17/11/2021
قمة «جلاسكو» للمناخ.. هل تحقق التحول المنشود؟
بعد أسبوعين من المفاوضات الرفيعة المستوى، اختتمت «قمة المناخ للأمم المتحدة» في جلاسكو محادثاتها، وفي ضوء ذلك قام عدد من الخبراء والمحللين بتقييم مدى تأثير هذه المحادثات، وما إذا كان العديد من الاتفاقات والتعهدات الصادرة عن قادة العالم للحد من الانبعاثات العالمية وتقليل معدل الاحتباس الحراري قابلة للتنفيذ أم لا.
وقبل انعقادها، كانت هناك العديد من التوقعات، حيث تحدث رئيس الوزراء البريطاني، «بوريس جونسون»، بتفاؤل حول «الإمكانات الهائلة لسلسلة من الاتفاقيات التاريخية بشأن حماية المناخ والحد من انبعاثات الكربون حول العالم».
ورغم إبرام العديد من الاتفاقات والتعهدات بين قادة العالم في جلاسكو؛ فإن النقص الملحوظ في «خطط عمل ملموسة»، أو «تصريحات رسمية مكتوبة»؛ ترك المتابعين للحدث في حالة شك كبيرة، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك في استهجانهم الإجراءات باعتبارها «مجرد أنشطة علاقات عامة للحكومات»، تهدف إلى التحدث حول قضايا المناخ والاقتراحات، لكن لم تُتخذ إجراءات مما يوصي بها العلماء لخفض معدل ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ومنذ أن بدأت القمة في نهاية أكتوبر2021، تمت صياغة العديد من الاتفاقيات البارزة، حيث تعهدت أكثر من 100 دولة «بإنهاء إزالة الغابات بحلول عام 2030»، بما في ذلك البرازيل، وروسيا والصين، والولايات المتحدة. ووفقًا لـ«كاترين أينهورن»، و«كريس باكلي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن «جوهر» هذه الخطة هو الجهود المبذولة «لتقليل الحوافز المالية المجزية لقطع الغابات»، كما وقع العديد من هذه الدول على مبادرة تقودها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي لخفض انبعاثات الميثان بنسبة30% خلال السنوات العشر القادمة، من بينها البرازيل، وإندونيسيا، ونيجيريا، والمكسيك. ومع ذلك، فإن الدول الأكثر تلويثا، مثل الهند، وروسيا، والصين، وإيران، رفضت التوقيع على مثل هذا التعهد، كما رفضت الولايات المتحدة، والهند، والصين، وأستراليا من بين 40 دولة أخرى التوقيع على تعهد بإنهاء استخدام الفحم في توليد الطاقة.
وفي الواقع، كان أكبر إعلان إيجابي في القمة، هو اتفاق الولايات المتحدة، والصين على العمل بشكل أوثق بشأن القضايا المتعلقة بالمناخ في المستقبل. وعلى الرغم من أن المحللين، مثل «بيرنيس لي»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، أشاروا إلى أن «التفاصيل لا تزال غير مكتملة» حول الشكل الذي سيتخذه هذا التعاون، فإن بداية عملية الحوار بين أعلى بلدين في العالم لانبعاثات الكربون كانت موضع ترحيب، بالإضافة إلى التزام بكين بتطوير استراتيجية وطنية للحد من غاز الميثان. وعلقت «جينيفيف ماريكل»، من «الصندوق العالمي للطبيعة»، بأن هذه الاتفاقية جلبت «أملًا جديدًا» إلى قمة جلاسكو، كما قارن كل من «ليزلي هوك»، و«إدوارد وايت» في صحيفة «فاينانشيال تايمز» هذه الاتفاقية بالبيان المشترك الصادر عن «باراك أوباما»، و«شي جينبينج» في باريس عام 2015، والذي بعده «حذت دول أخرى حذوهما» بشأن اتفاقية المناخ تلك، ومع هذا لاحظ الباحثان عدم وجود التزامات كبيرة من كلا الجانبين مما يبعث على القلق بشأن اتخاذ إجراءات ملموسة.
علاوة على ذلك، تم الإعلان عن مسودة اتفاقية جديدة وافقت فيها الدول على كشف خططها لخفض الانبعاثات بمعدل أسرع مما تم الموافقة عليه سابقًا. ومع ذلك، لاحظت الـ«بي بي سي»، أن المسودة الجديدة «تخفف من شدة الالتزامات لتقليل استخدام الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى». لذلك، ينظر إلى هذا الاتفاق كدليل على أن المفاوضات لم تكن كافية في معالجة المخاوف المناخية على المدى الطويل.
