top of page

5/12/2021

اتجاهات التعاون الروسي الإيراني في سوريا

مثَّل التعاون الروسي الإيراني في سوريا، عاملا محوريا حاسما لمجريات الحرب الأهلية السورية، حيث ترى «نيكول غرايفسكي»، من جامعة «هارفارد»، أن تدخل روسيا في الحرب الأهلية في سبتمبر 2015. ساعد نظام بشار الأسد على التمسك بالسلطة في أشد لحظاته ضعفا؛ من خلال توفيره «قوة جوية حاسمة»، فضلا عن «الجهود الدبلوماسية الموازية». وبالمثل، دعمته إيران من خلال توفير التمويل والمقاتلين المتحالفين معها والإمدادات. وبالتالي، فإنه مع استمرار الصراع على مدار العقد الماضي، فليس من المستغرب وجود «تبادلات عسكرية وسياسية منتظمة» بين طهران، وموسكو، حيث يتلاقى الاثنان استراتيجيا في «الهدف الشامل المتمثل في تقوية نظام الأسد».

 

ولطالما جذبت الطبيعة الدقيقة لديناميكية العلاقة بين روسيا وإيران والحكومة السورية، أنظار المحللين الغربيين. ويرجع ذلك إلى ما وصفته «غرايفسكي»، بـ«فسيفساء متشعبة ومتداخلة من المصالح». وكما أوضح «ميشيل دوكلو»، السفير الفرنسي السابق في سوريا، فإن هناك رأيا واسعا الانتشار مفاده أنه فيما يتعلق بسوريا، فإن «موسكو»، و«طهران»، في شراكة «لأسباب عملية»، وهذا «ليس من منطلق التعاطف المتبادل». فيما سلط المعلقون الضوء أيضًا على عدد كبير من التوترات بين البلدين، والتي قد تؤدي حال تفاقمها إلى انهيار العلاقة بينهما، وتأثير ذلك على النظام السوري.

 

ومع ذلك، فإنه بالنظر إلى الوضع الحالي للعلاقات الروسية الإيرانية، في الشرق الأوسط وفي سوريا نفسها، نجد توافقا استراتيجيا كبيرا بين الاثنين، والذي من المرجح أن يستمر على الرغم من الخلافات. وتكمن الخصوصية الملحوظة لتعاون روسيا مع إيران في سوريا في اختلاف نهجي صانعي القرار في تدخلهما العسكري في سوريا. يقول «سنان حتاحت»، من «مركز عمران للدراسات الاستراتيجية»، إن روسيا «تهدف إلى إضفاء طابع مؤسسي» على وجودها في سوريا من خلال إعادة احتكار نظام الأسد للسلطة، أما إيران فقد أعطت الأولوية لـ«نهج تصاعدي» تحاول فيه «دمج» حلفائها المحليين في «مناصب بالدولة»، كوسيلة لاكتساب نفوذ أكبر في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ذلك، فإن الحملة الروسية في سوريا «عززت» «تطلعاتها الدبلوماسية الواسعة»؛ لكي يُنظر إليها على أنها «قوة عظمى» في الشرق الأوسط. على الجانب الآخر، ركزت طهران «على ترسيخ نفوذها» في محافظات حلب وحمص ودير الزور، وكذلك في «الحدود اللبنانية» من خلال شبكة مليشياتها التي تضم حزب الله.

 

علاوة على ذلك، فمن الملاحظ أن روسيا ركزت جهودها إلى حد كبير على تطوير الفعالية القتالية والكفاءة للجيش السوري؛ في تصور لـ«قوة نظامية موحدة». وتشمل جهودها توفير الأسلحة بما في ذلك دبابات «تي-90» ومركبات مدرعة أخرى. أما فيما يتعلق بطهران، فقد أكدت «غرايفسكي»، أنها أكثر «تقييدًا» في الأخذ بهذا النهج. وفي حين أنه من المؤكد أنها تفتقر إلى نفس القدرة الصناعية لإنتاج أنظمة أسلحة حديثة؛ لإمداد النظام السوري بنفس الطريقة التي تنتهجها موسكو؛ فإن الافتقار إلى عمليات نقل الأسلحة بين طهران ودمشق، يشير أيضًا إلى «مجموعة مُتباينة من الأهداف» لدى البلدين. ومع ذلك، فإن هذا الاختلاف في الأهداف بشأن الإمدادات من غير المرجح أن يكون محفزا لانهيار العلاقات، حيث أكد «دوكلو»، أن «المصلحة المشتركة» النهائية تظل «تصب في مصلحة سوريا»، وهو أمر «يتجاوز» الاختلافات في الاستراتيجيات.

