top of page

26/1/2022

مستقبل العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي

يجمع الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي العديد من المصالح المشتركة في مجالات، كالاقتصاد، والطاقة، والمناخ، والأمن، والتي تفتح آفاقا عديدة للتعاون الجاد والهادف. وعلى الرغم من ذلك، فقد شاب الركود مستوى التكامل بين الجانبين في السنوات الأخيرة، وثبت أن التعاملات المتعددة الأطراف الرسمية بعيدة المنال.

 

وفي إدراك لأهمية هذه القضية، عقد «معهد بروكينجز»، ندوة، بعنوان «العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والخليج.. رسم طريق المستقبل»؛ بهدف بحث مستقبل التحالف بين الجانبين، والعوائق التي تحول دون إقامة علاقات أكثر رسوخًا، أدارها عادل عبدالغفار من برنامج السياسة الخارجية بالمعهد، وشارك فيها كورتني فرير من برنامج سياسات الشرق الأوسط بالمعهد، وسيلفيا كولومبو من معهد الأعمال الدولية، وعمر العبيدلي من مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة.

 

في البداية، أشار عبدالغفار إلى ميل الدول الأوروبية لتجاوز موضوع تعددية الأطراف في تعاملاتها مع دول الخليج، وعلى هذا النحو أوضح أن الوضع الافتراضي للتفاعل بينها وبين دول الخليج هو أن تبقى على المستوى الثنائي.

 

وحول تعددية الأطراف بين أوروبا والخليج أكدت كولومبو أن هذا الموضوع يتطور باستمرار. وفي تقييمها للعلاقات متعددة الأطراف بين الطرفين، رأت أن عملية تعزيز هذه العلاقات قد فشلت حتى الآن حيث كانت الأسبقية لـ«الأجندات الوطنية» التي تركز على القضايا الاقتصادية والمالية، وأن هذا جاء على حساب المشاركة الشعبية بين الكتلتين، كما أن التفاعلات الأوروبية مع الخليج، كانت إلى حد كبير على المستوى الحكومي. ومن ثمّ، أكدت أن هناك تاريخا طويلا من الفشل في العلاقات بين الكتلتين، الأمر الذي عزز انعدام الثقة المتبادل، وعرقل إمكانية التعاون الوثيق. ومع ذلك، أقرت بالجهود المبذولة لتأسيس حقبة جديدة من المشاركة بينهما، لكنها أوضحت أن التقدم الحقيقي لا يزال صعب المنال، وخاصة أن التوقعات لم تقابلها نتائج ملموسة.

 

وتعليقًا على آفاق التعاون الأمني على وجه التحديد، أوضحت أن الخليج يمثل معضلة بالنسبة إلى أوروبا، التي ترى أن المشاركة في المنطقة مخاطرة أكثر منها فرصة، وأرجعت ذلك إلى عدد من العقبات؛ تشمل المشاكل الداخلية، والطريقة التي ينفذ بها الاتحاد الأوروبي سياسته الخارجية والأمنية، وحقيقة أن ديناميكيات الأمن في الخليج لا تُترجم إلى تهديدات فورية لأوروبا؛ وبالتالي لا تعتبر مهمة من الناحية الاستراتيجية، مقارنة بالتحديات الأخرى الأكثر قرباً إلى الوطن.

 

ومع ذلك، أوضحت أن العديد من التحديات الأمنية، التي تواجه الخليج تتركز في المنافسة العالمية على الموارد، والتي يدركها الاتحاد الأوروبي جيدًا، كما أكدت أن منطقة الخليج، أصبحت مركز الثقل لأمن الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الاعتراف بذلك من جانب بروكسل، إلا أنها لم تعدل إطار عملها، بناء على ذلك، لكن تظل هناك الآن فرصة أمام الاتحاد الأوروبي لإعادة تقييم مشاركته في الخليج، حيث إن الديناميكيات الإقليمية بدأت في التحول لصالح المزيد من الحوار، والوساطة بين الجهات الفاعلة الإقليمية. وعليه، أوصت بضرورة أن يسعى الاتحاد لتحقيق أولويات واضحة، وأن يدرك أنه يمكنه فقط رعاية ودعم هذه الفرصة.

