top of page

30/10/2021

تعهد دول الخليج بتحقيق انبعاثات كربونية صفرية.. وردود الفعل الغربية

بينما يستعد قادة العالم للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ، في الفترة من 1 إلى 12 نوفمبر القادم في مدينة «غلاسكو»، بإسكتلندا، يُعيد هذا للأذهان نتائج مؤتمر باريس لتغير المناخ عام 2015. حيث قدمت العديد من الدول تعهدات علنية بخفض مستويات الانبعاثات الكربونية لديها، بما يتماشى مع الاتفاق الذي خرج به المؤتمر آنذاك. وفي الوقت الراهن ربما يكون الضغط على هذه الدول لاتخاذ إجراءات بشأن ظاهرة تغير المناخ، أقوى من أي وقت مضى.

 

وأشار تقرير صادر عن «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، إلى أنه «في غضون العقد الحالي، من المتوقع أن يكون لمخاطر تغير المناخ آثار مدمرة بشكل متزايد»، وأن المزيد من عدم اتخاذ أي إجراء إزاء هذا الأمر سيؤدي إلى «وقوع تأثيرات مناخية كارثية ومخاطر سيشعر بها العالم برمته».

 

وفي الواقع، كانت المملكة المتحدة أول اقتصاد عالمي يعلن في يونيو 2019. تعهده بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050. (ما يعني عدم إنتاج أي غازات دفيئة إضافية إلى الغلاف الجوي العالمي، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض مستويات الاحترار المناخي). ومنذ ذلك الوقت، تعهدت أكثر من 100 دولة بالوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية في مرحلة ما خلال الثلاثين أو الأربعين عامًا القادمة، من بينها الصين، أكبر مصدر لانبعاث غازات الاحتباس الحراري والزئبق في العالم، والتي وافقت على تحقيق ذلك قبل حلول عام 2060.

 

وفي الوقت الحالي، أعلنت العديد من دول الخليج تعهداتها بالوصول إلى مستويات صافي انبعاثات كربونية صفرية، بما يتماشى مع المعايير الدولية. وفي أوائل أكتوبر2021. أعلنت الإمارات العربية المتحدة، أنها ستلتزم بتحقيق هذا الهدف بحلول عام 2050. وفي 23 أكتوبر، تعهد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بخفض مستويات انبعاثات الرياض الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2060. وفي اليوم التالي، كشفت البحرين عن هدفها للوصول إلى ذلك بحلول عام 2060. كجزء من رؤيتها الاقتصادية 2030.

 

وفيما يتعلق بالسعودية، ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن ولي العهد، تعهد بإتاحة مبلغ قدره 700 مليار ريال (بما يعادل 187 مليار دولار أمريكي)، لتلبية «مجموعة من الأهداف الجديدة التي حددتها خارطة الطريق السعودية المعنية بحماية البيئة ومواجهة تحديات التغير المناخي، والتي من شأنها المساهمة في تحقيق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء»، بما في ذلك الحد من غازات الاحتباس الحراري، «بمقدار 278 مليون طن سنويا»، بحلول عام 2030. وكما أشارت «مريم نهال» من صحيفة «ذا ناشونال»، فإن الرياض أعلنت «إعادة تأهيل مليار هيكتار من الأراضي غير الصالحة للزراعة بحلول 2040. وبدء المرحلة الأولى من مبادرة التشجير بزراعة أكثر من 10 مليارات شجرة، بالإضافة إلى رفع نسبة المناطق المحمية بيئيًّا إلى 30% أو 600 ألف كيلو متر مربع من مساحة المملكة بأكملها».

