17/2/2022
ماذا يحمل عام 2022 لمنطقة الخليج العربي؟
واجهت دول الخليج والشرق الأوسط عام 2021. عددا كبيرا من التحديات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية المختلفة، من بينها؛ التعامل مع البيئة الأمنية المتوترة التي تسببت فيها إيران ووكلاؤها، وتحديات تغير المناخ، وإدارة السياسات الاقتصادية في ظل حالة عدم اليقين التي سببها فيروس كورونا. ومع بداية عام 2022. تساءل المحللون والمعلقون عن كيف ستكون هذه التحديات في العام الجديد، وما الخطوات المستقبلية المحتملة.
وللنظر في هذا الأمر، نظم «معهد دول الخليج العربية»، بواشنطن، ندوة بعنوان «ماذا يحمل عام 2022 لمنطقة الخليج؟»، بهدف تقديم لمحة عامة عن القضايا التي قد تواجهها المنطقة في العام الجديد، أدارها دوجلاس سليمان، السفير الأمريكي السابق في العراق والكويت، وشارك فيها عمر العبيدلي، من مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، وحسين إبيش، كبير الباحثين بالمعهد، ولوري هايتايان، من معهد حوكمة الموارد الطبيعية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في البداية، وصف سليمان، عام 2021. بأنه عام تنوعت فيه الأحداث في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى «المصالحة الخليجية»، والاستئناف المؤقت للمفاوضات مع إيران، في مقابل التحديات المتعلقة بمكافحة تغير المناخ في المنطقة، والتعامل مع الموجات المتتابعة من الإصابات بفيروس كورونا. ومن جانبه، علق العبيدلي، بأن هناك بعض الأشياء المثيرة للاهتمام التي نتطلع إليها في عام 2022. ولا سيما توقعات النمو للاقتصاد السعودي الآخذ في الارتفاع، وخصوصا بعد الاستثمار في القطاعات التي تم تجاهلها تقليديا، وسيغذي ذلك التحول المستمر في الاقتصاد المحلي، بعيدًا عن اعتماده على البتروكيماويات.
وبالحديث عن الإمارات، أكد أنها تمر بمرحلة فريدة للغاية، بعد أن طبقت إغلاقا محليا فعالا؛ للحد من انتشار فيروس كورونا، فضلا عن أنها أصبحت أيضًا محل جذب كبير لنخبة من الوافدين والعناصر الموهوبة ذات الخبرة القادمة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للاستقرار الدائم فيها. وفيما يتعلق بالبحرين، قال: إن الحكومة حققت أداءً جيدًا للغاية على مستوى القطاع الصحي، وهو الأمر الذي أعطى سياساتها الاقتصادية جرعة إضافية من الثقة والمشروعية، مشيرًا إلى أن خطة النمو الاقتصادي والتوازن المالي الجديدة، سيكون لديها فرصة جيدة حقًا، في أن تُطبق بنجاح من قبل المملكة.
وفي تناوله للقضايا السياسية المالية والإقليمية الأوسع، رأى أن السعودية، كانت ناجحة للغاية في إعادة هيكلة مواردها المالية، بعد أن سجلت فائضًا لربعين متتاليين، ودفعه هذا الأمر إلى توقع أن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ستراقب تقدم الرياض وتتطلع إلى أن تحذو حذوها جزئيا في إعادة الهيكلة الاقتصادية، موضحًا أن عُمان ستُدخل ضريبة الدخل في عام 2022 لأول مرة، بعد أن كانت سابقًا غير مطروحة في منطقة الخليج، وأن عمان ستكون من أول من يخترق هذا الحاجز، وأن بقية دول المجلس تراقب باهتمام كيفية استقبال هذا التغيير اجتماعيا وسياسيا.
ولنظرته المتفائلة، أكد العبيدلي، أنه في عام 2022. ستستمر أسواق الطاقة بقوتها المعهودة، باعتبارها مظهرًا من مظاهر تبني مبادئ ونظريات الرؤى الليبرالية الكلاسيكية للعلاقات الدولية، وأنه في مواجهة عدم الاهتمام الواضح من الولايات المتحدة للتدخل في المنطقة، فإن دول الخليج تستخدم التجارة، لا سيما تجارة الطاقة؛ لإنهاء التوترات وإقامة علاقات بناءة مع الدول الأخرى، مشيرًا إلى أن أحدث مثال على ذلك، كان قرار الإمارات مساعدة الأردن في بناء محطات الطاقة الشمسية، وهو ترتيب كان لا يمكن تصوره قبل عشر سنوات.
