top of page

17/9/2021

الأمن الغذائي الخليجي.. والتغيرات المناخية

في 9 أغسطس 2021. أصدرت «الهيئة الحكومية الدولية»، المعنية بتغير المناخ، التابعة للأمم المتحدة، تقريرها الذي قدم تقديرات جديدة لاحتمالات تجاوز مستوى الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية في العقود المقبلة. وخلص إلى أنه لا سبيل إلى الحد من الاحترار العالمي، من دون تحقيق تخفيضات واسعة النطاق في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخاصة أن الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية، هي المسؤولة عن هذا الارتفاع، وذلك منذ الحقبة الزمنية (1850– 1900).

 

وفي هذا الصدد، طالب الأمين العام للأمم المتحدة، «أنطونيو جوتيرش»، من كل دول العالم اتخاذ خطوات وإجراءات سريعة وجذرية، وخاصة مع توقع تكرار الموجات الحارة كل 10 سنوات بعد أن كانت تحدث كل 50 عاما؛ بسبب الاحتباس الحراري. وفي الواقع، فإن التغير المناخي أصبح حقيقة واقعة، ومن ثمّ، أخذت معظم دول العالم العديد من التدابير الاحترازية للحد من آثاره السلبية، سواء فيما يتعلق بمنع تغول مياه البحر على اليابسة، أو مقاومة التصحر، أو تغيير تكنولوجيا الأجهزة المنزلية والسيارات والأجهزة الصناعية لتصبح أقل استهلاكا للطاقة، وأقل تأثيرا على طبقة الأوزون، أو التحول إلى الوقود النظيف، والتخلي عن استخدام الفحم في إنتاج الطاقة، وعدم دعم الوقود الأحفوري بصفة عامة.

 

شملت هذه الإجراءات أيضًا، التوسع في استخدام محطات الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، بديلا عن التي تعمل بالفحم، فضلا عن التوسع في المساحات الخضراء والمحافظة على ما تبقى من غابات، والتوسع في الاستزراع السمكي، واستنباط سلالات نباتية تستطيع التعامل مع ارتفاع درجة الملوحة، ووضع اشتراطات قاسية على المصانع للحد من انبعاث الغازات الدفيئة، والمحافظة على التنوع البيولوجي، إلى غير ذلك من الإجراءات الاحترازية، التي تقع تحت عنوان التحول إلى الاقتصاد الأخضر أو الاقتصاد منخفض الكربون. وبشكل عام، تؤثر التغيرات المناخية في الإنتاج الزراعي، ومن ثمّ، تحقيق الأمن الغذائي بسبب الارتفاع في درجات الحرارة، وقلة هطول الأمطار، ومدى توافر المياه العذبة والجفاف والفيضانات، والتقلبات المناخية الشديدة، وتنوع الآفات والأمراض النباتية، وزيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، وتركيزات طبقة الأوزون، وارتفاع مستوى سطح البحر، وحرائق الغابات.

 

ويتباين تأثير التغيرات المناخية في الزراعة بين دول العالم، فالمناطق الحارة والمعتدلة هي أشد تأثرًا من المناطق الباردة، ورغم التقدم التكنولوجي في الإنتاج الزراعي، واستخدام الهندسة الوراثية، والزراعة من دون تربة، وتطوير أنظمة الري، إلا أن المناخ ما زال يشكل أحد العوامل الرئيسية في الإنتاجية الزراعية، حيث يؤدي الاحتباس الحراري إلى زيادة أعداد الآفات الحشرية، وإكساب الحشرات دورات إضافية، ما يحدث طفرة في أعدادها، ويؤدي إلى الإضرار بإنتاج المحاصيل الأساسية، مثل القمح، وفول الصويا، والذرة.

 

وتشير العديد من التقديرات إلى أن تغير المناخ يمكن أن يتسبب في انخفاض المحاصيل على مستوى العالم، بما يزيد على 30%، بحلول 2050. وفي حال أدى تناقص الإمدادات الغذائية إلى ارتفاع الأسعار، فقد يواجه ما لا يقل عن 50 مليون شخص إضافي انعدام الأمن الغذائي. وبالفعل، تزايدت هذه الأعداد، ففي 2019. عانى ما يقرب من 750 مليون شخص على مستوى العالم من انعدام الأمن الغذائي.