 

وبشكل عام، لاقى إعلان الرياض، وأبو ظبي، والمنامة، ترحيبًا من المسؤولين الدوليين وخبراء الصناعة على حد سواء. وأشادت «باتريشيا إسبينوزا»، الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بالإعلان ووصفته بأنه يتسم «بالجرأة والشجاعة»، في حين علق النائب البريطاني - رئيس مؤتمر المناخ الدولي بإسكتلندا - «ألوك شارما»، بأنه يأمل في أن يؤدي هذا «الإعلان التاريخي» من الرياض إلى «تحفيز طموح الآخرين» قبل انعقاد مؤتمر المناخ. فيما أعرب «ماركو ألفيرا»، رئيس شركة البنية التحتية للطاقة الإيطالية، عن تفاؤله، مشيرًا إلى أن هذا التعهد سوف «يقلب الموازين برمتها خلال المؤتمر القادم»، وأن «القطاع الخاص بات متحمسا جدًا لكل ما يحدث في الشرق الأوسط، والمملكة السعودية تحديدًا»، فيما رأى «ريتشارد بلاك»، من «وحدة استخبارات الطاقة والمناخ»، أيضًا أن هدف وصول الانبعاثات الكربونية إلى الصفر بحلول عام 2060. هو«موضع ترحيب غير مسبوق».

 

علاوة على ذلك، لاحظ الخبراء الغربيون أن جهود تنويع وتطوير مصادر الطاقة داخل اقتصادات الخليج ستكون ضمن العناصر الأساسية لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية في السنوات القادمة. وعلى وجه الخصوص، لوحظ أن دول الخليج باتت تسعى إلى تحقيق التحول في مجال إنتاج الطاقة باستخدام الهيدروجين، حيث أعلنت «الرياض»، أنها ستستخدم أحد أكبر مشروعات الغاز الطبيعي في العالم «حقل الجافورة»، لإنتاج الهيدروجين الأزرق، وأوضح وزير الطاقة السعودي «عبد العزيز بن سلمان»، أن «استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، واستخدام الهواء المباشر، والهيدروجين والوقود منخفض الكربون»، ستكون خطوات «لمكونات ضرورية»، تسعي في النهاية إلى تحقيق انبعاثات حرارية أقل، مؤكدا أن هذه الأهداف «تمكننا من أن نقول للعالم بقوة: «نحن معكم.. نشارككم نفس القلاقل.. ونريد أن نطور مصادر الطاقة لدينا».

 

من جانبها، أوضحت «كيت دوريان»، من «معهد دول الخليج العربي»، أن «المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أخذتا زمام المبادرة في تنويع مصادر الطاقة لديهما رغم توقعهما باحتمال وجود ذروة حتمية في مستوى الطلب على النفط الخام خلال العقد أو العقدين المقبلين»، ولا يخفى أن الرياض، قد دافعت عن تبنيها الاقتصاد القائم على تدوير الكربون، معتبرة إياه «إطارًا فاعلاً»، لتشجيع خفض مستوى الانبعاثات، ودعم جهود تحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي. ويضم مفهوم هذا الاقتصاد محاور أربعة هي: (الحد من انبعاثات الكربون، إعادة استخدامه، تدويره، والتخلص منه نهائيا).

 

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجهود والتعهدات تأتي في وقت يسوده حالة من عدم اليقين وانعدام الثقة بشأن مستقبل أسواق النفط والغاز على المدى الطويل، حيث أشارت «دوريان»، إلى احتمالات وقوع «تحول جذري» في هيكل أسواق الطاقة، وإعادة تنظيم أهدافها، بما يتناسب مع رغبات أصحاب المصلحة الجدد الرئيسيين الذين قد يهيمنون على صناعات النفط والغاز على حد سواء». وبالمثل، أوضحت «كارين يونغ»، من «معهد الشرق الأوسط»، أن «السنوات الخمس إلى العشر القادمة»، ستكون على الأرجح «فترة تحول صعب»، ولكنها أيضًا «فرصة فريدة» لجميع منتجي النفط والغاز في أنحاء العالم، بما في ذلك دول الخليج.

