21/9/2021
الإمارات والمملكة المتحدة.. شراكة من أجل المستقبل
في الوقت الذي تجمع فيه المملكة المتحدة بين تعافيها الاقتصادي من آثار فيروس كورونا، والرغبة في إبرام اتفاقيات تجارية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أكبر عدد ممكن من البلدان؛ أعلن أن الإمارات العربية المتحدة ستستثمر 10 مليارات جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني، وأنه تم الاتفاق على «شراكة من أجل المستقبل»، تشمل المجالات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية.
وبالنسبة إلى البلدين، فإن الاستثمارات المخطط لها في العلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية مفيدة، كجزء من استراتيجية المملكة المتحدة، وخطط الاستثمار الدولية طويلة المدى الخاصة بالإمارات. علاوة على ذلك، فإن هذه الاتفاقيات تعتمد بالأساس على الشراكة الإماراتية البريطانية، التي تم إطلاقها في مارس 2021. فيما جاءت في وقت يحتفل فيه البلدان بالذكرى الخمسين لاستقلال الإمارات عن المملكة المتحدة عام 1971.
كان العنصر الأول في هذا التعاون الاقتصادي، الذي تم تأكيده هو إعلان اتفاقية جديدة للاستثمار الاقتصادي من الإمارات، مع بيان صحفي رسمي صادر عن وزارة التجارة الدولية البريطانية، نشر في 16 سبتمبر 2021. يعلن أن الاتفاقية «ستوسع بشكل كبير الشراكة الاستثمارية بين البلدين مع زيادة ملحوظة في الاستثمار في ثلاثة قطاعات، (التكنولوجيا، والبنية التحتية، ونقل الطاقة)، المخطط لها على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ووفقا لصحيفة «فاينانشال تايمز»، فإن الإمارات «تعهدت باستثمار 10 مليارات جنيه إسترليني في المملكة المتحدة»، في خطوة من شأنها أن تقدم دفعة كبيرة للاقتصاد البريطاني، وخاصة قطاعي العلوم والتكنولوجيا. كما أن الرقم النهائي للاستثمارات المخطط لها قد تضاعف عن ما تم إعلانه لأول مرة في مارس الماضي. فيما تعهدت «شركة مبادلة للاستثمار»، باستثمار 800 مليون جنيه إسترليني في قطاع العلوم في المملكة المتحدة.
وعند توقيع الاتفاقية، أكد «خلدون المبارك»، الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة، أن الإمارات استثمرت بالفعل 1.1 مليار جنيه إسترليني في شركات بريطانية منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، وأن 500 مليون منها قد اسُتثمرت في شركة البنية التحتية للاتصالات سيتي فايبر». وفي هذا السياق، اعتبر وزير الاستثمار البريطاني، «جيري جريمستون»، هذا الحدث، إضافة إلى الاقتصاد، قائلا: إن «هذه الشراكة انتقلت من قوة إلى قوة، وتوسعها دليل على فعاليتها، مع كون هذه الصفقة الاستثمارية هي «الأكبر من نوعها حتى الآن. وبالمثل، صرح «ثاني الزيودي»، وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، أن بلاده تعتقد أن علاقاتها مع «الاقتصادات ذات التفكير المماثل، والتطلع إلى الخارج، «ضرورية» لاستمرار ازدهارها الاقتصادي.
ومع توسع هذه الصفقة في مستويات الاستثمار المتفق عليها بالفعل، فإنه من المنطقي أن يزداد مستوى الدعم الإماراتي للشركات والصناعات البريطانية في الوقت المناسب. وتشير «رويترز»، إلى أن بريطانيا تأمل في استثمار قيمته 1.4 مليار جنيه إسترليني قبل نهاية عام 2021. كما ذكر «سايمون بيني»، المفوض التجاري للمملكة المتحدة في الشرق الأوسط، أن هذا الهدف كان ضمن خططها. ومن المؤكد أن هذا المستوى من الاستثمار سيسهل زيادة الإيرادات التجارية السنوية بين البلدين، والتي تبلغ حاليًا 18.6 مليار جنيه إسترليني. فضلا عن ذلك، بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار المشترك بينهما حوالي 13.4 مليار جنيه إسترليني في عام 2019 وحده.
