top of page

27/11/2021

قراءة في خطاب وزير الدفاع الأمريكي في حوار المنامة

في واحدة من أكثر المحاولات البارزة لإدارة بايدن لتقليل مخاوف حلفائها في الشرق الأوسط، بشأن استمرار التزاماتها تجاه المنطقة، تحدث وزير الدفاع الأمريكي، «لويد أوستن» في حوار المنامة، يوم20/11/2021. مؤكدا محافظة الولايات المتحدة على وجودها العسكري في المنطقة، ودعمها الدبلوماسي لحكوماتها، وأنها ستسلك المسار الدبلوماسي مع إيران بشأن طموحاتها النووية، لكن في حال إذا ما كانت الأخيرة غير مستعدة للمشاركة بجدية، فستكون هناك «خيارات بديلة» للحفاظ على أمن الولايات المتحدة.

 

وفي الواقع، لا يمكن التقليل من حجم وأهمية هذه المخاوف، وخصوصا مخاوف حلفاء واشنطن في مجلس التعاون الخليجي، وذلك بالنظر إلى الانسحاب الكارثي لإدارة بايدن من أفغانستان، وتحولها الواضح في التركيز بعيدًا عن الشرق الأوسط، وتوجيهه نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

 

وفي خطابه، نقل «أوستن»، رسالة من واشنطن مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بشدة بأمن المنطقة والدفاع عن حلفائها في الخليج، وأكد أمام المنتدى السنوي الإقليمي للأمن والتعاون في الشرق الأوسط المقام في البحرين، أن «التزام أمريكا بالأمن في الشرق الأوسط قوي وراسخ»، وأن حياته المهنية في الجيش علمته أن «الدولة التي تحاول السير بمفردها هي دولة أقل أمنا»، وأن «الحلفاء والأعداء يعرفون أن الولايات المتحدة يمكن أن تنشر قوة ساحقة في الزمان والمكان الذي تختاره»، كما حرص أيضا على تسليط الضوء على القدرات الخاصة بحلفاء أمريكا الإقليميين، مشيرًا إلى أن «اللكمة المحتملة» لواشنطن تشمل «ما يمكن حلفاؤنا المساهمة به وما خططناه مسبقًا، وما يمكن أن نجري في اتخاذه سريعا».

 

وفيما يتعلق بالأمن الإقليمي، علق وزير الدفاع على منع الهجمات الصاروخية الحوثية على المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن معدل اعتراض هذه الهجمات يبلغ «ما يقرب من 90%»، لكن واشنطن ستستمر في التعاون مع حلفائها السعوديين «حتى تصل النسبة إلى 100%».

 

وبالنسبة إلى إيران، أكد أن الولايات المتحدة «ملتزمة بالحل الدبلوماسي للقضية النووية»، ولكنها أيضًا مستعدة لاستكشاف خيارات بديلة «إذا لم تكن إيران مستعدة للانخراط بجدية»، كوسيلة «للحفاظ على أمن الولايات المتحدة»، موضحًا أن مندوبي واشنطن سوف يتعاملون بحسن نية في المفاوضات المستأنفة والمزمع عقدها في فيينا؛ لكنه أقر أيضًا بأن «تصرفات طهران في الأشهر الأخيرة لم تكن مشجعة، خاصة ما يتعلق بتوسيع برنامجها النووي»، وفي الوقت نفسه، شجب «الاستخدام الخطير»، لما يُسمى بـ«الطائرات المسيرة الانتحارية» من قبل إيران في المنطقة، ما يبرز لشركاء الولايات المتحدة في المنطقة أنها ليست عمياء عن مثل هذه التجاوزات.

 

وخلال زيارته للبحرين، التقى «أوستن»، ولي العهد الأمير «سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة». ووفقًا لبيان البنتاجون، فإن وزير الدفاع «شدد على قوة وأهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والبحرين»، خاصة فيما يتعلق «بالأولويات الحاسمة»، مثل الأمن البحري والتعاون الإقليمي.

 

وفي حقيقة الأمر، أثار ظهور «أوستن» في حوار المنامة ومحاولاته تهدئة القلق لدى حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط قدرًا كبيرًا من التعليقات من المحللين الغربيين، لا سيما حول صعوبات إيصال هذه الرسالة، نظرًا إلى مدى القلق الذي يعتري الخليج. وكتبت «هيلين كوبر»، من صحيفة «نيويورك تايمز»، إن «إدارة بايدن تحاول إقناع حلفائها العرب بأن الولايات المتحدة، على الرغم من المظاهر التي تُشير إلى عكس ذلك، لم تسأم المنطقة ولم تقرر تركها». وبالمثل، أشار «جون جامبريل»، من وكالة «أسوشيتيد برس»، إلى أن زيارة أوستن «بدت تهدف إلى طمأنة حلفاء أمريكا في الخليج العربي في وقت تحاول فيه واشنطن مرة أخرى التوصل إلى حل دبلوماسي لتطلعات إيران النووية». في حين وصف «إدريس علي»، من وكالة «رويترز»، دول الخليج بأنها «تعتمد بشدة على المظلة العسكرية الأمريكية»، واعترف أيضًا بأنها «أعربت عن عدم اليقين» بشأن نهج بايدن تجاه الشرق الأوسط، وهي الآن «تراقب من كثب الجهود المبذولة من قبل القوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران».

 

واستكمالا لعرض وجهة نظرها، أشارت «كوبر»، إلى أن «الانسحاب الأمريكي المضطرب من أفغانستان»، و«الانسحاب المعلن للقوات القتالية الأمريكية من العراق بحلول نهاية العام»، فضلا عن «تضخيم إدارة بايدن مؤخرًا للصين باعتبارها أكبر وأكثر أولوية جدية للأمن القومي»؛ كل هذه الأمور قد تركت المسؤولين في الشرق الأوسط «يشعرون بأنهم مهمشون».