وعلى الرغم من محاولة إظهار القادة العالميين في القمة على أن الأمر يأتي في إطار «تعاون عالمي»، و«ليس منافسة عالمية»؛ فإن الديناميكيات الجيوسياسية لا تزال تؤثر بشدة على ما يُتخذ من إجراءات، وخاصة في ظل غياب واضح لروسيا والصين. ووفقًا لـ«فريدريك كيمبي»، من «المجلس الأطلسي»، فإن «دولًا مثل الصين، وروسيا، والهند، إما غير راغبة، أو غير قادرة على الانتقال بشكل أسرع إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة»، وبالتالي فإن واشنطن وحلفاءها مضطرون إلى «الموازنة بين مطالبهم المتعلقة بحقوق الإنسان في الصين، ورغبة واشنطن في الفوز بتنازلات مناخية».
وعلى الجانب الآخر، اشترطت إيران للمصادقة على اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وفي حين زعم «علي سلاجقة»، رئيس «منظمة البيئة الإيرانية»، أن العقوبات الاقتصادية تعرقل قطاع الطاقة المتجددة في إيران، وأن تغير المناخ قلل من تدفقات المياه العذبة بنسبة40%؛ ردت «بي بي سي نيوز»، أن طهران «تعرضت لانتقادات لإلحاقها الضرر بإمداداتها من المياه عن طريق حفر أكثر من مليون بئر وبناء حوالي 700 سد»، وقمعها بعنف الاحتجاجات الداخلية على نقص المياه. وتعد إيران ثامن أكبر مصدر لانبعاث ثاني أكسيد الكربون في العالم، على الرغم من كونها الاقتصاد السادس والعشرين فقط، ويتم تصنيفها حاليًا على أن سياساتها «غير كافية بشكل حرج»؛ من أجل الحد من الانبعاثات من قبل «مشروع مُتتبع العمل المناخي»، حيث لم يصدر عنها أي خطة لخفض الانبعاثات منذ عام 2015.
ومثلت المسألة الاقتصادية أيضًا نقطة شائكة رئيسية في القمة بين الدول «الأكثر ثراءً والأكثر تلويثًا»، والدول «الأصغر والأقل نموًا اقتصاديًا»، والتي غالبًا ما تكون مثقلة بالعواقب المباشرة لارتفاع درجات الحرارة العالمية. وأوضح «أليس هيل»، و«مادلين بابين» من «مجلس العلاقات الخارجية»، أن توفير الموارد المالية للبلدان الأقل تقدمًا اقتصاديًا سيكون «أمرًا حاسمًا في مكافحة أزمة المناخ».
وخلال المحادثات، تم الكشف عن أن «صندوق المناخ» المدعوم من الدول الغنية بقيمة 100 مليار دولار قد فشل في الوصول إلى هدفه التمويلي لعام 2020، وأنه لن يكون جاهزًا إلا بحلول عام 2023 على أقرب تقدير. وعليه، انتقدت منظمة «أكشن إيد»، الدول الأكثر تلويثًا؛ لأنها فشلت في القيام «بالحد الأدنى المطلوب لبناء الثقة في محادثات المناخ»، كما علق «ألدن ماير» من مؤسسة «E3G» المعنية بالمناخ، بأن كلا من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي «لا يفعلان ما يكفي» في هذا الصدد.
وحول ما إذا كانت قمة الأمم المتحدة للمناخ بشكل عام مشروعًا ناجحًا أم لا، كان رأي الأغلبية حتى الآن أنه على الرغم من بعض الوعود، إلا أنها فشلت في الارتقاء إلى مستوى نفقات انعقادها، وخاصة فيما يتعلق بعدم قدرة القادة الغربيين على ضمان التعهد بالتزامات ملموسة أقوى مع الملوثين الرئيسيين في العالم؛ الصين، والولايات المتحدة، وروسيا، والهند، وبوجه خاص فيما يتعلق بخفض انبعاثاتهم الكربونية وارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية.
ووفقًا لـ«فيونا هارفي»، في صحيفة «الجارديان»، خلال الأسبوع الأول من القمة، جاءت «أكبر موجة من النشاط» من «المملكة المتحدة»، التي «نظمت سلسلة من الإعلانات والصفقات الرئيسية بشأن الغابات والتمويل والفحم، للحفاظ على تدفق الأخبار الإيجابية». ومع ذلك، كما ذكر «سام ميريديث»، من قناة «سي إن بي سي»، فإن هذا «الشعور بالتفاؤل الحذر»، قد «تضاءل» خلال الأسبوع الثاني من خلال التعهدات غير الكافية»؛ لذلك، من وجهة نظره، كان اليوم الأخير للقمة «محاولة أخيرة» من أجل «الحفاظ على الآمال في الحد من درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية».
وخلال القمة، زعمت العديد من المنظمات والتقارير أن المسار الذي تصوره قادة العالم لخفض الانبعاثات غير كافٍ. وأوضح تقرير صادر عن «وكالة الطاقة الدولية»، أنه يمكن توقع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.8 درجة مئوية رغم ما تم الاتفاق عليه حاليًا. وفي يوم 9 نوفمبر، أبلغت «شبكة العمل المناخي» عن تنبؤات قائمة على مجموعة من البيانات تشير إلى أنه من المرجح أن ترتفع درجات الحرارة العالمية بنفس القدر 2.4 درجة خلال القرن الحادي والعشرين، فيما وصفته «ميريديث»، بأنه «تكهن كارثي يوضح أن خطط العالم لا تزال يعتريها الكثير من القصور بشكل كارثي».
