لا يثير الدهشة أن عملية التعافي للقطاعات بصورة تصل إلى مستويات الاستقرار الاقتصادي فترة ما قبل الوباء من غير المحتمل أن تكون عملية سهلة.
آخر ضربة من هذا القبيل لعدد لا يحصى من القضايا التي تؤثر على صادرات وواردات النفط العالمية هو الانتشار المتزايد لمتحور دلتا شديد العدوى في أكبر اقتصادين في العالم «الولايات المتحدة والصين»، وكذلك الأحداث في الشرق الأوسط التي تتضمن هجمات عنيفة على السفن التجارية، مع ارتباط هذه الهجمات بقوة بإيران كجزء من «حرب الظل» في المنطقة مع إسرائيل.
وكانت المحصلة النهائية لهذه الأحداث عدة أيام من الانخفاض التدريجي لأسعار النفط الخام في جميع أنحاء العالم. ففي يوم الاثنين الموافق الثاني من أغسطس، انخفض خام غرب تكساس الوسيط -وهو الخام القياسي للنفط الأمريكي- بنسبة 3.43% ليصل إلى 71 دولارًا للبرميل، في حين انخفض خام برنت -المعيار الدولي- بنسبة 3.12% ليصل إلى 73 دولارًا للبرميل.
ولتسليط الضوء على هذه التطورات العالمية وانعكاساتها على انتعاش أسعار صادرات النفط كتب سيمون هندرسون، من معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، وهو مؤسسة بحثية أمريكية مقرها واشنطن العاصمة، مقالاً في «ذي هيل» بعنوان «ماذا يعتبر الأسوأ بالنسبة إلى أسعار النفط - إيران المولعة بالحروب أم تفشي فيروس كورونا؟».
في بداية التحليل تساءل هندرسون: «ما قدر الأخبار السيئة اللازمة لتغيير أسعار النفط؟»، وذلك بالنظر إلى أنه يعتقد أن الهجوم على ناقلة النفط ميرسر ستريت في بحر العرب نهاية شهر يوليو لم يكن السبب الرئيسي لانخفاض أسعار النفط الذي شهدته آسيا يوم الإثنين 2 أغسطس 2021، ولكن السبب الرئيسي كان «المخاوف بشأن الاقتصاد الصيني المتعلقة بفيروس كورونا».
وقد أضاف «سكوت ديسافينو»، من وكالة رويترز، أن تفشي المرض بصورة أكبر في الولايات المتحدة يعني أن «أكبر مستهلكين للنفط في العالم» هم أنفسهم من «يصارعون الانتشار السريع لمتحور دلتا الشديد العدوى»، وبشكل متوقع ترتب على زيادة الإصابات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة والصين انخفاض الطلب على النفط، ومن ثم انخفاض واردات النفط من الدول المصدرة.
ووصف «جو ماكدونالد» و«هويشونج وو» من وكالة أسوشييتد برس هذا الانتشار للفيروس بأنه «الأخطر في الصين منذ ذروة العام الماضي في ووهان»، مع استمرار المتحور «في الانتشار في 17 مقاطعة على الأقل» في البلاد، ووفقًا لـ«فنسنت ني» من صحيفة الجارديان، فإن الحكومة الصينية أعلنت في الرابع من أغسطس 2021 تسجيل 96 حالة فقط، علاوة على ذلك، جددت الحكومة الشيوعية في البلاد أيضًا إجراءاتها الخاصة بمنع الوصول إلى المدن ذات معدلات الإصابة المرتفعة بفيروس كورونا، فضلاً عن تطبيق نهج «عدم التسامح» مطلقًا فيما يتعلق بالحجر الصحي.
وقد انعكست بالفعل زيادة الإصابات على الناتج الاقتصادي الصيني، حيث تشهد البلاد أضعف توسع في الصناعات التحويلية خلال 15 شهرًا، يعد انخفاض الناتج الاقتصادي والإغلاق الفعلي لمدن بأكملها إشارات واضحة على انخفاض استيراد النفط الخام من قبل الصين في الأسابيع والأشهر القادمة، حيث انخفض الطلب بشكل كبير عن الوضع الطبيعي السابق للتوسع الاقتصادي المستمر.