 

وتأكيدا على هذه النقطة، أخبر «فرهاد علاء الدين»، من «المجلس الاستشاري العراقي»، «أوستن»، خلال جلسة أسئلة وأجوبة خلال حوار المنامة، أن «هناك الكثير من المخاوف هنا»، وأن بعض شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بدأوا «السعي بحثا عن دعم». ومن جانبه، أقر وزير الدفاع «بالقلق» الموجود في جميع أنحاء المنطقة، موضحًا أن الولايات المتحدة «لن تتخلى عن هذه المصالح في المستقبل»، كما شدد على أن دول الخليج «مهمة بالنسبة إلينا»، وتوقع استمرار الوجود الأمريكي في المنطقة «سنوات عديدة قادمة».

 

ومع ذلك، وفي حين رحب مدير المخابرات السعودي السابق، الأمير «تركي الفيصل»، بتأكيدات أوستن اللفظية بمواصلة الدعم الأمريكي، فقد أكد أن «الإجراءات التوضيحية لا تقل أهمية» عن التصريحات القوية التي أدلى بها. وبالمثل، خلص المعلقون الغربيون إلى أنه من دون سياسات ملموسة للإشارة إليها، فإن قدرة الخطاب وحده على تهدئة مخاوف دول الخليج «أمر مشكوك فيه». وعلى سبيل المثال، قام «علي» بالإشارة إلى أنه «من غير الواضح» مدى التأثير الذي سيحدثه خطاب أوستن كونه «لم يكن مدعومًا بأي إعلانات عن عمليات نشر أخرى أو إبرام مبيعات أسلحة جديدة في المنطقة». وفي هذا الصدد، حذر «جون ألترمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، من أن هناك حالة من «الاستياء» من فكرة أن «الولايات المتحدة في طريقها للخروج من منطقة الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أنه «ليس متأكدًا من حجم الرسائل والتطمينات التي تنفي مسألة التخلي الأمريكي الوشيك عن هذه المنطقة».

 

بالإضافة إلى ذلك، هناك عنصر آخر يجب مراعاته، وهو أن التزامات أوستن المتجددة بأمن الشرق الأوسط فشلت في معالجة الشعور بحالة عدم الارتياح لدى دول المنطقة حيال التناقض في السياسات الخارجية التي تتبناها كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة في واشنطن. وفي هذا الصدد، أفادت «كوبر»، أن بعض الدول العربية، الصديقة للولايات المتحدة، «أعربت عن إحباطها»، لأنها لطالما كانت عالقة في خضم الاختلافات الجوهرية بين ملامح السياسة الخارجية للديمقراطيين والجمهوريين الأمريكيين على حد سواء، وبالتالي بات عليهم «السير على طريقتهم الخاصة» من دون مساعدة أمريكية، واصفة تصريحات أوستن بأنها «من الصعب الاقتناع بها»، حيث يواجه أسئلة صعبة «حول الكيفية التي من المفترض أن يتعامل بها الحلفاء العرب مع اختلافات السياسات الخارجية واشتراطات الأمن القومي الأمريكية التي تتغير جذريًا كل أربع إلى ثماني سنوات تحت لواء سياسة جديدة لرئيس أمريكي جديد».

 

علاوة على ذلك، وصف «بريان كاتوليس»، من «معهد الشرق الأوسط»، نهج إدارة بايدن في الشرق الأوسط بأنه أشبه بـ«السير على الماء»، محذرا من أنه في «تلك المنطقة المضطربة»، يمكن أن تصبح الأمواج قاسية في أي لحظة، ما يجعل من المستحيل للشخص البقاء واقفًا على قدميه. وردًا على هذه الديناميكية المقلقة، أشار بعض المحللين إلى أن دول الخليج بدأت في توسيع آفاقها الأمنية والتعاونية خارج نطاق الولايات المتحدة، ولعب دور أكبر في الحد من التوترات الإقليمية. ولعل أبلغ مثال، تسليط «كوبر» الضوء على الطريقة التي حاولت بها الإمارات تقليل التوترات مع إيران «بعد سنوات من تبني لهجة أشد قسوة مما هي عليه».

 

على العموم، على الرغم من أن تصريحات «أوستن»، الذي يحاول من خلالها التخفيف من حدة مخاوف صانعي السياسة في الخليج، قد قُوبلت بدرجة من الشك والريبة، بما في ذلك وسائل الإعلام الغربية؛ إلا أنها تمثل أقوى التصريحات حتى الآن من جانب مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن، كما أشارت في الوقت ذاته إلى أن واشنطن لا تنوي التخلي عن منطقة الشرق الأوسط، وأنها مازالت قادرة على حشد قواتها الهائلة في المنطقة. وبينما شدد على أن بلاده ملتزمة بمتابعة تبني خيار الحل الدبلوماسي مع طهران بشأن برنامجها النووي، ذكر أيضًا أن واشنطن تمتلك قدرات لا مثيل لها تمكنها من التدخل ضد إيران إذا لم تستجب بشكل استباقي لمبادرات الولايات المتحدة.

 

وفي النهاية، ربما لا يكون خطاب وزير الدفاع الأمريكي في حوار المنامة كافيا لإقناع المتشككين على المدى الطويل بتلك التطمينات المذكورة أعلاه، غير أنه يقطع شوطًا لإثبات أن واشنطن تعترف بمخاوف حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وأنها على الأقل، لا تزال ملتزمة بمساعدة دول الخليج في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية.

{ انتهى  }
bottom of page