top of page

23/11/2021

هل ستجبر الأزمة الإنسانية في أفغانستان الحكومات الغربية على التعاون مع طالبان؟

في أعقاب استيلاء طالبان على حكم أفغانستان في أغسطس 2021، حاولت الحركة أن تمنح نفسها الشرعية للحصول على اعتراف دولي. وعلى الرغم من الاجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك مدير وكالة المخابرات المركزية، والمفاوضات مع ممثلي واشنطن في الدوحة، إلا أن الحركة ما زالت غير مرحب بها دوليًّا، وخاصة بالنسبة إلى الحكومات الغربية، حيث أطاحت بالحكومة التي دعمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، فضلا عن تصنيف واشنطن للعديد من أعضائها على أنهم «إرهابيون».

 

ومع ذلك، هناك إدراك متزايد أنه مع قيام طالبان بتعزيز سيطرتها على غالبية البلاد، فإن وجود مستوى معين من التعاون معها ضروري من أجل تسهيل العمل الإنساني في أفغانستان. وبحسب بيانات موقع «ريليف ويب»، هناك ما يقرب من 19 مليون شخص يعانون من «مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد وسط فترات جفاف طويلة». ووفقًا لـ«البنك الدولي»، أغرقت «التطورات السياسية الأخيرة» البلاد في أزمة اقتصادية، ومثّل الانخفاض السريع في دعم المنح الدولية، وفقدان إمكانية الوصول إلى الأصول الخارجية، واضطراب الروابط المالية؛ عوامل رئيسية أسهمت في وضع مستمر في التردي. وذكرت بريانكا بوغاني، من فرونت لاين، أن الآفاق الاقتصادية والتنموية للبلاد قاسية، وفي تأكيد هذا، أوضح إبراهيم باهيس، من مجموعة الأزمات الدولية، أن الاقتصاد الأفغاني على وشك الانهيار.

 

وعلى الرغم من ذلك، فإن الديناميكيات القانونية والسياسية المعقدة التي تتطلبها الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية عند التعاون مع جماعة مسلحة مثل طالبان؛ تجعل من هذا التعاون غير مؤكد. ووفقًا لـ«تيم ويلسي»، من كلية كينجز لندن، هناك ضغط متزايد على الحكومات الغربية لإلغاء تجميد الأموال الأفغانية، لتخفيف المعاناة في أفغانستان، وخاصة أنه في ظل الوجود التاريخي لكل من الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية، فإن الدولة تمتلك آليات التوزيع لتسهيل برنامج المساعدة، إلا أنه من أجل دعم جهود المساعدة بالكامل؛ تحتاج القوى الغربية إلى التغلب على صدمة هزيمتها الأخيرة، وأن تتحلى بالإرادة السياسية، حيث لا ينبغي استخدام الجوع والصحة كأدوات للضغط السياسي .

 

وتفتح الحاجة العاجلة لتوفير الإغاثة الإنسانية للقوى الغربية بعض المجال للعمل مع طالبان، وعلى سبيل المثال؛ تفاوضت الولايات المتحدة مع ممثلي الحركة بالدوحة في أكتوبر 2021، لتوفير مساعدات إنسانية. ومع ذلك، على المستوى التشريعي، لا تزال هناك عوائق أمام توفير المساعدة بكفاءة وفعالية. ووفقًا لـ«إيمانويلا جيلارد»، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، فإن جوهر القضية بالنسبة إلى الدول الغربية هو الطريقة التي صعّبت بها إجراءات مكافحة الإرهاب، مثل العقوبات الدولية الشديدة؛ وصول المساعدات إلى الأشخاص المحتاجين في مناطق خاضعة لسيطرة الجماعات المصنفة على أنها إرهابية، أو المرتبطة بالمنظمات الإرهابية. ولتخفيف هذه الضغوط، أوصت جيلارد، بالتركيز على إصلاح التشريع الخاص بتسميات المنظمات الإرهابية، بالإضافة إلى تعديل أنظمة العقوبات الحالية لتقليل تأثيرها السلبي في العمل الإنساني. ومع ذلك، فإن تغيير الواقع السياسي، وقواعد مكافحة الإرهاب الغربية لطالبان التي حاربت قوة الناتو بقيادة الولايات المتحدة مدة عشرين عامًا هو أمر غير مرجح الحدوث.

 

وفي الواقع، يبدو أن الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها لحكومة طالبان أن تلقى اعترافا غربيا، فضلا عن تسهيل وصول المساعدات الإنسانية؛ هي فرض ضوابط وشروط صارمة. وأوضح أنتوني كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن واشنطن يجب أن تفرض شروطا للمساعدات على طالبان، خصوصًا في الأمور المتعلقة بخطر الإرهاب الدولي، من خلال رصد بعض الهيئات الخارجية للنفقات. وبالمثل، أكد جيفري رايس، من جامعة ماك إيوان، أن واشنطن ستكون حذرة في تعاملها مع دعم الجهود الإنسانية من دون إضفاء الشرعية على نظام طالبان الجديد.

