top of page

23/10/2021

دول الخليج بين الصراعات الإقليمية والتحديات البيئية

تمثل مواجهة دول الخليج والشرق الأوسط لعدد لا يحصى من المشاكل الجيوسياسية والبيئية والأمنية في المستقبل القريب والبعيد، بدءًا من الاحتباس الحراري، وانتهاء بالتوترات المستمرة مع إيران؛ عامل جذب للخبراء والمحللين لفهم التغييرات الإقليمية بشكل أفضل. وكجزء من ذلك، عقد «معهد دراسات الشرق الأوسط»، بلندن، خلال مؤتمره السنوي الثاني، عدة ندوات كان أبرزها ندوتان؛ الأولى بعنوان «هل يمكن للخليج أن يتحول إلى منطقة خضراء صديقة للبيئة؟»، والثانية بعنوان «النزاعات الدائمة والتهديدات الإقليمية.. آفاق وتحديات النهج التعاوني للأمن».

 

تطرقت الندوة الأولى إلى التحديات البيئية في الخليج، وأدارها «فرديناند إيبل»، من جامعة «كينجز كوليدج»، وشارك فيها «كريم الجندي»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، و«زينة الحاج»، من «منظمة 350org»، المتخصصة في تغير المناخ، و«شيرين حكيم»، من «إمبريال كوليدج».

 

في البداية، ناقش «الجندي»، تحديات تغير المناخ وإجراءات دول الخليج والشرق الأوسط بشكل أوسع، موضحًا أن «إحساسًا زائفًا بوفرة الموارد يتغلغل في المنطقة، ما يجعها تعمل بما يتجاوز قدرتها البيئية»، وكيف أن «عملية التحضر في الشرق الأوسط تتجاوز المعدلات العالمية»،، مؤكدا أن ندرة المياه «تلعب دورًا» في مستويات انبعاثات الغاز المرتفعة في المنطقة، بالنظر إلى «الاعتماد الواسع على تحلية المياه؛ والتي تستهلك الطاقة بشكل كثيف»، في حين أن «الدعم المباشر وغير المباشر للمياه قد أسهم في ذلك أيضًا» من خلال «تقليل الحوافز لحث السكان على توفير الماء.»

 

وفي هذا الصدد،، حذر من أن دول الخليج «لا تسهم فقط في تغير المناخ، بل إنها معرضة لمخاطر آثاره»، وأن «الأمر الأكثر إثارة للقلق هو جمع المنطقة بين متوسط درجات حرارة ورطوبة أعلى في المناطق الساحلية»، والتي تُلزم بدفع «حدود قدرة الإنسان على التكيف» وقدرة جسم الإنسان على تنظيم درجة حرارته في ظل درجات الحرارة الشديدة، مما يتطلبه من استهلاك المزيد من الطاقة، وما ينتج عن ذلك من تلوث. وعليه، حذر من أن هذا قد يثير احتمال «أن تصبح أيام الصيف قاتلة إذا ما بقى المرء في الخارج عدة ساعات».

 

وبالمثل، حذر «الجندي» من «زيادة وتيرة الظواهر الجوية الضارة» في الخليج، بالنظر إلى أن «سخونة المياه هناك تتسبب في جذب الأعاصير إليها»، موضحًا أن هذا يزيد من «مخاطر الفيضانات في المناطق الحضرية» في مدن مثل مسقط وجدة، والتي هي بالفعل «مهيأة للفيضانات»، وكذلك المتغيرات الساحلية في دبي والدوحة والمنامة. مشيرًا إلى أن الوضع الحالي في الشرق الأوسط كان «لفترة طويلة آخذا في التفاقم؛ من سوء الإجراءات المناخية»، على الرغم من أنه أقر بأن «هذا العام شهدنا زيادة في الطموح المناخي قبل قمة تغير المناخ «كوب 26»، في نوفمبر2021. وتمثل التطور الأبرز «في أن دول الخليج» اكتشفت ما بحوزتها من إمكانات الطاقة المتجددة»، حيث أدى إنتاج الكهرباء من خلال مصادر الطاقة المتجددة إلى خفض التكاليف وزيادة التشغيل.

