top of page

22/1/2022

هل تجبر أزمة «حفلات كورونا» جونسون على الاستقالة؟

وسط الجدل المستمر حول تعامل حكومة المملكة المتحدة مع جائحة كورونا، وعملية الإغلاق الوطني، والخسارة المحرجة في الانتخابات الفرعية أمام الحزب الديمقراطي الليبرالي، عانت رئاسة الوزراء، بقيادة بوريس جونسون, من سلسلة أخرى من الصدمات الداخلية في بداية يناير 2022، بعدما أضحى السلوك الشخصي للمسؤولين الحكوميين -بمن فيهم رئيس الوزراء نفسه- خلال مراحل الإغلاق موضع تساؤل كبير.

 

وتطورت، على وجه الخصوص، استضافة الحفلات والتجمعات الاجتماعية في البرلمان من قبل المسؤولين الحكوميين -بما في ذلك ما حدث في مقر الحكومة وحضره رئيس الوزراء- إلى أزمة سياسية كبرى تثير انتقادات واسعة النطاق, وسط الانقسام السياسي البريطاني. وعلى الرغم من عدم تأثير الموجة الأولى من الجدل التي وقعت خلال فترة رئاسة جونسون؛ فإنه من الصعب إنكار التأثيرات السلبية لما حدث مع احتفال مسؤولي البرلمان في الوقت الذي كانت بقية البلاد تعيش تحت تدابير إغلاق صارمة. ومع ذلك، فقد اصطف أعضاء حكومته وبعض نواب البرلمان خلفه؛ ولم يكن هناك أي بادرة بشأن استعداده لمغادرة الحكومة، وخاصة أن لديه خبرات سابقة فيما يخص احتفاظه بالمنصب في وقائع مماثلة.

 

يأتي هذا الجدل في أعقاب إطلاق محطة آي تي في, أوائل يناير 2022، نسخة مسربة من رسالة بريد إلكتروني، أرسلها مارتن رينولدز, السكرتير الخاص لرئيس الوزراء، إلى أكثر من أربعين شخصًا، والتي دعا فيها جونسون زملاءه في الحكومة إلى حفلة في حديقة مقر الحكومة. وعُقد الحفل في 20 مايو 2020، أثناء ذروة أول إغلاق لفيروس كورونا. وفي مجلس العموم، ردا على سؤال لرئيس الوزراء في 12 يناير 2022، أكد أنه حضر الحدث مدة نصف ساعة تقريبًا, وأبدى اعتذاره عن ذلك، لكنه أصرّ أيضًا على أنه حدث عمل.

 

وفيما يخص تلك التجمعات، تم الكشف عن أن المسؤولين الحكوميين نظموا عدة تجمعات مماثلة في انتهاك واضح للقواعد الخاصة، بشأن التفاعلات الاجتماعية. وتشمل تلك التي نظمها جافين ويليامسون وزير التعليم السابق، وفعالية لوزارة الخزانة، وحدث لمساعد جونسون السابق كليو واتسون, وحدث بمقر حزب المحافظين في ديسمبر 2020.

 

علاوة على ذلك، كشفت صحيفة الديلي تليغراف عن عقد اجتماعين منفصلين في الليلة التي سبقت جنازة الأمير فيليب في أبريل 2021، بمناسبة مغادرة عضوين من فريق جونسون، هما مدير الإعلام وأحد المصورين.

 

وعلى الرغم من اختلاف الإرشادات التي وضعتها الحكومة، بشأن التجمعات الاجتماعية خلال الأوقات التي وقعت فيها مثل هذه الأحداث؛ فإن الحديث عن قيام المسؤولين بعقد مثل هذه التجمعات أصبح مادة إخبارية تحظى بتغطية واسعة. ومما زاد من حدة الأمر إجبار سايمون كيس في ديسمبر 2021 -الذي كان حينها أكبر موظف مدني- على التنحي عن دوره في التحقيق في مثل هذه الفعاليات، عندما تم الكشف عن أنه حضر بنفسه إحداها في ديسمبر 2020. وأصبح التحقيق الآن في أيدي سو جراي كبيرة موظفي الخدمة المدنية، والتي ستنشر تقريرًا عن نتائج ما توصلت إليه في الأسابيع المقبلة. وعليه، وصف توم ماك تاغ من مجلة ذي أتلانتيك الواقعة بأنها فضيحة سياسية ذات قوة غير عادية، وجدت صدى قد يُجبر جونسون على ترك منصبه, في حين كتب آشلي كوبيرن وجو سومرلاد, في صحيفة ذي إندبندنت, أن رئيس الوزراء أصبح الآن في مواجهة واحدة من أكثر اللحظات خطورة من الناحية السياسية في رئاسته.