وبالإضافة إلى الانتهاء من وضع الإضافات على الشراكة في 16 سبتمبر 2021. التقى ولي عهد أبو ظبي، الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، برئيس الوزراء البريطاني، «بوريس جونسون»؛ لمناقشة زيادة التعاون الاقتصادي على المستوى الحكومي، وكذلك مجموعة من القضايا الإقليمية. وأعقب ذلك تأكيد بيان مشترك على «تعاون جديد» بشأن الاهتمامات المتعلقة بتغير المناخ، والاستقرار الإقليمي، والأمن الغذائي، بموجب اتفاقية بعنوان «الشراكة من أجل المستقبل».
وفي هذا الصدد، علقت صحيفة «فاينانشال تايمز»، بأنها «زيارة تهدف إلى تعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين». فيما أعلنت صحيفة «ذا ناشيونال نيوز»، أن «الشراكة من أجل المستقبل» من شأنها «إطلاق حقبة جديدة من العلاقات بين البلدين» تقوم على أساس إرساء ركائز القيادة الجماعية للتنمية المستدامة ومعالجة القضايا العالمية. وأضافت الصحيفة أيضًا أن الاتفاقيات الجديدة ستكون بمثابة «منصة انطلاق لتعزيز التجارة والاستثمار والابتكار». ومن جانبه، أثنى رئيس الوزراء «جونسون»، على هذه الشراكة، بقوله إنها «تختلف في الحجم والطموح عن أي خطة أخرى مماثلة مع دول أخرى».
من ناحية أخرى، تم مناقشة تعزيز التعاون الأمني في الخليج من قبل ولي عهد أبوظبي، ورئيس الوزراء البريطاني. كما جرى الاتفاق على أن تشارك وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة، «ليز تروس»، و«عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية الإمارات في رئاسة الحوار الاستراتيجي السنوي؛ لاستعراض الأحداث الإقليمية وما أحرز من تقدم في هذا الصدد، وتعزيز التعددية وتحسين التعاون في ظل وجود الإمارات كعضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بين عامي 2022 و2023.
علاوة على ذلك، تم التطرق أيضًا إلى المسائل المشتركة المتعلقة بالتعليم والثقافة والصحة والابتكار والعلوم ومنع التمويل غير المشروع، حيث ذكر «جونسون»، أن البلدين سيعالجان بشكل مشترك قضايا، مثل وباء كوفيد 19. والتغير المناخي «وسط» توافق «مع» أهداف المملكة المتحدة والإمارات على المدى الطويل». وفي إطار السعي إلى التصدي للتمويل غير المشروع، والذي يشمل ما يتعلق بتمويل بالإرهاب والجريمة المنظمة، وقعت وزيرة الداخلية البريطانية، «بريتي باتيل»، في 17 سبتمبر 2021 ما وصفته الحكومة بـ«الاتفاقية الأولى من نوعها» مع وزير دولة، لزيادة التعاون في هذا الشأن، واعتراض المدفوعات والتحويلات المالية المشبوهة التي من شأنها أن تشكل مخاطر أمنية وطنية مشتركة. وانتهز «جونسون» هذه المناسبة لتوجيه الشكر للإمارات على دورها المهم في تسهيل إجلاء الأشخاص من أفغانستان في أعقاب سيطرة حركة طالبان على البلاد، لافتًا إلى أن «إجلاء الرعايا البريطانيين من أفغانستان لم يكن ممكنًا لولا صداقة الإمارات ودعمها».
علاوة على ذلك، أكد «محمد بن زايد»، و«جونسون» التعاون المشترك بين البلدين والعلاقات التاريخية، حيث احتفل الزعيمان بالماضي، بينما يتطلعان بحزم نحو المستقبل. وكجزء من ذلك، هنأ رئيس الوزراء، الإمارات بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلالها، وتحدث عن رغبة بلاده المستمرة في توثيق التعاون الاقتصادي والدبلوماسي والدفاعي معها. ومن جانبه، قال الشيخ «محمد بن زايد»: إن «أحد أهم جوانب مشروعنا التنموي على مدى الخمسين عامًا القادمة، هو تعزيز الشراكات التنموية مع مختلف دول العالم، خاصة مع المملكة المتحدة». وانعكس هذا الشعور من قبل رئيس الوزراء البريطاني عندما تحدث عن «أهمية هذه العلاقة بالنسبة إليه شخصيًّا»، وأنه في حين أن «الإمارات والمملكة المتحدة تشتركان في تاريخ طويل»، فإنه يعتبر الاتفاقيات والصفقات التي تم التوصل إليها في سبتمبر 2021 تهتم بشكل أساسي «بالنظر إلى المستقبل».
