5/10/2021
الخيارات البديلة لفشل المفاوضات الدبلوماسية بشأن الاتفاق النووي الإيراني
بعد مرور عدة أشهر على فترة إدارة «جو بايدن»، لم يتم حتى الآن استعادة الانخراط الأمريكي والإيراني في «الاتفاق النووي» لعام 2015. ومع توقف المفاوضات الأولية في فيينا، وانتخاب رئيس جديد لإيران، تجرى الآن مناقشة البدائل المحتملة لموافقة الجانبين على الانضمام إلى الاتفاق من جديد داخل الأوساط المعنية بشؤون الدفاع والأمن الغربية.
ولبحث هذه المسألة، قام كل من «داريا دولزيكوفا»، و«توبياس بورك، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، بلندن، بنشر مقال بعنوان «بدائل الدبلوماسية النووية الفاشلة مع إيران»، ناقشا فيه مستقبل الاتفاق النووي الإيراني، وبدائل إعادة تنفيذه، وماذا سيحدث إذا انهار بالكامل.
أوضح كل من «دولزيكوفا»، و«بورك»، أن «عودة العقوبات الدولية، وتوسع النشاط النووي الإيراني، وزيادة خطر التوترات العسكرية في المنطقة»، هي «النتائج المحتملة إذا فشلت المساعي الدبلوماسية»، وأن هذا الفشل «مرجح بشكل خاص»، وأنه على الرغم من التفاؤل بشأن المفاوضات البناءة التي تمت في يونيو 2021. بين إيران والولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة؛ فإنها مازالت تشهد حالة من الجمود حتى تاريخه، مشيرين إلى أن الضغوط الداخلية في كل من «طهران»، و«واشنطن» قللت من إمكانية التوصل إلى اتفاق قريب في ظل انتخاب «رئيسي»، والمعارضة المتزايدة من الجمهوريين في الكونجرس لأي تهدئة مع إيران. فضلا عن أن «الانسحاب الأمريكي من أفغانستان شكك في مدى قدرة إدارة بايدن على ممارسة أي من نفوذها السياسي على الساحة الخارجية».
ووفق هذا المعنى، أكد الباحثان أن السلاح الأبرز في يد الولايات المتحدة وحلفائها لردع إيران وتخليها عن المفاوضات النووية، هو إعادة فرض العقوبات السابقة، وفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية جديدة، مؤكدين أن تخلي إيران عن المفاوضات «من شبه المؤكد أن يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي عليها».
ومع ذلك، فإن هذه الآلية أمر مشكوك فيها، خاصة وأن إيران صمدت بالفعل أمام حملة «الضغط القصوى»، التي فرضتها إدارة ترامب، حيث أُلغي الاتفاق النووي، وزادت هي من مستويات إنتاجها للمواد النووية. وبالاعتراف بذلك، وصف كلا المحللين، فرض المزيد من العقوبات بأنها «زائدة عن الحاجة إلى حد كبير»؛ نظرا إلى أن «النطاق الواسع للعقوبات الأمريكية الحالية، تضمن بالفعل منع العديد من الشركات في جميع أنحاء العالم من التعامل مع إيران».
علاوة على ذلك، فإن قبول «موسكو»، و«بكين»، الالتزام بأي عقوبات جديدة على إيران أمر غير محسوم، حيث «ليس من المؤكد أنهما سيمتثلان امتثالا تاما لنظام عقوبات مجلس الأمن المعاد فرضه»، خاصة وأن طهران قد انضمت مؤخرا إلى منظمة «شنغهاي» للتعاون التي يقودها الصينيون والروس، وهي كتلة اقتصادية أوراسية؛ تهدف إلى مواجهة الهيمنة الغربية للاقتصاد العالمي.
ووفقا لـ«نيكول غرياجوسكي»، من جامعة «هارفارد»، فإن الصين ودول آسيا الوسطى لم تكن على استعداد لاستيعاب المخاوف الأمريكية بشأن السماح لإيران بالمشاركة بشكل أعمق في منظمة شنغهاي للتعاون«، لكن في خضم التوترات المتصاعدة مع الصين، و«عدم الاهتمام» بمنطقة آسيا الوسطى في السنوات الأخيرة، فقدت إدارة بايدن، نفوذها الدبلوماسي لإبقاء طهران خارج تلك الحظيرة الدولية، وبالتالي، فإن العقوبات الدولية الجديدة التي أصدرتها الأمم المتحدة ضدها قد تكون بداية غير جيدة لواشنطن وحلفائها.
علاوة على ذلك، تبقى فكرة تهديد الولايات المتحدة بتشديد العقوبات العسكرية على إيران غير محتملة في الوقت الراهن؛ نظرًا إلى أن البنك المركزي الإيراني، والحرس الثوري يخضعان بالفعل لبعض أشد العقوبات صرامة والتي تفرضها واشنطن، كما أن التخلي عن أي من هذه العقوبات منوط في المقام الأول بموافقة إيران على أي شروط تمليها المفاوضات النووية.