 

وكما أوضح تاغ, فإنه بينما، بموجب الإرشادات البريطانية، لم يُسمح للأفراد العاديين إلا بمقابلة شخص آخر في الخارج، اجتمع المسؤولون في الحكومة معًا للتواصل الاجتماعي. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة يوجوف في 15 يناير أن 63% من الناخبين يعتقدون أن على جونسون الاستقالة. ولتوضيح هذا الاتجاه العام، وثقت لورا كوينسبرغ, في بي بي سي, أن هذا الضغط السياسي يتعلق بمعالجة الحكومة لهذه القضية برمّتها، والظهور المتكرر للادعاءات، والقرارات الصادرة عن جونسون.

 

علاوة على ذلك، زعم تاغ أنه إذا كان تقرير جراي وجد جونسون مسؤولا شخصيًا عن انتهاك القانون، فإن الضغط عليه للمغادرة قد يصبح أمرًا لا يمكن تصوره. وبالمثل، علق كوبيرن وسومرلاد على ذلك بقولهما: إذا وجد التحقيق مخالفات واضحة بحق رئيس الوزراء فإن الدعوات إلى استقالته ستتصاعد أكثر. ومع ذلك، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أنه في حين أن النتائج النهائية التي ستتوصل إليها جراي, من المتوقع أن تكون شديدة الانتقادات، فمن غير المتوقع أن يتم إلقاء اللوم على جونسون بشكل مباشر في ذلك، وبالتالي منحه مهلة ممكنة.

 

ومع ذلك، فإن سلوك جونسون الشخصي خلال هذه الفضيحة، وتحديدا إصراره في ديسمبر 2021 على أن كل التوجيهات تم اتباعها بالكامل بالحكومة، وادعاء أن أولئك الذين تم تصويرهم في تجمع 20 مايو 2020، كانوا يعملون في ذلك الوقت، قد عجل بحدة الانتقاد لقيادته. وجاء النقد الرئيسي من حزب العمال المعارض، حيث قال كير ستارمر زعيم الحزب إن جونسون خالف القانون، ثم كذب بشأن ما حدث, مضيفا أن البلاد الآن ينتابها حالة من الشلل، بسبب ضعف رئيس الوزراء, وأنه من المصلحة الوطنية أن يستقيل، في حين وصفه بأنه مشهد مثير للشفقة لرجل يتخبط, مؤكدا اعترافه بأنه لا قيمة له, بعد شهور من الغش والخداع. فيما دعاه إد ديفي من حزب الديمقراطيين الأحرار، وإيان بلاكفورد من الحزب القومي الاسكتلندي، إلى الاستقالة.

 

وتسببت هذه الفضيحة داخل حزب المحافظين في مزيد من الانقسامات. وادعى النائب أندرو بريدجن أن جونسون فقد المبادئ الأخلاقية لقيادة حكومته. في حين صرح النائب تيم لوتون بأن سمعته تعرضت لأضرار جسيمة, فيما أوضح ويليام وراج نائب رئيس لجنة 1922 البرلمانية أن نواب حزب المحافظين لا يمكنهم الدفاع عنه دائمًا, كما دعاه دوجلاس روس, زعيم حزب المحافظين الاسكتلندي، علنًا إلى الاستقالة، مدعيًا أن توليه منصبه لم يعد قابلاً للاستمرار أكثر. وأثارت هذه الانتقادات غضب زعيم مجلس العموم، والعضو البارز في حزب المحافظين، جاكوب موغ, الذي وصف روس بأنه شخصية خفيفة الظل.

 

وعلى الرغم من أن عدد النواب المحافظين، الذين طالبوا علنًا باستقالة جونسون، لا يزال محدودًا، فقد اعترف الكثيرون بحالة الغضب العام حيال حضوره حفلات أسبوعية نظمها موظفوه خلال الجائحة. ووصف زعيم حزب المحافظين السابق إيان سميث عقد تلك الحفلات بأنه أمر لا يغتفر, وانتقد أيضًا ثقافة العمل في قصر وايت هول مقر الحكومة؛ لكونها باتت تتسم بالإهمال والتراخي. وعلق أوليفر دودن رئيس حزب المحافظين، قائلاً: لقد كنت غاضبًا حيال ذلك الأمر، وكذلك الناخبون في دائرتي، والبلاد بأكملها شعرت بالغضب.