 

وينصح كوردسمان أيضًا أن على الولايات المتحدة أن تسعى بحذر إلى إشراك طالبان والحكومات الأفغانية المتعاقبة في شكل من أشكال التخطيط التنموي. وتعكس هذه النصيحة مخاوف التقرير الصادر عن مجموعة الأزمات الدولية، الذي أوضح أن المساعدات الإنسانية وحدها لن تحل محل توفير الخدمات العامة، حيث إن التعقيدات السياسية للوضع لا تزال قائمة، وقد لاحظت المجموعة، أيضًا معضلة العديد من البلدان المتعلقة بدعم سكان في ضائقة متزايدة، مع الحفاظ على التزامات حقوق الإنسان وانتشار الجماعات الإرهابية.

 

وكما تبدو الأمور، فإن التشريع على المستويين الوطني والدولي يحظر على العديد من الدول والمؤسسات الاعتراف الرسمي بنظام طالبان، الذي يمكن أن يسهل مثل هذه المشاريع التنموية. وعلى سبيل المثال؛ ينظم الاتحاد الأوروبي، حاليًا كل مشاركاته مع طالبان من خلال مجموعة من المعايير المصممة لتشجيع الجماعة على الإذعان لمطالبه التي تضم؛ حرية تنقل السكان، والاعتراف بحقوق الإنسان، والامتثال للقانون الإنساني الدولي. ووفقًا لـ«مجموعة الأزمات الدولية»، فقد تُركت هذه المعايير غامضة بشكل متعمد؛ للسماح بمزيد من المرونة في تعاملات أوروبا مع كابول.

 

ومع ذلك، فقد أشار رايس، إلى أن الدول الغربية لم تجد بعد طريقة لتحقيق توازن بين العمل الإنساني ومكافحة الإرهاب في أفغانستان، وهو ما يضر ببناء التنمية المستدامة. وطالما فشلت الدول الغربية في أخذ المزيد من الاشتراطات والمتطلبات التفصيلية قبيل أي تعاون لها مع طالبان؛ فإن وضع الجهود الدولية لتسهيل أعمال التنمية الاقتصادية والبشرية، يظل غير مؤكد على المدى الطويل.

 

ولا يعني هذا أن الدول الغربية هي الفاعل الوحيد الذي لديه القدرة على حل هذه الأزمة، لكن لطالبان دور في ذلك. ودعت الحكومات الغربية، منذ سقوط كابول، طالبان إلى تعديل نهجها في الحكم. وصرح رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بأن النظام سيُحكم عليه من خلال أفعاله وليس من خلال أقواله. وأكد ويلسي، أنه إذا اتخذت الحركة خطوات نحو معالجة عدد من المخاوف من خلال تشكيل حكومة أكثر شمولا، بما في ذلك ممثلين من مختلف الأعراق والإثنيات، مثل الطاجيك، والأوزبك، والهزارة، ربما تساعد هذه العملية في تهدئة المخاوف والشروع في حل الأزمة الإنسانية، ولكنه اعترف أيضًا بأن احتمالات وقوع هذا الأمر ضئيلة حاليًا.

 

ولا يمكن أيضًا استبعاد الوضع السياسي الداخلي المعقد في تفاقم الأزمة الأفغانية. ووفقًا لـ«ويلسي»، فإن طالبان ليست في وضع يمكنها من التصرف ككيان فعال ومؤثر، بعد أن ورثت نظامًا أصبح الآن أكثر تعقيدًا من الذي كان تحت سيطرتها خلال التسعينيات. وذكرت لين أودونيل، في مجلة فورين بوليسي، أن طالبان نفسها منقسمة جراء ضغوط الانقسامات الداخلية، والتي بدأت تتسع فجوتها بين القيادة طويلة الأمد للتنظيم الواقع تحت إمرة نائب رئيس الوزراء المؤقت الملا عبدالغني بردار، وشبكة حقاني الأكثر تطرفًا.

 

وتفاقمت هذه الانقسامات بسبب الصراع المتصاعد بين طالبان، وولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش، والمعروفة بـ«داعش خراسان». ووفقًا لـ«أودونيل»، أدى تحول طالبان من مجرد مقاتلين أتقنوا حرب العصابات إلى كيان حاكم تديره القوانين والضوابط إلى انضمام بعض مقاتليها وقادتها إلى ولاية خراسان، الأمر الذي أدى إلى تقويض الاستقرار السياسي في البلاد. ونتيجة لذلك، شدد كوردسمان، على أن المشاركين في جهود الإغاثة يجب أن يكونوا مستعدين لاحتمالات وقوع اضطراب ناشئة عن أي انقلابات وتحولات وتغيرات سياسية طارئة في أفغانستان خلال السنوات القادمة.

 

وبعيدًا عن الغرب، تسعى طالبان إلى الحصول على الاعتراف الدولي والشرعية من كل من روسيا والصين، فضلا عن الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى في منطقة وسط وجنوب آسيا. وأوضح ويلسي، أن التداعيات الأكثر كارثية التي نجمت عن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، هي أنها فشلت في طرح اتفاق تعاون أو إغاثة مستقبلي، يضم أيا من القوى المجاورة، مثل الصين، وروسيا، وإيران، والهند، وكذلك دولا في منطقة آسيا الوسطى، مثل طاجيكستان، وأوزبكستان.

