1/12/2021
صناديق الـثـروة السيادية الخليجية ودورها في جهود التنويع الاقتصادي
يأتي التنويع الاقتصادي على رأس جداول الأعمال الوطنية لدول الخليج، وذلك وسط تعافيها من صدمة جائحة فيروس كورونا، وخاصة أن هناك تسليما منذ أمد طويل بين هذه الدول، بأن الاعتماد المستمر على تصدير النفط الخام وأشكال طاقة الوقود الأحفوري الأخرى غير مستدام اقتصاديًا على المدى الطويل، وهي حقيقة عززتها أسعار النفط المتقلبة خلال نصف العقد الماضي، فضلا عن زيادة الضغط السياسي العالمي على كبار مصدري ومستخدمي الطاقة في العالم للموافقة على الحد من انبعاثات الكربون خلال بقية القرن الحادي والعشرين.
ووفقا لهذه الرؤية، يرى «فريديريك شنايدر»، الخبير الاقتصادي بجامعة «كامبريدج»، فإن قمة المناخ الأخيرة «كوب 26»، التي عقدت في بداية نوفمبر 2021، قد ذكرت العالم أن «نهاية إنتاج الوقود الأحفوري يجب أن تأتي عاجلاً وليس آجلاً»، ولا تغيب هذه الحقيقة عن أذهان دول مجلس التعاون الخليجي، التي أعلنت جميعها الالتزام «بفطم اقتصاداتها عن الاعتماد على النفط والغاز». وبحسب «روبرت كوفمان»، من جامعة «بوسطن»، فإن الوضع الحالي، قد جعل دول الخليج تواجه «معضلة تبني منهجية الاقتصاد الأخضر»، بعد أن أصبحت محاصرة بين إرادة الوفاء بالتزامات المناخ طويلة الأجل، ورغبتها في تجنب ترك أصولها عالقة.
وبالفعل، حددت دول الخليج أهدافًا تنموية طويلة المدى لتنويع اقتصاداتها الوطنية؛ مثل «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، و«رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، و«رؤية عمان 2040»، و«رؤية قطر الوطنية 2030»، و«رؤية الكويت 2035». وركزت الخطط الموضوعة حتى الآن بشكل كبير على بناء اقتصاد إقليمي «مستقل عن النفط» من خلال تنمية رأس المال البشري و«الابتكار».
ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلا قبل أن تتحقق هذه الجهود، حيث يرى كل من «نادر قباني»، و«نجلاء بن ميمون»، من معهد «بروكينجز»، أن «الإصلاحات الجزئية»، أدت فقط إلى «وهم التنويع الاقتصادي»، بينما قام «شنايدر»، أيضًا بتحليل «نتائج متباينة عما هو مرجو»، بشأن تعزيز رأس المال البشري والابتكار. ومن وجهة نظره، يمكن فقط «للإصلاحات الهيكلية الشجاعة» في قطاع التعليم التخفيف من مشكلات التحول عن الاعتماد على البترول، وحتى لو نجحت في زيادة إنتاجية العمالة المحلية، «قد يستغرق التغيير الاقتصادي والمجتمعي الناتج عقودًا». وبالمثل، يرى «مارتن هفيدت»، من جامعة «جنوب الدنمارك»، أن التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة «ليس بالمهمة السهلة»، فعلى الرغم من أن «نهاية حقبة النفط» تركت دول الخليج «بلا خيار» سوى «تشجيع نمو قطاع إنتاجي»؛ إلا أن عملية التحول من النفط إلى الإنتاج ستكون «عملية طويلة وصعبة»، ولن ترى عائدا فوريا.
ووفقًا لـ«شنايدر»، تتمثل إحدى الفوائد الرئيسية التي تمتلكها دول الخليج في سعيها لتنويع اقتصاداتها في العقود المقبلة، مقارنةً بالدول الأخرى الأقل تقدمًا اقتصاديًا؛ في كون صناديق الثروة السيادية لدول الخليج تتيح لها الفرصة «لسد الفجوة التي سيسببها نضوب موارد الوقود الأحفوري». وبالمثل، أوصى «قباني»، و«ميمون»، دول الخليج «بتنويع مصادر دخلها من خلال إنشاء صناديق ثروة سيادية»، مع الاعتراف بأن دول مجلس التعاون الخليجي «تستغل» الأصول المتراكمة من الاستثمارات الحالية.