 

من جانبها، تطرقت «خليل»، إلى احتمالات تبني دول الخليج لسياسات أكثر اخضرارًا في المستقبل القريب، خاصة أنه «لا يوجد خيار سوى التحول إلى البيئة الخضراء»، وأن هذا لن يكون في حد ذاته «عملية سريعة أو سهلة»، مشيرة إلى أنه «للتحول إلى البيئة الخضراء، هناك خطوة أساسية يجب أن تقوم بها هذه الدول فيما يتعلق بسياستها»، وأصرت على أن الوضع الراهن المتمثل في «الاعتماد على النفط»، يجب أن يتغير «من أجل بقائهم»؛ مشيرة إلى «أننا نشهد بالفعل تأثيرا لتغير المناخ»، متمثلا بإعصار «شاهين»، الذي ضرب مؤخرًا كلا من إيران وسلطنة عمان، موضحة أنه «يمثل مجرد تذكير بما ستواجهه المنطقة».

 

وتوافقًا مع «الجندي»، أشارت إلى أن «ندرة المياه مشكلة خطيرة» في الشرق الأوسط، في حين أن حقيقة أن «المنطقة تعتمد كليا على الواردات» لإمداداتها الغذائية؛ تعني أن «الاستقرار على المدى الطويل مهدد» إذا تم اتخاذ إجراءات «غير مسؤولة». ولمواجهة هذه المخاطر؛ حثت دول المنطقة على «البدء في الاستثمار» في «التنويع بجدية»، ولاحظت أن الإمارات «قدمت الكثير في هذا الشأن، وأن قطر والسعودية أيضًا «يلاحقونها»، إلا أنها حذرت من أن «هذه الدول تحتاج إلى النظر في أي سياسة سيتخذونها بشأن الغذاء والماء والطاقة من أجل البقاء على المدى الطويل». ومع ذلك، أقرت بأن اللوائح الجديدة للاستثمار والتطورات هي «خطوات قاسية» «لا يمكن القيام بها بسهولة»، لكنها أكدت أن «هذه القرارات يمكن اتخاذها».

 

من جانب آخر، تناولت «حكيم»، الأثر البيئي للعقوبات الاقتصادية؛ مع التركيز بشكل خاص على حالة إيران، موضحة أن «طهران تعاني عددًا من القضايا البيئية»؛ بما في ذلك ندرة المياه الناجمة عن سوء إدارة الإمدادات و«عدم كفاءة» قطاع الزراعة، وأن العقوبات التي أعيد فرضها عليها بعد انسحاب أمريكا من «الاتفاق النووي»، قد «استهدفت قطاعات اقتصادية حساسة»، والتي تعتبر «حاسمة للتنمية المستدامة»، مع كون العقوبات الاقتصادية عن غير قصد «محفز» لمزيد من التدهور البيئي.

 

وفي سياق متصل، أشارت «حكيم» إلى «الضغوط على الموارد» داخل إيران؛ نظرًا إلى اعتمادها على السلع المنتجة محليا، بالإضافة إلى تركيزها على «الحلول قصيرة الأجل»، حيث «يفتقدون القدرة على التخطيط على المدى الطويل»، ومن ثمّ، يمثل تدهور الوضع البيئي هناك مصدر قلق متزايد لجيرانها الإقليميين. وأوضح تقرير صدر في يوليو 2021 عن «المجلس الأطلسي»، كيف أن «سوء الإدارة البيئية أدى إلى احتجاجات في الأجزاء الجنوبية الغربية من البلاد في يوليو، والتي امتدت إلى عدة محافظات أخرى».

 

وحول سؤال «إيبل»، المشاركين عما إذا كانوا يعتقدون أن الناس في الشرق الأوسط سيتعين عليهم «التخلي عن أنماط الحياة التي اعتادوا عليها» من أجل تسهيل انتقال الطاقة المقترح والسياسات الخضراء الأخرى؛ قلل «الجندي»، من أهمية مثل هذا التحول، بحجة أن «هناك حدًا لمدى إمكانية تغيير نمط الحياة»، موضحًا أن هذا «في الغالب قضية تتعلق بالسياسة»؛ نظرًا إلى موقعهم الجغرافي، فهناك «سقف» إلى أي مدى يمكن للمرء أن يقلل من كثافة الطاقة للعيش في الخليج.

