12/1/2022
هل بدأ دور القوات المقاتلة بالوكالة لإيران في التضاؤل؟
أنشأت إيران منذ عام 1979، شبكة من القوات التي تعمل لها بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والتي شكلت لها حجر الزاوية في سياستها الخارجية والدفاعية. ووفقا لـ«آشلي لين»، من مركز «ويلسون»، فإنه بحلول عام 2020 كان لإيران «حلفاء من بين أكثر من عشر مليشيات كبرى»، تضم مليشيات تابعة لأحزاب سياسية «تعارض الحكومات المحلية المجاورة». وفي تأييد لهذا، لاحظ «كينيث بولاك»، من «المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة»، أنه منذ عام 2014، تسارع دعم طهران لما أسمته «محور المقاومة»، ليشمل «نشر القوات بشكل علني، والعمليات العسكرية المشتركة، والمساعدات الاقتصادية والردع والتحالف التضامني».
وعلى الرغم من أن استخدام القوات المقاتلة بالوكالة قد حقق بعض النجاحات في الماضي، إلا أن المحللين الآن، قد شككوا في فعالية وفائدة شبكة المليشيات الإيرانية، مرجعين أغلب تحليلاتهم في أسباب تضاؤل دورها إلى عاملين رئيسيين، الأول، أن السلطة السياسية لهذه الجماعات بدأت تتقوض من قبل السكان، الذين شعروا بخيبة الأمل؛ بسبب السياسات الطائفية التي تروج لها تلك الجماعات في البلدان التي توجد فيها، والثاني، أن طهران لم تعد قادرة على فرض نفس مستوى السيطرة، التي كانت تفرضها في السابق على وكلائها.
ووفقا لـ«جيمس دورسي»، من معهد «إس راجاراتنام للدراسات الدولية»، فإنه في حين أن «دعم» إيران للمليشيات هدد لفترة طويلة أمن واستقرار الشرق الأوسط، فإن «سلسلة» الأحداث الأخيرة تشير إلى أن فائدة بعضها على الأقل «تتضاءل» الآن؛ بسبب انخفاض شعبيتها وتوتر علاقتها مع طهران. وبالمثل، كتب «غيدو شتاينبرغ»، من «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية»، أن إيران «وسعت نفوذها بشكل كبير في الشرق الأوسط»، ووصلت إلى «القمة» عام 2018، لكن بعد ذلك، دخلت سياستها الأمنية «مرحلة جديدة»، بعد «اصطدامها بحائط صد»، تمثل في عدم قدرة وكلائها على الاستفادة من المواجهات المسلحة.
بالإضافة إلى ذلك، جادل «دورسي»، بأن إيران فقدت «جاذبية الثورة الإسلامية»، حيث يُنظر الآن إلى وكلائها على أنهم قوى «قومية إيرانية»، مشيرا إلى أن مليشيات، مثل حزب الله والجماعات الأخرى المدعومة من إيران في العراق «أصبحت مرتبطة بشكل كبير بالأنظمة الفاسدة»، حيث إنها «ردت بعنف» على حركات الاحتجاج الجماهيري، مما أدى إلى إضعاف شرعيتها. وفي توضيح لهذه النقطة، أشار «شتاينبرغ»، إلى أن الطابع «العسكري والإرهابي» الغالب على المجموعات التي تدعمها إيران، قد جعلها «غير قادرة» على الاستفادة من انتصاراتها الميدانية من أجل «ضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي» في البلدان التي توجد فيها، مما يؤدي غالبا لحالة «مزمنة من عدم الاستقرار» في هذه البلاد.
وبالفعل، تصاعدت حركات احتجاجية عام 2019 في كل من العراق ولبنان مع تحول الرأي العام ضد المليشيات ورعاتها الإيرانيين. ووفقًا لـ«بسمة المومني»، من «معهد دول الخليج العربي»، فإن حركات الاحتجاج هذه تمثل تهديدًا كبيرًا للنفوذ السياسي الإيراني في جميع أنحاء المنطقة، حيث إنها تسعى إلى «إصلاح شامل للهيكل السياسي»، الذي بنته طهران، فضلا عن التحول بعيدًا عن الطائفية، التي هيمنت سابقًا على الحياة العامة. وفي تأييد لهذا، يرى «جوزيف باحوط»، من مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»، أن هذه الحركات الاحتجاجية تمثل «تهديدًا وجوديًا» لإيران. وبالمثل، أشارت «فرناز فاسيحي» في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن إيران «ستخسر استثمارات مالية وسياسية وعسكرية استمرت لعقود»، في كل من العراق ولبنان.