 

ومع كل ردود الفعل التي تلقاها جونسون, فقد كان هناك دعم له، وإن كان محدودًا نوعًا ما. وجاء معظم الدعم من وزير الصحة ساجد جاويد, الذي قال: إن رئيس الوزراء فعل الشيء الصحيح من خلال تقديم الاعتذار, بينما أيد وزير العدل دومينيك راب رواية جونسون الواضحة لأحداث ووقائع الاحتفالات في مقر الحكومة. وصرحت وزيرة الثقافة نادين دوريس بأنه يجب السماح الآن بالتحقيق في وقوع هذه الأحداث وإثبات الحقائق الكاملة وراءها. من جانبها، لاحظت وزيرة الخارجية ليز تروس أن جونسون كان واضحًا جدًا بشأن ارتكابه تلك الأخطاء, مؤكدة أنها تدعمه بنسبة 100% في مواصلة توليه مهام منصبه, وصرح وزير التعليم نديم الزهاوي بأنه إنسان وكلنا نرتكب أخطاء, وأصر على أن يظل في منصبه. ومع ذلك، فقد أشار آشلي كوبيرن, وجو سومرلاد, إلى أن الدفاعات والمبررات, التي قدمها وزراء الحكومة، صدرت من دون قدر كبير من الانضباط والدقة الواضحة.

 

وربما كان الضامن الأهم لبقاء جونسون في الحياة السياسية هو أن العديد من نواب البرلمان دافعوا عنه، داعين إلى انتظار نتيجة تحقيق جراى, قبل إصدار حكم نهائي بشأن مصيره. وأقر وزير الصحة السابق ستيفن هاموند بأن جونسون أظهر بعض الشفافية في الاعتراف بخطئه, بينما انتقد نائب محافظ آخر، وهو كريس فيلب, المعارضين السياسيين لتبني كثير من الاستنتاجات, بشأن مخالفات رئيس الوزراء، قبل إصدار تحقيق نهائي في هذا الصدد. ودافع أوليفر دودن رئيس حزب المحافظين أيضًا عنه باعتباره كان محقًا في إظهار ندمه, وأوصى بضرورة اتخاذ خطوات لضمان أن نعالج طبيعة وثقافة العمل التي أتاحت عقد حفلات بمقر الحكومة, مضيفا أنه يجب بالطبع أن يظل رئيس وزرائنا.

 

من جانبه، لم يقدم جونسون أي إشارة تدل على استعداده للاستقالة، أو حتى التعليق على هذا الأمر. ولاحظ كوبيرن وسومرلاد أنه سيحاول تجاوز العاصفة الحالية, ومن غير المرجح أن يستقيل من تلقاء نفسه. علاوة على ذلك، فإنه خلال مكوثه فترة عامين ونصف العام في منصبه، اجتاز عدة عواصف سياسية، مرتبطة بعدد من الفضائح السياسية والقضايا المتعلقة بسوء إدارته لأزمة كورونا، فضلاً عن المزاعم المرتبطة بسلوكياته الشخصية وغيرها. وعلى الرغم من تضرر الرأي العام بشدة من كل تلك القضايا، فإن الحكومة صمدت واستمرت، وفي كل قضية منها تتلاشى التوقعات باستقالته.

 

ومع ذلك، أشار كوبيرن وسومرلاد أيضًا إلى أن دور حزب المحافظين نفسه سيكون مؤثرًا في هذه القضية، إذ يتمتع الحزب بسجل قاسٍ من الإطاحة برؤساء فقدوا تأييدهم الانتخابي, مثلما حدث مع تيريزا ماي, كما أن الالتماسات التي يستوجب تقديمها من قبل 54 نائبًا محافظًا إلى رئيس لجنة 1922 ستكون وحدها قادرة على الإطاحة بجونسون من منصبه، ونظرًا إلى أن ستة نواب محافظين فقط قد أعربوا علنًا عدم ثقتهم برئيس الوزراء، فإن احتمال الإطاحة به يبدو غير مرجح, على الرغم من الأضرار السياسية الذي حدثت لحزبه.

 

على العموم، يبدو أنه في حين أن الضغوط السياسية على جونسون كثيرة حاليًا، فإنه لا توجد إشارة مؤكدة أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس للوزراء، أو أنه سيتم عزله عن طريق تصويت بحجب الثقة من أي من أعضاء حزبه أو حتى مجلس العموم. وعلى الرغم من أن قدرته على تجنب التداعيات السياسية لفضائحه جديرة بالملاحظة والإشادة؛ فإنه مع الأضرار السياسية الطويلة المدى التي سببتها هذه القضية مؤخرا، إلى جانب القضايا الأخرى، التي وقعت أحداثها خلال العامين الماضيين، قد تتقلص شعبية حزب المحافظين ويفقد دوائر التأييد الخاصة به مستقبلاً. ومع ذلك، تظل تلك التحليلات دليلاً على أن جونسون سيظل رئيسًا للوزراء خلال الفترة المقبلة.

{ انتهى  }
bottom of page