وفي سياق أوسع، يمكن اعتبار هذه الاتفاقيات جزءًا من الخطط طويلة الأجل للبلدين للتنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي. وعلق «جيري جريمستون»، وزير الاستثمار البريطاني، على أن الاستثمارات الإماراتية في التقنيات الخضراء يجب أن يُنظر إليها «في سياق رغبة المملكة المتحدة في استمرار علاقاتهما الثنائية بصورة قوية»، وأضاف قائلاً: أنه «ربما لم نكن دائمًا نولي نفس القدر من الاهتمام الذي ينبغي أن نفعله في الماضي لهذه العلاقات التاريخية القوية مع الإمارات، غير أن قادتنا شعروا تمامًا أن هذا هو الوقت المناسب لتنشيط هذه العلاقات».
ومما لا شك فيه، أن هذه الصفقات التي تم إبرامها مع لندن تقع أيضًا ضمن أهداف التنويع الاقتصادي للإمارات، وكما أوضح «حنا زيادي» من شبكة «سي إن إن»، فإنه «سيتم تحديد أولويات الاستثمارات بناءً على قدرتها على دعم خلق فرص العمل في كلا البلدين، وتعزيز قدرات البحث والتطوير الوطنية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية». ولعلها تسير وفق ما وصفته صحيفة «الإندبندنت»، بـ«الخطة الرئيسية للإمارات لتحفيز اقتصادها»، والتي تتضمن استثمارات بقيمة 13.6 مليار دولار مباشرة في الاقتصاد البريطاني، ليصل هذا الرقم إلى «ما مجموعه 150 مليار دولار مستثمرة بحلول عام 2030».
وتثير آفاق زيادة الاستثمارات «الإماراتية – البريطانية»، احتمالات توثيق العلاقات الاقتصادية بين الأخيرة ودول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل القريب، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات التجارية. ففي 30 يونيو2021. أكملت وزارة التجارة الدولية البريطانية المراجعة المشتركة للتجارة والاستثمار مع الإمارات، وذلك «لاستكشاف فرص جديدة لتعزيز علاقتهما التجارية». ووفقًا لـ«ويليام جراهام» من معهد «التصدير والتجارة الدولية»، فإن تلك المراجعة «حددت مجموعة من القطاعات ذات الأولوية» للتعاون الاقتصادي والاستثمارات المستقبلية بين المملكة المتحدة والخليج. وذكرت «لويزا سميث» في صحيفة «التايمز»، أن وزير الأعمال البريطاني «كواسي كوارتنج» زار السعودية في يونيو 2021 لإجراء محادثات حول تمويل الرياض لمشاريع الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة.
ومن وجهة نظر إماراتية، صرح «الزيودي»، وزير الدولة للتجارة الخارجية، أن دولته ستواصل العمل من خلال مجلس التعاون الخليجي على استمرار المفاوضات التجارية، وكذلك متابعة فرص الاستثمار المستقبلية الخاصة بها في المملكة المتحدة، مشيرًا إلى أن «أي من المسارين، سواء أكان الاستثمار لدول مجلس التعاون»، أو الإمارات في هذا الصدد، سيبدأ في وقت مبكر من عام 2022«، وأن الإمارات تستكشف المزيد من الاستثمارات الهائلة في مجالات «الذكاء الاصطناعي، وتجارة الخدمات، والسلع، والحواجز غير التجارية»، و«المسائل الجمركية».
على العموم، تعمل اتفاقيات الاستثمار والتعاون بين الإمارات والمملكة المتحدة على تأكيد الرغبات المتبادلة لكلا البلدين في التعاون الوثيق في الاقتصاد، والدبلوماسية، والدفاع من أجل تحقيق أفضل فائدة لكليهما، حيث سيؤدي حجم الاستثمارات المتزايدة من الإمارات في الاقتصاد البريطاني، سواء من خلال مشاريع البنية التحتية أو تمويل الأبحاث العلمية، في نهاية المطاف إلى خدمة مصالح البلدين بشكل جيد، وستعمل على إظهار كيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تحافظ على تعاونها البناء مع الدول الغربية.