11/1/2022
تحديات «أوبك بلس» في ظل انعدام اليقين الجيوسياسي
بعد فترة متواصلة من التحديات الناتجة عن الانكماش الاقتصادي المرتبط بفيروس كورونا، يبدو أن تعافي أسعار النفط قد أتاح فترة من الهدوء لكبار منتجيه في العالم. ووفقا لـ«والتر ميد»، من معهد «هادسون»، فإن «عام 2021 كان «ممتازا»، لأعضاء منظمة «أوبك بلس»، ويبدو أن هذا العام سيكون أفضل. ومنذ يوليو 2021، أدى الإشراف الدقيق على مستويات الإنتاج إلى وصول خام برنت إلى متوسط سعر قدره 71 دولارًا للبرميل في العام، وهو أعلى رقم له في السنوات الثلاث الماضية. وفي ضوء ذلك، بدأ تحالف الدول المنتجة للنفط، منذ يوليو، إلغاء تخفيضات الإنتاج القياسية، التي قرر اعتمادها في عام 2020، والتي بلغت 10 ملايين برميل يوميًا، استجابةً للركود الناجم عن الوباء.
وعلى الرغم من أن «أوبك بلس» كانت قادرة على التعامل مع الوباء، بما في ذلك مقاومة ضغط الولايات المتحدة، والمستهلكين الرئيسيين الآخرين للتسريع في تطبيق زيادات الإنتاج المخطط لها، إلا أنه لا تزال هناك تحديات أمام أكبر منتجي النفط في العالم. ونظرًا إلى أنه من المقرر أن تكون المنظمة مستعدة للالتزام بزيادة العرض بمقدار400 ألف برميل يوميًا كل شهر، فقد أصبح من الواضح الآن أن بعض أعضائها يكافحون للوفاء بهذه التعهدات مع وصولهم إلى الحد الأقصى من طاقتهم الإنتاجية. علاوة على ذلك، هناك مجموعة جديدة من التحديات الجيوسياسية التي يتعين على «أوبك بلس» مواجهتها، والتي تضم التوترات المستمرة بين روسيا والغرب في أوروبا الشرقية، وعدم اليقين حول المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا.
وفي ظل «شكوك» من أن «أوبك»، قد لا تكون قادرة على زيادة الإنتاج «بقدر ما تنوي»، فقد أشارت «جوليا «فانزيرز»، من موقع «وورلد أويل»، إلى أن أسعار النفط الخام «ارتفعت»، مع ارتفاع أسعار العقود الآجلة في نيويورك «بنسبة 2%»، حيث تجاوز سعر النفط 81 دولارًا للبرميل في الخامس من يناير 2022. كما لاحظ «مات سالي»، من شركة «تورتواز»، أنه «باستثناء المملكة العربية السعودية»، فإن أوبك تواجه «تحديًا لزيادة الإنتاج»، وأنه في حال فشل التحالف في «الوفاء بزيادة قدرها 400 ألف برميل يوميًا، فإن ذلك سيؤثر على السوق».
وعلى الرغم من أن وضع النفط كان مستقرا في نهاية عام 2021، بعد «سلسلة من انقطاع الإمدادات العالمية»، فقد أوضحت «فانزيرز» أن اضطرابات الإنتاج، بشكل أساسي في الإكوادور، وليبيا، ونيجيريا، قد أوصلت العجز الآن إلى ما يقرب من «مليون برميل يوميًا».. وعليه، قلل تحالف الدول المنتجة للنفط من حصته الإنتاجية في ديسمبر 2021، والتي وفقًا لـ«أليكس لولر»، من «رويترز»، سلطت الضوء على «محدودية القدرات»، التي حجمت العرض، مع استمرار تعافي الطلب العالمي. على الرغم من أن مسحًا أجرته «رويترز» وجد أن إنتاج النفط قد زاد بالفعل بمقدار 70 ألف برميل يوميًا في ذلك الشهر، فإن هذا لا يزال أقل بكثير من الزيادة البالغة 253 ألفًا، المسموح بها لأكبر الدول إنتاجاً في اتفاق «أوبك بلس»، الحالي للإمداد. وأرجع «لولر» هذه المشكلات إلى «صغار المنتجين»، الذين يكافحون من أجل زيادة العرض؛ بسبب «محدودية القدرات»، أو «الانقطاعات غير المخطط لها»، حيث سجل المسح -المشار إليه- أكبر انخفاض من ليبيا عند 100000 برميل يوميًا.