 

من ناحية أخرى، حذرت كولومبو من أن أي خطوات أخرى يتم اتخاذها يجب أن تأخذ في الاعتبار تعاون الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة، وإذا كان هناك مجال لهما للعمل معًا بشأن قضايا معينة. وعلى الرغم من أن القضايا الأمنية تقع في المقام الأول ضمن نطاق اهتمام واشنطن، فإنها تعتقد أن أوروبا كانت في وضع يمكنها من تقديم مساهمة؛ نظرًا إلى فهمها الأوسع للأمن، والذي يشمل قضايا مثل تغير المناخ، وسياسات الطاقة. ومن وجهة نظرها، يجب أن تتجاوز هذه المساهمات مجرد الحلول السريعة، وأن تتضمن منظورًا طويل الأجل، من أجل إطلاق إمكانات لتعاون وثيق بشكل حقيقي.

 

واختتمت ملاحظاتها، من خلال تحديد ما اعتقدت أنه سُبل للتعاون الأمني على أعلى المستويات، ألا وهو السلامة النووية وعدم الانتشار، وتطوير استراتيجيتها البحرية، معربة عن أملها في أن يتم استخدام الاستراتيجية البحرية، باعتبارها منصة انطلاق لمشاركة أفضل.

 

وفيما يتعلق بالوضع الحالي للعلاقات بين الكتلتين، لاحظت فرير أن طبيعة العلاقات بين التشريعات الأوروبية والخليجية، غالبًا ما يتم تجاهلها لصالح العلاقات التجارية والدفاعية البارزة، وذلك على الرغم من قيام وفود من البرلمان الأوروبي بزيارات مع الهيئات التشريعية في الخليج مدة سنوات. وفي رأيها، تعتبر تنمية هذه الروابط، وسيلة مهمة لخلق تعاون عبر الحدود، وتعزيز أفضل الممارسات التشريعية، وتقوية المعرفة، عبر المجالات المتصلة، مرددة تعليقات كولومبو السابقة، حول أولوية الأجندات الوطنية، وأن المصالح الثنائية تسود حاليًا في الخليج.

 

علاوة على ذلك، علقت فرير، أنه لا تزال هناك مصلحة واضحة داخل الاتحاد الأوروبي لمواصلة تطوير العلاقات مع الخليج، مشيرة إلى تعاون الكويت مع بروكسل في جهود إعادة الإعمار في العراق ووصفتها بأنه مجال يمكن أن تترجم فيه الثنائية إلى تعددية. وتطرقت إلى إمكانات التعددية في الخليج، مؤكدة أن مجالات التعاون آخذة في النمو في أعقاب حل الأزمة الخليجية. كما سلطت الضوء على إمكانية التعاون الاقتصادي، بما في ذلك، تبادل المعرفة بشأن تدابير التقشف، وإحراز تقدم نحو الصفقة الأوروبية الخضراء إلى جانب خطط دول الخليج لخفض انبعاثات الكربون. ومع ذلك، حذرت من أن المحاولات السابقة للمشاركة داخل الهيئات التشريعية، أدت إلى انتقادات من الجانب الأوروبي، بشأن حقوق الإنسان، وهو ما نتج عنه إحباط لتلك الجهود المبذولة، لتعزيز التعاون الوثيق، وأوصت بأن يتعامل المسؤولون الأوروبيون مع مثل هذه القضايا بفهم أكبر عبر حوار موسَّع.

