29/11/2021
الدبلوماسية الإيرانية تعرقل الوصول إلى «الاتفاق النووي»
أدى إعلان إيران في أوائل نوفمبر 2021. نيتها العودة مرة أخرى إلى مفاوضات الاتفاق النووي في فيينا، إلى إثارة موجة جديدة من التعليقات والتحليلات حول احتمالية نجاح هذه المحادثات، فضلا عن ما سيطلبه الغرب لضمان إعادتها للالتزام باتفاقاتها السابقة بشأن الإنتاج النووي. وفي حين انصب معظم هذه التحليلات على الخيارات المتاحة للإدارة الأمريكية، بما في ذلك ما إذا كانت ستسمح بتخفيف بعض العقوبات من أجل جذب طهران إلى طاولة المفاوضات؛ فإن الخطط المماثلة والنوايا على الجانب الإيراني لم تلق إلا تغطية محدودة، حيث يلف الغموض شخصيات المشاركين في المحادثات، وأهدافهم، وأسباب استعداد إيران الآن للعودة إلى الانخراط دبلوماسيا.
وفي محاولة منه لتحليل الجانب الإيراني، يذكر «سجاد صفائي» في مقاله بمجلة «فورين بوليسي»، أن قادة النخبة الدبلوماسية الإيرانيين الجدد يمثلون «مشكلة»، حيث استشهد بكل من وزير الخارجية الإيراني، «حسين أمير عبداللهيان»، ونائبه السياسي «علي باقري كني»، باعتبارهما مثالا بارزا وملحوظا للنخبة الدبلوماسية في طهران، يعكس افتقار الاثنين إلى الحساسية الدبلوماسية والقدرات اللازمة لإعادة الاتفاق النووي في فيينا.
وفي إشارة إلى وقت انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية بين الأمريكيين، والأوروبيين، والإيرانيين، والروس، والصينيين في يونيو 2021. والتي لم يكن في التصريحات العامة للحاضرين فيها ما يشير إلى أن «المفاوضات تواجه عقبة»؛ يعزي «صفائي»، التطورات «السلبية منذ ذلك الحين إلى كونها «نتيجة انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا لإيران»، والذي بينما تدرك حكومته «الفوائد الاقتصادية لإحياء الصفقة»، فقد أصبح واضحًا أن الرئيس الجديد وحكومته «غير ملتزمين بها تمامًا»، ويتجلى ذلك بشكل أفضل في التعيين غير المتوافق مع الظروف لمتشددين معارضين سابقًا للاتفاق النووي في المناصب الدبلوماسية العليا في البلاد. وفيما يخص «حسين أمير عبداللهيان»، الذي خلف «محمد جواد ظريف»، كوزير للخارجية في أغسطس 2021. يذكر «صفائي»، أنه «تبنى مفاهيم مغلوطة أحيانًا حول صفقة 2015»، وأنه منذ بداية ولايته، «أصدر أكثر من مرة بيانات مربكة حول الإطار الزمني لاستئناف المحادثات»، والتي كان يأتي بعدها المتحدث الرسمي بكلام مناقض لكلام الوزير، موضحًا أن اقتراحه بأن تقوم إدارة بايدن بإلغاء تجميد 10 مليارات دولار من الأصول والأموال الإيرانية قبل عودة طهران إلى الصفقة، «كشف عدم فهم الوزير للسياسة الأمريكية الداخلية»، والحدود الواقعية التي يمكن للرئيس «بايدن»، فيها «السعي لإنقاذ الصفقة»، بالإضافة إلى ذلك، فإن ادعاءه بأن بايدن يمكن أن يصدر «أمرًا تنفيذيًا غدًا» للعودة إلى اتفاق 2015. يحمل بين طياته أيضًا إساءة تقدير لمدى المعارضة السياسية الشديدة في واشنطن حيال الإدارة الأمريكية لمجرد تعاملها مع إيران دبلوماسيا. علاوة على ذلك، لم يفعل وزير الخارجية الكثير لكسب الدعم لإيران من الأعضاء الآخرين في «الاتفاق النووي»، فمن بين قائمته الطويلة من الاستفزازات الدبلوماسية؛ اتهم المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا بـ«الصمت» على المطالب الأمريكية «المبالغ فيها» من إيران؛ فضلا عن اتهامهم بالترويج لـ«دعايات كاذبة» في الرد على