 

أما الندوة الثانية، فدارت حول الجغرافيا السياسية والأمن الإقليميين، أدارها «جوناثان هال»، من «كينجز كوليدج»، وشارك فيها «كلايف جونز»، من جامعة «دورهام»، و«كريستيان أولريتشسن»، من «معهد بيكر للسياسة العامة»، و«إينا رودولف»، من «كينجز كوليدج».

 

فقد أثار «أولريتشسن»، مسألة استعادة ثقة دول الخليج من قبل إدارة بايدن؛ حيث ينتاب هذه الدول شعور بالقلق خلال الأشهر الخمسة الماضية حيال «النوايا والأهداف طويلة المدى» لواشنطن فيما يتعلق بضمان أمن منطقة الشرق الأوسط، وأنها سواء عن قصد أم بغير قصد، تبقي حلفاءها الخليجيين «في حالة تخمين دومًا» بشأن نواياها، خاصة وأن الإدارات الثلاثة المتتالية، «أوباما، وترامب، وبايدن»، تحدثت علنًا عن تغيير واشنطن لمستوى وجودها الأمني في المنطقة»، وأن إدارة بايدن، لا تنظر إلى دول الخليج «على أنها تمثل أولوية لها» مثلما فعلت إدارة ترامب، ولا سيما في ظل تركيزها على استعادة «الاتفاق النووي» مع إيران.

 

وتعقيبا على ذلك، أوضح أن «الطبيعة القاسية» لتعليقات «بايدن» أثناء الانسحاب من أفغانستان قد زادت من هذا الشعور، وأظهرت «مخاوفهم الشديدة» بشأن التعويل على مصداقية واشنطن إزاء توفير الأمن بالمنطقة. ومن هذا المنطق، اعتبر المنطقة تشهد «تغييرًا جذريًا»، وهو ما جعله يتساءل عن طبيعة الشكل الذي سيكون عليه «خليج ما بعد أمريكا»؟، وأنه على الرغم من أن «هناك الكثير من الاحتمالات، غير المجدية في الوقت الراهن، التي تدور حول التدخل الصيني والروسي في منطقة الخليج»، إلا أنه يعتقد أنه من غير المحتمل أن تنسحب واشنطن بالكامل من المنطقة.

 

وفي هذا الصدد، وصف «أولريتشسن»، محاولات الصين جذب الخليج نحوها، بأنها «مثيرة»، نظرًا إلى تحذيرات الأمريكيين من أن بكين تتعدى على «نطاقها الاستراتيجي»، مشيرًا إلى أن دول الخليج «حريصة» على أن توازن علاقاتها بين بكين وواشنطن، لكنها ربما قد تُوضع في «موقف حساس»، إذا زادت التوترات الجيوسياسية الأمريكية الصينية، كما أن دول المنطقة ستراقب «ما سيحدث في واشنطن» خلال انتخابات الكونجرس النصفية عام 2022. حيث ستكون بمثابة مؤشرات تبين توجهات الناخبين إزاء المنافسة الشرسة مع الصين، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024.

 

من ناحية أخرى، تطرقت «رودولف» إلى العلاقة بين الدولة العراقية ووحدات الحشد الشعبي، واصفة إياها بـ«شبه العسكرية»، موضحة أن الأخيرة «أعلنت أنها هي من مكنت القوات العراقية من الانتصار على داعش، موضحة أن «طابعها التنظيمي سمح لها بالانضمام إلى النظام السياسي العراقي، سواء بشكل رسمي وغير رسمي، وأنه بعد سقوط الموصل في أيدي داعش عام 2013. لم تتمكن أي سلطة عراقية من تأكيد قدرتها على مقاومة التنظيم، ومن ثمّ، استغلت تلك الوحدات المدعومة إيرانيا هذه الحالة «كذريعة» للمطالبة بقيادة العديد من المنظمات العراقية شبه العسكرية.