 

وفي حديثه، عن الاحتياجات الاقتصادية الحالية لأوروبا، أوضح العبيدلي، أنه على الرغم من أن بروكسل كانت لديها سياسة واضحة، بشأن توسعها الاقتصادي خارج القارة، فإن حجم الكتلة التجارية الآن كبير جدًا لدرجة أنها باتت تحصل على معظم ما تريده داخليًا. وبناء عليه، خلص إلى أنها لا تحتاج إلى متابعة العلاقات التجارية للأغراض الاقتصادية؛ مما يؤدي إلى أن تصبح التجارة بشكل أكبر أداة لتعزيز الأهداف غير الاقتصادية، مثل تحفيز التعددية، وحقوق الإنسان، وحماية البيئة. وبحسب تحليله، فإن هذا موضوع مهم للعلاقات مع دول الخليج، منذ التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

 

من المنطلق نفسه، أوضح أن التعاون بين دول مجلس التعاون، والاتحاد الأوروبي، يواجه مزيدًا من الصعوبات، حيث إن الأخير الآن مغلول اليدين؛ بسبب القضايا الداخلية، بما في ذلك نقص الطاقة في عام 2021، فضلاً عن استجابته غير المُناسبة لسلوك روسيا العدائي في أوروبا الشرقية. وعلى هذا النحو، رأى أن احتمالية توصله إلى صفقة مع دول الخليج ليست جيدة، حيث لا تزال تلك القضايا ذات أولوية منخفضة، بالنسبة للدول الخليجية، في ذات الوقت، التي تُعد بالنسبة لأوروبا القضايا الأكثر إلحاحًا. وكما لاحظ، فإن بروكسل، لا يمكنها الاتفاق داخليًا على ما ستكون عليه الصفقة الجيدة، وافترض أن الدول بشكل منفرد لا تزال غير واضحة، فيما يتعلق بما تريده من الخليج.

 

وفي رأيه، سيكون هذا بمثابة خيبة أمل للأعضاء ممن يتبنون التوجه نفسه داخل دول مجلس التعاون؛ لأنهم نظروا دائمًا إلى الاتحاد الأوروبي كمثال، نظرًا إلى سجله التاريخي الرائع.

 

ومن وجهة نظر خليجية، أشار إلى أن الكتلة لديها على نطاق واسع، نفس الأهداف، كما كانت من قبل، ولا تزال تستقبل شركاء الأمن الخارجيين، فضلاً عن وجود حاجة متزايدة الآن لسوق اقتصادي أكبر وسط جهود التنويع الاقتصادي. وبينما في الماضي لم يكن هناك سبب مقنع للتعاون الاقتصادي، أصبحت الضغوط الاقتصادية الآن أقوى بكثير بالنسبة إلى دول الخليج، مما يحفزها على زيادة التواصل، مشيرا إلى أن دول الخليج بحاجة إلى دعم دبلوماسي، بعد تقليل الوجود الأمريكي في المنطقة، مدركًا أن الاتحاد الأوروبي يبدو أن لديه بعض النفوذ على إيران، الأمر الذي قد يعود بالفائدة على دول الخليج.

 

بالإضافة إلى ذلك، طرح العبيدلي، بعض أسباب التفاؤل للمضي قدمًا في هذا الصدد منها، أن كافة دول الخليج ستصبح عن قريب مرتبطة بالشبكة الكهربائية الأوروبية، والتي باتت تعمل بشكل جيد؛ لتحقق بذلك مزيدا من التكامل التدريجي مع دول الاتحاد، وإذا تم تحقيق هذا التكامل، فسيكون بمثابة انتصار بمعنى الكلمة للتجارة الحرة المتبادلة والليبرالية الاقتصادية الكلاسيكية، مشيرا إلى الاهتمام المتزايد بالتصدي لظاهرة وتداعيات تغير المناخ من قبل دول الخليج، والتي يمكن أن تثير اهتمام الدول الأوروبية في خضم بحثها عن شركاء قادرين على تلبية أهدافها البيئية، وخاصة أن واشنطن وبكين، تتباطآن في وتيرة التقدم نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة.

