top of page

26/1/2022

خيارات واشنطن في التعامل مع إيران حال فشل مفاوضات فيينا

بعد ستة أشهر من المفاوضات لتحقيق عودة إيرانية وأمريكية إلى «الاتفاق النووي» لعام 2015، تدخل محادثات فيينا مرحلتها النهائية، وهو ما أوضحه «باتريك وينتور» في صحيفة «الجارديان» بأن «العد التنازلي بدأ الآن»، لأنه في حالة عدم التوصل إلى حل خلال الأسابيع المقبلة سيُترك الشرق الأوسط في مواجهة «عدم اليقين» بشأن مستقبل تطلعات إيران النووية.

 

وفي يناير 2022، بدأ استئناف الجولة الثامنة من المفاوضات. ومع إضافة طهران العديد من المطالب المتكررة، تم إبطاؤها إلى حد كبير، منذ استئنافها لأول مرة عام 2021. ومع اقتراب الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق؛ انقسمت آراء المحللين، بشأن احتمالية نجاح هذه المفاوضات، وكيف يجب أن تكون الاستراتيجيات الأمريكية والأوروبية، حال انهيارها بشكل نهائي.

 

ومع استئناف المحادثات في أوائل يناير 2022، كان هناك حالة من التشاؤم، وخصوصا في ضوء تعليق الحوار بين جميع الأطراف في ديسمبر2021، بعد قرار إيران التراجع عن التنازلات السابقة والمطالبة بتعديلات جديدة، فيما تم الاتفاق عليه بالفعل، فضلا عن تحقيقها تقدما كبيرا في برنامجها النووي في الفترة الفاصلة بين التراجع والاستئناف. ووفقًا لـ«ستيفن إيرلانجر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، ألقى المفاوضون باللوم في هذا الانهيار على «إيران»، ورغبتها في «الحفاظ على بعض الاستثمارات الكبيرة»، التي تمت لبناء أجهزة طرد مركزي متقدمة، وتخصيب اليورانيوم. وأدان وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلينكين»، «عدم جديتها في القيام، بما هو ضروري للعودة إلى الاتفاق».

 

ووفقًا لـ«كريستينا لو»، في صحيفة «فورين بوليسي»، فإن «هذه الانتكاسات أدت إلى إجهاد المسؤولين الغربيين من أجل تحقيق تقدم». ووصف «أحمد الشرعي»، في مجلة «ناشيونال إنيرست»، إيران، بأنها «تتقدم نحو امتلاك أسلحة نووية»، وأنها «لا تهتم كثيرًا بتحقيق انفراجة دبلوماسية»، وحذر أيضًا من أن «هناك خطرًا الآن يتمثل كونها تسعى لاتباع «سياسة حافة الهاوية» في المحادثات المستقبلية، حيث تشعر أنه «لم يعد لدى الولايات المتحدة الكثير مما يمكن القيام به على جبهة العقوبات». وفي تأكيد على هذا، أشار إلى أن المرشد الأعلى الإيراني، «علي خامنئي»، لم يبد أي استعداد لتقديم التنازلات، وبدلاً من ذلك، كانت لغته عدائية بشكل كبير عند التطرق للمفاوضات، بما في ذلك وصفه القوى الغربية بـ«الأعداء».

 

وفي شرح «للنقاط العالقة» في المفاوضات الحالية؛ تحدثت «فرناز فاسيحي»، و«لارا جاكس»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، عن استمرار الخلافات حول ماهية العقوبات، التي يجب على واشنطن، رفعها عن إيران وما هو المقابل الذي ستقدمة الأخيرة. وفي حين أن التوقعات لا تزال منخفضة، إلا أنه كان هناك تفاؤل لدى مسؤولين غربيين، بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق. وعلى سبيل المثال، أشار المتحدث باسم «الخارجية الأمريكية»، «نيد برايس»، إلى «تقدم متواضع»، تم إحرازه عام 2022 حتى الآن. وبالمثل، أشار وزير الخارجية الفرنسي، «جان إيف لودريان»، إلى أنه «تم إحراز بعض التقدم الأيام الأخيرة. وعلق «جون آيرش»، من «رويترز»، أن هذه التعليقات من كبار المسؤولين، تعكس طموحاتهم لتحقيق «انفراجة بحلول نهاية يناير أو أوائل فبراير».