وحول كيفية تأثير التحول الوشيك للطاقة في دول الخليج، رأت هايتايان، أن تحول الطاقة يلعب دورًا جيدًا في المنطقة، ما يجبر دول الشرق الأوسط على التفكير في مستقبل الطاقة، فضلاً عن مستقبل الاقتصاد، معتبرة أن التحول بعيدًا عن الهيدروكربونات، هو باب للاستثمار، حيث توجد الآن بيئة سياسية أكثر ملاءمة لربط البلدان معًا. وبينما رأت أن النفط والغاز سيبقيان مكونًا حيويا لاقتصاديات دول الخليج في المستقبل، إلا أنها أقرت أنه تم الاستثمار كثيرًا في مشاريع الطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء. وبالتالي، رأت أن المنطقة تشهد توجهًا جادًا نحو التنويع، وأن ما كان في السابق مجرد خطط، قد تطور الآن إلى أفعال.
وحول آخر التطورات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية، أوضح إبيش، أنه على المستوى الاستراتيجي، يمر الشرق الأوسط الآن بواحدة من أكثر فتراته استقرارا، حيث ينتقل إلى مرحلة تعزيز، ما أسماه حقبة خفض التصعيد، واصفا الحقبة الحالية للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، بأنها توطيد، وتقليص، ومناورة، مع التركيز على الدبلوماسية، والتجارة، والسياسة، بدلاً من المواجهة. ويرى أن المنطقة الآن تجاوزت مرحلة السنتين لهذا التحول، وأن هذا تمثل في زيادة نفوذ بعض القوى، وما قابله من استنفاد واستنزاف قوى العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية، فضلا عن تقليص الولايات المتحدة لوجودها بالمنطقة، وهو ما يستلزم تحولا نحو التنويع الاستراتيجي.
واستكمالا، وصف بعض هذه التحولات، بأنها تغييرات قوية، مثل المصالحة بين قطر ودول الخليج، مؤكدا أن العودة إلى التوترات السابقة غير مرجحة الآن؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين لم تعد عاملا فاعلاً في العالم العربي، وأن هذا المشروع قد انهار تماما كقوة في المنطقة. ونتيجة لذلك، افترض أنه ليس من الصعب على دول الخليج، أن تبنى مرة أخرى علاقات أوثق مع بعضها البعض، وكذلك مع القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا. وبتحليل هذه الجهود الدبلوماسية، حدد نهجًا مشتركًا، فيما بينها للاستفادة من الاستثمارات وقبل كل شيء البنية التحتية؛ لمنح القوى الأخرى من خارج المنطقة الكثير من الحوافز قبل أن تصبح مهيمنة بقوة.
ومع ذلك، كان إبيش، أقل تفاؤلاً، بشأن الحوار مع إيران، مشيرًا إلى أن التقدم كان بطيئًا للغاية حتى الآن، وأن الانهيار المحتمل للاتفاق النووي، يخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة. غير أنه خفف من هذا من خلال توضيح أن هناك الكثير من الدلائل على إمكانية التوصل إلى اتفاق معها، مؤكدا أن دول الخليج، يجب أن تكون مستعدة لانهيار المفاوضات، وأن ذلك يتطلب نظام احتواء من قبل واشنطن وحلفائها ضد إيران، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو سيعيد تركيز الانتباه على الجماعات المسلحة العاملة بالوكالة لإيران في الدول المجاورة، والتي لديها القدرة على إعادة المنطقة إلى جو الصراع.
وفي حديثها عن أنواع المبادرات التي يتم تطويرها في منطقة الخليج وشرق المتوسط، ودورها في خفض التصعيد الإقليمي؛ أوضحت هايتايان، أن هناك اهتمامًا متزايدًا بشبكات الربط الكهربائي، بما في ذلك بين الشرق الأوسط وأوروبا، وأن هذا مؤشر على اتجاه التعاون المستقبلي في مجال البنية التحتية، كما أكدت أهمية المشروع الإماراتي الأردني -المذكور أعلاه- باعتباره مستقبلا لما يمكن أن تبدو عليه الأمور.
وبالمثل، سلط العبيدلي، الضوء على كيفية استمرار هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون، طوال فترة الأزمة الخليجية في العمل بشكل كامل، على الرغم من الخلافات بين الدول الأعضاء، ما يدل على أن مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود، يمكن أن تصمد أمام فترات الضغط الدبلوماسي. وفي حالة دول الخليج، أضاف أن تجارة الطاقة على حد سواء داخل المنطقة ومع الشركاء الخارجيين جذابة؛ لأنها توفر فرصة للتقدم التكنولوجي المحلي، والتي كانت تقتصر تقليديا على صناعة البتروكيماويات.
