top of page

8/10/2021

مخاطر دعم الأنشطة الإرهابية عبر المنصات الإلكترونية

شكَّل استهداف المصادر المالية للأفراد والجماعات التي تسعى إلى القيام بأعمال عنف، عنصرا حاسما، في مجال مكافحة الإرهاب العالمي والمحلي. ويمكن أن يتم تمويل الإرهاب عن طريق مصادر متعددة، سواء كانت حكومية أو إجرامية أو فردية من قبل المانحين. ومع ذلك، فقد ازداد التمويل الجماعي عبر الإنترنت، حيث يتم تحويل الأموال إلى الجماعات الإرهابية؛ الأمر الذي أصبح يشكل خطرا أمنيا.

 

ولتحليل هذه الظاهرة، عقد «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، (RUSI)، بلندن، ندوة عبر الإنترنت، بعنوان: «مخاطر دعم الأنشطة الإرهابية عبر المواقع والمنصات الإلكترونية المتخصصة في التمويل الجماعي»، أدارتها «جيما روجرز»، من شركة «فينتريل» الاستشارية لمكافحة الجرائم المالية، وشارك فيها «ستيفن رايمر»، و«ماثيو ريدهيد»، من وحدة «الدراسات المالية والأمنية» التابعة للمعهد.

 

في البداية، استشهد كل من «رايمر»، و«ريدهيد»، بورقة بحثية صادرة عن مشروع (التعاون والبحث والتحليل ضد تمويل الإرهاب)، (Project CRAAFT) بعنوان: «توضيح مخاطر تمويل الإرهاب في التمويل الجماعي الأوروبي»، موضحين أن خطر تمويل الإرهاب عبر التمويل الجماعي زادت مخاطره؛ بسبب زيادة تغطية أساليب تمويل المتطرفين اليمينيين في الولايات المتحدة، حيث استشهدا بتقرير شركة البرمجيات الأمريكية، «شاين انلاسيز»، الصادر في يناير 2021. والذي فصّل كيف تلقى اليمين المتطرف في أمريكا تبرعات تصل إلى 000. 500 دولار في شكل عملة البيتكوين الرقمية.

 

وعند إشارتها إلى الاهتمام المتجدد بتمويل الإرهاب في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والمخاوف المتزايدة من استمرار المخاطر الأمنية للتطرف اليميني في العالم الغربي؛ سألت «روجرز»، الباحثين عن سبب تركيزهما على التمويل الجماعي في جهود مكافحة الإرهاب. وأجاب «رايمر»، بأن ذلك يشمل جزءا من مجموعة أكبر من العمل للمشروع فيما يتعلق بـ«مخاطر ومكافآت التقنيات الجديدة»، مؤكدا كيف أن منصات التواصل الاجتماعي «شهدت الكثير من التغطية الإعلامية» حول دورها في تسهيل عمليات الجماعات المتطرفة، ولا سيما في أعقاب أعمال الشغب التي وقعت في مبنى الكابيتول يناير 2021. وهو الأمر الذي يتناقض مع ندرة الفهم حول مخاطر ذلك مقارنة بأشكال تمويل الإرهاب الأخرى، قائلا: «إنه على الرغم من بعض حالات سوء المعاملة، فإن الخطر العام للتمويل الجماعي لتمويل الإرهاب ضئيل جدا في أوروبا، لكن، مع ذلك، هناك مخاطر مختلفة أكثر بروزا، عبر منصات التواصل الاجتماعي البديلة».

 

ويعكس ذلك استنتاجات الورقة البحثية التي وجدت أن «المستويات المتواضعة لحجم ومعدلات التمويل الجماعي للأنشطة الإرهابية في الاتحاد الأوروبي ليست بالخطيرة، مقارنة بمثيلاتها في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، والتي ستوفر استنتاجات مختلفة».