 

واعترافًا بذلك، كتب «جو سيرينسيون»، من «معهد كوينسي»، و«جيف ويلسون»، من «مجلس من أجل عالم صالح العيش»، أنه كانت هناك «مؤشرات على التقدم» مؤخرًا؛ وذلك على الرغم من أن «المحادثات مع الإيرانيين كانت بطيئة». واستنتجت «كريستينا لو»، أن هناك «خيارًا آخر، وهو صفقة نووية جزئية»، حيث يبدو أن المسؤولين الغربيين، قد «وازنوا بين عرض تخفيف طفيف للعقوبات على طهران»؛ مقابل «تقليصها لمشاريعها النووية» بطريقة مشابهة لاتفاقية «جنيف» المؤقتة حول البرنامج النووي الإيراني لعام 2013». وعلى الرغم من هذا، يُعتقد أن طهران تعارض هذا الإطار أيضًا. ولاحظ «وينتور»، أنه، كما تبدو الأمور، فإن الاتفاقية المقترحة «محدودة النطاق للغاية»، بحيث «سينظر إليها على أنها مؤقتة»، وبالتالي تفتح آفاقًا لمحادثات مستقبلية.

 

ومما زاد الأمر سوءًا، كما يرى «دانييل برومبرج»، من «المركز العربي»، أن التوترات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا وحلفائها الغربيين، «تعقد» من المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، وبالتالي الاتفاق النووي الإيراني، موضحا أنه إذا لم تتمكن واشنطن، وموسكو من التوصل إلى تسوية دبلوماسية، «فقد تجد الأخيرة نفسها فجأة أقل ميلًا» إلى «دفع طهران لتقديم تنازلات في محادثات فيينا»، بعد «أن كانت قد أبدت رغبتها في إظهار قدر من المرونة». وبالمثل، أشارت «آنا بورشيفسكايا»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إلى «الدور الرئيسي لروسيا في المفاوضات، وأن تصعيدها الأخير في أوكرانيا، يُلقي بظلال واسعة على المحادثات».

 

وفي ظل الوضع الحالي، أقر «برومبرج»، أن موسكو، قد تعتقد أن «مخاطر الفشل» في فيينا «كبيرة جدًا»، وأن هذا سيؤثر على «محاولتها إقناع طهران بالتراجع عن بعض مطالبها»، محذرا من أنه في حالة «زيادة سخونة الأزمة الأوكرانية»، فلن يكون هناك دافع قوي لـ«حث إيران نحو حل وسط». وفي 30 ديسمبر 2021، حذر الرئيس الروسي، «بوتين»، الرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، من أن فرض عقوبات حول سياساتها على حدودها مع أوكرانيا؛ سيؤدي إلى «قطع كامل للعلاقات»، وهو الأمر الذي وصفه «جون إراث»، من «مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار»، بأنه «ابتزاز نووي». وخلصت «بورشيفسكايا»، إلى أن توقع قيام روسيا بـ«انتقاد إيران بشأن القضية النووية»، ليس بالسيناريو الواقعي الذي يجب أن يعتمد عليه الغرب».

 

ومع وجود الكثير من الغموض حول «مفاوضات فيينا»، أشار محللون غربيون إلى أن «واشنطن»، تدرس الآن خياراتها المستقبلية. وصرح مسؤول كبير في «الخارجية الأمريكية»، في ديسمبر 2021، أن الولايات المتحدة «تتخذ قرارات»، وهي مستعدة «لعالم لا عودة فيه» إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. وكتبت «كارين يونج»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن إدارة بايدن لم «تستبعد العمل العسكري» ضد إيران، على الرغم من أنها «أكدت» أن لديها العديد من «الخيارات» تحت تصرفها».

 

وأشار كل من «فاسيحي»، و«جاكس»، إلى أن إدارة بايدن «تفضل حلاً دبلوماسيًا» للقضية النووية، باعتباره بديلاً لـ«المواجهة العسكرية المحتملة». وأوضحت «يونج»، أن هذه المواجهة، حال وقوعها، ستشمل عدة إجراءات، من بينها فرض«عقوبات أمريكية إضافية» على طهران، بما في ذلك استهداف صادراتها النفطية إلى الصين، وهو أمر أشارت إليه واشنطن، بأنها «تغض الطرف عنه إلى حد كبير حتى الآن». وهناك تأكيدات تشير إلى أن هذه الإجراءات، ستكون بالإضافة إلى إعادة فرض العقوبات الدولية، التي تم رفعها بعد إبرام الاتفاق النووي عام 2015.

 

وبالنظر إلى حجم التداعيات الأمنية لامتلاك طهران أسلحة نووية، من دون أي ضوابط أو قيود غربية كافية؛ بدأ المحللون والخبراء السياسيون الآن في التعبير عن دعمهم لشكل من أشكال العمل العسكري ضد إيران. وكتب «مارك دوبويتز»، من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، و«ماثيو كرونيغ»، من «المجلس الأطلسي»، أن «الخطوط الحمراء التي قد تفتح الباب أمام اعتماد خيار المواجهة العسكرية»؛ ستتحدد عندما يتقلص الجدول الزمني لتطوير إيران سلاحها النووي، إلى أقل من وقت استجابة البنتاجون لتلك الخطوة، وهذا يعني أن هذا الخيار سيأتي في النهاية، بعد فشل كل المفاوضات الدبلوماسية»، وعندما يحين هذا الوقت، سيضطر الرئيس الأمريكي»، أن يأمر بضربات عسكرية، ضد منشآت طهران النووية« فورًا».