 

وعن مجالات الاهتمام التي يأمل الاتحاد الأوروبي، التعاون فيها مع دول الخليج؛ أوضحت كولومبو، أنه لا توجد قضية بعينها يريد الاتحاد التعاون بشأنها، ورغم أن الدول الأوروبية الكبرى، مثل فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، أظهرت أن لديها سياساتها الوطنية الخاصة بها، ورؤيتها للمنطقة تعتمد على الروابط التاريخية والاجتماعية المشتركة، فإنه يوجد داخل الاتحاد الأوروبي إحجام عن تطوير رؤيته الاستراتيجية حيال الخليج، كما لا يوجد دافع جوهري، للمضي قدمًا في هذا الصدد، للقيام بدور رائد في المنطقة. وفي حين أن القضايا الأمنية، من وجهة نظر كولومبو، لا تزال تكتسب الكثير من الأهمية من كلا الجانبين؛ إلا أن مفاهيم التعاون الأمني بينهما مجزأة وغير مترابطة.

 

وعن تأثير المفاوضات النووية الإيرانية، الجارية على الحسابات الاستراتيجية لدول الخليج؛ لاحظت فرير، أن هناك مخاوف من أن تنسحب واشنطن من جانب أحادي مرة أخرى في مرحلة ما في المستقبل. وعلى هذا النحو، فإن دول الخليج، بدأت تتولى معالجة الكثير من القضايا بنفسها بشكل متزايد، بما في ذلك من خلال الحوار السعودي – الإيراني في العراق، وأن هناك رغبة خليجية في عدم انتظار واشنطن للقيام بالأمر، وبدلاً من ذلك، أصبحت تتبني نهجا أكثر فاعلية لسياساتها الخارجية.

 

وحول التصدي لظاهرة تغير المناخ، وتوضيح طموحات دول الخليج في هذا الصدد؛ أوضح العبيدلي، أن هناك ضغوطًا داخلية هائلة في الخليج؛ لتطوير وسائل أخرى بديلة لمصادر الطاقة الراهنة وتنويع الإيرادات على إثرها، حيث بدأت الحكومات تدرك أن بعض الممارسات الحالية غير مجدية اقتصاديًا على المدى الطويل. وخلص إلى أن المتطلبات والضغوط الداخلية تدفع الدول الخليجية إلى معالجة قضية تغير المناخ بجدية.

 

وفيما يتعلق بتصورات واشنطن الحالية، إزاء منطقة الخليج وخططها الاستراتيجية في التعامل معها، نظرًا إلى مستوى مشاركتها في العقود الأخيرة؛ أشارت فرير، إلى أن إدارة بايدن تحاول بوعي حذر، أن تنأى بنفسها عن نهج إدارة ترامب للعلاقات الخارجية مع دول منطقة الشرق الأوسط، مؤكدة في الوقت ذاته أن فكرة انسحاب واشنطن من الخليج مبالغ فيها، لا سيما في ظل وجود قواعدها العسكرية في المنطقة، لكنها مع ذلك قد تعيد صياغة الطريقة، التي تشكل بها ملامح علاقاتها مع دول الخليج.

 

على العموم، قدمت الندوة، نظرة ثاقبة حول الآفاق الحالية للتعاون بين الاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون الخليجي في مجالات الأمن، والاقتصاد، وسبل تطويرها بصورة أكبر، فضلاً عن تناول العراقيل المحتملة التي قد تعوق تقدم هذا التعاون. وكان هناك اتفاق بين المشاركين على أن وتيرة التكامل بينهما قد تعرقلت؛ بسبب تفضيل دول كلا الكتلتين، متابعة التعاون المشترك بينهما في ضوء الصفقات الثنائية فحسب، وهو ما قلل بدوره من أهمية مسار التعاون المتعدد الأطراف، على الرغم من عوائده المربحة المحتملة.

{ انتهى  }
bottom of page