ولشرح أوجه التراجع تلك في الإنتاج؛ أفاد «جرانت سميث»، و«جوليان لي»، من «بلومبرج»، بأنه بعد فترة من «الانتعاش والاستقرار» عام 2021، صار الإنتاج الليبي مرة أخرى «في حالة اضطراب»، بعد إغلاق أكبر حقل نفطي لها من قبل المليشيات المسلحة». وتزامن ذلك مع ما حدث في نيجيريا، حيث اضطرت شركة «رويال داتش شل» إلى رفع دعاوى قضائية في واحدة من أكبر محطات التصدير في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا؛ بسبب سرقة خطوط الأنابيب والتخريب، فضلاً عن المشكلات التشغيلية، ما أدى إلى تفاقم مشكلات التوريد القائمة منذ فترة طويلة.
وعليه، تتوقع «فانزيرز» أن «الحجم الذي تضيفه «أوبك بلس» إلى السوق في فبراير 2022 «يمكن أن يكون أقل مما هو مخطط له». بينما توقعت «أمريتا سين»، من شركة «إنرجي أسبكتس ليمتد»، أن التحالف سوف يزيد فقط الإنتاج بمقدار250.000 برميل يوميًا في ذلك الشهر. ووفقًا لـ«كريستيان مالك»، من «مصرف جي بي مورجان»، فإن الزيادات الشهرية، التي خططت لها «أوبك بلس» «ستلتزم بها دول مُحددة»؛ لأنه ببساطة لن يكون من الممكن «الحفاظ على كمية 400.000 برميل يوميًا إلى أجل غير مسمى». ومع ذلك، بعد اجتماع في الرابع من يناير 2022، التزمت المنظمة مرة أخرى بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا، بالإضافة إلى الزيادات السابقة. وفي هذا الصدد، أشارت «حليمة كروفت»، من شركة «آر بي سي كابيتال ماركتس»، إلى صمود التحالف «على الرغم من سيطرة حالة الشك».
ومن المحتمل أن يكون قرار «أوبك بلس» متأثرًا بالتطورات الأكثر إيجابية بشأن تحسن الاقتصاد، وذلك على الرغم من المخاوف في الأسابيع الأخيرة، بشأن التأثير المحتمل لمتغير «فيروس أوميكرون»، على الطلب العالمي. ورأت «فانزيرز» أن هذه المخاوف قد «تراجعت» إلى حد كبير مع استمرار الاقتصادات الرئيسية حول العالم «في الانتعاش من الجائحة». وقلل تقرير للجنة الفنية المشتركة «لأوبك بلس» من أهمية تأثير المتحور الجديد، مؤكدا أنه سيكون «خفيفًا وقصير الأجل»، كما أظهر تفاؤلا في ضوء «النظرة الاقتصادية الثابتة» في كل من «الاقتصادات المتقدمة والصاعدة». وأرجع «بيورنار تونهاوجين»، من شركة «ريستارد إينرجي»، ثقة «أوبك بلس» في هذا الصدد، إلى بيانات نقل النفط في الوقت الفعلي، والتي لم تُظهر بعد أي تأثير كبير على الطلب. وتُعد هذه علامة واعدة للمنتجين في ظل انخفاض أسعار الخام في نهاية عام 2021، مع بدء انتشار متغير «أوميكرون» في التسارع، حيث انخفض من 85 دولارًا للبرميل في أكتوبر إلى 65 دولارًا في ديسمبر.
ومع ذلك، ففي عام 2022، قد تضطر «أوبك بلس» إلى تجاوز حالة عدم اليقين، وسط بيئة جيوسياسية مشحونة. ووفقًا لـ«كروفت»، فإن القلق المستمر بشأن «عوامل غير متوقعة النتائج»، مثل استمرار المفاوضات النووية الإيرانية مع واشنطن، والمخاوف المستمرة بشأن العدوان الروسي في شرق أوكرانيا، «مهمة حقًا للنفط على المدى القريب»، حيث إنه ذا تم فرض «عقوبات كبيرة» على موسكو في حال توغلها في أوكرانيا، فقد يؤدي ذلك إلى «أزمة طاقة خطيرة» في حالة «قطع» إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا.