 

وحول تقييم المخاطر الحالية المرتبطة بالتمويل الجماعي عبر الإنترنت؛ شدد «ريدهيد»، على وجود نوعين من التمويل الجماعي: أحدهما التجاري، والذي ينطوي على الإقراض والاستثمارات، والآخر العمل الخيري، والذي يشمل التبرعات، موضحًا أن خدمات جمع الأموال عبر الإنترنت ليست مصممة للتمويل الجماعي، لكن مع ذلك يستخدمها الأفراد لهذا الغرض، مع استخدام الرسائل الفورية و«مواقع الويب» المتخصصة المألوفة للجماعات المتطرفة؛ والتي أضحت «بحكم الواقع» مصادر لتمويل الإرهاب.

 

وبالنسبة إلى المتطرفين، أوضح أن «معظم الأموال تتركز في الشق التجاري»، على الرغم من أن الأمر «أكثر صعوبة بهذه الطريقة»، حيث إن السرعة التي يتطلبها تحويل الأموال للتهرب من الضوابط المالية المفروضة من قبل البنوك والحكومات والأمن والوكالات «غير مؤكدة». وكما أوضحت الورقة البحثية، فإن التمويل الجماعي التجاري «بطبيعته طويل الأجل»، و«يركز على توفير عائد مالي للمستثمرين»، ومن ثمّ، لا يتم استخدامه على نطاق واسع من قبل المتطرفين، الذين يسعون إلى جمع الأموال بسرعة لتمويل أنشطتهم. ومع ذلك، لا يتوافر حاليًا إلا عدد أقل من اللوائح لتضييق الخناق على مثل هذه الأنشطة.

 

ومع تقليل الاهتمام بالتمويل التجاري، ذكر «ريدهيد»، أن التبرعات الخيرية للمتطرفين تمثل «أكبر المخاوف والمخاطر» حاليًا فيما يخص التمويل عبر الإنترنت؛ لأن «الأموال ستخرج عبر النظام بسرعة كبيرة»، مقارنة بأساليب جمع التبرعات التجارية طويلة الأجل، وبينما ينظر المستثمرون إلى مشاريع التمويل الجماعي القانونية على الإنترنت على أنها «عالية المخاطر»، فإن التبرعات للمتطرفين هي مدفوعات ملموسة بشكل أكبر، ومن المؤكد أنها ستمول الأنشطة الخبيثة لهم. ومع ذلك، لاحظ أن حجم هذا القطاع أصغر بكثير من الجانب التجاري البديل، وأن «الأرقام من عام 2016 تشير إلى أن 1.6% فقط من حصة السوق الأوروبية ستذهب إلى المنصات القائمة على التبرعات، ولم تظهر هذه المنصات سوى مستويات متواضعة من النمو مقارنة ببدائلها التجارية».

 

وعلى الرغم من الاستشهاد بانخفاض مخاطر التمويل الجماعي عبر الإنترنت في الاتحاد الأوروبي، فقد أكد الباحثان أن المخاطر «لا تزال قائمة»، ضمن نطاق الصعوبات التي يواجهها مقدمو الخدمات المالية في «مراقبة وتنظيم» مصداقية ممولي التمويل الجماعي. وتمثلت أعلى المخاطر في قطاع التبرعات، في أشكال التمويل الجماعي «غير المرصودة»، وأن هذه «موجودة خارج منصات التمويل الجماعي الرسمية» وتتضمن تحويل العملات المشفرة على عكس الأشكال التقليدية لتحويل الأموال، وبالتالي يصعب تتبعها. وعلى سبيل المثال، استشهدا بقضية «هاشم تشودري»، عضو تنظيم داعش، الذي أدين في سبتمبر 2021 وسجن مدة 12 عامًا لجمعه 54.000 جنيه إسترليني وتحويلها إلى عملة البيتكوين؛ بقصد استخدامها في تمويل الأنشطة الإرهابية.