 

ومع ذلك، قد تؤدي السياسات العسكرية النافذة لروسيا وتطلعاتها؛ إلى تصور أنها هي الفاعل الخارجي المهيمن في سوريا. وأشارت «غرايفسكي»، أيضا إلى تعرض روسيا لضغوط من إسرائيل بشأن ممارساتها في الشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال، في أغسطس 2018. أُجبر «بوتين»، على التوصل إلى تسوية دبلوماسية مع إسرائيل، حيث تم الاتفاق على انسحاب القوات الإيرانية ووكلائها من الحدود السورية مع مرتفعات الجولان مسافة 80 كيلومترًا، بعد أن نفذت تل أبيب سلسلة من الغارات الجوية في رد على هجوم صاروخي تابع للحرس الثوري الإيراني.

 

علاوة على ذلك، هناك أيضًا حدود واضحة لقدرة الكرملين على «ممارسة النفوذ» على فيلق الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له التي تنشط في سوريا، حيث أكدت «غرايفسكي»، أن حكومة فلاديمير بوتين «ظلت حذرة» من النفوذ المفرط للمليشيات المدعومة من إيران والجهات الفاعلة غير الحكومية داخل البلد الذي مزقته الحرب. وذكر موقع «المونيتور» في أبريل 2021. أن القوات العسكرية الروسية لم تكن قادرة على «منع الوجود المتنامي للجماعات الموالية لإيران» في «المناطق المتنازع عليها» على طول الحدود السورية الإسرائيلية.

 

وبالتالي، فإن تطلع الحكومات الغربية إلى أن تقوم روسيا بدور متوازن مقابل أعمال إيران الخبيثة في سوريا، أو في أي مكان آخر في المنطقة؛ بدا موضع نقاش، بعد أن نفذت المليشيات التي ترعاها إيران هجمات على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في يوليو 2021. وأوضحت «عُلا الرفاعي»، و«علي عليلي»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن هذه «الاستفزازات تدحض المقولة القائلة بإمكانية الضغط على موسكو لتتعاون مع واشنطن وكبح طموحات طهران في بلاد الشام».

 

علاوة على ذلك، فإن العلاقة الدبلوماسية الأوسع بين «موسكو»، و«طهران»، لديها القدرة على أن تصبح أكثر توترا عندما يبدأ الطرفان في تركيز جهود أكبر على مبادرات إعادة الإعمار والتنمية في سوريا بعد توطيد الأسد للسلطة. وافترض «حتاحت» أن كلا البلدين يسعيان إلى «تعويض جزئي؛ عن كلفة تدخلاتهما العسكرية في سوريا» من خلال صفقات مربحة مع نظام الأسد. وفي ضوء ذلك، ادعى «دوكلو»، أن «درجة من المنافسة»، قد تظهر بين البلدين، للوصول إلى «الموارد الاقتصادية السورية النادرة»، بما في ذلك عقود السيطرة على الفوسفات والموارد الطبيعية الأخرى، والسيطرة على ميناء ذي  قيمة استراتيجية في اللاذقية.

 

وبالفعل، اعترف المحللون الروس والإيرانيون بنقاط الخلاف المحتملة هذه. وعلى سبيل المثال، أقر كل من «حميد عزيزي»، من جامعة «شهيد بهشتي» في طهران، و«ليونيد إيسايف» من «المدرسة العليا للاقتصاد في سانت بطرسبرغ»، بوجود «احتمال للصراع» بين الاثنين للهيمنة على «الاقتصاد السوري».