وفي الوقت ذاته، يعد استخدام نمط أقوى من الجهود الدبلوماسية خيارًا مطروحًا بالنسبة إلى الغرب. ومع ذلك، لا يوجد إجماع حول ماهية المسار الدبلوماسي الذي سيُتبع. وأوضحت «دولزيكوفا»، و«بورك»، أن الجهود المبذولة لتجنب تصعيد عسكري في المنطقة «يجب أن تشمل جهودا دبلوماسية تتفق مع التصورات المعنية بحماية الأمن الإقليمي وتحديد عناصر النفوذ الفعالة للتأثير على التعاون الإيراني مع المجتمع الدولي». وأنه للقيام بذلك، يمكن التعاون مع دول الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة؛ كوسطاء للنزاعات الأمريكية الإيرانية بالنظر إلى أن لديهم «مصلحة خاصة في منع تصعيد التوترات».
ومع ذلك، تبقى الطرق الدبلوماسية مطروحة، حيث إن هناك «بعض نقاط النفوذ» لا تزال قائمة بين الغرب وإيران. وأفاد «فرانسوا مورفي»، من وكالة «رويترز»، أن الدول الغربية أوقفت خططًا لإصدار قرار ينتقد إيران «لصالح الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ بعد موافقة طهران على مواصلة مراقبة بعض أنشطتها النووية». وعلق المدير العام للوكالة، «رافائيل غروسي»، أن هذا الاتفاق يخفف من «القضية الأكثر إلحاحًا» بين المفتشين الدوليين والنظام الإيراني».
ومع ذلك، تبدو قابلية توصل المجتمع الدولي إلى اتفاق على المدى الطويل هامشية. وأشار «جون ألترمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إلى أن ضمان الدعم الصيني والروسي لخطط الولايات المتحدة للسيطرة على التطلعات النووية الإيرانية، والعدوان الإقليمي يبدو مسألة معقدة للغاية. وسلط الضوء على «الانتهاكات الصينية العلنية المتزايدة للعقوبات الأمريكية على إيران»، حيث تستورد بكين النفط من طهران، موضحًا أن إدارة بايدن «رأت عدم إنفاذهما العقوبات دليلاً واضحًا على النوايا الخبيثة تجاه واشنطن. كما أن واردات الصين من طهران، نمت بشكل كبير وبلغت بحلول مايو 2021. مليونَ برميل يوميًا. وهكذا، خلص، إلى أنه من غير المرجح أن تتلقى واشنطن دعمًا كبيرًا من روسيا أو الصين فيما يتعلق بالعمل الدولي ضد طهران.
من جهة أخرى، رجح بعض المحللين وسائل أخرى غير نظام العقوبات والنهج الدبلوماسي لمواجهة إيران، تراوحت من العودة إلى حملة «الضغط القصوى» لترامب، إلى إعادة تأكيد الوجود العسكري لواشنطن في المنطقة. وكتب «ريتشارد هاس»، في مجلة «فورين أفيرز»، أن إدارة بايدن «قد تكون مضطرة إلى اللجوء إلى نفس الخيارات التي اتخذها ترامب» لممارسة المزيد من الضغط على إيران أكثر مما كان مرجوًا، وأنه «حتى لو قبلت إيران مرة أخرى قيودًا محدودة زمنيا على أنشطتها النووية، فلا يزال يتعين على واشنطن أن تقرر كيفية الرد على الاستفزازات الأخرى».
إضافة إلى ذلك، شدد «مارك دوبويتز»، من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، على أن «البيت الأبيض يجب أن يستخدم المزيد من سياسة العصا والجزرة؛ لإجبار طهران على التوصل إلى اتفاق جديد»، موضحا كيف «قوض» بايدن نفسه حال مشاركته في أي محادثات مستقبلية بإعلانه تبنيه محورًا آخر بديلا عن الشرق الأوسط، وهي منطقة المحيطين الهندي والهادي ليوليها كل اهتمامه، وهو ما قوض إرادته في التمسك بالمفاوضات النووية وقيادة دفتها على المدى الطويل.
ولتوضيح ذلك، أكد أن «الإيرانيين يفهمون النفوذ أفضل من بايدن، ويرون أنه يخشى الرد على محاولة استعدائهم». وبسبب هذا، فإنهم «لم يعد يعتقدون أنه سيستخدم القوة لكبح طموحاتهم النووية». وفي إشارة إلى الحاجة الملحة إلى وجود رادع عسكري أقوى، أكد «دوبويتز»، أن «الرسائل الفارغة من قبل رئيس ضعيف بشأن ضرورة التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت لن تكون بنفس تأثير التهديد الأمريكي باستخدام القوة ضد إيران».
