13/11/2021
عودة إيران إلى المحادثات النووية.. وردود الفعل الغربية
نظرًا إلى العداء المستمر وانعدام الثقة بين واشنطن وطهران، فإن الإعلان الأخير عن عودة إيران إلى المفاوضات في فيينا بشأن الاتفاق النووي في أواخر نوفمبر 2021. قد قوبل برد فعل فاتر من المحللين الغربيين، الذين أعربوا عن قدر كبير من التشكك في نجاح هذه المحادثات.
وعلى الرغم من أنها خطوة لإعادة بناء محتملة للاتفاق النووي لعام 2015. فمن غير المرجح أن تعني عودة إيران إلى المحادثات؛ نهاية الفترة المضطربة بينها وبين الولايات المتحدة، والتي ترجع إلى حملة «القدر الأقصى من الضغط» التي مارستها إدارة ترامب. ومع ذلك، فإنه في ضوء معاناة إيران من مشاكل اقتصادية حادة، حيث يتوقع «صندوق النقد الدولي»، أن يتراوح معدل التضخم فيها بين 36.5% و39% بحلول نهاية عام 2021. وفي ضوء مواجهة إدارة «جو بايدن» للانتكاسات السياسية المحلية، توضح «سينا توسي»، من «المجلس القومي الإيراني الأمريكي»، أن البلدين «يمران الآن بمنعطف حرج في نزاعهما طويل الأمد».
وعليه، ركز معظم المعلقين تحليلهم على الخيارات والأدوات المختلفة المتاحة لإدارة بايدن في سعيها لتحقيق هدفها المعلن المتمثل في اتفاق «أطول وأقوى»، ووسيلة لضمان عدم انحراف طهران عن اتفاقياتها السابقة. ووفقًا لـ«توسي»، فإنه على الرغم من أن «الكثيرين في واشنطن يعتقدون أن إيران أخرت المفاوضات كذريعة لتعزيز برنامجها النووي»، إلا أن هناك «سببًا قويًا» للاعتقاد أن استراتيجية التفاوض التي يتبعها الرئيس الإيراني، «إبراهيم رئيسي»، «لها علاقة أكبر بالسياسة الداخلية الإيرانية، خاصة أنه لم يستبعد «الاتفاق النووي صراحةً»، لكنه بدلاً من ذلك حرص على الموازنة بين المفاوضات المستقبلية والحاجة السياسية إلى «الظهور بمظهر أكثر ذكاءً وأقل حماسًا» من سلفه الأكثر اعتدالا، حسن روحاني. وبالنظر إلى التصور داخل طهران بأن «الاتفاق النووي»، كان «الإنجاز المميز» لروحاني، فليس من المفاجئ أن المتشددين مثل «رئيسي»، مازالوا غير راغبين حتى الآن في متابعة المفاوضات النووية مع واشنطن.
وفي السياق ذاته، نقلت «صحيفة «فاينانشيال تايمز»، عن مصدر مطلع داخل النظام الإيراني، قوله: إن «إجراء محادثات نووية ليس على رأس أولوياتنا» و«استراتيجية إيران الجديدة هي عدم الاعتماد على خطة العمل الشاملة المشتركة بعد الآن»، و«عدم الاستثمار في شيء فشل من قبل». ومن المرجح أن تشكل هذه الشكوك المتأصلة حاجزا أمام تحقيق محادثات مثمرة، إذا انتهى الأمر بالإيرانيين إلى طاولة المفاوضات في فيينا.
وعلى الرغم من هذه الاعتراضات السياسية الواضحة، فإن المشاكل الاقتصادية المستمرة في طهران ستسهم بشكل ما في تفسير عودتها إلى المفاوضات في النهاية، ومع أن إيران الآن «على وشك» قبولها في منظمة «شنغهاي»، للتعاون كعضو كامل العضوية، إلا أن الاقتصاد الإيراني لا يزال يعاني من نقص الإمدادات وسط العقوبات الاقتصادية الأمريكية التعجيزية.
وتعكس هذه القضية، ضرورة تعهد «رئيسي» بالفعل بإعطاء الأولوية «للدبلوماسية الاقتصادية»؛ لتعويض تأثير العقوبات الأمريكية، وهو ما يعني ضمنيًا إظهار «بعض المرونة المحدودة في تصرفات طهران الخارجية». وبالنظر إلى أن القضايا الاقتصادية الإيرانية تسهم الآن باستمرار في حالة عدم الاستقرار المحلي، بما في ذلك الإضرابات بين عمال النفط، والاحتجاجات على نقص المياه التي تحولت إلى أعمال عنف في عدة مناسبات؛ يمكن للنظام أن ينظر إلى المفاوضات المستقبلية على أنها وسيلة لتلقي وعود بتخفيف العقوبات. وكان وزير الخارجية الإيراني، «حسين أمير عبداللهيان»، قد اقترح أن تفرج الولايات المتحدة عن 10 مليارات دولار من الأصول المجمدة لبلاده كبادرة حسن نية قبل بدء المفاوضات، وهو طلب من غير المرجح أن يتم الاستماع إليه.
