13/8/2021
دول الخليج والتغيرات المناخية
أصبح تأثير التغيرات المناخية خطرًا ماثلاً تتعرض له جميع دول العالم، ولا توجد دولة بمنأى عنه، وقد رأينا في الآونة الأخيرة الفيضانات التي اجتاحت دولا أوروبية وآسيوية وإفريقية، وحرائق الغابات في كندا والولايات المتحدة وتركيا واليونان، وتقلبات الطقس واختلاف مواعيد دخول المواسم المناخية في منطقة الخليج العربي. وتشير التقديرات الاقتصادية إلى خسارة سنوية للاقتصاد العالمي نتيجة لذلك بمقدار 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2025، وتقارب 30 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2075.
وكانت وكالة «فرانس برس»، قد أطلقت في عام 2020، تقريرًا عن تأثير التغيرات المناخية على البشرية، ذكرت فيه أن نحو 166 مليون شخص في الدول النامية احتاجوا المساعدة بين عامي 2015–2019؛ بسبب حالات الطوارئ الغذائية المرتبطة بتغير المناخ، وأن نحو 80 مليون شخص أكثر عرضة لخطر المجاعة بحلول عام 2050. وخلال الـ30 عامًا الماضية بلغ معدل انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية عالميًا ما بين 4–10%، وتراجعت كميات صيد الأسماك في المناطق الآستوائية بمعدل يتراوح ما بين 40–70%، كما أن نحو 2.25 مليار نسمة معرضون لخطر الإصابة بحمى الضنك في آسيا وإفريقيا وأوروبا، مع توقع أن تتزايد الهجرة بسبب الفقر المائي إلى ستة أضعاف النسبة الحالية بحلول عام 2050. وبسبب الإجهاد المائي الناتج عن التغيرات المناخية تتأثر حياة 180 مليون شخص في أمريكا الوسطى والجنوبية، وبسبب ارتفاع درجات الحرارة أصبحت الظواهر المناخية القصوى أكثر تواترًا، وتحذر هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة من احتمال زيادة هذه الظاهرة في السنوات المقبلة.
وكاستجابة لذلك، أطلقت الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة حملة «اعملوا الآن»، دعت فيها الحكومات والشركات، بل والمواطنين للعمل على الحد من الاحتباس الحراري للحفاظ على مناخ صالح للعيش، والوصول إلى خفض انبعاث الغازات الدفيئة إلى معدل صفر بحلول عام 2050، فيما أطلقت «منظمة الأغذية والزراعة»، التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، تحذيرًا من الآثار الناجمة عن تغير المناخ على نظم الإنتاج الزراعي والحيواني والأمن الغذائي ودخل السكان والنظم البيئية وسبل عيش الأجيال القادمة.
وعلى خطى الأمم المتحدة، دشن «البنك الدولي»، خطة العمل 2021– 2025؛ بهدف تحقيق مستويات قياسية من التمويل المتعلق بالأنشطة المناخية في البلدان النامية، والحد من الانبعاثات، وتعزيز التكيف، وتوسيع نطاق الجهود التي يبذلها البنك في الاستثمار في المشروعات الخضراء، بما يدمج الأهداف المناخية والإنمائية معًا، مؤكدًا أن البنك قد قدم إلى الآن أكثر من نصف التمويل المناخي متعدد الأطراف للبلدان النامية، وأكثر من ثلثي تمويل أنشطة التكيف.
وفي تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة بعنوان: «التغير المناخي والبيئي في حوض المتوسط.. الوضع الراهن والمخاطر المستقبلية»، فإن تغير المناخ في حوض المتوسط يحدث بوتيرة أسرع من الاتجاهات العالمية، حيث إن المعدل السنوي الحالي لدرجات الحرارة برًا وبحرًا في هذه المنطقة أعلى بمقدار 1.5 درجة عما كان عليه قبل الثورة الصناعية، وقد يرتفع بمقدار 3.8 – 6.5 درجات قبل نهاية القرن، ما لم تتخذ إجراءات جدية للحد من تغير المناخ.
وفي يونيو2021 في الاجتماع السنوي التاسع للجنة البحر المتوسط للتنمية المستدامة المنبثقة عن البرنامج المذكور بعاليه، جاءت الإشارة إلى انخفاض معدل هطول الأمطار الصيفية ما بين 10–30%، وتفاقم شح المياه، وزيادة التصحر، ونقص الإنتاجية الزراعية، وارتفاع درجة الحرارة في المناطق العميقة في البحر المتوسط، فضلا عن ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون، وزيادة حموضة مياه المتوسط السطحية.