 

ومع ذلك، لا يزال المحللون الآخرون يشككون في مدى فعالية الضربات العسكرية لعرقلة تطوير الملف النووي الإيراني، جراء عدم تحقيقها أي نتائج إيجابية حال حدوثها على أرض الواقع. وانتقد كل من «سيرينسيون»، و«ويلسون»، طريقة معالجة الملف النووي بالقوة العسكرية التقليدية، واعتبارها «حلا سحريا تقريبًا» للتحديات الجيوسياسية»، كما أن هذه الضربات «تتطلب جهودًا قصوى «ليتم إجراؤها بنجاح من دون أدنى فشل. وحذر «بول بيلار»، من «جامعة جورج تاون»، من الإقدام على التصعيد الاستراتيجي للخيار العسكري، مشيرًا إلى أن السنوات التي أعقبت تخلي الرئيس الأمريكي السابق، «ترامب» عن تنفيذ الاتفاق النووي، «أظهرت جيدًا أنه حتى سياسة الضغط باءت بالفشل».

 

وبالمثل، أكد «بيلار»، أن كلا الجانبين «الأمريكي والدول الغربية الأخرى من جانب، والإيراني من جانب آخر «لا يزال لديهما حوافز للتوصل إلى اتفاق»، وأن «احتمالية التخفيف من العقوبات الاقتصادية الصارمة»، لا يزال يمثل حافزًا قويًا لإيران؛ للبقاء على طاولة المفاوضات، موضحا أن «شن حرب جديدة في الشرق الأوسط»، ستكون أسوأ للولايات المتحدة وحلفائها، من العواقب التي قد تلحق بطهران، سواء كان ذلك حال قيامها بتطوير أسلحتها النووي، أو لا، بسبب «الطرق العديدة»، التي يمكن لها «الرد بها على خصومها من دول المنطقة في مثل وقوع هذا الاحتمال».

 

واستمرارًا لذلك، شكك بعض المحللين في أن طهران بالفعل قاربت على حيازة أسلحة نووية متطورة، جراء التقدم في برنامجها النووي في الأشهر الأخيرة. وصرح مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، «وليام بيرنز»، أنه «لا يرى أي دليل على أن المرشد الأعلى لإيران، قد اتخذ قرارًا بتطوير الأسلحة النووية بالدرجة القصوى». ويؤكد هذا الرأي، ما كتبه «كولوم لينش»، في مجلة «فورين بوليسي»، من أن هناك عددا من «العقبات التكنولوجية الجوهرية، التي يجب على طهران التغلب عليها «للوصول إلى برنامج أسلحة نووية يعمل بكامل طاقته»، بما في ذلك تطوير رأس حربي نووي، ونظام صاروخ باليستي قادر على إيصال هذا الرأس إلى هدف بعينه، فضلا عن إجراء اختبار ناجح لكل تلك المكونات حال تشكيلها. وأوضح «سهيل شاه»، من «شبكة القيادة الأوروبية»، أن «مستويات اليورانيوم العالي التخصيب لديها مازالت محدودة، ناهيك عن أن عامل الوقت، المنوط بتصميم أو تصنيع أو تجميع مكونات القنبلة، أو «الصاروخ الباليستي النهائي نفسه»، هو أيضًا القادر على تحديد مدى استعدادها للحصول على القنبلة النووية، وهذا العامل ليس في صالحها في الوقت الراهن».

 

على العموم، مع دخول المفاوضات النووية في فيينا أسابيعها الأخيرة؛ أظهر المفاوضون الغربيون علامات محدودة على التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق، بسبب العديد من العراقيل الناجمة عن المطالب والشروط والضمانات الإيرانية المتكررة. وعليه، فإن إبرام اتفاق لاستعادة الإطار السابق لعام 2015، يعد بعيدا كل البعد عن حدوثه، وحتى في حال الاتفاق على «إطار جديد»، سيكون أقل شمولاً، وبالتالي، يتطلب الأمر ترتيب مزيد من المفاوضات.

 

وبالنظر إلى حجم العقبات التي تعترض هذا الاتفاق، فإن إدارة بايدن وحلفاءها يفكرون فيما هي خطواتهم التالية، إذا رفضت إيران تقييد طموحاتها النووية. وعلى نطاق واسع، يُعتقد أن الملاذ الأكثر ترجيحًا للرد على ذلك، هو تنفيذ المزيد من العقوبات، على الرغم من أن واشنطن لم تستبعد رسميًا اللجوء إلى الخيارات العسكرية التقليدية، ولعل هذا الأمر الأخير، هو ما أثار جدلًا كبيرًا بين المحللين، حول مدى الخطورة المتمثلة في التهديد النووي الإيراني، ومدى فعالية الضربات العسكرية المحتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية في الوقت الراهن.

{ انتهى  }
bottom of page