وعلى سبيل المثال، لاحظت «لويزا لوفلوك»، و«مصطفى سالم» في صحيفة «واشنطن بوست»، أن «حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة» في العراق، والتي بدأت باحتلال أجزاء من بغداد ومدن جنوبية أخرى، «شجبت» النفوذ الإيراني، كما «بدا وكأنه يُضعف من المحرمات القديمة ضد انتقاد المليشيات المرتبطة بطهران». وفي الآونة الأخيرة، أفاد «جاريد مالسين»، من صحيفة «وول ستريت جورنال»، بأن الناخبين في العراق «أصدروا توبيخًا شديدًا للأحزاب المنتمية إلى الجماعات الموالية لإيران»، بعد نتائج الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021. وفي لبنان، تفاقمت الاحتجاجات ضد نفوذ جماعة «حزب الله»؛ بسبب ما وصفه «أمير أسمر»، المُحلل في «وزارة الدفاع الأمريكية»، بأنه بلد ذو «بنية تحتية متداعية، وفي ظل ما يُرجح أنه أسوأ أزمة مالية للبلاد على الإطلاق». واستمرت الاحتجاجات حتى عام 2021، وعلى الأخص في أغسطس عندما هتف المتظاهرون بشعارات مناهضة لإيران وحزب الله في مسيرة لإحياء الذكرى السنوية الأولى لانفجار ميناء بيروت.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه، حتى الآن، تمكنت إيران ووكلاؤها في كل من العراق ولبنان من احتواء حركات الاحتجاج الناشئة بنجاح وحافظوا إلى حد كبير على نفوذهم السياسي، مع اعتراف «شتاينبرغ»، بأن المتظاهرين في بيروت «لم يتمكنوا من الحد من نفوذ الحزب الشيعي». وفي العراق، أقرت «لوفلوك»، و«مصطفى»، أن حركة الاحتجاج قد تم وأدها إلى حد كبير من خلال الأعمال الانتقامية الوحشية من قبل المليشيات الإيرانية، بما في ذلك اغتيال 81 ناشطًا وصحفيًا. وعلى هذا النحو، أوضح «شتاينبرغ»، أن هذا أدى إلى «حالة من الجمود»، حيث لا تستطيع الميليشيات ممارسة السيطرة السياسية الكاملة، لكنها أقوى من أن «تُطرد من السلطة». وهكذا، في حين لم يعد بوسع النفوذ الإيراني التوسع في العراق ولبنان، إلا أنه لم يتقلص إلى حد زواله.
من ناحية أخرى، تم طرح فكرة أن إيران تعاني الآن مما وصفه «إديان صالحيان»، من «جامعة شمال تكساس»، بـ«تغير في نهج الوكلاء»، حيث تقوم المليشيات «باتخاذ إجراءات لا تتفق»، مع سياسات راعيها في ظل تنامي قوتها الخاصة. وفي الواقع، هناك أدلة تشير إلى أنه منذ اغتيال قاسم سليماني في يناير 2020، لم تعد إيران تمارس نفس المستوى من السيطرة على الميليشيات العراقية عن ذي قبل. ووفقًا لـ«قاسم عبد الزهرة»، و«سامية كُلاّب»، من وكالة «أسوشيتيد برس»، فإن إسماعيل قاآني، خليفة سليماني كقائد لفيلق القدس، قد «واجه تحديًا» عندما حاول تهدئة نشاط المليشيات العراقية في يوليو 2021، حيث كانت طهران تستعد لإعادة الدخول في المفاوضات النووية مع واشنطن. وبعد هذا الرفض، نُقل عن زعيم سياسي شيعي عراقي، قوله: إن «إيران باتت لا تتمتع بنفس القدر من السيطرة بنسبة 100% على قادة المليشيات». وخلص «عبد الزهرة»، و«كُلّاب»، إلى أن هذا يوضح كيف أن المليشيات الشيعية في العراق «تؤكد الآن على تمتعها بقدر من الاستقلال، حتى تستهزئ بأوامر طهران».
ومع ذلك، تكهن صحفيا «الأسوشيتد برس»، أيضًا أنه في حالة المليشيات الشيعية العراقية، كان لانتخاب «إبراهيم رئيسي» رئيسا لإيران في يونيو 2021، تأثير «موحد»، حيث اعتبره العديد من الجماعات التابعة لإيران في البلاد ذا «قدر رفيع». وبعد نصف عام في السلطة، يبدو أن هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى تحسن العلاقات بين إيران ووكلائها العراقيين تحت سيطرة رئيسي.