وقد شهدت الولايات المتحدة أيضًا ارتفاعًا مشابهًا في الإصابات بمتحور دلتا، حيث ارتفع إجمالي عدد الإصابات المؤكدة بنسبة 266% في الأسابيع الثلاثة الماضية وحدها، إذ يتم الآن تسجيل نحو 85 ألف حالة يوميا؛ وقد تم إعلان إغلاقات جديدة محتملة في الولايات الأمريكية على الرغم من أنها ليست على قدر صرامة إجراءات الحكومة الصينية. وقد رفض البيت الأبيض حتى الآن رفع قيود السفر من اقتصادات العالم الرئيسية الأخرى المتأثرة بشدة بفيروس كورونا، بسبب مخاطر تسريع انتشار متحور كورونا الشديد العدوى.
وتوافقًا مع هذا الرأي، أرجع «ديسافينو» السبب وراء الأيام الثلاثة المتتالية من انخفاض أسعار النفط في الأسبوع الأول من أغسطس إلى «التراكم المفاجئ في مخزونات الخام الأمريكية، والتقارير الاقتصادية الأمريكي السلبية، والمخاوف من تأثير انتشار متحور دلتا على الطلب على الطاقة العالمية»؛ ففي الولايات المتحدة، أفادت إدارة معلومات الطاقة (Energy Information Administration) بأن مخزونات النفط الخام ارتفعت بمقدار 3.6 ملايين برميل في الأسبوع الماضي فقط، ما أدى إلى انخفاض الطلب الفوري على المزيد من الإمدادات.
وفي الإطار نفسه، اتفقت «جوليان جيجر»، من أويل برايس، مع الرأي القائل إن الانتشار المتزايد لمتحور دلتا في الصين والولايات المتحدة هو السبب الرئيسي وراء هذا الانخفاض الأخير في الأسعار؛ إذ إن «أي انخفاض في الطلب على النفط في هذا المستورد الكبير سيُشعر به حتمًا في سوق النفط العالمية». وتابعت «جيجر» أن المزيد من الإغلاقات في الدول الغربية، بالإضافة إلى موجة جديدة من القيود الصارمة على السفر في العالم، «ستؤثر على الطلب على النفط الذي كان قد بدأ التعافي».
ومع ذلك، فإن المخاوف من تأثير متحور دلتا ليست جديدة؛ ففي أواخر يوليو 2021، أشار «إدوارد مويا»، وهو محلل بارز في شركة أواندا للصرف الأجنبي (OANDA)، إلى أن «التقلبات الحادثة في مجال الطاقة لا تزال مرتفعة؛ حيث يصارع التجار مع ضعف الطلب على المدى القصير بسبب المخاوف المتعلقة بمتحور دلتا والتوقعات باستمرار نقص النفط الخام حتى نهاية العام». مؤكدا أن «النفط سيحاول جاهدًا تعويض كل خسائره إلى أن تبدأ القيود في التراجع في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا وأستراليا وأوروبا».
ومع ذلك، فإن الصلة التي لا شك فيها بين الارتفاع الأخير في الإصابات بمتحور دلتا وانخفاض الطلب العالمي على النفط لا تعني أن الأحداث الأخيرة المتعلقة بالهجمات الإيرانية على الشحن الدولي لم أو لن تؤثر بعد على صادرات النفط الإقليمية أو العالمية؛ فعلى الرغم من أن «جاسون جيورتز» و«باتي دوم» من سي إن بي سي أشارا إلى أن «الحادث لم يحرك أسعار النفط بعد»، فإن هيليما كروفت، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في بنك كندا الملكي، حذرت من أنه «إذا رأينا إشارات حقيقية على أي اضطراب في الإنتاج أو التوصيل فسوف يتحرك السوق بسرعة كبيرة».