 

دفع هذا الأمر بعض المراقبين إلى التساؤل عما إذا كان من المرجح أن تقوم الصين وروسيا بتكثيف مشاركتهما في أفغانستان في ظل العزوف الأمريكي والأوروبي. واستشعارًا من جانبها بوجود فرصة لتوسيع نطاق مبادرة الحزام والطريق، والاستفادة من الموارد الطبيعية لأفغانستان؛ لم تتخل بكين حتى الآن عن حوارها الدائم مع طالبان. وفي أكتوبر 2021، التقى وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، نائب رئيس الوزراء المؤقت، الملا عبد الغني بردار، في الدوحة. ومع ذلك، يبدو أن اهتمام بكين بالتدخل في حل الأزمة الإنسانية الراهنة محدود، في ظل إصرارها على أن الدول الغربية هي التي تتحمل المسؤولية الكاملة للتخفيف من معاناة المدنيين الأفغان.

 

من جانبه، أوضح رافايللو بانتوتشي، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، أن افتقار بكين إلى أي التزامات أو اتفاقات تعاون واضحة تجاه طالبان، يعني ضمنيًا أنهم لا يريدون حقًا غلق الباب أمام العلاقات الثنائية الرسمية، على الرغم من المخاوف المتعلقة باحتمال حدوث تفاقم للأزمة الإنسانية، وهو ما قد يعمل على زيادة زعزعة استقرار البلاد، وعلى ما يبدو ستركز الصين على التعامل التجاري على المدى الطويل مع طالبان.

 

وحينما يتعلق الأمر بروسيا، فإن استعدادها لتكثيف تعاونها أو مشاركتها الإغاثية مع طالبان يبدو محدودا في الوقت الراهن، على الرغم من إجرائها محادثات دبلوماسية مع ممثلي الحركة في أكتوبر 2021. وذكرت صحيفة الجارديان، أن الدبلوماسيين الروس أوضحوا أن الاعتراف الرسمي بنظام طالبان لم يكن مطروحًا على الطاولة. ومع ذلك، علق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على أن موسكو تقترب أكثر من إلغاء تصنيفها عام 2003 للحركة كمنظمة إرهابية، وبالتالي فتح الباب أمام حوار وتعاون مستقبلي، وهو ما قد تفتقده كل من الولايات المتحدة أو أوروبا.

 

وبالنسبة إلى إيران، فإنها تبدو مترددة في إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها مع الحركة، على الرغم من تقديم الدعم لها في الماضي، وكما أوضح فراس إلياس، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن طهران قلقة بشأن التداعيات والمخاطر الأمنية التي قد تلحق بـ«حدودها البالغ طولها 900 كيلومتر تقريبًا مع أفغانستان»، وقد اشترطت مقابل اعترافها الرسمي بطالبان، التوصل إلى تشكيل حكومة شاملة. وتهتم إيران، بشكل أساسي بمعاملة الأقليات الشيعية في غرب البلاد، وهي قضية كانت مصدر قلق بين طهران والحكومة الجديدة في كابول. وأفاد كيفين ليم، من مؤسسة ماركيت للأبحاث، أن طهران، مثل بكين، تنظر إلى التعاملات المحتملة مع طالبان من منظور طويل الأجل، لاسيما عند الوضع في الاعتبار أن أفغانستان لا تزال واحدة من أبرز أسواق صادرات النفط الإيرانية الرئيسية.

 

وبالتالي، لا تزال هناك عوائق سياسية كبرى تحول بين طالبان وهدفها في الحصول على الاعتراف الرسمي دوليا بوضعها كحكومة من قبل القوى العظمى. وربما يكون للوضع الاقتصادي المزري في أفغانستان، فضلاً عن الانقسامات بين عشرات الفصائل والمجموعات المسلحة بمختلف انتماءاتها الأيديولوجية والطائفية وتوزعها الجغرافي ومصادر تمويلها في أعقاب استيلاء طالبان على السلطة؛ دورٌ في عدم قدرة مقاتلي الحركة على إدارة الحكم بفعالية، وهو ما يزيد من تعقيد وصعوبة تنفيذ جهود الإغاثة الإنسانية.

 

على العموم، ومن هذا المنظور، فإن عدم الاستقرار السياسي في أفغانستان، وعدم قدرة القادة الغربيين على ضمان المرور الآمن وتوفير الاشتراطات القانونية التي تحمي عمل وكالات الإغاثة، يمثل ضغطًا كبيرًا على الجهود المبذولة لمساعدة المدنيين هناك، أضف إلى ذلك، أن الأطر التشغيلية الحالية للمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، وكذلك الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الإرهاب في دول، مثل الولايات المتحدة، أو المملكة المتحدة، تجعل الإجراءات العملية لترتيب تعاون أعمق بشأن استراتيجيات التنمية داخل كابول أمرًا بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلًا.

{ انتهى  }
bottom of page