علاوة على ذلك، علّق «دان لوس»، و«كورتني كوب» من شبكة «إن بي سي نيوز»، على أن محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء العراقي، «مصطفى الكاظمي» في نوفمبر 2021 من قبل المليشيات الشيعية، والتي نأت إيران بنفسها عن التورط فيها، توضح كيف أن الأخيرة «تكافح من أجل الجمع بين قادة المليشيات الشيعية المتناحرة» في الأشهر الأخيرة. وبحسب تصريحات مسؤول دفاعي أمريكي رفيع المستوى، فإنه «من العدل القول إن إيران ليس لديها سيطرة كاملة على هذه الجماعات منذ مقتل سليماني». وبالمثل، أشار «دوغلاس سيليمان»، السفير الأمريكي السابق لدى العراق، إلى أنه «سيكون مندهشًا للغاية إذا أمرت إيران بشن هجوم بطائرة بدون طيار على الكاظمي»، مضيفًا أن «عراقًا مزعزعًا تمامًا» يتعارض مع المصالح الإيرانية كليًا.
وعلى الرغم من هذه المشاكل الواضحة حول أمور القيادة والسيطرة؛ فقد أدرك «دورسي»، أن طهران «ليست على وشك التخلص من حلفائها» في العالم العربي؛ لأنهم لا يزالون يمثلون «نفوذًا مهمًا» لقوتها في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في لبنان، والعراق. ومن وجهة نظره، فإنه لا تزال جماعات، مثل «حزب الله» و«حماس»، ذات أهمية لا يستهان بها بالنسبة لها؛ لأنها ستجبر إسرائيل على القتال على جبهتين أو ثلاث جبهات إذا «قامت بضرب المنشآت النووية الإيرانية»، بينما أقر «شتاينبرغ»، بأهمية المليشيات العراقية بالنسبة لطهران، خاصة دورها في تأمين «الجسر البري» بين البلدين، والذي يتدفق من خلاله أعداد هائلة من الأفراد والعتاد والسلاح.
وإثباتًا لخطورة هذا التهديد، أضاف «شتاينبرغ»، أنه منذ عام 2017، نفذت إسرائيل العديد من الهجمات في كل من سوريا والعراق؛ بهدف «وقف» مبادرات التوسع الإيرانية. وفي ديسمبر2021، شنت غارتين جويتين على ميناء اللاذقية السوري، استهدفتا شحنات أسلحة إيرانية. كما شهد عام 2022، «سلسلة من الهجمات»، بعد الذكرى الثانية لاغتيال سليماني، والتي، وفقًا لـ«جون جامبريل»، من وكالة «أسوشيتد برس»، أظهرت «اليد الطولى للمليشيات الموالية لإيران». وشملت الهجمات استيلاء المتمردين الحوثيين على سفينة ترفع العلم الإماراتي في البحر الأحمر، وهجوم بطائرة بدون طيار على مطار بغداد، فضلاً عن هجوم سيبراني على صحيفة إسرائيلية.
وتُظهر هذه الهجمات مدى التفضيل المستمر من قبل إيران لشن هذه الهجمات من قبل قواتها العاملة بالوكالة، كونها تريد إرسال رسائل معينة لخصومها من دون أن تتعرض لمخاطر الحرب التقليدية تحت أي ظرف. وفي السياق ذاته، أوضح «حمدي مالك»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن إيران «تحاول إظهار أنها تنتقم»، لمقتل سليماني، لكنها «في نفس الوقت»، تثبت «أنها لا تريد حقًا بدء حرب مع خصومها».
على العموم، فإنه على الرغم من أن توسع إيران في الشرق الأوسط عبر مليشياتها العاملة بالوكالة، يبدو أنه قد وصل إلى حالة من التوقف والركود، فإن التهديد الذي تمثله تلك الجماعات، على الاستقرار في المنطقة لا يزال خطيرًا. ومع أن الخلل السياسي في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات المدعومة منها، قد أدى إلى مقاومة وردود فعل عنيفة في السنوات الأخيرة، لكن القوة العسكرية الثابتة لجماعات، مثل «حزب الله»، ونظرائها في العراق، تجعل من غير المرجح أن يتم طردهم أو التخلص منهم بالقوة الشعبية وحدها، وذلك كما يتضح من القمع العنيف للحركات الاحتجاجية الشعبية الأخيرة.
وبالمثل، فإنه على الرغم من أن طهران ربما تكون قد عانت من «تراجع مستوى تأثيرها على المليشيات التابعة لها نوعًا ما في العراق، فلا يوجد حاليًا دليل على أنها تسعى لإنهاء اعتمادها المستمر منذ عقود على تلك القوات، وخاصة أن الموجة الأخيرة من الهجمات في يناير 2022، تشير إلى أنها ضاعفت من جهودها في هذا الصدد على الرغم من الإخفاقات والانتكاسات المذكورة أعلاه.