ويبدو التركيز الأكبر على هذه الأنماط من الاستثمارات جليا بالفعل في السياسات الاقتصادية لدول الخليج. ووفقًا لـ«روبرت موغيلنيكي»، من «معهد دول الخليج العربي»، يلعب صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية، «دورًا محفزًا للاستثمار»، كجزء من جهود أوسع «لتنشيط» اقتصادها من خلال استراتيجيتها الجديدة للاستثمار الوطني. وعلى سبيل المثال، أبرمت شركة البحر الأحمر للتطوير في المملكة شراكات مع تسع علامات فندقية دولية في أكتوبر 2021؛ لزيادة تطوير صناعة السياحة في البلاد، وهو ما يبين الطريقة التي يمكن بها الجمع بين الاستثمار المحلي والأجنبي المباشر في الخليج.
وبالمثل، توقع «سيدريك بيري»، من وكالة التصنيف الائتماني الأمريكية «فيتش»، أن تستخدم الحكومة السعودية صندوق الاستثمارات العام لدعم النمو الاقتصادي وتعويض جزئي عن تأثير التقشف في الميزانية من خلال الاستثمارات المحلية، فيما أفادت «بلومبرج»، أن صندوق الاستثمارات العامة قام بـ«19 استثمارًا جديدًا» في «الشركات المتداولة في الولايات المتحدة خلال الربع الثالث» من عام 2021 وحده، عبر عدد من القطاعات، بما في ذلك التجارة الإلكترونية والطاقة النظيفة، مما «رفع استثمارات الصندوق إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 43.4 مليار دولار».
ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تتطلع إلى تطوير محفظتها من الاستثمارات السيادية. ففي يوليو 2021، أنشأت الإمارات صندوق أبو ظبي للنمو؛ ليكون بمثابة صندوق ثروة إضافيا لصندوقها الحالي «مبادلة» للاستثمار، حيث وقعت تعهدا مع الحكومة الإندونيسية لاستثمار 10 مليارات دولار في الاقتصاد المتنامي للدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا. فيما كانت جهود البحرين الأخيرة جديرة بالملاحظة، حيث أعلنت «وزارة المالية والاقتصاد الوطني» في أكتوبر 2021 خطة نمو اقتصادي جديدة تستهدف استثمارات إضافية بقيمة 30 مليار دولار. وذكرت «عبير أبو عمر»، من «بلومبرج»، أن تلك الخُطط من المتوقع أن تخلق «20.000 فرصة عمل سنويًا»، بحلول عام 2024، وتجذب «2.5 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر» بحلول عام 2023، حيث تسعى البحرين إلى «موازنة ميزانيتها» في أعقاب جائحة فيروس كورونا.
علاوة على ذلك، شدد «موغيلنيكي»، على أن الاستمرار في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر عنصر حاسم في الاستراتيجيات الاقتصادية طويلة المدى لدول الخليج، ويمكن تكملتها من خلال استثمار صناديق الثروة السيادية. وفي هذا الإطار، أشار إلى «مذكرة التفاهم التي وقعتها «السعودية»، و«المملكة المتحدة»، لتعزيز فرص الاستثمار «بين كلا البلدين، حيث تسعى الأخيرة بنشاط إلى تعزيز علاقاتها بشركاء تجاريين جدد بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتُظهر الآن اهتمامًا متزايدًا بترسيخ العديد من الصفقات التجارية مع دول الخليج.
