22/2/2022
دور الأمن المائي في السياسات الخارجية لدول منطقة الشرق الأوسط
لقرون عديدة كانت قضية الأمن المائي من المحددات الرئيسية لسياسات وإجراءات الدول والشعوب في الشرق الأوسط والمناطق المحيطة به، حيث جعلت الندرة العامة لهذا المورد في المنطقة، وخاصة في الخليج، سلعة ثمينة ومصدرًا للنفوذ.
ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية والإقليمية، أصبحت البيئات الطبيعية، التي كانت تقليديًا مصدرا للأمن المائي مهددة الآن. وفي هذا السياق، يقول «فريد بلحاج»، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن المنطقة تواجه «أكبر قدر من الخسائر الاقتصادية المتوقعة» من ندرة المياه المرتبطة بالمناخ، حيث من المتوقع أن تتراوح هذه الخسائر بين 6 و14% من الثروة الاقتصادية الإقليمية بحلول عام 2050. علاوة على ذلك، خَلصت وكالة الأمم المتحدة، «اليونيسيف»، إلى أنه اعتبارًا من عام 2021، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، «تعتبر أكثر مناطق العالم ندرة في المياه»، حيث إن 11 من أصل 17 دولة تعاني من الإجهاد المائي في العالم، تقع في هذه المنطقة.
وبالإضافة إلى المخاوف الإنسانية المرتبطة بعدم كفاية إمدادات المياه العذبة للمواطنين؛ كان هناك أيضًا قلق متزايد من أن نقص هذا المورد الأساسي، يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، بما في ذلك العنف داخل الدول وفيما بينها. وفي هذا الصدد، يقول «كونور سافوي»، و«جانينا ستاغون»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إن المياه يمكن أن «تتسبب في مخاوف أمنية قومية هائلة»، وذلك بالنظر إلى طبيعة تأثيرها التي تشمل عدة قطاعات، حيث ستؤثر في «الاستقرار، والازدهار، والتعايش». وفي ظل التوقعات بتفاقم هذه التحديات، بسبب أزمة المناخ التي تلوح في الأفق، فإن هناك احتمالات، بأن تواجه دول الشرق الأوسط، «تدهورا أمنيا»، إلى جانب البيئة الطبيعية الآخذة في الانهيار.
وعلى الرغم من هذه المخاوف، فإن إدراك دول الشرق الأوسط لهذه القضايا، قد ساهم بشكل كبير في عدم تفاقمها، حيث قام العديد من الدول بتبني أولويات وأطر مختلفة في السياسات الخارجية من أجل تعاون دولي لمعالجة القضايا المشتركة، الأمر الذي أتاح الفرصة للجهات الإقليمية الفاعلة، لمعالجة هذه القضايا على نحو متعدد الأطراف، فضلا عن تقليل التصعيدات الاستراتيجية في المستقبل.
وبالفعل، جرى الاعتراف منذ فترة طويلة بالتأثير المحتمل للعوامل البيئية على المناطق، التي تعاني من النزاعات وانعدام الأمن، حيث وصف تقرير للاتحاد الأوروبي، حول هذه القضية، تغير المناخ، بأنه «عامل مضاعف للتهديد، يُزيد من حدة التوترات والنزاعات القائمة وعدم الاستقرار». وبالمثل، أوضح «البنك الدولي»، أن المياه على وجه الخصوص، مرتبطة «بكل أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة تقريبًا»؛ لأنها تدفع النمو الاقتصادي، فضلاً عن كونها «محورية للحياة نفسها». وفيما يتعلق بالشرق الأوسط على وجه التحديد، أشار كل من «ليزدي بيدرازا»، «وماركوس هاينريش»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى أن الوصول إلى «موارد المياه المشتركة، سيصبح مصدرًا إضافيا للتوتر بشكل كبير».
وبالإضافة إلى ما وصفه «سافوي»، و«ستاغون»، بأنه «صراع بين المجتمعات»، فإن هناك أيضًا مخاوف متزايدة من أن النزاعات حول موارد المياه المشتركة، ستؤدي إلى نزاع دولي في منطقة تعاني بالفعل من الصراعات. وحذر «طارق باكوني»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، من أن محدودية الوصول إلى المياه، «ستؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة»، مؤكدا أن «التوترات العابرة للحدود»، قد «كثرت مؤخرًا». وعلى سبيل المثال، سلطت «بيدرازا»، و«هاينريش»، الضوء على كيفية استغلال تركيا «لموقعها الاستراتيجي» في حوض دجلة والفرات، «كأداة لتعزيز مصالحها الوطنية أو الإقليمية».
