12/10/2021
كيف يمكن خلق توازن بين تدابير مكافحة الإرهاب والإجراءات الإنسانية؟
محاولة تحقيق التوازن بين تنفيذ إجراءات مكافحة الإرهاب من قبل الدول، وتلبية متطلبات المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية للقيام بالعمل الإنساني مهمة صعبة للغاية. وبصفة خاصة، في مناطق الصراع، التي يوجد فيها أفراد وجماعات مدرجة على قوائم الإرهاب العالمية، ويسيطرون على الأراضي والأشخاص الذين يعيشون فيها.
وبالنسبة إلى الوضع في أفغانستان، فقد أدت الأزمة إلى بروز الدور الذي تؤديه المنظمات الإنسانية في تخفيف معاناة المدنيين. وهو في هذه الحالة اقتصاد الدولة، الذي وصفه «أندرو ووكر»، من «بي بي سي نيوز»، بأنه بالفعل هش ومعتمد على المساعدات، وأزمة الديون، التي وصفها «كريستوفر بيلايغ»، من صحيفة «الجارديان»، بأنها من المحتمل أن تتحول إلى كارثة. ومع ذلك، فإن قوانين مكافحة الإرهاب القائمة من شأنها أن تعرض هذه المنظمات لخطر المخالفات الأمنية، إذا حاولت إدارة مساعداتها في البلاد عبر التعاون مع طالبان، أو أنظمتها المالية.
ولمناقشة هذه القضية، عقد «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، «تشاتام هاوس»، بلندن، ندوة عبر الإنترنت، بعنوان «كيف يمكن تجنب العواقب السلبية لتطبيق إجراءات مكافحة الإرهاب على العمل الإنساني؟»، أدارتها «اليزابيث ويلمشورست» من برنامج القانون الدولي بالمعهد، وشارك فيها «كريستوف برانر»، منسق العقوبات السابق في البعثة الألمانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، و«شارون هارفي»، مستشارة مكافحة تمويل الإرهاب في الخارجية البريطانية، و«لويز ويلكنز»، من «منظمة أوكسفام الخيرية»، و«إيمانويلا جيلارد»، من برنامج القانون الدولي بالمعهد، والتي كتبت تقريرا بعنوان «القانون الدولي والأثر الإنساني لتدابير مكافحة الإرهاب والعقوبات».
وكما يتضح في كثير من الحالات حول العالم، هناك احتكاك قوي بين تدابير مكافحة الإرهاب الرامية إلى منع الجمعيات الخيرية من التعامل مع الجماعات المدرجة دوليا على أنها إرهابية. وكما ذكرت «ويلمشورست»، فإن هذه المشاكل ليست جديدة، ولكن الحلول لا تزال بعيدة المنال، كما أن تأثير تدابير مكافحة الإرهاب لطالما تحدت صانعي السياسات في القانون الإنساني أكثر من عقدين. وفي يونيو 2021. علقت «فرانسواز سولنييه»، من منظمة «أطباء بلا حدود»، بأن الأولوية تحولت منذ أحداث 11/9 من حماية الأفراد وتلبية متطلبات العمل الإنساني إلى الالتزام بتوفير الأمن عبر تطبيق العقوبات القاسية على الجماعات والكيانات الإرهابية.
من جانبها، تناولت «ويلكينز»، المشاكل التي تواجهها وكالات الإغاثة من قوانين وقيود مكافحة الإرهاب الدولية عند العمل في مناطق النزاع. وعلى وجه الخصوص، وصفت كيف يجب أن يتسق عمل وكالتها مع المشورة القانونية الخارجية، بشأن العمل الإنساني الممكن وغير الممكن القيام به في بلدان معينة، مشيرة إلى أنهم في غزة، غير قادرين على القيام بعمل في مجال التعليم؛ بسبب العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة، وعند القيام بالعمل في سوريا، لم يتمكنوا من شراء الوقود؛ بسبب العقوبات البريطانية، بشأن استيراد الوقود.