وانعكاسًا لذلك، أعلنت كل من «المملكة المتحدة»، و«الإمارات» في وقت سابق من عام 2021 تعزيز وتوسيع نطاق «شراكة الاستثمار السيادي» بينهما، والتي وفقًا لـ«أندرو إنجلاند»، و«سيمون كير»، من صحيفة «الفاينانشيال تايمز»، قد تعمل أيضًا على فتح الباب أمام محادثات ثنائية مباشرة لإبرام اتفاقية تجارية بين البلدين. وعليه، تُظهر هذه التطورات الرغبة المستمرة بين الدول الغربية للتعاون اقتصاديًا مع دول الخليج، وللمساعدة في مسيرة تنميتها.
وعلى الرغم من أن استخدام صناديق الثروة السيادية لتوفير الاستثمارات الأجنبية المباشرة، قد يوفر لدول الخليج مسارًا بديلاً لاعتمادها المستمر على عائدات الوقود الأحفوري، فقد أوضح «شنايدر»، أنه من «الصعب للغاية» حساب «الحجم الضروري لصناديق الثروة السيادية ومدى قوتها واستمراريتها»، إذا كان على تلك الدول «التخلي عن الإيرادات النفطية»، مضيفاً، أن نقطة الخلاف الرئيسية هي ما إذا كانت هذه الصناديق قادرة على النمو بمعدل يسمح لها «بأن تحل محل إيرادات الوقود الأحفوري بشكل ملحوظ»، لا سيما في ظل أن «التقلبات الكبرى التي تعاني منها تمويلاتها» و«السحوبات المالية الضخمة من حساباتها»، و«عمليات إعادة الهيكلة المتكررة التي تخضع لها»؛ يمكنها أن تعرقل وجود عائدات مالية كافية لدفع دفة الاقتصاد. وتسلط هذه الإشكالية الضوء على عدم وجود آلية فردية يمكن من خلالها لدول الخليج أن تحل محل عائداتها النفطية، ونتيجة لذلك، يجب استكشاف طرق متعددة في هذا الصدد.
وبناءً على ذلك، لاحظ «شنايدر»، أن دول الخليج تدرس خيارات أخرى عندما يتعلق الأمر بتعزيز قوتها المالية، بما في ذلك «العمل على فرض ضرائب»، مثل ضرائب القيمة المضافة وضريبة الشركات. وعلى سبيل المثال، تتضمن خطة النمو المذكورة أعلاه والمتعلقة بمملكة البحرين مقترحات لزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى عشرة في المائة، لتحقيق الاستدامة المالية وفقا للشيخ «سلمان بن خليفة آل خليفة»، وزير المالية والاقتصاد الوطني.
على العموم، من الواضح أن دول الخليج تمر بفترة من التحول الاقتصادي، حيث أصبحت تقترن جهود تنويع مصادر الطاقة بزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية والمحلية لتأكيد ضرورة الابتكار ومسايرة التقدم. ولا شك أن المحادثات الأوسع حول جهود التنويع الاقتصادي الشامل في منطقة الشرق الأوسط تركزت في المقام الأول على الاعتبارات طويلة المدى والاستثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية، وتطوير السياسات المعنية بزيادة إنتاجية أسواق العمل المحلية.
ومع ذلك، فإن مثل هذا النهج الشامل للتنمية والتنوع يجب أن يضع حلولا فورية لمسألة اعتماد المنطقة على الهيدروكربونات لتمويل موازناتها. وهنا تبرز أهمية صناديق الثروة السيادية؛ لدورها القوي في دفع عملية التنوع الاقتصادي، وخاصة أن دول الخليج نفسها كانت سباقة في هذا الصدد، وسعت إلى توسيع وتنويع محفظة استثماراتها والسعي إلى إبرام صفقات استثمارية ثنائية مع كل من الاقتصادات المتقدمة والنامية. وعلى الرغم من أهميتها، فإن قدرة هذه الصناديق على أن تحل محل عائدات الهيدروكربونات كليًا وجزئيًا لا تزال «غير مؤكدة»، وهو الأمر الذي يبرز التحديات التي يجب على صانعي السياسات في دول الخليج التكيف معها ومعالجتها لضمان التنوع الاقتصادي بطريقة تضمن ازدهار دولهم لأجيال قادمة.