وبالمثل، أوضح «إدوارد فيشمان»، من «المجلس الأطلسي»، أنه «سيكون من الصعب جدًا فرض المزيد من العقوبات والأضرار الاقتصادية الصارمة على روسيا من دون «التأثير على أسواق الطاقة» في المقابل. وبالتأكيد، كان للتوترات في منطقة أوروبا الشرقية تأثيرات سلبية على أسواق الغاز. وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، في ديسمبر2021، أن سعر الجملة للغاز في القارة الأوروبية ارتفع بنحو40%، منذ بداية شهر ديسمبر2021، «بعد أن حشدت روسيا 100 ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا».
وفي حين أن إدارة «بايدن» قد صاغت خيارات لفرض «جولات متعددة من العقوبات القاسية»؛ انعكس تردد البيت الأبيض في استخدام مثل هذه العقوبات الحازمة ضد موسكو خلال التعليقات التي أدلى بها أحد المسؤولين الأمريكيين لـشبكة «سي إن إن»، واصفًا تلك العقوبات بأنها «الخيار الأكثر تطرفًا». وخلصت «جوليا فريدلاندر»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن فرض العقوبات سيكون «أمرًا صعبًا» أمام بايدن، حيث إن «أسعار الغاز مرتبطة بالنفط في آن واحد».
وفيما يتعلق بالمفاوضات النووية الإيرانية، أوضح «أليكس كيماني»، من موقع «أويل برايس»، أن أحد «المطالب الرئيسية» لطهران هو السماح لها بتصدير نفطها الخام، حيث تطمح إلى زيادة الإنتاج في حقل آزاديجان النفطي العملاق، جنوب غربي البلاد من 140 ألفا إلى 320 ألف برميل يوميًا. ووفقا لـ«سيمون واتكينز» بالموقع ذاته؛ فإن مثل هذه الزيادة في الإنتاج سيكون لها تأثير «هائل» على أسعار النفط العالمية، ولا سيما «في ضوء معدلات الطلب المتذبذبة، وغير المؤكدة في الأشهر المقبلة». وفي السياق ذته، أشارت شركة «كبلر» إلى أن رفع العقوبات الإيرانية سيؤدي إلى «انخفاض بنسبة 5-10% في أسعار النفط».
ومع ذلك، فإن مثل هذا الاحتمال بعيد المنال، وخاصة مع إشارة «كورنيليوس أدباهر»، من مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»، إلى أن إيران «تراجعت الآن عما تم الاتفاق عليه في الصيف»، وأن نجاح المفاوضات «لا ينبغي اعتباره أمرا مسلمًا به». وحتى في حالة رفع العقوبات عنها، فمن غير المؤكد ما إذا كانت أهدافها المتمثلة في زيادة الإنتاجية ستؤتي ثمارها في ظل فشل قطاع النفط في جذب مستوى مقبول من الاستثمارات، وهو أمر قال «كيماني» عنه: إن طهران «فشلت فشلاً ذريعًا» في تلبيته طيلة أربعة عقود ماضية.
على العموم، لا شك أن الإخفاق في تلبية حصص الإنتاج في الأشهر المقبلة؛ بسبب القضايا الخلافية بين المنتجين الأصغر حجمًا ضمن «أوبك بلس»، سيكون مصدر قلق لدول الخليج، على الرغم من أن هذا الأمر قد بدا تأثيره خفيفًا في ظل أن الأسعار مازالت مرتفعة، وأيضًا تأثير متغير «أوميكرون» على الطلب مازال محدودًا في الوقت الراهن. ومن المرجح أن تؤدي التوقعات الاقتصادية الإيجابية للعام الجديد إلى جعل المنتجين الأكثر استقرارًا يشعرون بتفاؤل حذر بشأن المستقبل.
ومع ذلك، ففي حين أن الانتعاش الاقتصادي العالمي قد يوحي بنظرة أكثر إيجابية، سيتعين على أعضاء «أوبك بلس» أن يظلوا حذرين من وطأة الصدمات المحتملة لأسواق الطاقة العالمية، والتي قد تنجم عن الأزمة الأوكرانية، والمفاوضات النووية. وعلى هذا النحو، فعلى الرغم من أن «أوبك بلس» كانت قادرة على اجتياز حالة التذبذب وعدم الاستقرار جراء الجائحة، والانخفاض اللاحق في معدل الطلب العالمي، فإن المزيد من علامات انعدام الثقة وعدم اليقين تنتظر الكويتي «هيثم الغيص»، الأمين العام المنتخب حديثًا لمنظمة الدول المصدّرة للنفط «أوبك».