وفي الواقع، تركزت تعليقات المحللين حول هل ستواصل واشنطن المحادثات مع إيران، أم ستسعى إلى وسائل أخرى لضمان عدم تطوير طهران لأسلحتها نووية؟. ورأى بعض المراقبين، مثل «دينيس روس»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، بأنه من أجل التوصل إلى تسوية دبلوماسية مع إيران، يجب على إدارة بايدن «ممارسة الضغط بشكل أكثر فاعلية، وإعادة بث الخوف في قلب إيران من رد فعل أمريكي». وبالمثل، أوضح «مايكل سينغ» - من المعهد ذاته - أن طهران «خلصت على ما يبدو إلى أن تخفيف العقوبات لم يعد يستحق التنازل عنه»، وعلى هذا النحو، فإن «شحذ عواقب ذلك بمصداقية يجب أن يكون من أولويات السياسة الخارجية لبايدن». وبدت الكثير من ردود الفعل الغربية متشائمًة أيضًا من النوايا الإيرانية. وعلى سبيل المثال، أوضحت شركة «أوراسيا جروب» الاستشارية للمخاطر الجيوسياسية، أن «تعنت إيران المستمر والمضي قُدمًا في برنامجها النووي سيجعل من الصعب» الوصول إلى نتيجة ناجحة كما هو الحال الآن.
ومع ذلك، ونظرًا إلى انتقاد «بايدن»، نهج إدارة ترامب السابق تجاه إيران، فقد جرى انتخابه مع التعهد بمحاولة المسار الدبلوماسي مرة أخرى، لذا فمن المحتمل أن يكون متحفظًا للغاية في اتخاذ تدابير قسرية، خاصة وكما ذكر «كولم لينش»، من مجلة «فورين بوليسي»، فإن «إدارة ترامب لم تفعل شيئًا يُذكر لمنع إيران من القيام بذلك»، وتعزيز قدرتها على تطوير برنامجها النووي». علاوة على ذلك، يرى «فالي نصر»، من جامعة «جون هوبكنز»، أنه على الرغم من «الشراسة غير المسبوقة» للعقوبات في عهد ترامب، فإنها لم تؤت ثمارها، وبدلاً من ذلك شجعت طهران على «مضاعفة استثماراتها» في برنامجها النووي». ودعمًا لهذا التقييم، تشير البيانات التي تم جمعها من قبل «مجموعة الأزمات الدولية»، إلى أن إيران قد جمعت مخزونًا من اليورانيوم المخصب 14 مرة، أكبر من الكمية المسموح بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن واشنطن يجب أن تكون حذرة من مغبة العودة إلى فرض أقصى الضغوط والعقوبات في الوقت الذي باتت فيه إيران تجدد التزامها بالمحادثات. وفي هذا الصدد، يوضح «جورج لوبيز»، من جامعة «نوتردام»، أن تلك العقوبات أدت بالنهاية إلى «تأثيرات سلبية أكبر على المدنيين الإيرانيين، ما أدى إلى تآكل التعاون الدولي بشأن الملف النووي»، ولعل فكرة أن العقوبات يمكن أن «تدفع الإيرانيين إلى الاستسلام «لا يتشاركها الحلفاء الأوروبيون مع الولايات المتحدة تمامًا، كونهم لا يزالون يشكلون جزءًا لا يتجزًأ من «الاتفاق النووي».
واعترافًا بالاحتمال البعيد والمحدود في الوقت الراهن للتوصل إلى اتفاق مُرضٍ أشبه بإطار الاتفاق النووي عام 2015؛ اقترحت «كيلسي دافنبورت»، من «رابطة الحد من الأسلحة»، أن تقوم إدارة بايدن «بمفاوضات ومحادثات محورية» نحو محاولة إبرام «اتفاق مؤقت أو تقديم واشنطن لتنازلات مقابل عرض طهران تنازلات أخرى»، وهو الأمر الذي سيقلل من انتشار الأنشطة النووية الحساسة والخطيرة»، مضيفة أنه يمكن أن يشمل ذلك «اتخاذ إيران خطوات من بينها الحد من تخصيب اليورانيوم، والعودة إلى الخضوع لأنظمة المراقبة الدولية» مقابل قيام الولايات المتحدة، «ببعض التخفيف المحدود للعقوبات في مجالات مثل الإفراج عن الأصول المالية المجمدة وعائدات المبيعات النفطية».
من ناحية أخرى، يرى العديد من حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين أن احتمال عودة إيران إلى المحادثات النووية في فيينا يقدم مرة أخرى احتمالية إجراء محادثات أمنية إقليمية أوسع نطاقًا. ولعل الأهم من ذلك كله -في هذه الحالة- هو إعادة تأكيد التزامات الولايات المتحدة الأمنية في الشرق الأوسط، والتي ينبغي ألا تتأثر بالمفاوضات النووية المستقبلية التي ستجريها واشنطن مع طهران. ويمكن الجزم أن أحد المخاوف الأمنية الرئيسية لدول الخليج، تكمن في انتشار الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى، والقدرة على «إنشاء أنظمة دفاعية صاروخية» لوكلائها مثل الحوثيين في اليمن. وبالمثل، فإن استمرار دعم إيران لجهات فاعلة مسلحة غير حكومية في جميع أنحاء المنطقة هو قضية يمكن طرحها على الطاولة في فيينا.
على العموم، قوبل إعلان عودة إيران إلى المحادثات النووية في فيينا في نهاية نوفمبر 2021. بالعديد من الشكوك؛ نظرًا إلى رفض إيران الامتثال لالتزاماتها التي كانت عليها عام 2015. والطبيعة المتشددة لنظام الرئيس الإيراني «رئيسي». علاوة على ذلك، فإن ريبة المحللين الغربيين بشأن الإجراءات والخيارات البديلة الأخرى التي ستتخذها إدارة بايدن تجاه إيران، تعكس شعورًا واسع النطاق بأن هذه المفاوضات، بمجرد استئنافها، لن تصل إلى نتائج ناجحة أكثر من نظيراتها السابقة.
وعلى الرغم من ذلك يرى مراقبون أمريكيون أن جعل طهران تخشى عواقب فشل المفاوضات هو الطريقة الوحيدة للسيطرة على تطلعاتها النووية في الوقت الراهن.