 

وعلى الرغم من هذه التحديات المستقبلية، لا يزال من غير المرجح أن يتدهور أو يتراجع التعاون الروسي الإيراني بشأن سوريا إلى المرحلة التي يضطر فيها أحد الأطراف إلى التخلي عن مطالبه الاستراتيجية والاقتصادية، خاصة بعد سنوات طويلة من الدعم المستمر المقدم لنظام الأسد. وأوضح كل من «الرفاعي» و«عليلي»، بأن لدى البلدين «أسبابا ومبررات منطقية أكثر من أي وقت مضى» للحفاظ على علاقة العمل والتعاون الحالية بينهما؛ نظرًا إلى أن الأخيرة «تعتمد بشكل لا يُصدق على الأنشطة الإيرانية»؛ للحفاظ على نفوذها في محافظة «دير الزور»، في حين تدرك الأولى أنها «تستفيد استراتيجيا وماليًا» من الترابط الوثيق مع الكرملين.

 

وبالمثل، خلص «دوكلو»، إلى أن «الانطباع الشامل»، هو أنه «لا ينبغي المبالغة في احتمال وقوع الخلاف» بين موسكو وطهران، حيث إن نقاط الصدام الموجودة لديها إمكانية ضئيلة للتأثير في «الإدارة المشتركة» للصراع السوري «على المستوى الاستراتيجي».

 

وتتجلى احتمالية عدم الصدام بشكل أكبر في جهود التعاون بين كل من «روسيا»، و«إيران» في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث امتدت تلك الجهود المتوافقة والمتناغمة خلال الصراع السوري إلى أجواء من التقاربات الدبلوماسية، التي قويت بتقارب الصين المتزايد مع النظامين الإيراني والروسي على حد سواء. وأوضح كل من «ياسنا هاغدووست»، و«جوناثان تيرون»، من وكالة «بلومبرج»، أن التعليقات الأخيرة التي أدلى بها قادة كل من روسيا وإيران والصين «تشير إلى وجود جبهة موحدة» بين الثلاثة بشأن تطلعات إيران النووية.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإنه في سبتمبر 2021. تمت الموافقة على أن تصبح إيران عضوًا كامل العضوية في منظمة «شنغهاي للتعاون»، وهي كتلة اقتصادية يُعتبر كل من موسكو وبكين من أعضائها الرئيسيين، ولعل هذا الأمر يشير إلى مزيد من التوافق الجيوسياسي الإيراني الوثيق مع المنافسين العالميين للولايات المتحدة. ووصفت «لي تشن سيم»، من «جامعة خليفة»، و«غرايفسكي»، هذا التعاون الاقتصادي، بأنه «جزء من مشروع أوراسيا العالمي، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل الجيوسياسي الروسي في المنطقة».

 

على العموم، فإنه على الرغم من بعض مجالات الخلاف بين روسيا وإيران حول سوريا، فمن المرجح أن تستمر شراكتهما الاستراتيجية في السنوات المقبلة على الأقل. ولا يزال البلدان متحدين في هدفهما المتمثل في تأمين مستقبل نظام الأسد، وتأمين مسار لتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي، ويبدو أن هذا الهدف المشترك الشامل يعد كافيًا للتغلب على الخلافات الناجمة عن مقارباتهم المتباينة بشأن التدخل العسكري في دمشق، ولا يزال هناك تواصل وتعاون بين القوات المدعومة من روسيا وإيران في العمليات العسكرية في سوريا في الوقت الراهن.

 

غير أنه يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا بالنسبة إلى المستقبل، هو ما الذي سيحدث للمصالح الإيرانية والروسية في سوريا بمجرد استعادة نظام الأسد السيطرة على الدولة بأكملها، وهل ستنتقل علاقاتهما إلى الهدوء، أم إلى التوتر حينما تتضارب المصالح والسيطرة على الموارد الاقتصادية على المدى الطويل؟

{ انتهى  }
bottom of page