ومن ناحية أخرى، لفتت الانتباه إلى حقيقة أن المنظمات الإنسانية غالبًا ما يتعين عليها إجراء عمليات الفحص الخاصة بها للامتثال للتشريعات الدولية بموارد محدودة، بدلا من وجود خطوط اتصال مباشرة مع المشرعين أنفسهم. فيما لوحظ كيف تعتمد فرق الإغاثة على مصدر واحد لتحويل الأموال، مثل البنوك المركزية، وأنه في حال تم معاقبة إحداها، فقد لا تتمكن من إدخال أي أموال إلى البلد. وخلصت إلى أن هذه المنظمات لديها قابلية تأثر كبيرة لتقويض عملها، بسبب عقوبات مكافحة الإرهاب، وبالتالي يتعين عليها تحديد مسار عملها مع الحكومات الوطنية.
وفي تقريرها -المشار إليه- أوضحت «جيلارد»، كيف «تبنّت الدول مجموعة من الإجراءات لمنع أعمال الإرهاب والمعاقبة عليها»، مع تقييد هذه الإجراءات بمبدأين رئيسيين، هما، تجريم أفعال معينة وفرض عقوبات على الجماعات أو الأشخاص المصنفين على أنهم إرهابيون. مضيفة أنه، بشكل محبط، لا تشير أي من الاتفاقيتين الأساسيتين بشأن مكافحة الإرهاب (الاتفاقية الدولية لعام 1999 لقمع تمويل الإرهاب، وقرار مجلس الأمن رقم 1373) إلى العمل الإنساني، فضلا عن استبعاده. وبالتالي، يوجد حاليًا عدد قليل من الأحكام الواردة في القانون الدولي للسماح لوكالات الإغاثة بإجراء مهام إنسانية في مناطق يوجد بها جماعات خاضعة لعقوبات إرهابية دولية.
وكما لوحظ في الماضي، كانت العقوبات تستند إلى أعمال العنف، التي تقوم بها الجماعات والدول المسلحة؛ لكن في السنوات العشرين الماضية، تم توسيعها لتشمل تقديم الدعم من الأفراد أو المنظمات أو الدول المرتبطة بتمويل الإرهاب. وفي المقام الأول، يأتي هذا نتيجة لتولي مجلس الأمن، دورًا تشريعيًّا في إصدار عقوبات مكافحة الإرهاب منذ 11 سبتمبر، مع وجود نهج أوسع يتمثل في إصرار الدول على حظر التمويل المباشر أو غير المباشر للمنظمات المرتبطة بنشاط إرهابي. وبما أن الهدف الأساسي هو منع التدفقات المالية من الوصول إلى الجماعات الإرهابية، فقد خلق هذا حالة من التوتر لدى وكالات الإغاثة ممن لديها إمكانية محدودة للعمل في المناطق الخاضعة لنفوذ هذه الجماعات.
ومن خلال ذلك، انتقدت «جيلارد»، هذا النهج غير المسؤول، وانتقدت كذلك كيف أن القيود التي فرضتها المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ليس لديها إلمام بالعقبات غير المحسوبة، والتي تواجهها الوكالات الإنسانية في البلدان الخاضعة لهذه العقوبات. ومع ذلك، فقد تم الإقرار أيضًا بحدوث تطورات مشجعة خلال السنوات الأخيرة، فيما يتعلق باحتمال منح بعض الوكالات والدول استثناءات من قيود تمويل مكافحة الإرهاب؛ لغرض العمل الإنساني.
