top of page
    28/8/2019

الهند وباكستان.. كيف ينظر كل منهما إلى الآخر

عاد التوتر والصراع التاريخي بين باكستان والهند ليتجدد مرة أخرى، بعدما اتخذت الأخيرة قرارًا في الخامس من أغسطس 2019 بضم منطقة «جامو وكشمير» المتمتعة بالحكم الذاتي رسميا إليها، وهي المنطقة المتنازع عليها بين باكستان والهند والصين، حيث اتخذ «ناريندرا مودي» رئيس الوزراء قرارا بإلغاء المادة (370) والمادة (35 أ) من الدستور، اللتين تسمحان لها بضم هذا الإقليم ذي الغالبية المسلمة إليها، وتحويله إلى إقليمين منفصلين تحت الإدارة المركزية، لاغيا الحكم الذاتي للإقليم.
وتُرجع الهند قرارها إلى تعزيز النمو الاقتصادي في الإقليم المفتقر إلى الثروات، حيث كان الحكم الذاتي الدستوري يقتضي أن الإقامة الدائمة وملكية الأراضي في المنطقة مقتصرة فقط على الكشميريين المحليين لحماية تجانسهم الديني والثقافي. في حين أرجع محللون هذا القرار إلى هدف حكومة «مودي» الآيديولوجي لإرضاء الهندوس، وعلى أساس ذلك دعم حزب «بهاراتيا جاناتا» أحد الحزبين الرئيسيين في الهند هذا القرار، وهو ما يُنذر بعديد من التداعيات الأمنية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، حيث لن يقتصر التأثير على تأجج العلاقة مع باكستان فقط، بل يمتد إلى العلاقة مع الصين ودول الخليج بصورة أكثر مباشرة.
ويمكن اعتبار أن الضرر الأكبر سيكون أكثر مباشرًة على العلاقة بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان، إذ إن منطقة كشمير تلعب دورًا رئيسًا في نشوب الصراعات والتوترات بينهما؛ وفي هذا الصدد تقول «حجاب شاه» من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن إن «الأفعال التي تقوم بها الهند تؤجج علاقاتها المُحتدمة مع باكستان وتؤثر بشكل سلبي على الأمن الإقليمي وجنوب آسيا»؛ وخاصة أن إسلام آباد أوكلت لنفسها حماية كشمير ومواطنيها ذوي الأغلبية المسلمة، وتعتبرها قضية وجودية بالنسبة إليها. وفي هذا الإطار علق «عمران خان» رئيس الوزراء الباكستاني بأن هذه الخطوة «غير شرعية واستفزازية»، محذرا من أي توغلات أخرى في الإقليم من شأنها حدوث حرب، مؤكدا أن العالم سيكون مسؤولًا إذا لم يُتخذ إجراء ضد هذه التحركات. 
ويُعد خطر نشوب حرب مسلحة بين البلدين أمرا متوقعا، بالنظر إلى الصدامات التي وقعت بينهما في أوقات عديدة على طول حدودهما منذ التقسيم عام 1947، التي كان آخرها في فبراير 2019، نتيجة هجوم شنته جماعة «جيش محمد» الباكستانية المتطرفة على القوات الهندية في كشمير، الأمر الذي أدى إلى شن غارات جوية من جانب الهند ضد قواعدهم على الأراضي الباكستانية، ما اضطر إسلام آباد إلى شن غارات جوية على جزء كشمير الخاضع للحكومة الهندية، وأسقطت طائرتين عسكريتين هنديتين. ولعل ما يفاقم من هذه الأوضاع هو امتلاك كلتا الدولتين أسلحة نووية، وتعهد كلتاهما باستخدامها في حالة حدوث نزاع. ورغم ذلك يستبعد أغلب المحللين وصول التصعيد إلى حد الحرب. ويُشير «أديتيا ديف»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، إلى أن «الملاذ الوحيد لباكستان هو الدبلوماسية، وخاصة بعد سعيها لتسليط الضوء على القضية في المنتديات الدولية والمناقشات الثنائية». 
وتسعى إسلام آباد إلى تجنب الصراع بالنظر إلى احتمالية ما ستتحمله من أعباء اقتصادية ودبلوماسية، حيث ستكون مهاجمة الهند مكلفة بشكل مباشر، وستُعد غير شرعية من قِبل المجتمع الدولي، ولا سيما أن الولاية يتم اعتبارها خاضعة لحكم الهند. يقول «مارفين وينبوم»، من «معهد الشرق الأوسط»، إن «باكستان تتخذ الخيارات المتاحة أمامها، باستثناء الخيار العسكري، إذ تعهد رئيس الوزراء خان بأن يلجأ إلى الأمم المتحدة لزيادة الضغط الدولي على نيودلهي»، مشيرا إلى أنها اتخذت تدابير أخرى للرد؛ مثل تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية، وطرد السفير الهندي، وقطع العلاقات التجارية ووقف رحلات قطار سامجهوتا إكسبريس.