وفى الوقت نفسه، رفض المحللون العودة إلى استخدام أساليب الضغط السابقة على إيران. ويبقى واضحًا أن سبب فشل هذه الضغوط في الماضي يجعلها من غير المرجح أن تنجح عند استخدامها مرة أخرى. وأشار «دانيال ديبتريس» في صحيفة «واشنطن إكسامنر»، إلى أنه «إذا لم يتم البدء في العملية الدبلوماسية مرة أخرى، فإن واشنطن وطهران يمكن أن يكونا في أزمة حقيقية يريدان تجنب تبعاتها، وسيظل خيار توصلهما إلى اتفاق واضح «هو «الخيار الأفضل»، ولا سيما مع فشل جهود ترامب «وضغوطه القصوى» في تحقيق» أهدافه إلى حد يجبر طهران على القبول بأي تسوية.
ووفقا للعديد من المحللين، فإن التحدي الأكبر أمام بدء واستمرار أي مفاوضات يكمن في شعور طهران الحالي بالشجاعة والقوة، خاصة في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. يشير «مايكل هيرش»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى أن الاعتقاد أن طهران تسعى إلى حيازة الأسلحة النووية حتى يكون لها اليد العليا في منطقة الشرق الأوسط، اعتقاد خاطئ، مرجِّحًا أن تماطل في العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي حتى تضمن أنه لن يُؤثر فيما تمتلكه من قدرات نووية».
وعلى الرغم من أن إدارة بايدن أعلنت أنها لا تزال تأمل في العودة إلى الاتفاق النووي، لكنّ كبار المسؤولين الأمريكيين يعربون عن مخاوفهم من أن تنتقل إيران بالفعل إلى «خطة ب»: والتي تتمثل في تأجيل المفاوضات، بينما تتأهب للاختراق السريع لحيازة الأسلحة النووية. وكما أوضح «دولزيكوفا»، و«بورك»، فإنه قد تكون هناك «طفرة غير مسبوقة» في أنشطتها النووية، والتي من المرجح أن تنطوي على «تراكم مخزونات أكبر من اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة، وتركيب أعداد أكبر من أجهزة الطرد المركزي»، وكذلك بناء مرافق جديدة لإجراء المزيد من إجراءات تطوير الأسلحة النووية.
وعلى مستوى أوسع نطاقًا، باتت طهران تؤمن بأن حالة الضعف التي أظهرتها واشنطن في أعقاب انسحابها من أفغانستان، قد قوت من شوكتها وأساليب ردعها إقليميًّا. يقول «دينيس روس»، في مجلة «فورين بوليسي»: «من الواضح أن الإيرانيين لم يعودوا يخشون الأمريكيين. وهذا في حد ذاته يعني أن الأمريكيين لا يمتلكون حقًا مستوى الردع الذي يحتاجونه، سواء في قضية الأسلحة النووية أو في المنطقة»، موضحًا أن: «إيران تبنت في الوقت الراهن نوعًا من نهج الضغط على واشنطن». وعلى حد تعبيره: «لقد تبنت نهجًا ترامبيًّا تجاهنا، على أمل أننا سوف نتنازل عن شروطنا ومتطلباتنا».
لذلك، حتى لو أراد الإيرانيون المضي قدمًا بالمحادثات النووية، فهم كما قال «علي فايز»، من «مجموعة الأزمات الدولية»: «واثقون من أن الوقت في صالحهم، وأن النفوذ الأمريكي بلغ ذروته وأصبح محدودًا، وعندما تُستأنف المحادثات، سيأتون إليهم وهم يعتقدون أن الغرب لن يكون لديه بديل للقبول بمطالبهم بشأن رفع العقوبات». وأضاف كل من «ديفيد هانجر»، و«مايكل كراولي» و«ريك جلادستون» في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه «لكسب المزيد من النفوذ والهيمنة الإقليمية، على مدار العامين الماضيين، استأنفت إيران إنتاجها من اليورانيوم، والآن لديها مخزون مخصب أكبر بكثير من المستوى الذي تم الاتفاق عليه سابقًا عام 2015».
على العموم، من الواضح أن المحادثات النووية بين المجتمع الدولي وإيران في خطر، مع انعدام حالة التماسك والتوافق بين الدول الغربية فيما يتعلق بما يمكن القيام به لمنع إيران من التلاعب بالمفاوضات لمصلحتها، وما يمكن القيام به لردعها من تطوير برنامجها النووي حال انهيار المحادثات مرة أخرى.
وبالتالي، كما خلص كل من «دولزيكوفا»، و«بورك»، فإن التعاون الإيراني في المفاوضات المستقبلية «سيعتمد في النهاية على الدور الذي يلعبه البرنامج النووي في تحديد ملامح سياسات إيران الداخلية والخارجية والأمنية»، وهو أمر، وفقًا لهما «لا يزال غير واضح تمامًا». وأنه في حين أن استئناف المفاوضات النووية يمثل «أولوية قصوى» للدول الغربية، فمن المهم الاعتراف بأنه «سيقيد سلوكيات طهران العدائية في المنطقة، ويؤدي حتمًا إلى طمأنة دولها إزاء نواياها الرامية إلى تقويض أمنها القومي».