 

ومن منظور أمني، أوضحت أن «التقارب الآيديولوجي» بين النظام الإيراني والحكومة العراقية يمثل مصدر قلق خاص لدول الخليج. ويرجع ذلك إلى ميل وحدات الحشد الشعبي إلى العمل خارج نطاق سلسلة القيادة العسكرية التقليدية، فضلاً عن استخدامها لـ«هيكل عسكري شبه مستقل سياسيا»، كما أن تلك الوحدات تمارس ضغوطها من خلال الوسائل السياسية المشروعة، كما هو الحال في البرلمان العراقي، للحصول على مزيد من «النفوذ»، موضحة كيف أن هذه الجماعات، التي يتراوح عددها بين 150 إلى 160 ألفًا، أغلبهم ينتمون إلى الطائفة الشيعية؛ كانت تساعد إيران في محاولاتها لتقويض أمن الشرق الأوسط، بما في ذلك إشراك نفسها في الصراع السوري، و«تعزيز» دعمها للحوثيين في اليمن.

 

ومع ذلك، وصفت «رودولف» هذه الوحدات بأنها تعاني من «سمعتها المتضررة» المرتبطة بأعمال القمع العنيفة للاحتجاجات في العراق، فضلاً عن صلاتها العلنية بعمليات القتل ذات الدوافع السياسية، وربما كانت حادثة اغتيال قائد فيلق القدس، «قاسم سليماني» في يناير 2020. بمثابة «ضربة» لكل عملياتهم ومخططاتهم. وبالرغم من ذلك حذرت من أن هذه الوحدات «لا تزال مؤثرة» على المستوى المحلي بشكل كبير داخل العراق، وتعمل وفق «خطط سياسية خارجية»، جنبًا إلى جنب مع إيران.

 

وفيما يتعلق بسؤال «هال»، عن كيفية موازنة القوات شبه العسكرية العراقية بين «وضعها في ساحة المعركة» وبين البراغماتية السياسية؛ أوضحت «رودولف» أن قوات الحشد الشعبي حاولت بناء شرعيتها من خلال عدد من الوسائل القانونية، فضلا عن اكتسابها نوعًا من «الشرعية الشعبية»، مُقرة بوجود تناقض بين استخدام هذه الوسائل القانونية ونظيرتها العسكرية، خاصة أن المسار القانوني يسمح لهذه المليشيات بخلق «ستار» بين أعمالها السياسية المشروعة وانتهاكاتها العسكرية.

 

وفي سؤال حول مدى تحول دول الخليج عن أن تكون حليفة لواشنطن مستقبلا؛ أجاب «جونز»، إنه على الرغم من حدوث تقلص للدور الأمريكي في المنطقة، فستظل واشنطن «قوة مهيمنة داخلها»؛ لأن من مصلحتها القيام بذلك، على الرغم من القلق الخليجي، فإنه يجب إيلاء المزيد من الاهتمام بـ«دور الصين» في المنطقة مستقبلاً. إضافة إلى ذلك، أشار «أولريتشسن» إلى أنه بالنسبة إلى دول الخليج، فإن الكثير من أعمال التجارة الخاصة بهم بالفعل باتت «تتجه شرقًا وليس غربًا»، حيث أصبحت المنطقة بمثابة سوق أكبر لآسيا، وبالتالي لا ينبغي أن يكون الاهتمام الآسيوي الأكبر بالخليج بمثابة مفاجأة للمحللين والحكومات الغربية.

 

على العموم، قدمت الندوتان، عددا من التحليلات والمناقشات حول التحديات البيئية والجيوسياسية في منطقة الخليج تحديدًا، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل أوسع نطاقًا. وعلى الرغم من عدم وجود حلول سياسية لدول الخليج لمعالجة المخاوف المتعلقة بظاهرة تغير المناخ خلال الندوة الأولى؛ كما أن الاقتراحات حول المسار الذي يمكن أن تسلكه، إذا واصلت واشنطن الولايات المتحدة تقليص دورها في الشرق الأوسط كانت محدودة في الندوة الثانية، إلا أن المشاركين اعترفوا بجهود بلدان الخليج لمعالجة بعض هذه المشاكل والتحديات.

{ انتهى  }
bottom of page