ولعل الخطر الأكبر يتمثل في تدخل فاعلين من غير الدول؛ مثل المنظمات الجهادية المحلية والعابرة للقارات. ويعاني إقليم كشمير منذ فترة طويلة من وقوع مقاومة مسلحة من قبل كل المنظمات الانفصالية والجماعات الإرهابية الإسلامية؛ المعارضة لأي هيمنة هندوسية هندية يعتبرونها غير شرعية على الإقليم. ويوضح «كامران بخاري»، من «مركز السياسة العالمية» بواشنطن، أنه «في حين أن الهدف الاستراتيجي وراء خطوة الضم هو الحد من النزعة الانفصالية والإرهاب داخل الإقليم، فإنه من المرجح أن يزيد الأمر سوءًا، بالنظر إلى كيفية اكتساب الاضطرابات زخمًا في السنوات الأخيرة، حيث ستجد الجماعات الجهادية مثل (القاعدة)، و(داعش) مجالًا أكبر لاستغلال المقاومة المحلية وتوجيهها». ويشير «مارفين جي وينباوم» من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن بعض الجماعات مثل جماعة جيش محمد الباكستانية قد تنشر الإرهاب من أجل تعزيز احتمالية الحرب بين البلدين. 
في حين يرى آخرون أن هناك صلة جوهرية أعمق بين باكستان وتوقع  تنامي العنف عقب قرار الهند إلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير، حيث يمكن أن تدعم روابطها مع الجماعات الجهادية. ويرى «مايكل كوجلمان»، في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أن «بمقدور باكستان الرد من خلال اللجوء إلى تكتيكاتها المعتادة المتمثلة في إرسال جماعات مسلحة تعمل بالوكالة إلى الولاية لاستهداف القوات الهندية، كجزء من هدفها المتمثل في انتزاع هذا الإقليم من الهند. ورغم أنه في السنوات الأخيرة وقعت الكثير من الاضطرابات في الإقليم من قبل الكشميريين المحليين من دون أدنى تدخل من باكستان، فقد أعطى إلغاء الهند المادتين 370 و35 (أ) إسلام آباد حافزًا جديدًا لنشر الجماعات الجهادية».
وعلى الجانب الآخر، لا يختلف الوضع المتوتر بين باكستان والهند كثيرًا عن الوضع بين الأخيرة والصين، حيث سيزيد القرار من زعزعة استقرار العلاقات بينهما، وخاصة أنهما خصمان إقليميان متقلبان يتنافسان على النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في جنوب آسيا على مدى عقود. ووفقًا لما ذكره «فيندو غويل»، في «صحيفة نيويورك تايمز»، فإنه «من المحتمل أن يتم تفسير ضم الهند للإقليم من قبل بكين على أنه خطوة عدوانية غير مرحب بها في ضوء أن الصين تشترك في بعض الحدود مع ولاية جامو وكشمير، ولا تزال الهند والصين حتى الآن لم تتفقا على خط واضح لترسيم هذه الحدود». 
علاوة على ذلك، أصبحت الصين حليفًا وراعيا ماليا لباكستان وذلك من أجل تشجيعها على أن يكون لها توازن وثقل إقليمي بالمقابل مع الهند. ووفقا لذلك قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية «هوا تشونينج» إن مراجعة الهند الأخيرة للقوانين المحلية من جانب واحد أدت إلى تقويض السيادة الإقليمية الصينية، وهو أمر غير مقبول ولن يكون له أي تأثير.
وخلال عام 2014 وقعت اشتباكات بين البلدين؛ بسبب خلافات تتعلق بترسيم الحدود، ومع ذلك، كما هو الحال مع باكستان، يمكن القول إن هذا الصراع لا يصب في مصلحة الصين في الوقت الحالي. ويرى «ناراياني باسو»، في إذاعة «دويتشه فيله» الألمانية، أن الصين تتعامل في الوقت الحالي مع عدد من القضايا المحلية والعالمية، من بينها إعادة النظام إلى هونج كونج وحسم نزاعها التجاري مع الولايات المتحدة؛ لذلك لا يمكنها التركيز على أزمة كشمير، ومن ثم من غير المرجح حدوث أي تداعيات كبرى.
 فيما توقع محللون أن يكون لهذا القرار أثر سلبي على دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة التي تستضيف أعدادا كبيرة من العمالة الهندية والباكستانية، وأشارت التقديرات إلى أن «عدد الهنود العاملين في دول مجلس التعاون بلغ 8.5 ملايين عام 2018؛ في مقابل 4 ملايين باكستاني». ومع تصاعد التوترات بين البلدين من المتوقع تزايد المشاعر العدائية بين مواطنيهما؛ ما يمثل تهديدًا أمنيا كبيرًا للدول المضيفة. ونشرت صحيفة «آسيا تايمز» أن «الوضع الناشئ في كشمير يمنح دول الخليج خيارات صعبة».
على العموم، على الرغم من أن الهند تعتبر ضمها ولاية جامو وكشمير قضية داخلية فإن هذا القرار من المتوقع أن يكون له عواقب بعيدة المدى على الأمن الإقليمي والدولي، في ضوء زيادة حدة التوتر القائم بين باكستان والهند، وزعزعة استقرار علاقة الأخيرة مع الصين.. وإلى أن يتم التوصل إلى تسوية دائمة فإن القرار سيستمر في إشاعة اضطراب الأمن خارج حدوده الوطنية. 

{ انتهى  }
bottom of page