الرسائل الأخيرة من الحكومات الأوروبية التي أعربت عن قلقها من عدم التزام إيران بشروطها النووية. وفي استمرار للإشارات المتضاربة، صرح لوزير الخارجية الفرنسي، «جان إيف لودريان»، بأن طهران ستكون «براغماتية» في المفاوضات، لكنها أيضًا «ستواصل بقوة تعزيز قوتها الدفاعية» لمواجهة «السلوكيات الأمريكية غير البناءة». بالإضافة إلى ذلك، في محادثة هاتفية مع نظيرته البريطانية، «ليز تروس»، طالب «عبد اللهيان»، المملكة المتحدة، بسداد ديون قديمة لإيران تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، قيمتها 541 مليون دولار «في أقرب وقت ممكن»، وذلك وسط جهود علنية من لندن، لتأمين الإفراج عن الرعايا البريطانيين المحتجزين في السجون الإيرانية. وعليه، فإن مثل هذه المواقف والإجراءات، والتي وصفها موقع «المونيتور»، بأنها «استعراض العضلات» قبل محادثات فيينا، من غير المرجح لها أن تعزز الثقة لدى الحكومات الغربية، سواء في أمريكا الشمالية أو أوروبا، بأن إيران جاهزة للالتزام مرة أخرى باتفاقاتها السابقة.
على الجانب الآخر، انتقد «صفائي» أيضًا؛ «علي باقري كني»، نائب وزير الخارجية الإيراني، وكبير المفاوضين الإيرانيين الجديد في فيينا، والذي وصفه بأنه «رجل رئيسي في المحادثات النووية». وفي إشارة إلى أن «كني»، لديه «سجل حافل من العداء الصريح القوي للصفقة التي كُلف الآن بمراجعتها»، فقد «قدم ذات مرة ادعاءً كاذبًا واضحًا بأن الاتفاق النووي لعام 2015 لم يحظ في ذلك الوقت بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي».
وفي ظل هذا، ليس من المستغرب أن «كني»، قد تطرق بالفعل إلى فكرة توسيع المحادثات النووية لتشمل الأمن الإقليمي، مشيرًا في11 نوفمبر 2021. إلى أن «علاقات إيران مع الدول الأخرى لا» تحتاج إلى وصي، كما أن «القضايا الأخرى ليست ذات صلة» بالاتفاق النووي.
وبالنظر إلى أوجه القصور الواضحة هذه في السلك الدبلوماسي الإيراني المعني بالمفاوضات؛ تساءل «صفائي»، عما إذا كانت تشكيلة السياسة الخارجية هذه تمتلك التوافق والبراعة الدبلوماسية والخبرة التكنوقراطية المطلوبة لمهمة معقدة وحساسة كإعادة إحياء الاتفاق النووي». واعترافًا بالغضب الإيراني من الولايات المتحدة التي تسعى إلى استعادة الصفقة بشروطها الخاصة، بعد أن انسحبت منها رسميا عام 2018؛ أشار إلى أهمية الحاجة إلى «الدبلوماسيين الأكفاء»، الذين «يدركون الفرق بين ما هو مرغوب فيه وما هو عادل، وما هو ممكن ماديا».
على العموم، من الواضح أن تعيين عدد من المتشددين الإيرانيين كدبلوماسيين أساسيين في الجولة المقبلة من مفاوضات «الاتفاق النووي» في فيينا، سيمثل عقبة رئيسية أمام الدول الأخرى المشاركة لإبرام أي اتفاق أو تسوية ما. ولا شك أن المطالب التي قدمها هؤلاء الدبلوماسيون للدول الغربية مقابل تعاون إيران قاسية بكل المعايير، وبدلاً من أن تسعى طهران إلى دفع المفاوضات والتوقف عن تبني سياسة حافة الهاوية، فإن مثل هذه المطالب، بالإضافة إلى تصريحات كل من «رئيسي» و«خامنئي»، يمكن أن تعرقل أي تقدم سابق تم إحرازه لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني. وبالتالي، فإن التوقعات بشن احتمالات التوصل إلى اتفاق تظل «منخفضة للغاية»، وأمر «غير مرجح»، نظرًا إلى أن التدابير الإيرانية والتقدم النووي المحرز منذ التخلي عنه «من المؤكد أن يجعل هذا الاتفاق لا طائل منه».