وفيما ارتفع منسوب مياه البحر المتوسط 6سم في السنوات العشرين الأخيرة، فإن هذه الزيادة قد ترتفع إلى متر إذا تسارع ذوبان الجليد في منطقة القطب الجنوبي، وقد تواكب هذا مع تغير نمط استخدامات الأراضي لحساب التوسع العمراني، وتكثيف الإنتاج الزراعي والصيد المفرط والتلوث بجميع أشكاله، وازدياد تركيز الأوزون الأرضي وزيادة انبعاث أكاسيد الأزوت وزيادة عواصف الغبار، وزيادة الطلب على مياه الري بأكثر من 70% تحت ضغط التغيرات السكانية ونمو المراكز الحضرية. وعليه، توقع التقرير انقراض أكثر من 20% من الأسماك واللافقاريات البحرية بحلول 2050، كما سجل تفشي قنديل البحر وازدياد الطحالب وفقدان التنوع الحيوي ونقص المخزونات السمكية.
وبالنسبة لدول الخليج، فإن التغير المناخي والتلوث البيئي يعتبران من أكثر التهديدات إلحاحًا التي تواجه دول مجلس التعاون، حيث شهدت المنطقة في السنوات الأخيرة ظواهر دالة على هذا التغير من ارتفاع كبير في درجات الحرارة والرطوبة والعواصف. وطبقًا للتصنيف العالمي، تعتبر هذه الدول من بين الأكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد.
وفي هذا الصدد، حذر تقرير أممي صادر عن «الهيئة الحكومية الدولية بشأن التغير المناخي»، في 2019، من أن المنطقة المحيطة بالخليج وبحر العرب والبحر الأحمر هي الأكثر عرضة للتضرر من آثار التغير المناخي؛ لارتفاع درجات الحرارة بها طوال الصيف، وندرة الموارد المائية، فضلاً عما تتسم به من خلل كبير في استهلاك الموارد وحماية البيئة مع ضخ الكثير من المياه الجوفية، وتعرض التربة والمياه للتلوث والرعي الجائر، وتلوث الهواء. ومع ارتفاع درجات الحرارة ستكون هناك حاجة أكبر لاستهلاك الطاقة لتشغيل المكيفات، ومع ارتفاع مستوى سطح البحر ستكون هناك حاجة أكبر للإنفاق لحماية البيئة الساحلية. ومع انخفاض هطول الأمطار، إلا أنها حين تأتي تهطل بغزارة ما يقتضي إنفاق أكبر على نظام الصرف.
وتقع دول مجلس التعاون الخليجي تحت ضغط متزايد لإزالة الكربون من نظام الطاقة العالمي، ما يمثل تحديًا، حيث إن توجه العالم إلى الطاقة النظيفة من شأنه تخفيض الطلب على النفط؛ مما يؤثر على إيرادات الدول النفطية، كما تتأثر الواردات الغذائية لهذه الدول؛ بسبب تأثر الإنتاج الزراعي في الدول المصدرة نتيجة التغير المناخي. وتتوقع «أوبك»، أن يحقق الطلب على النفط انخفاضًا بنسبة 9% في 2045، مقارنة بـ2019، بينما يرتفع الطلب على الغاز بنسبة 36%.
وفي الوقت الحالي، سارعت دول مجلس التعاون إلى توجيه الكثير من استثماراتها نحو إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، وتخصيص الأموال للبحوث المتعلقة بتكنولوجيا التخفيف من آثار التغير المناخي. وفيما تخضع جميع دول العالم ومنها دول مجلس التعاون للتدقيق الدولي بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي، فقد قامت هذه الدول بدور نشط في مفاوضات التغير المناخي، حيث استضافت قطر مؤتمر الأطراف السنوي الثامن عشر في نوفمبر عام 2012، وقدمت كل دولة عضو في المجلس، خطة عملها تطبيقًا لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي.
وفي نطاق الحلول التي تتبناها دول المجلس، يأتي الاعتماد على الطاقة الشمسية لإدارة محطات المياه، والعناية بنظافة مياه الخليج، وزراعة الأشجار، وترشيد استهلاك المياه، والحفاظ على الحيوانات والنباتات البرية، فضلا عن تحسين نظام تخزين المواد الغذائية، ومعالجة وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي وتوظيفها لزراعة محاصيل ذات قيمة غذائية عالية، وحماية البنية التحتية الساحلية بوضع دعامات أقوى، وتطوير أنظمة مشتركة للإنذار المبكر، وتطوير أنظمة البناء للتعامل مع الحرارة المرتفعة.