ومع ذلك، يبدو أن الحقيقة مازالت متمثلة في أن القضايا العالمية الأكثر إلحاحًا والمتعلقة بصراعات أكبر مستوردي النفط قد طغت على الأحداث في الشرق الأوسط. وبالفعل، ذكر «ديسافينو» أن «التوترات في الخليج» في الواقع قد «أعطت بعض الدعم لأسعار النفط»، بينما أشارت «جيجر» بشكل مماثل إلى أن «أسعار النفط السلبية» الأخيرة جاءت «رغم التوترات في الشرق الأوسط».
وقد أوضح «هندرسون»، في مقاله التحليلي، أن حادثًا مشابهًا للهجوم على ناقلة ميرسر ستريت في خليج عُمان في الماضي «كان من شأنه أن يحدث تأثيرًا كبيرًا في الأسواق»، وأن الانتشار العالمي لمتحور دلتا جعل «أسواق الطاقة تتسم بالهدوء». ومع ذلك، فقد اتفق «هندرسون» على أن العالم الدبلوماسي الدولي «لا يشغل نفسه بهوس التصريحات، رغم أنه ليس هناك أفعال بعد».
في الواقع أنه عندما يقترن هذا الحادث بـ«الاختطاف المحتمل» الأخير لناقلة أخرى قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة، يبدو أن نمطًا خطيرًا من الهجمات على الشحن في المنطقة يلوح في الأفق، وكلما زاد هذا الأمر تعالت التحذيرات من التداعيات الاقتصادية على دول الخليج.
وأشار هندرسون أيضًا إلى أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فإن الأمر المثير للقلق أكثر من انخفاض صادرات النفط على المدى القصير هو «أن الهجوم قد يتسبب في إعادة حسابات» بالنسبة إلى واشنطن ولندن؛ حيث إنه «إذا استطاعت طائرة بدون طيار أو شيء مشابه الاصطدام بناقلة نفط، فإنها تستطيع أيضًا إصابة حاملة طائرات».
رغم التحذيرات سابقة الذكر المتعلقة بفيروس كورونا والهجمات الإيرانية على السفن بالقرب من الخليج العربي تظل الحقيقة هي أن صناعة النفط العالمية ككل قد تعافت بشكل كبير من مستوياتها المنخفضة في عام 2020؛ فقد نقلت سي إن بي سي عن محللين من جيه بي مورجان (JP Morgan) توقعاتهم بزيادة الطلب العالمي على النفط الخام إلى 99.6 مليون برميل في المتوسط يوميًا في أغسطس 2021، بزيادة قدرها 5.4 ملايين برميل يوميًّا على مستوى العالم في أبريل 2021 (24)، بينما ذكرت «أويل برايس» أن دول أوبك واصلت زيادة إنتاجها من النفط الخام، حيث وصل الضخ الجماعي إلى أعلى مستوياته في يوليو 2021 منذ أبريل 2020، حيث وصل إلى 26.72 مليون برميل من النفط يوميا. وذكرت أيضا أنه في أغسطس سوف يرتفع هذا بمقدار 400 ألف برميل أخرى يوميا، ما يشير إلى انتعاش الاقتصادات المصدرة للنفط.
وفي ختام مقاله التحليلي، توصل هندرسون إلى أن «عيون سوق النفط ستظل تراقب الخليج، لكن مخاوفها الرئيسية ستظل متمثلة في تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي».
وبالنظر إلى حجم القلق المتعلق بالانتشار الحالي لمتحور دلتا في كل من الصين والولايات المتحدة، فإن هذه العبارة لها ما يبررها بشكل كبير، ولا يستثني الشرق الأوسط من المخاوف الحالية أو المستقبلية بشأن الهجمات الإيرانية على السفن التجارية، وكيف سيؤثر هذا على اقتصادات منطقة الخليج وعلى قطاع تصدير النفط بشكل عام. وعلى غرار تحليل هندرسون للأحداث، خلصت سي إن بي سي إلى أن «أكثر المخاطر التي تواجه أساسيات السوق يتمثل في تدهور الطلب نتيجة القيود الجديدة التي فرضها فيروس كورونا».