ومتابعةً للتوصيات، ذكرت أن جميع العقوبات تثير المخاوف نفسها لدى المنظمات غير الحكومية، ولكن عند التعامل مع العقوبات المالية، فإن مخاطر المسؤولية تكون أكبر بكثير. واستطردت أن هناك حاجة إلى ضمانات مناسبة للعمل الإنساني، ولكن في حالة أفغانستان، من الصعب أن نرى كيف يمكن أن تقوم هذه المنظمات بالعمل الإنساني؛ بسبب فرض الولايات المتحدة عقوبات على طالبان؛ ومن ثم، يحظر حاليًا أي اتصال اقتصادي معها. فيما أصرت أيضًا على أن النتيجة المثالية، هي أن تشمل جميع العقوبات استثناءات صريحة للسماح بتنفيذ المهام الإنسانية بحرية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحاجة إلى المساعدة الإنسانية للشعب الأفغاني، يقابله رفض الحكومات الغربية التعامل مع طالبان. وعلى سبيل المثال، في شهر أغسطس الماضي، أعلن وزير الخارجية الألماني، «هايكو ماس»، أن حكومته لن تمنح سنتًا واحدًا (لأفغانستان) إذا استولت طالبان على السلطة.
وحول توفير الضمانات الإنسانية على مستوى الأمم المتحدة، صرح «برانر»، بأنه عند وضع القيود، كان الأشخاص الذين يصيغونها خبراء في مكافحة الإرهاب؛ ولكن ليس بالضرورة أن يكون العمل الإنساني في مقدمة اهتماماتهم. موضحًا أنه على مستوى المنظمات العالمية متعددة الجنسيات، عادة ما تكون مكافحة الإرهاب في مكان مختلف عن القانون الدولي الإنساني، وأن هذا النظام يخلق مشاكل للتعاون والتماسك في إجراءات وضع القانون، كما أن الأعمال الداخلية البيروقراطية تجعل المفاوضات أكثر صعوبة مما يجب أن تكون عليه، بشأن إصدار إعفاءات للعقوبات المفروضة على المنظمات غير الحكومية.
ومن نواحٍ عديدة، أشار إلى إحراز تقدم، مع قيام دول أوروبية، مثل فنلندا، وفرنسا بالضغط من أجل صياغة أفضل ضمن أحكام القانون الإنساني الدولي. ومع ذلك، فإنه إذا لم تكن هناك إرادة سياسية كافية لفرض مثل هذه التغييرات، فقد يتعين الاتفاق على الأحكام المستقبلية على أساس كل حالة على حدة، وبالتالي، يعيق هذا الجهود الإنسانية، كما أن رد الفعل البيروقراطي للحكومات يقوم على تجنب المخاطرة عند التعامل مع القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وأن الحذر الناتج عن ذلك يجعل الأمر صعبًا للغاية، بالنسبة إلى وضع المنظمات على الأرض؛ للعمل وفقًا لتلك القيود.
ومثل نظرائها، عرضت «هارفي»، وجهة نظر الحكومات المختلفة حول مسألة الموازنة بين تدابير مكافحة الإرهاب، وتلبية متطلبات العمل الإنساني. مؤكدة أنه على الرغم من المخاوف المتعلقة بحماية الأمن القومي، فإن هناك استجابة للاحتياجات الإنسانية، مثل ما نراه حاليا بأفغانستان. ومع ذلك، تظل المشكلة الأكبر، هي تلك المتعلقة بإساءة استخدام الاستثناءات التي قد تسمح بها الهيئات السياسية الأفغانية وغيرها لجهات إنسانية سيئة النوايا، أو التي تدعي أنها خيرية وهي تسعى إلى جمع أموال للإرهابيين. ولعل هذا الأمر، هو ما يقوض بالفعل مساعدة الحكومات المختلفة للجهود الإنسانية في مناطق الصراع.
وفيما يتعلق بأفغانستان، أشارت إلى أن أنظمة العقوبات الموحدة لكل من الأمم المتحدة، أو المملكة المتحدة لم تسمح بأي استثناءات لتسهيل جهود العمل الإنساني، وهو ما تسبب في معاناة شديدة للمدنيين في ظل نظام طالبان، وبالتالي، سنحتاج إلى إيجاد حل، مضيفة أنه، لا تزال المملكة المتحدة تتحدث مع الشركاء الدوليين من أجل إيجاد حل لمسألة إيصال المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان.
