19/8/2021
زيادة حضور المرأة.. أبرز تغيرات سوق العمل البحريني بعد كورونا
يعد أحد أهم المستجدات التي طرأت على سوق العمل البحريني بعد كورونا تلبية مطلب كانت الحركة النسائية البحرينية تسعى إليه منذ وقت طويل، وهو تبني نُظم عمل ملائمة للمرأة، مثل قيامها بتأدية مهام وظيفتها من المنزل، بما يحقق لها التوفيق بين واجباتها المنزلية، وتأدية عملها. وبالفعل، كانت جائحة كورونا وما واكبها من إجراءات احترازية قد اقتضت -كلما أمكن ذلك- تأدية العديد من الوظائف من المنزل، وهو ما ثبت جدواه عمليا. وبذلك، تعد المرأة هي الرابح الأول.. وبتحقيقها هذا الانتصار يحقق الاقتصاد البحريني استفادة كبيرة.
وفي واقع الأمر، فإن أحد الأسباب الرئيسية، التي كانت تجعل القطاع الخاص لا يُقبل على تشغيل النساء، هو المزايا العديدة، التي أسبغها قانون العمل في القطاع الأهلي رقم «36» لعام 2012 على المرأة، ما جعلها قد تنقطع عن العمل ولا تنتظم فيه عدة أيام، بينما يستمر صاحب العمل في دفع أجرها. لكن حاليا، وبعد أن أمكن للمرأة تأدية عملها من المنزل من دون انتقاص، لم يعد هناك سبب لإحجام القطاع الخاص عن تشغيلها. أما بالنسبة لاستفادة الاقتصاد البحريني فتأتي من زيادة نسبة تشغيل المرأة البحرينية، على حساب العمالة الوافدة، بما يقلل الطلب على هذه العمالة، فضلاً عن ارتفاع مستويات دخول الأسرة البحرينية.
وطبقًا لمؤشرات «هيئة سوق العمل البحرينية»، فإن إجمالي العمالة غير البحرينية في العام الحالي 2021 قد شهد انخفاضًا عن العام السابق. وفي نهاية الربع الأول من العام الحالي بلغت هذه العمالة 531,447 مقابل 586,874 في نهاية الربع الأول لعام 2020 بانخفاض بلغ 9,4%. أما العمالة البحرينية فقد بلغت 153,757 بانخفاض طفيف بلغ 1,9%، وبهذا يصبح إجمالي التشغيل في المملكة 685,204 بانخفاض بنسبة 7,9% عن العام السابق، وبلغت الزيادة في تشغيل القطاع الخاص للعمالة البحرينية 1538 بزيادة 18,8% عن العام السابق، فيما يظل قطاع التشييد هو أكثر القطاعات الاقتصادية استحواذا على تصاريح العمل للعمالة الوافدة المنتظمة بنسبة 31,8%، يليه قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 19,8%.
يأتي هذا فيما تستهدف «الخطة الوطنية لسوق العمل»، (2021 - 2023)، توفير المزيد من فرص العمل، وتعزيز أفضلية البحريني عند التوظف وجعله الخيار الأفضل، مع الاستمرار في تحقيق مواءمة مخرجات النظام التعليمي مع احتياجات سوق العمل، وهو هدف يعمل على تحقيقه «المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب»، برئاسة سمو الشيخ محمد بن مبارك نائب رئيس مجلس الوزراء. ويقوم هذا المجلس على وضع وتنفيذ خطة مطورة ومستدامة للتعليم ما بعد المدرسي، من أجل إعداد كوادر وطنية ذات مستوى عال، إضافة إلى منصة مهارات التوظيف كمنظومة إلكترونية تشمل بيانات أهم المهارات والوظائف التي يتيحها سوق العمل، فضلاً عن استهداف ترشيد استقطاب العمالة الوافدة كعنصر مكمل للمهارات لسوق العمل وفق مقتضيات التنمية.
وتسعى الخطة -المذكورة- إلى توظيف 25 ألف بحريني، وتوفير 10 آلاف فرصة تدريب في 2021، فيما وضعت الخطة إحدى ركائزها توفير المرونة اللازمة لانخراط مختلف شرائح المجتمع في سوق العمل، مع الأخذ في الاعتبار التجارب الناجحة التي تم اختبار فاعليتها على أرض الواقع، مثل مبادرات نظام العمل الجزئي، والعمل عن بعد، ومتطلبات العمل المرن في بعض الوظائف القادرة على الاستفادة من قوة العمل النسائية المنتجة. وتؤكد الخطة تكامل وانسجام جهود مختلف مؤسسات إدارة سوق العمل مع توجهات الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية (2013 - 2022)، التي يشرف عليها «المجلس الأعلى للمرأة»، والهادفة إلى استدامة مشاركة المرأة البحرينية في سوق العمل.