 

ومن جانبه، قام «رايمر» بتفصيل «القضايا النظرية الثلاثة» المرتبطة بالتمويل الجماعي عبر الإنترنت وتمويل الإرهاب، بدءًا من إنشاء الممولين الجماعيين لـ«مؤسسة خيرية أمامية» يمكن استخدامها «للحصول على تبرعات، إما عن قصد أو عن غير قصد» من المانحين. والثانية، إعادة توجيه الأموال المكتسبة عبر الإنترنت من جماعات قانونية لكنها راديكالية -لم تحددها السلطات- إلى جماعات محظورة من قبل الحكومات. وثالثها، استخدام مواقع التواصل «لاستئناف المتابعين والروابط، سواء بشكل علني أو احتيالي»، وعادةً ما يتضمن ذلك نشر التفاصيل «من مزود الخدمة المالية التقليدي» لكي تبدو شرعية للمانحين.

 

علاوة على ذلك، تطرقت «روجرز»، إلى قضايا التمويل الجماعي ذات الطبيعة التجارية للإرهابيين. ويُستعمل مصطلح «التمويل الجماعي» للإشارة إلى تمويل مشروع ما من خلال جمع مبالغ صغيرة من عدد كبير من الناس عبر اللجوء إلى الإنترنت، أو من خارجه، مستشهدًا بمذبحة «سان برناردينو» عام 2015. حيث تلقى الإرهابيون تمويلاً بقيمة 30 ألف دولار عن طريق الاستعانة بمنصات وبرامج الإقراض من نظير إلى نظير (P2P)، وهي خيار للاقتراض من الأفراد من دون استخدام بنك تقليدي، وتتم عملياته عبر الإنترنت للسماح «بإقراض المال للأفراد أو الشركات من خلال الخدمات عبر الإنترنت التي تصل المقرضين بالمقترضين لتمويل مشروعات تجارية جديدة أو قروض شخصية أو أغراض خيرية».

 

ومع ذلك، أشار «رايمر»، إلى أن «هذا النوع نادرًا ما تلجأ إليه المنظمات الإرهابية المعروفة بالفعل من السلطات المختصة». علاوة على أنه لكي تتم الموافقة عليه «يجب أن يكون لدى العميل أو المنظمة الإرهابية حساب مصرفي، ويتطلب الأمر بياناتها، كما أن هذا التحويل سيكون بالفعل مستحيلاً إذا كان العميل أو المنظمة الإرهابية مدرجة ضمن قوائم العقوبات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتمويله». وهنا يبدو أنه من السهل تخطي الحواجز والعقوبات المفروضة من قبل أي جهاز أمني على تمويل أي كيان إرهابي، خاصة فيما يتعلق بتمويل عمليات «الإرهاب الفردي»، مثلما حدث مع العناصر الإرهابية المنفذة للمذبحة المذكورة أعلاه.

 

وفيما يتعلق بالحلول الممكنة لمواجهة المخاطر المرتبطة بالتمويل الجماعي عبر الإنترنت للإرهابيين المتطرفين، وعما إذا كان سَن المزيد من اللوائح التنظيمية فيما يخص عمليات الدفع الإلكترونية سيكون «كافيًا» لمعالجة تمويل الإرهاب، أو ما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الرقابة الحكومية، أكد «رايمر»، أن كثيرا من الشركات والمنصات الإلكترونية «تؤدي دورها كما يجب»، لكن في الوقت ذاته، تقوم الحكومات بـ«إلغاء المنصات»، التي تستخدمها الجماعات اليمينية المتطرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهي العملية التي تصاعدت وتيرتها بعد أحداث العنف التي أعقبت تجمع لحركات من اليمين المتطرف الأمريكي عام 2017 في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا. ومع ذلك، أكد أن المزيد من اللوائح من شأنها أن تفيد في مكافحة الجرائم المالية عالية الخطورة، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب، خاصة وأن قطاع المدفوعات الإلكترونية سينمو حتمًا في المستقبل.