 

ومع ذلك، فإن الاعتماد على هذه التكنولوجيا المعنية بإنتاج الهيدروجين، لا يخلو من المخاطر وتكبد الأموال الطائلة؛ نظرًا إلى تكاليفها الأولية الباهظة، والحاجة إلى وجود استثمارات مستدامة لتكون قابلة للاستمرار على المدى الطويل. وحذر تقرير نشرته «وكالة الطاقة الدولية»، العام الحالي، من أن الفشل في متابعة واستمرار العمل وفق هذه التقنيات وما تفرضه من مبادرات بشكل مناسب، «من شأنه أن يزيد بشكل هائل من تدني مستوى تلك التكنولوجيا وأصولها على مستوى العالم، وهو ما سيتطلب بدوره إنفاق حوالي 15 تريليون دولار أمريكي، كاستثمارات إضافية في توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية والكهربائية لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية».

 

في غضون ذلك، علق «بلاك»، على أن تنويع مصادر إنتاج الطاقة في دول الخليج، يمثل أيضًا «أفضل وسيلة لإقناع المشككين بنواياهم واستراتيجياتهم البناءة»، وأنهم أعلنوا تعهدهم بخفض مستوى الانبعاثات الحرارية لديهم، جنبًا إلى جنب مع بعض دول العالم، مشيرًا إلى أن «الكثيرين لن يصدقوا صحة هذا التعهد» حتى تخفض دول الخليج مستويات إنتاجها من النفط والغاز على حد سواء.

 

وعلى الرغم من التزام دول الخليج بالوصول إلى مستويات انبعاثات كربونية صفرية بحلول عامي 2050 و2060. فقد أعرب العديد من الخبراء الإقليميين عن تخوفهم من أنه سيتم تحقيق هذه الأهداف على أرض الواقع. وأفادت «يونغ»، أن أهداف المملكة العربية السعودية، لا تزال «طموحة» حتى الآن، وما زالت تمثل مجرد «إعلان»، أكثر من كونه «التزاما فعليًا بتبني سياسة خفض الانبعاثات على المدى الطويل»،

 

 

ويبقى واضحًا، أن التزامات دول الخليج بالوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية، تعني نسبيا أن مستوى إنتاج وتصدير احتياطيات النفط والغاز الطبيعي سيظلان على حالهما، على الأقل على المدى القصير. وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن هذه الأهداف الجديدة، والمتمثلة في خفض الانبعاثات «من غير المرجح أن تغير مكانة المملكة العربية السعودية، كأكبر مصدر للنفط الخام في العالم». وبالمثل، أوضحت «يونغ»، أن الموارد الهيدروكربونية ستستمر في لعب دور مهم في كل من الاقتصادات السعودية والإقليمية بعض الوقت، بسبب «الإنتاج المنخفض الكلفة، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون المنخفضة بشكل عام، والمرتبطة بعمليات إنتاج النفط»، ولاشك أن دول الخليج لديها كل الخيارات «للاستفادة من قدراتها الإنتاجية من خلال عرض مصادر الإنتاج الأكثر نظافة وأمانًا على المستهلكين في المستقبل».

 

على العموم، يمثل تعهد دول الخليج العربية، بما في ذلك السعودية، والبحرين، والإمارات، بتحقيق انبعاثات كربونية صفرية بحلول عامي 2050 و2060. تماشيًا مع الدعوات العامة التي أطلقتها الدول الأخرى؛ «رسالة قوية»، قبيل انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، في دورته الـ26. والتزاما من جانبهم بخفض مستوى الانبعاثات، وسن تدابير أقوى لتوفير الحماية البيئية، وبالتالي تقليل حجم الأضرار التي قد تلحق بالغلاف الجوي للأرض.

 

وفي حين قوبل الإعلان ببعض الشكوك، فقد تم استقباله أيضًا باهتمام من خبراء الصناعة والقادة الدوليين، لاسيما؛ بسبب الجهود المستمرة لتنويع وتطوير مصادر إنتاج الطاقة، ولعل هذا الإعلان يعكس كيف يمكن للخليج أن يلعب دورًا مهمًا في العالم عبر تنويع مصادر الطاقة، وجعلها أنظف وأكثر أمانًا في السنوات القادمة.

{ انتهى  }
bottom of page