ومع ذلك، ربما يكون الخلاف الأبرز في هذا الصدد خلال السنوات الأخيرة، هو الخلاف المستمر، بشأن بناء إثيوبيا لسد النهضة، والذي أثار حفيظة كل من مصر والسودان. وعلى الرغم من المحاولات المتعددة لحل النزاع على مدى العامين الماضيين، فقد أوضحت «سيما الدردري»، من «معهد دول الخليج العربية»، أن المفاوضات لحل الأزمة، قد وصلت إلى «طريق مسدود»، ما يوضح كيف يمكن أن يؤدي تناقص إمدادات المياه إلى تدهور الاستقرار الإقليمي».
وبعيدًا عن الاختلافات الجيوسياسية، فإن دور ندرة المياه في الهجرة على نطاق واسع، يعد «ملحوظا». وعلى سبيل المثال، وجد تقرير حديث للبنك الدولي، أن عجز المياه «مرتبط» بـ10% من «الزيادة في إجمالي الهجرة داخل البلدان بين عامي 1970 و2000». في حين «من المتوقع أن يؤثر الجفاف المتفاقم في حوالي 700 مليون شخص، بحلول نهاية هذا القرن». وتكتسب القضية أهمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تستضيف حاليًا ما يقدر بنحو 2.7 مليون لاجئ، بالإضافة إلى 12.4 مليون نازح داخليًا. وأكد التقرير نفسه، أن «الأمن المائي، هو مفتاح إعادة الإعمار بعد الصراع» في الشرق الأوسط، وأنه في «المناطق التي تفتقر إلى الحكم الرشيد، يمكن أن تتفاقم نقاط الضعف، ما يؤدي إلى حلقة مفرغة من انعدام الأمن المائي وهشاشة الوضع».
ومع الاعتراف بأن ندرة المياه يمكن أن تكون بمثابة عامل مضاعف للتهديد، بالإضافة إلى المخاوف الإنسانية الأكثر إلحاحًا؛ كان هناك اهتمام بين صانعي السياسات بمعالجة هذه القضايا. وأوضح «سافوي»، و«ستاغون»، أن قدرة المياه على التأثير في العديد من جوانب السياسة العامة، قد جعلها «جزءًا لا يتجزأ» من السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وفي جهود إدارة بايدن «لاستعادة» دور القيادة في «قضايا التنمية العالمية». ويشمل ذلك خططًا، مثل مبادرة «إعادة بناء عالم أفضل»، التي تم إطلاقها بعد قمة مجموعة السبع G7 في يونيو 2021، والمصممة لمواجهة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية. ووفقًا لـ«غريغوري ميكس»، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي-خلال إدارة ترامب- فإن واشنطن «تراجعت عن سياسة أمريكا أولًا». لذا، فإن اتباع نهج متجدد في المساعدات الدولية والاستثمار، قد يؤدي إلى إعادة الولايات المتحدة الثقة وتطوير التعاون مع حلفائها. وفيما يتعلق بالأمن المائي، أكد «سافوي»، و«ستاغون»، أن هذا يمكن أن يكون «مهمًا في مناطق جغرافية، مثل الشرق الأوسط؛ لأن لدى الولايات المتحدة، القدرة على المساعدة في معالجة مخاوف ندرة المياه، من خلال إمداد صانعي القرار بالبيانات اللازمة والمتعلقة بالتخطيط والتوزيع».
علاوة على ذلك، يمكن أن يكون الاهتمام داخل المجتمع الدولي، بتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ؛ فرصة لدول الشرق الأوسط، لتعزيز تعاون أعمق مع الحلفاء والمنظمات الدولية على حد سواء. وبالفعل، أظهر أعضاء مجلس التعاون الخليجي، أنهم شركاء راغبون في هذا الأمر، حيث توضح «ماري لومي»، من مركز «الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية»، أن «تغير المناخ أصبح قضية سياسية رئيسية في المنطقة، بعد إعلان الأهداف الطموحة لخفض انبعاثات الكربون». ويشير «ماتي سالاي»، من «معهد الشؤون الخارجية والتجارة»، إلى أن «التعاون بين أوروبا والخليج، بشأن القضايا المتعلقة بالمناخ، يمكن أن يخلق زخمًا للعلاقات بينهما، ويعزز الأعمال التجارية في مجال الطاقة». وفي نوفمبر 2021، أعلن «الاتحاد الأوروبي»، رغبته في الانخراط دبلوماسيا، والتعاون في مجال المياه العابرة للحدود»، باعتباره «أداة للسلام والأمن والاستقرار».
وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بتحقيق الأمن المائي في الخليج له تاريخ طويل. ففي عام 2012، نشر «المجلس الوزاري العربي للمياه»، التابع لجامعة الدول العربية، استراتيجيته للأمن المائي في المنطقة العربية، دعا فيها إلى «التنسيق والتعاون بين دول الشرق الأوسط، والمنظمات الإقليمية والدولية». وكمثال لتوضيح كيفية تطوير هذا التعاون؛ أطلقت «الولايات المتحدة»، و«الإمارات»، في أبريل 2021، مبادرة «الابتكار الزراعي للمناخ»، وهي صندوق استثماري بقيمة 4 مليارات دولار، يركز على البحث والتطوير لمواجهة التحديات داخل هذا القطاع، بما في ذلك الأمن المائي.
وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال هناك مخاوف بشأن الأمن المائي في منطقة الشرق الأوسط، حيث أشار «باكوني»، إلى أن المنطقة لا تزال «عرضة لاعتماد حلول سريعة»، لتلك المخاوف على الرغم من بعض «الخطوات الإيجابية»، التي تم إحرازها في هذا الصدد. وعليه، أوصى، بأن تتبنى الجهات الفاعلة الإقليمية «نهجًا متكاملًا وشاملاً لإدارة كل من مستويات العرض والطلب على المياه»، مع مراعاة كل «الاختلافات الجغرافية والاقتصادية والديموغرافية».
وفي حقيقة الأمر، فإن آفاق التعاون بين دول الخليج في مجال الأمن المائي، باتت أكبر مما كانت عليه، لاسيما بالنظر إلى الطريقة التي تمكنت بها دول مجلس التعاون من تطوير الربط الشبكي المائي بين هيئات الكهرباء والمياه، الخاصة بها بنجاح. وأشار تقرير صادر عن «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» عام 2021، أنه من المتوقع أن «توفر عمليات الربط ما يصل إلى مليار دولار سنويا. وتتيح تلك الشبكة المترابطة دراسة حالة قيّمة لواضعي السياسات الذين يسعون إلى تعزيز التعاون في مجال الموارد الطبيعية». وقد لاحظ «الاتحاد الأوروبي»، مدى «التضافر والتعاون المتزايد»، بين الاتجاهات «الدبلوماسية لقضايا قطاعات المياه والمناخ والطاقة»، ما يشير إلى إمكانية تطوير استراتيجية مناخية خليجية أكثر تكاملاً.
على العموم، تواجه منطقة الشرق الأوسط أزمة حقيقية؛ نتيجة تناقص إمدادات المياه العذبة. ويعتبر المحللون أن التنافس على مورد أساسي مثل المياه -مع ندرتها- بمثابة عامل يُضاعف من التهديدات التي من شأنها أن تزيد من تدهور الأوضاع الأمنية المتوترة بالفعل في المنطقة. وعلى وجه التحديد، هناك مخاوف من أن ظاهرة الجفاف المستمر، يمكن أن تغذي دوافع الهجرة على نطاق واسع، كما أنها تعزز حالة عدم الاستقرار السياسي، فضلاً عن زيادة النزاعات بين الدول.
وإدراكًا لحجم المشكلات البيئية، التي تواجه البلدان النامية، فإن القوى الغربية، مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، تعيد صياغة سياستها الخارجية، وأهداف التنمية الدولية لمعالجة هذه التهديدات بشكل مباشر. وعلى هذا النحو، هناك فرصة لمزيد من التعاون الدولي لمعالجة بعض الأسباب الهيكلية، التي قد تعمل على زيادة الصراعات. وعلى وجه الخصوص، أبدت دول الخليج، استعدادًا قويًا للعب دور نشط في مكافحة وحل القضايا المتعلقة بتغير المناخ، ومشكلات إمدادات المياه في المنطقة.