 

ولأن منطقة الخليج تقع ضمن مناطق العالم الحارة الأكثر تعرضًا للتداعيات السلبية للتغيرات المناخية، فضلاً عن كونها المنتج الرئيسي للوقود الأحفوري؛ فقد سعت هذه الدول للمشاركة في إيجاد صيغ وحلول مناسبة لمواجهة التغير المناخي. ودعما لهذه الخطوات، استضافت الإمارات في أبريل الماضي «الحوار الإقليمي حول التغير المناخي»، الذي انعقد قبيل قمة القادة للمناخ في واشنطن، والذي شارك فيه «جون كيري»، المبعوث الأمريكي لشؤون تغير المناخ، و«ألوك شارما»، رئيس الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ، وكبار المعنيين بشؤون المناخ من دول مجلس التعاون الخليجي، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، في سبيل التوصل إلى حلول متقدمة وعملية يمكنها مساعدة دول العالم لتحقيق أهدافها المناخية، تزامنًا مع تحقيق النمو المستدام، حيث تناول الحوار سبل التكيف مع آثار تغير المناخ، التي تهم المنطقة على نحو خاص، مثل الأمن الغذائي والمائي والمحافظة على البيئة.

 

وفي إطار هذه الجهود، جدد رئيس اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي، رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين «سمير عبدالله ناس» في مايو 2021. المطالبة بوضع استراتيجية موحدة للأمن الغذائي الخليجي. وأصدر الاتحاد في اجتماع سابق مع وزراء التجارة والصناعة في دول المجلس، توصية بضرورة التكامل الخليجي في ملف الأمن الغذائي، بما يعزز فرص تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية. وشدد «ناس» على ضرورة تبني سياسات غذائية خليجية موحدة متكاملة غير متنافسة، تخدم توجهات حكومات دول المجلس في تحقيق الأمن الغذائي، محذرًا من وجود مخاطر صعبة في تحقيق نسب معتبرة من الاكتفاء الذاتي في الأمن الغذائي.

 

وتتسبب التغيرات المناخية والاستجابة لها في انخفاض صادرات دول المجلس من الوقود الأحفوري، بسبب تحول المستوردين إلى مصادر الطاقة النظيفة، ما يؤثر في مدخولات دول المجلس، التي تعتمد بشكل رئيسي على هذه الصادرات. ومن ناحية أخرى، فإن تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي العالمي، سيؤدي إلى رفع أسعار المنتجات الزراعية، وتقليل إمداداتها، إذ إن المنتجين سيسعون إلى تلبية الطلبات المحلية، في الوقت الذي تسجل فيه التغيرات المناخية التي تتعرض لها دول المجلس، ارتفاعا في درجات الحرارة، وفي مستوى سطح البحر، وانخفاضا في معدل هطول الأمطار.

 

ومع مواكبة جائحة كورونا للتغيرات المناخية لجهة التأثير في الأمن الغذائي، حيث إن نحو 90% من احتياجات دول الخليج الغذائية يأتي من الخارج، مع احتمال أن تقوم بعض الدول المصدرة الكبيرة للمواد الغذائية بحجب صادراتها عن الأسواق، لتلبية احتياجات السوق المحلي -كما فعلت روسيا وكازاخستان- فقد عُقد اجتماع استثنائي تحضيري لوكلاء وزارة التجارة والصناعة بدول مجلس التعاون في أبريل 2020. ركز على تعزيز أوجه التعاون في المخزون الاستراتيجي الغذائي، وإمكانية إيجاد قانون الخزن الغذائي على المستوى الخليجي، استرشادًا بالقانون الاتحادي الذي أصدرته الإمارات.

 

ووفق هذا المعنى، ناقش الاجتماع الورقة المقدمة من الكويت، بشأن إنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة موحدة لدول المجلس، خاصة أن تحقيق هذا الأمن يواجه عددا من المحددات الديمغرافية الصعبة، فدول المجلس تقع في منطقة صحراوية تتسم بندرة الموارد الطبيعية، فيما تعاني من ضعف الإنتاج الزراعي، الذي لا يسهم بأكثر من 1.4% من ناتجها المحلي الإجمالي، ولهذا، تعتمد معظمها على الخارج في توفير احتياجاتها الغذائية. وتبلغ نسبة الاعتماد على واردات الحبوب 100% في البحرين والكويت وقطر، و96% في الإمارات و94% في سلطنة عمان، و92% في السعودية.