وبحسب إحصاءات عام 2021، فإن معدل مشاركة المرأة البحرينية في القوى العاملة الوطنية قد بلغ 43% -وهو يزيد على المعدل العربي البالغ 18%- فيما تجاوزت نسبة حضورها في القطاع الحكومي 53%، وخاصة في قطاعي التعليم والخدمات الصحية، بينما تبلغ نسبة حضورها في العمالة الوطنية في القطاع الخاص 35%. وتتولى المرأة البحرينية 46% من المناصب القيادية العليا في القطاع الحكومي، وتتشارك في الوظائف التخصصية بنسبة 62%. وخلال السنوات العشر الماضية زاد عدد النساء في عمليات الإشراف في الفرع التنفيذي للحكومة بأكثر من 200%، وترتفع نسبة مشاركة المرأة في عضوية مجالس إدارة شركات القطاع الخاص فتبلغ 17%، وتبلغ نسبة السجلات التجارية الفردية النشطة المملوكة لنساء بحرينيات نحو 43% من إجمالي السجلات الفردية النشطة، فيما تبلغ نسبة المستثمرات البحرينيات في البورصة 28% من إجمالي المستثمرين. وتشكل النساء البحرينيات 43% من مجموع رواد الأعمال البحرينيين.
وبكل المقاييس، جاء توجيه جلالة الملك في 21 مارس 2020 -ثم إقرار اللجنة التنسيقية العليا برئاسة سمو ولي العهد- بسياسة العمل الحكومي من المنزل، وتوسيع العمل بهذه السياسة في 2 أبريل 2020، بما يواكب توجهات «الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية»، ويدعم خطط وبرامج تقدمها في مختلف المجالات الاقتصادية، كمدخل رئيسي لتحقيق الاستقرار الأسري، ورفع جودة حياة الأسرة البحرينية، وخاصة أن هذه السياسة من شأنها زيادة تفعيل طاقات المرأة البحرينية، وتعزيز قدرتها على المواءمة بين مقتضيات العمل والواجبات الأسرية، والإسهام في تعزيز الاقتصاد الوطني، ورفع نسبة حضور المرأة في سوق العمل، فضلاً عن تعزيز مكانة البحرين في المؤشرات الدولية التي ترصد هذه النسبة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه السياسة تدعم حضور المرأة في مجالات علوم المستقبل، وهي العلوم الخاصة بمجالات التقنية والابتكار، كالذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، وغيرها من المجالات التي يمكن للمرأة القيام بها من أي مكان. وتعتبر نُظم العمل المرنة التي طبقتها البحرين طوال أزمة كورونا واحدة من أهم الإجراءات التي استهدفت تحقيق أقصى درجات الأمن الوظيفي والاجتماعي للمرأة العاملة، وجاءت ضمن برامج المجلس الأعلى للمرأة المتوجهة إلى تشجيع المؤسسات والشركات على توفير بيئة عمل داعمة للمرأة.
وفي ظل جائحة كورونا، قامت رائدات أعمال بحرينيات بتطوير نماذج تشغيل مشروعاتهن وضمان استمرارية إنتاجها وتنافسيتها، وإدارة تلك المشروعات بطريقة مرنة، كالتعامل مع العملاء عبر القنوات الرقمية، والاستفادة من نظام العمل عن بعد، والتسوق الرقمي، كما بدأ كثير منهن بتطوير أعمالهن؛ بما يلبي الطلبات المستجدة للأسواق والمستهلكين.
ومع وضع ذلك في الاعتبار، قام «المجلس الأعلى للمرأة» بمراجعة «الخطة الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية»، (2021 - 2022)، آخذا في الحسبان السياسات والتدابير المؤقتة للتكيف مع ظروف الجائحة، ومواجهة وتجاوز آثارها. ووضع المجلس أولوية التركيز على تبني مسارات متعددة مرنة للتطوير المهني والوظيفي؛ بما يلبي الاحتياجات المتغيرة في سوق العمل، إضافة إلى دعم المرأة للاستفادة من فرص التعلم مدى الحياة، بما يحقق التوازن المنشود في سوق العمل بمختلف مستوياته ومجالاته.
وإذا كانت جائحة كورونا قد صعدت من دور المرأة في المشاركة الاقتصادية، من خلال زيادة نسبة حضورها في سوق العمل، عبر إقرار سياسة العمل من المنزل، فإنها أيضًا كانت عاملاً مسارعًا في تطوير التكنولوجيا المالية، وزيادة إسهام المرأة البحرينية فيها، وهو قطاع يزدهر في البحرين، ومن المتوقع استمرار نموه بوتيرة متصاعدة خلال السنوات المقبلة. وفي هذا المجال تزداد الفرص أمام المرأة. ووفقًا لبيانات «المصرف المركزي البحريني»، فإن إجمالي العمالة الوطنية في قطاع الخدمات المالية يمثل 59%، وتمثل المرأة البحرينية 39% من هذه العمالة، و33.2% من المناصب الإدارية. وأوضح تقرير «مواهب التكنولوجيا المالية في البحرين لعام 2018» أن ما يقرب من 70% من النساء الأكاديميات الناشطات في التجارة، أو ما يتعلق بالتكنولوجيا والهندسة، لهن اهتمام كبير بالجانب المهني في قطاع التكنولوجيا المالية؛ لهذا، كان إطلاق «مبادرة البحرين للمرأة في التكنولوجيا المالية عام 2018»، لخدمة ودعم النساء العاملات في هذا القطاع، وتعزيز تواجدهن فيه.
