26/2/2022
رؤية غربية حول المفاوضات النووية الإيرانية
استمرت المحادثات الهادفة إلى العودة إلى «الاتفاق النووي» لعام 2015، في فيينا، ما يقرب من عام من دون التوصل إلى أي نتيجة ملحوظة حتى الآن. وعلى الرغم من ادعاءات كل من الدول الغربية وإيران بإحراز تقدم في مسألة الحد من تطلعات طهران النووية، فإن من الواضح أن العديد من الانقسامات «لا تزال قائمة»، وأنه من غير المرجح لأي اتفاق جديد أن يقدم حلاً طويل الأمد للتوترات الإقليمية المستمرة.
وبشكل عام، تباينت آراء السياسيين والمعلقين الغربيين حول المفاوضات، فمن جهة يؤكد مؤيدوها أنها أفضل طريقة للسيطرة على العدوان الإيراني، في حين يرى آخرون أنها ستزيد من مخاطر وجود دولة إيرانية مسلحة نوويًا في المستقبل القريب. ومع ذلك، يبدو أن هناك «إجماعا» بينهم على أن اتفاقا جديدا على وشك أن يبرم الآن. وفي هذا الصدد، يقول «ستيفن كوك» من «مجلس العلاقات الخارجية» إن «توصل الولايات المتحدة وإيران إلى تفاهم للعودة لاتفاق أصبح «مسألة وقت فقط». وذكر «ديفيد سانجر»، و«لارا جاكس»، و«فرناز فاسيحي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «الغرب على وشك العودة إلى الاتفاق». وفي المقابل، استمر آخرون في التحذير من تعثر المفاوضات. ورأى «جوناثان تيرون»، و«جولنار موتيفالي»، في «بلومبرج»، أن المحادثات «تتجه إلى طريق مسدود» في ظل عدم استعداد واشنطن أو طهران لاتخاذ القرارات السياسية الصعبة التي يتطلبها تحقيق تقدم».
وتعد أبرز النقاط العالقة في المفاوضات هي «تخصيب طهران المستمر لليورانيوم»، و«احتجازها للسجناء الغربيين بتهم ملفقة»، و«دورها كداعم للجماعات الإرهابية والمتمردين في جميع أنحاء الشرق الأوسط». ووفقًا لـ«رويترز»، فإن التفاصيل المتفق عليها مبدئيا حتى الآن بين الأمريكيين والإيرانيين تشمل «إلغاء تجميد حسابات إيرانية في بنوك كوريا الجنوبية تصل إلى مليارات الدولارات، و«إطلاق سراح السجناء الغربيين المحتجزين في إيران». وعلق «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، بأن طهران مستعدة لعملية «تبادل أسرى واسعة»، في حال قامت الولايات المتحدة بالمثل بإلغاء تجميد 8 مليارات دولار من الأصول الخارجية الإيرانية».
وفيما عدا ذلك، فإن الاتفاق المفترض حتى الآن لم يشمل القضية المتعلقة بمستويات التخصيب الإيرانية، والتي تتجاوز درجة نقائها حاليًا 60%. وعلى الرغم من أن طهران لم تصل بعد إلى مستوى تخصيب 90% المطلوب لتصنيع سلاح نووي، فإن تقدمها مستمر في هذا الشأن. وحذر «جوزيف فيديرمان»، من وكالة «أسوشيتيد برس»، من أنها «تقوم بتدوير أجهزة طرد مركزي أكثر تقدمًا بكثير من تلك المسموح بها بموجب الاتفاقية». وبالمثل، قال «ماثيو بون»، من «جامعة هارفارد»، إنه «في كل يوم تطول المحادثات من دون حل، تستمر أجهزة الطرد المركزي الإيرانية في الدوران، وتقترب طهران من الوصول إلى هدفها النووي النهائي».
ومثّل الواقع المتعلق باقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي خاص بها حافزًا لبعض المحللين لانتقاد تعامل «إدارة بايدن» مع المفاوضات. ومن بين هؤلاء «مايكل روبين»، من معهد «أمريكان إنتربرايز»، الذي أكد أن «روب مالي، المبعوث الأمريكي الخاص لدى إيران «ألقى حزمة حوافز سخية بشكل متزايد في مقابل قيود مؤقتة فقط». وعلق «جيمس فيليبس»، من «مؤسسة هيرتاج»، بأن إدارة بايدن تقوم الآن بجهود «أخيرة لإغراء» إيران، غير أنه بسبب «مماطلة الأخيرة، وعدم استعدادها لتقديم تنازلات»، لن تؤدي المفاوضات إلا إلى «صفقة أقصر أو أضعف أو أن تنهار بدون الوصول إلى اتفاق». من جانبه، أوضح «راي تاكييه»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أن الصفقة الجديدة «ستنطوي على العديد من العيوب، مثل الصفقة النووية القديمة»، وخلص إلى أن رفض طهران للجهود الأوروبية والأمريكية يظهر أن «عهد الدبلوماسية النووية مع إيران قد ولّى».