وفي واقع الأمر، يزيد دور شركات الطاقة الوطنية في مكافحة التغيرات المناخية عبر تقليل الانبعاثات الكربونية في الجو، والدور الكبير الذي تلعبه في تلبية الطلب العالمي على الطاقة، فكلما زاد حجم موجوداتها، كلما زادت قدرتها على تحقيق أهداف مكافحة التغير المناخي. وهنا تبرز نماذج شركات «أرامكو» السعودية، و«أدونك» الإماراتية، حيث تسعى الحكومات لتوجيه شركاتها للإنتاج بتكلفة أقل وأخف انبعاثًا للكربون، والاستثمار في التكنولوجيا التي تساعد على تقليل انبعاثات الكربون، وسحبه من الهواء وتخزينه وإعادة استخدامه. ومع سعي تلك الدول أيضًا إلى تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، يبرز دور هذه الشركات في تحقيق مزيج الطاقة وإنتاج الطاقة النظيفة.
وفي أبريل 2021، استضافت الإمارات العربية المتحدة الحوار الإقليمي للتغير المناخي، الذي جمع صناع القرار المعنيين بشؤون المناخ في مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي استبق قمة المناخ في واشنطن، فيما مهد لانعقاد مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي في نوفمبر 2021 في «جلاسجو»، باسكتلندا في المملكة المتحدة؛ لتسريع الجهود الرامية لتحقيق أهداف باريس للمناخ. وأتاح هذا الحوار الإقليمي منصة مختصة لتبادل الخبرات في الاستجابة لتغير المناخ، حيث طرح حلول الطاقة المتجددة الخالية من الكربون، وسبل التكيف مع آثار التغير المناخي، خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي والمائي ومكافحة التصحر.
وتحقيقًا لجاهزية الإمارات للتعامل مع التغير المناخي، رفعت قدراتها من الطاقة المتجددة إلى 14 جيجاوات بحلول 2030، بينما كانت 10 ميجاوات في 2015، وطورت «منشأة الريادة»، كأول شبكة على نطاق تجاري لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه. وبحلول 2030، تكون قد حققت خفضًا في الانبعاثات الكربونية بحوالي 70 طنا.
وفي الإطار ذاته أعلنت المملكة العربية السعودية في مارس 2021 عن مبادرتي «السعودية الخضراء»، و«الشرق الأوسط الأخضر». وأكد ولي العهد السعودي، سمو الأمير محمد بن سلمان، أن بلاده مثلما تقوم بدورها في تحقيق استقرار أسواق الطاقة خلال عصر الطاقة والغاز، فإنها ستعمل على قيادة المنطقة الخضراء في الفترة القادمة. وتقوم السعودية بالعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من الإسهامات العالمية، من خلال مشاريع الطاقة المتجددة التي توفر إنتاج 50% من احتياجات الكهرباء في المملكة بحلول عام 2030، كما تسعى مع دول الشرق الأوسط لزراعة 40 مليار شجرة من خلال برنامج إعادة التشجير في العالم.
وفي نفس السياق، وضعت الكويت خارطة طريق لمشاريع الطاقة البديلة، حيث تستهدف تحقيق 15% من الطاقة المتجددة بحلول 2030. كما تعاونت البحرين مع الولايات المتحدة عبر اجتماع المبعوث الخاص البحريني لشؤون المناخ، مع مبعوث واشنطن «جون كيري» في مارس 2021؛ لبحث التعاون والتنسيق بين البلدين في مجال المناخ. وسبق ذلك في يناير 2021 تدشين المملكة تغير المناخ في جميع الخطط وسياسات الحكومة البحرينية. ومن جانبها، أكدت سلطنة عُمان استمرار دعمها للجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، وحرصها المستمر على توفير كافة مقومات النجاح لهذه الجهود.
على العموم، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى دمج الأهداف المناخية في أهدافها التنموية بما يتماشى مع ظروفها الخاصة كدول تعتمد بشكل كبير على تصدير الوقود الأحفوري، فيما تصدر الاهتمام بمواجهة التغيرات المناخية أعمال المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون في دورته 148 بالرياض في يونيو الماضي، والتي أشادت بكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أمام قمة القادة حول المناخ في أبريل 2021، والتي نوه فيها إلى جهود المملكة في مكافحة التغير المناخي لإيجاد بيئة أفضل.
وما تقوم به السعودية وكل دول المجلس من جهود من شأنها الحفاظ على البيئة بكامل مكوناتها، والمبادرة التي أطلقها ولي العهد السعودي المشار إليها، فيما تتجه دولة الإمارات لاستضافة الدورة 28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي في 2023.