وتشمل أهداف المبادرة تشجيع النساء على الصعود في مجال الأعمال التجارية، وزيادة الوعي بمنافع هذه التكنولوجيا، وفتح الباب أمام الفرص الوظيفية للنساء في مجال التكنولوجيا المالية على الصعيدين المحلي والدولي. علاوة على ذلك، شكل «المجلس الأعلى للمرأة» «لجنة المرأة في التكنولوجيا المالية»، والتي وضعت خطة تنفيذية لها (2021 - 2022)، تقوم على محاور السياسات والإرشاد والتوجيه والتثقيف والخدمات. وتأتي «مبادرة المرأة في التكنولوجيا المالية» ضمن مبادرات نوعية عززت حضور المرأة في مجال التقنية والاقتصاد الرقمي، شملت المبادرة الوطنية للتوازن بين الجنسين في علوم المستقبل، وتعزيز التوازن بين الجنسين في مجال التكنولوجيا المالية، وتوفير 1000 فرصة تدريب للفتيات في هذا المجال.
وفي ترجمة فعلية لهذه الجهود، احتفل «المجلس الأعلى للمرأة» بالشراكة مع «زين البحرين» ومركز «كليفر بلاي»، في 27 يونيو الماضي، بتخريج الدفعة الأولى من هؤلاء الفتيات، مطلقًا مسيرتهن في هذا المجال. ويأتي هذا التدريب في إطار برنامج «مخيم التكنولوجيا للفتيات» ضمن يوم المرأة في علوم المستقبل، والذي يستهدف تحقيق التوازن بين الجنسين في مجال هذه العلوم، وإعداد المرأة لتقلد الوظائف التي تتيحها منذ وقت مبكر. وبمناسبة التخرج تم إعلان الاستمرار في تنفيذ هذا البرنامج، وإقامة نسخة ثانية منه، كتدريب متقدم يستهدف (50 - 100)، فتاة من المتميزات في النسخة الأولى، وتدريبهن على موضوعات متعددة ترفع مهاراتهن في المجالات الإلكترونية.
ومن المعلوم أن قطاع المعلومات والاتصالات كان من أبرز القطاعات التي صعدت في ظل أزمة كورونا، وتشكل التكنولوجيا المالية جزءا من هذا القطاع. وفي أثناء الجائحة، كانت نسبة البحرينيات العاملات في قطاع المعلومات والاتصالات 38% من إجمالي البحرينيين في القطاع العام، و32% من العاملات في شركات الاتصال القائمة في مملكة البحرين.
ومع التسليم بأنّ حضور المرأة البحرينية قد زاد في قطاع الاتصالات والمعلومات، فإن حضورها كان أكبر في القطاع الصحي، وهو القطاع الأول في مواجهة كورونا، إذ شكلت نسبة الطبيبات 65% -وهو أعلى من المستوى العالمي البالغ 46%- وشكلت الممرضات البحرينيات 76%، ومثلت المرأة البحرينية 75% من العاملين ضمن الصفوف الأمامية للفريق الوطني لمكافحة كورونا، ومثلت 80% من العاملات في المناصب التنفيذية، و69% من الوظائف الفنية، و84% من العاملين ضمن الفريق الميداني في عمليات الحجر والعزل والكشف عن الحالات، و71% من إجمالي العاملين في المختبر، و78% في تحليل وجمع البيانات.
وفي المجال التعليمي، حققت المرأة حضورًا كبيرًا، مقارنة بالرجل، إذ اعتمدت العملية التعليمية في ظل الجائحة على تبني نظام التعليم عن بعد. وبلغت نسبة خريجات التعليم العالي 62% في 2020، بنسبة ارتفاع بلغت 5% خلال الفترة (2010 - 2020)، وارتفعت نسبة العميدات البحرينيات من إجمالي العمداء البحرينيين في هذه الفترة من 7% إلى 33%، وبلغت نسبة المرأة 55% من إجمالي رؤساء الأقسام في الجامعات، فيما بلغت نسبة الأكاديميات البحرينيات 49%، وبلغ إجمالي شغل المرأة لمناصب التعليم العالي 46%.
على العموم، يعد صعود المرأة البحرينية في سوق العمل هو الإنجاز الأبرز في ظل جائحة كورونا، على حساب العمالة الوافدة، وخاصة مع وضع ضوابط عديدة تحد من استقدام هذه العمالة، على رأسها أنها تأتي كعمالة مكملة وليست بديلة للعمالة الوطنية، كما كان للجهود الكبيرة التي قام بها «المجلس الأعلى للمرأة» دور كبير في إعداد وتأهيل المرأة البحرينية لاغتنام الفرص التي أتاحتها الجائحة، وخاصة في المجالات الأكثر ملاءمة لعملهن؛ ولهذا تأتي احتفالية المجلس بيوم المرأة البحرينية في هذا العام تحت عنون «المرأة البحرينية في التنمية الوطنية».