ومع ذلك، من المهم التأكيد أن الدعم لا يزال قائمًا داخل دوائر السياسة الخارجية الأمريكية للالتزام بصفقة، حتى لو كانت تستند إلى فكرة أنها أقل الخيارات المتاحة سوءا. وفي هذا الصدد، كتب «ماثيو بون» أنه «بدون اتفاق، سيكون برنامج طهران النووي بلا قيود بشكل أساسي»، ومن ثمّ، فإن «الأدوات الحقيقية الوحيدة» التي ستستعين بها واشنطن وحلفاؤها للحيلولة دون حيازة إيران أسلحة نووية ستكون «التخريب والعقوبات»، وهما طريقتان قال إنهما «ستتسببان في إلحاق معاناة كبيرة للإيرانيين»، وستعملان فقط كحلول «مؤقتة». ووصف «ستيفن بنين»، من شبكة «ام اس ان بي سي» الأمريكية، تقدم المحادثات في فيينا، بأنها «أخبار جيدة»، ودافع عن المفاوضات، بقوله: إن «الاتفاق النووي لعام 2015 أدى بالضبط الدور المقرر له في كبح تقدم إيران النووي». ووفقًا له، فإن القضية الكبرى بالنسبة لواشنطن هي كيف إن الجمهوريين داخل الكونجرس «يتحدثون بالفعل عن عرقلة المسعى السياسي واحتمالية إلغاء الصفقة من قبل الإدارة الأمريكية القادمة في يناير 2025»، بغضّ النظر عما تشتمل عليه من تفاصيل».
وفي الواقع، فإن احتمال حدوث انقسامات سياسية داخل الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي الإيراني يعد «قوة ضغط» أخرى على إدارة بايدن لا يمكن إنكارها. وكما لاحظت «لارا جيكس»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، فإنه على الرغم من أن المفاوضات بشأن الصفقة المقترحة قد تصل إلى نهايتها ببطء، فإن «رد الفعل بين منتقديها في واشنطن قد بدأ للتو». وبالفعل، هناك أكثر من 160 جمهوريًا في مجلس النواب الأمريكي يهددون بعرقلة الصفقة. ووفقًا لما ذكرته صحيفة «ذا هيل»، فإن الاتفاقية التي تم تمريرها من دون موافقة الكونجرس -بأمر تنفيذي رئاسي- سيتم «إسقاطها إذا استعاد الجمهوريون السلطة»، وبالتالي، ينفي احتمال التوصل إلى حل طويل الأمد للمسألة». ويُعدّ «جون هانا»، نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد جورج بوش الابن، من أبرز منتقدي العودة إلى «الاتفاق النووي»، حيث علق على أن المواجهة الداخلية بشأن الصفقة في واشنطن «ستكون معركة سياسية دموية»، كما أشار إلى أن «الرسالة التي يجب أن تصل هي أن هذه الإدارة قد خضعت لإيران».
ويثير عدم قدرة «إدارة بايدن» على ضمان التمرير السياسي لأي صفقة متفق عليها في فيينا تساؤلات حول الجدوى النهائية لهذه المفاوضات. وتحدث وزير خارجية طهران «حسين أمير عبد اللهيان» عن الحاجة إلى «مستوى ضمانات جدّي» من واشنطن. بينما افترض «تيرون»، و«موتيفالي»، أنه «بدلاً من الضمانات القانونية»، قد تقبل إيران «إعلانًا من الكونجرس يضمن الالتزامات السياسية الأمريكية» لمستقبل الصفقة، وهو أمر في حد ذاته لا يمثل حلاً طويل الأمد لإطار عمل مهم للعلاقات الثنائية». علاوة على ذلك، ففي الوقت الذي تمارس فيه المعارضة الجمهورية للصفقة ضغوطًا على الموقف التفاوضي لواشنطن؛ فإن حالة عدم اليقين التي سيقبل بها متشددو نظام طهران اتفاقًا تظل عاملاً مهمًّا للمضي قدمًا في هذه المفاوضات. وأشار «تيرون»، و«موتيفالي» إلى «العلامات الموحية» التي رددها المتشددون من قبيل «لقد سئموا من وتيرة وقلة التقدم في المفاوضات».