من جانبها، لاحظت «لينا يس»، من منظمة «كلايمت تراكر»، «نجاحًا في بعض المجالات في القمة، ولكن كان هناك أيضًا «الكثير من الطموح والآمال»، الذي «لم تترجم حقًا داخل غرف المفاوضات». وكما أشار «بيتر سكوت»، من «مكتب الأرصاد الجوية» البريطاني، فإن هناك «مشاعر مختلطة»، بنوع من الارتياح؛ لأن «الأمور بدأت تتحرك»، ولكن لا يزال القلق بشأن «سرعة» التقدم في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. في حين وصف «جيم واتسون»، من جامعة «كوليدج لندن»، أيضًا المسودة النهائية للقرار الختامي للقمة، بأنها مشجعة إلى حد ما، لكنها عمومًا «ليست على درجة الطموح التي كنا نريدها بدرجة كافية».
وفي المقابل، اتهم العديد من المحللين قمة «كوب26»، بأنها «مفيدة لقادة العالم فقط». وانتقدت «كارول موفيت»، من «مركز القانون البيئي الدولي»، القمة باعتبارها «إعلانا لتحسين صورة العلاقات العامة للدول المشاركة مثل القمم السابقة»؛ نظرًا لأن «مفاوضاتها الجدية حينما تناقش أمر مهمًا، لا يتحرك أي شيء إلى الأمام». وبالمثل، أشارت الناشطة البيئية السويدية، «غريتا ثونبرج»، إلى أنه «لا يخفى على أحد أن القمة فشلت»، حيث ألقى قادة العالم «خطابات جميلة وأعلنوا عن التزامات وأهداف خيالية»، ولكن «لا يزالون يرفضون اتخاذ أي تدابير قاسية لمواجهة تداعيات تغير المناح».
ومع ذلك، فقد تم الترحيب بالتزامات العديد من الدول وتعهداتها خلال القمة، باعتبارها خطوات مهمة لتقليل الانبعاثات الكربونية. وأشار «انك هيرولد»، من «الهيئة الحكومية الدولية»، إلى «محاولة إيجاد حلول وسط» بين البلدان«، وأشار «سيمون لويس» من «كوليدج لندن»، إلى اتفاق مكافحة إزالة الغابات على أنها «أخبار جيدة»، لا سيما فيما يتعلق بالتمويل الهائل المتاح». كما اعتبر «امبروز بريتشارد» في صحيفة «التلغراف»، أن مؤتمر القمة «ناجح بشكل مدهش»، حيث توصلت الصين، والولايات المتحدة إلى «إعلان مشترك لتعزيز التحرك حيال معالجة قضايا انبعاثات غاز الميثان، فضلا عن أن بكين «من المرجح أن تفي بما تعهدت به في هذا الصدد»، بعد أن انضمت الآن إلى «حرب الغرب على غاز الميثان». وبناءً على ما توصلت إليه المسودة النهائية للقرار الختامي للقمة، أوضحت «هيلين ماونتفورد»، من «معهد الموارد العالمية للأبحاث»، أنه على الرغم من أنها بعيدة عن مستوى الكمال المنشود، فإنها «أفضل بالتأكيد» مما تم الاتفاق عليه سابقًا من اتفاقات وتعهدات».
وفي حقيقة الأمر، لا يمكن للمحللين أو النقاد تقييم مدى نجاح أو فشل قمة جلاسكو للمناخ، لاسيما في ظل الشكوك المرتبطة بما إذا كانت الدول التي وقعت على اتفاقاتها لتقليل الانبعاثات ستفي بتعهداتها وتُحدث التغيير المطلوب أم لا. وكما يرى «حنا بيتر»، من «سكاي نيوز»، كان الهدف الشامل للقمة هو الموافقة على الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، وحتى الآن، «نحن لا نعرف ما إذا كان ذلك سيحدث»، ولكن أيضًا «هناك قدر هائل من التقدم».
على العموم، طالما ليس هناك وثيقة رسمية موقعة من الدول المشاركة بالقمة من أجل ضمان الالتزام بتعهداتها، مثل اتفاق باريس لعام 2015، فهي ليست ملزمة قانونًا بتنفيذها، والأمر متروك في نهاية المطاف للدول، بشكل فردي، للوفاء بتعهداتها دوليًا. وكما استنتج «بيتر»، فإن «الضغط الذي يُمارَس هنا، هو ضغط من الدول على بعضها، وليس ضغطًا قانونيًا».
وبالتالي، فعلى الرغم من الخروج ببعض الاتفاقات والتعهدات المهمة في القمة، فإن مسألة نجاحها لا تزال تمثل مادة مثيرة للنقاش؛ لأن الإجراءات الوقائية المناخية الذي كانت متوقعة ومأمولة لم تتحقق على أرض الواقع.