وفيما يتعلق بتقرير «جيلارد» -السابق ذكره- أفادت «هارفي»، بأنه خلص إلى أن التشريعات المتعلقة بجهود مكافحة الإرهاب تطالب الجهات التجارية التي تقدم الكثير من الخدمات للعمليات الإنسانية -مثل البنوك وشركات التأمين- بتقييد خدماتها للجهات الفاعلة الإنسانية، خوفًا من مساءلتهم قانونيا إذا أُسيئ استخدام تلك الخدمات من العناصر الإرهابية. وعلقت «جيلارد»، أن المملكة المتحدة أنشأت لجنة استشارية ثلاثية تضم ممثلين من القطاعات، المالية والخيرية والحكومية من أجل التغلب على الحد من تداعيات اعتماد سياسة تجنب المخاطر، التي تعتمدها المصارف البريطانية المعنية بقطع التعامل مع العناصر التي تقوم بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومع ذلك، شكك «برانر» في نجاح هذا النهج، نظرًا إلى أنها مشكلة دولية بطبيعتها، وبالتالي، فإن «قابلية التطبيق العملي» لاتفاق يهدف إلى الحد من تلك التداعيات سيكون محدودًا وغير ذي جدوى. وبرر ذلك الأمر، بأن المؤسسات المالية الدولية تتطلع دومًا إلى الولايات المتحدة وتحذو حذوها عند تحديد سياستها، وبالتالي سيكون من الصعب إيجاد حلول دائمة، ما لم يكن الأمريكيون مشتركين في تلك التدابير. ولعل واقع موافقة «واشنطن» غير مرجح، نظرًا إلى تمسكها بفرض العقوبات لاستهداف الإرهابيين والمنافسين الجيوسياسيين.
وفي النهاية، رأت «جيلارد»، أن تحديد الجهات الفاعلة الإنسانية هو التحدي الأكبر، لا سيما تلك التي سيشملها إنشاء إطار عملي للإعفاءات من العقوبات الدولية المفروضة على البلدان الأكثر حاجة إلى المساعدة، والتي بها حركات وجماعات إرهابية. وفي الوقت الحالي، فإن القانون واضح تمامًا، من وجهة النظر الأمريكية، حيث لا يوجد حظر أو قيود من أي نوع على أي منظمة، بالنسبة إلى الاحتياجات الإنسانية العاجلة. ومع ذلك، لوحظ أنه يوجد قدر من الارتباك بشأن اللوائح المتناقضة من الكيانات الأخرى، وعلى الأخص الأمم المتحدة، حيث لا تمتلك جميع البلدان نفس قائمة الجهات المحظور التعامل معها من قبل المنظمات الإنسانية.
على العموم، قدمت الندوة نظرة ثاقبة حول ضرورة خلق نوع من التوازن بين تدابير مكافحة الإرهاب والإجراءات الإنسانية في مناطق الصراع، حتى تتمكن الوكالات المعنية من أداء واجباتها من دون خوف من أن تطالها أي اتهامات قانونية.
علاوة على ذلك، فإن حالة الاختلاف والتناقض الحالية لقواعد مكافحة الإرهاب، وكذلك الاختلاف في أنواع المساعدات والخدمات الإنسانية بين الدول أصبح أمرا معقدا للغاية، حيث تختلف قواعد وقيود الأمم المتحدة عن قيود الولايات المتحدة، وهو ما يترك العديد من الوكالات الإنسانية في موقف غير مريح يتمثل في عدم التأكد من نوع الخدمات التي يمكنهم تقديمها وتوفيرها للمحتاجين، ومن ثمّ، هناك حاجة إلى إصلاح وتعديل كبيرين لتلك العقوبات والحد من تداعياتها ومعالجة أوجه القصور بها حتى لا تعرقل مسار الجهود الإنسانية في المناطق التي تحتاج إليها.