وعند النظر إلى ردود الفعل السياسية الداخلية الأمريكية، حيال استعادة الاتفاق، أكد «كوك» أن «ردود فعل الحزبين الجمهوري والديمقراطي افتقدت «ما قد تمثله التداعيات السياسية لهذا الاتفاق على الشرق الأوسط». وعلى عكس ما أشار إليه «بنين» -أعلاه- أدرك «كوك» أن الاتفاق النووي لعام 2015 خلق «ديناميات معاكسة» لما كان يهدف إليه من خلال زيادة دعم طهران لوكلائها الإقليميين جراء تخفيف العقوبات، وبدء قيام دول الخليج «بقيادة أمورها الإقليمية، بغضّ النظر عن الرغبات أو المصالح الأمريكية». ولا يخفى أنه رغم «الضغوط والعقوبات القصوى» من قبل إدارة ترامب، فقد تم التأكيد أن تلك «الديناميات الإقليمية المعاكسة لم تتغير كثيرًا»، وبالتالي، فإن إعادة الاتفاق مجددًا «يُحتمل أن يزعزع الاستقرار» في المنطقة.
وبالنسبة لردود الفعل الإسرائيلية، أوضح «كوك» أن عودة واشنطن إلى الاتفاق «تمثل معضلة»؛ لأن إسرائيل لا تعتقد أن الاتفاق «تمت صياغته بشكل جيد»، فضلاً عن اعتقادها أن الإيرانيين «لا يمكن الوثوق بهم». وفي 20 فبراير 2022، انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، «نفتالي بينيت»، احتمالات العودة للاتفاق، معلنًا أنه سيخلق «شرق أوسط أكثر عنفًا وتقلبًا»، مضيفا أن حكومته «لن تقبل بوجود إيران نووية»، وإذا حدث، فإن بلاده «ستحافظ على خياراتها في الدفاع عن نفسها».
من ناحية أخرى، يؤكد العديد من المحللين أن التأثيرات الإقليمية المحتملة للعودة إلى الاتفاق تمتد إلى ما هو أبعد من تطلعات طهران النووية، وتحديدًا العمل على تقييد أعمالها العدائية الإقليمية وجهود زعزعة الاستقرار. وأشار «جيسون رضائيان» في صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن إدارة بايدن «حاصرت نفسها» من خلال إتمام الاتفاق النووي، قبل معالجة المخاوف الإقليمية الأخرى، فضلاً عن اضطرارها إلى «تقديم تنازلات» لحلفائها بالمنطقة عبر تعزيز «مبيعات الأسلحة» لمواجهة قدرات إيران العسكرية، وهو أمر «سيؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي الحالي». وبالتالي، لا يمكن الجزم باحتمالية أن يؤدي نجاح هذه المحادثات إلى توفير شرق أوسط أكثر أمنًا. من جانبه، أوصى «بون» بأن أفضل حل للمخاوف الراهنة هو «العودة أولاً إلى الاتفاق الأصلي، ثم محاولة تعزيزه في مفاوضات لاحقة»، مؤكدا أن هذا النهج «يستحق المحاولة» على الأقل، وخاصة في ظل تأكيد «رضائيان»، «تقلص خيارات إدارة بايدن للتعامل مع التحديات الأخرى التي تفرضها إيران».
على العموم، تدور الانقسامات في الرؤى بين المحللين الغربيين ليس فقط حول ما إذا كان إبرام اتفاق بين الغرب وإيران ممكنًا لتقييد تطلعات طهران النووية، ولكن أيضًا حول ما إذا كان هذا الاتفاق هو الخيار الأفضل لمواجهة المخاوف الأمنية الإقليمية. ورغم أن الكثير من التحليلات تبدو «متشائمة»، فإن أسواق الطاقة العالمية لا تشارك في هذه المخاوف. وأوضح «تيرون»، و«موتيفالي» أن تلك الأسواق وشركات تجارة النفط «أكثر تفاؤلاً»، بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق، بسبب أن عودة طهران إلى سوق الطاقة العالمية يمكن أن «يخفض ارتفاع أسعار النفط عالميًا».
وبغضّ النظر عن هذا التفاؤل القصير المدى، تظل هناك حقيقة هي أن الولايات المتحدة لديها «القليل من الخيارات لاحتواء برنامج إيران النووي»، وأن استعادة اتفاق 2015 ليس سوى الخيار الأقل سوءًا أمام واشنطن لاتباعه.