 

وفي الإطار ذاته، علق «ريدهيد» على المخاطر الأمنية لسبل التمويل الجماعي الإرهابي، مقارنة بالتطورات وآليات التحويل التكنولوجية المالية الأخرى، حيث سعى للتمييز بين مصادر التمويل «البطيئة» و«السريعة» للمتطرفين، مشيرًا إلى أن المنصات والبرامج التكنولوجية المتعلقة بالتحويلات النقدية التي تسمح بالحركة السريعة لنقل الأموال تشكل «الخطر الأكبر»، ولا سيما في ظل وجود ما يسمى بالعملات الرقمية المشفرة «وهي حقيقة واضحة تم تجاهلها في هذه المناقشات. وفيما يتعلق باقتراحاته للتعامل مع خطورة هذه المنصات، قال إنه «يجب أن يكون هناك نهج أو لوائح أكثر دقة لمواجهتها، من دون المخاطرة «بسحق المنصات والمواقع الإلكترونية» المعنية بدعم الأعمال الخيرية المشروعة، والتي تحصل بدورها على تمويلات من خلال مواقع التمويل الجماعي المنتشرة عبر الإنترنت.

 

وفيما يتعلق بسؤال «روجرز»، حول كيف يمكن لمنصات التمويل الجماعي أن تساعد في الكشف عن أي نشاط مشبوه يتم على مواقعها الإلكترونية، ألقى «رايمر» الضوء على مثال لجماعات كانت حريصة على عدم الكشف عن حجم ما تحصل عليه من تمويلات جماعية خبيثة عن طريق الإبقاء عمدًا على المبالغ المتسلمة غير الضخمة بعيدًا عن تدابير العناية الواجبة، وهي عملية التعرف أو التحقق من معلومات العميل أو المستفيد الحقيقي، التي تمكن المؤسسة المالية وغيرها من السلطات المعنية معرفة مدى تعرض هذه التمويلات للمخاطر وإساءة الاستخدام من قبل العناصر الإرهابية، فضلاً عن توجيه المانحين، من قبل الجماعات المتطرفة، بإخفاء الغرض الحقيقي من مدفوعاتهم.

 

وردا على مثل هذه الحالات، ذكر أن المنصات الموجودة على الإنترنت يمكنها بطريقتين أن تراقب مسار تحويلات الأموال الضخمة؛ أولها، من خلال مراقبة «التصفية الفورية للحسابات بعد جهود جمع تمويلات قصيرة مريبة نوعًا ما». وثانيها، تنفيذ مواقع التمويل الجماعي شروط أمان أكثر قوة، مثل إجبار المتبرعين على تحديد الغرض الدقيق للتبرعات الممنوحة، وبعد ذلك التعرف على وجود أي «تباين» بين الغرض المعلن منها ووجهتها النهائية. ووافق «ريدهيد» على هذه التوصيات، وأضاف أنه سيتعين على المنصات المعنية بمهام التمويل الجماعي «تقفي أثر الأموال والتبرعات التي تذهب إلى مناطق الصراع» و«أي حملات سياسية» والتأكد مما إذا كانت التبرعات الخيرية أو الاستثمارات في هذا الصدد غير مشروعة.

 

على العموم، قدمت الندوة رؤية ثاقبة حول سبل وآليات وبرامج التمويل الجماعي للأنشطة الإرهابية، والعالم الغامض للمعاملات والتحويلات المالية عبر الإنترنت، ومعرفة مدى خطورة تلقي المتطرفين والإرهابيين لدعم مالي قادر على زعزعة المجتمعات من جراء تهديداتهم الخطيرة.

 

ومع ذلك، فإن أحد نقاط الضعف الملحوظة خلال الندوة هو تركيزها على توضيح حجم المخاطر الأمنية من جراء برامج التمويل الجماعي عبر الإنترنت على أوروبا، في حين لم تتطرق إلى المخاطر ذاتها على الشرق الأوسط، خاصة مع احتراف الجماعات المتطرفة مثل «القاعدة»، و«داعش» استخدام وسائل التواصل عبر الإنترنت لتوسيع قاعدة الدعم الخاصة بهم، والمطالبة بالحصول على التمويلات التي تعزز بقاءهم وممارسة أنشطتهم الإرهابية.

{ انتهى  }
bottom of page