واستمرارًا لمناقشة موضوع الجهود الدبلوماسية للسياسة الخارجية لدول الخليج، وكيف يمكن لهذه الدول أن توازن في علاقاتها بين الولايات المتحدة والصين؛ أوضح إبيش، أن وزراء خارجية دول الخليج أوضحوا تمامًا أن إحدى أهم أولويات سياستهم الخارجية، هي منع وصول الأمر إلى وقوعهم ضحية حرب باردة بين واشنطن وبكين، قد يُجبروا فيها على الاختيار بين الأولى كشريك استراتيجي رئيسي، أو الثانية أكبر مستورد لها في مجال الطاقة. وفي تحليله، أشار إلى وجود دافع قوي لدى دول الخليج إلى تطوير العلاقات مع الأخيرة للتأكد من أن صوت إيران، ليس الوحيد الذي يُسمع في بكين.
وفي تناوله لهذه النقاط، قال العبيدلي، إن الولايات المتحدة لا تستطيع على ما يبدو أن تبتعد عن دول الخليج، فيما يتعلق بتحديد قراراتها المتعلقة بالسياسة الخارجية، مع أن قدرتها الآن على ممارسة الضغط على تلك الدول تبدو متأثرة حاليًا، موضحًا أن الصين ذاتها، على النقيض من ذلك، ترى الفرص وتبحث عنها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، أكد أن واشنطن لا تزال تمتلك نفوذًا؛ بسبب وجود أصول قوتها الصلبة في المنطقة.
وتعزيزًا للجهود الدبلوماسية الدولية، أشار سليمان، إلى أن الإمارات، مستعدة لبدء مرحلة جديدة تزامنًا مع تقلدها مقعدها، غير الدائم، في مجلس الأمن، وعليه سأل عن الكيفية التي يُتوقع بها أن تستخدم هذا المقعد المؤثر إقليميا وعالميا. وردًا على ذلك، رأى إبيش أن اختيارها لتولي هذا المقعد مناسب تمامًا، جراء أدوارها البارزة والسابقة تحت أروقة مجلس الأمن، على الرغم من اعترافها بأن نجاحها النهائي سيكون مرهونًا قليلاً بتعاون الآخرين معها، مؤكدا أنها ستكون قادرة، ليس فقط على تزويد مجلس الأمن بالرؤى العربية حيال الكثير من القضايا، ولكن أيضًا برؤى تنسجم توجهاتها مع الاتجاهات الدولية.
وبالعودة إلى دور مشروعات البنية التحتية في تعزيز التعاون وخفض حدة التصعيد، شكك سليمان في احتمالات أن يكون هناك أي مجال للمشاركة الإيرانية في مثل هذه المبادرات أو المشروعات. واعتبر العبيدلي، أن هذا السيناريو غير مرجح، مشيرًا إلى سمعتها السيئة كـ«شريك استثماري»، وهو ما اتضح جليا في تعاملها مع شركات النفط العالمية، لكنه اعترف بأن التجارة في السلع والخدمات المختلفة أمر مطروح على الطاولة بين الخليج وطهران، وأن هذا يمكن أن يلعب دورًا في الحد من الكراهية المتبادلة بين إيران والدول المجاورة لها.
أما عن مسألة «أوبك بلس» ودور دول الخليج في هذا التحالف، فقد أوضحت هايتايان، أهمية استمرار الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية بالنسبة إلى دول الخليج حتى تتمكن من الاستمرار في جذب العديد من الاستثمارات لتسهيل انتقال الطاقة بطريقة أكثر استدامة، كما بينت أن سجل التعاون بين الدول الأعضاء في «أوبك بلس» على مدى العامين الماضيين أثبت نجاحه، بعد أن اجتاز الأزمات الصعبة خلال فترة انتشار الوباء. ومع ذلك، أشارت إلى أن استمرار حالة الاستقرار لدى أعضاء المنظمة، يعتمد إلى حد كبير على مسار التدابير الروسية ضد أوكرانيا، وأنه لا يزال غير واضح، ماذا سيكون موقف دول الخليج إذا قادت موسكو توغلاً عسكريًا لأوكرانيا عبر حدودها الغربية.
على العموم، قدمت الندوة تحليلاً شاملاً، للاتجاهات السائدة في السياسات الخارجية الخليجية عام 2022. وتم تأكيد أن دول الخليج، قد حققت نجاحًا معقولاً، مقارنة بباقي دول العالم في 2021 في التعامل مع تداعيات جائحة كورونا، وهو ما أدى إلى وجود توقعات اقتصادية أكثر تفاؤلاً للعام الجديد، مع توضيح كيف أن التعاون في مشروعات البنية التحتية من المرجح أن يساعد في قضية انتقال الطاقة خلال الفترة القادمة ونزع فتيل التوترات الإقليمية، خاصة أن المنطقة قد دخلت في مرحلة تضافر الجهود نحو خفض التصعيد بين دولها.
ومع ذلك، تظل هناك العديد من التحديات للعام الجديد، من بينها استمرار عملية التفاوض مع إيران، وقضايا تغير المناخ، ودور مجلس التعاون حيال تنامي التنافس بين الولايات المتحدة والصين على تعزيز علاقاتهما في الشرق الأوسط.