 

وفي ترجمة فعلية، اعتمدت دول المجلس في تحقيق أمنها الغذائي على قدراتها المالية وتحمل تكاليف الغذاء وتوفيره، ولهذا حازت على مراكز متقدمة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي الذي يقيس العوامل المتعلقة بالقدرة على تحمل تكاليف الغذاء وتوافره وجودته. وفي إطار التنسيق المشترك، سعت هذه الدول إلى تأكيد وجود مخزون غذائي يكفي استهلاكها مدة 6 أشهر يشمل الحبوب والأغذية الأساسية والفواكه والخضراوات واللحوم ومنتجات الألبان والأسماك، وذهب بعضها إلى مراكمة مخزون يغطي احتياجات عام من القمح، فيما استثمرت بشكل كبير في البنية التحتية اللازمة لهذا الأمر؛ لتعويض الانقطاع، الذي قد يحدث في الإمدادات، وغدت السعودية مثلاً تمتلك أكبر مخزون غذائي في الشرق الأوسط.

 

وفي سبيل ذلك، اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي الاستثمار الخارجي في المجال الزراعي، خيارا استراتيجيا لتحقيق الأمن الغذائي، حيث استحوذت الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي على نحو 30% من شركة «دعوات للأغذية المحدودة التابعة لصندوق الأعمال الزراعية في الهند»، كما استثمرت الشركة أيضا في إنتاج القمح الأوكراني والأسترالي، فيما شجعت السعودية رجال الأعمال بها على الاستثمار الخارجي الزراعي، وانتشرت هذه الاستثمارات في إثيوبيا والفلبين والسودان وموريتانيا وبولندا والولايات المتحدة.

 

وبالمثل، استحوذت شركات إماراتية على مساحات شاسعة من الأراضي في أوروبا وإفريقيا لزراعتها، واستثمرت في مجال الصناعات الغذائية، ومزارع تسمين الثروة الحيوانية، والصوامع، كما تستثمر شركة «راكو مسك»، الكويتية، 250 مليون دولار في الإنتاج الزراعي في السودان. وغدت الكويت تحتل المرتبة الثالثة بين الدول التي تقوم باستثمارات مباشرة في السودان بقيمة 7 مليارات دولار، كما ركزت الاستثمارات الزراعية القطرية، سواء كانت حكومية أو خاصة على البلدان المعروفة بمناخها الملائم، فكانت هذه الاستثمارات في تركيا والسودان والفلبين، واتجهت مملكة البحرين إلى الاستثمار الزراعي في السودان والهند.

 

ويمثل تحقيق الأمن الغذائي الخليجي عن طريق التوجه إلى الخارج رؤية استراتيجية لدول المجلس؛ ومن ذلك، يمثل التحالف «الخليجي- السوداني» في مجال الأمن الغذائي ركيزة أساسية، وخاصة مع امتلاك السودان نحو 200 مليون فدان صالحة للزراعة، و107 ملايين رأس من الثروة الحيوانية، وتوفيره حوافز سخية للاستثمار الزراعي فيه، متمثلة في إعفاءات جمركية وضريبية وتسهيلات إجرائية، واتساع فرص الاستثمار، حيث إن المساحة المستغلة من الأراضي الزراعية فيه لا تتجاوز 20% من إجمالي المساحة المتاحة للزراعة، وكثيرًا ما تم تناوله في أدبيات آفاق العمل العربي المشترك على أنه «سلة غذاء الوطن العربي كله»، إلا أن عوامل سياسية وقفت في طريق استثمار هذه السلة عربيًّا.

 

على العموم، إذا كان السودان في طريقه إلى تحقيق الاستقرار -وخاصة بعد رفعه من قائمة العقوبات الأمريكية- وكان تدفق الاستثمارات الخليجية إليه يمثل طوق إنقاذ لخروجه من أزماته الاقتصادية؛ فإن الاستثمار في السودان يمثل في الوقت نفسه ركيزة لأمن غذائي خليجي مستقر.

{ انتهى  }
bottom of page