top of page

1/3/2022

الهجوم الروسي على أوكرانيا وتداعياته العالمية

بعد ثلاثة أيام من اعترافه الدبلوماسي بالجمهوريات المنشقة عن أوكرانيا، وأمره بإرسال «قوات حفظ السلام» لهذه المناطق، شن الرئيس الروسي، «فلاديمير بوتين»، أكبر هجوم في أوروبا منذ عام 1945. ضد حكومة كييف. وفي يوم 24 فبراير2022. ادعى أن قواته ستنفذ «عملية عسكرية خاصة» من أجل «حماية الأشخاص الذين تعرضوا لانتهاكات»، و«إبادة جماعية» من قبل أوكرانيا، وبهدف «نزع السلاح»، و«القضاء على النازية» في البلاد. وعلى الرغم من أن وكالات الاستخبارات الغربية قد تنبأت بذلك بالفعل، إلا أن صدمة العمل العسكري الفعلي كانت كبيرة.

 

وفي المقابل، رفضت أوكرانيا والحكومات الغربية هذه المزاعم، واعتبرتها ذريعة مبطنة لتدمير الجيش الأوكراني، وتحقيق إرادة موسكو بالقوة، فيما توالت ردود الأفعال الدولية الرافضة، وتم اتخاذ إجراءات اقتصادية ضد روسيا. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن القوات الروسية دخلت البلاد رغم المقاومة الشرسة من الأوكرانيين، وأن الإجراءات التي اتخذها الغرب حتى الآن، لم يكن لها تأثير واضح في أفعال موسكو التي تزعزع الأمن الأوروبي.

 

وتم تنفيذ الهجوم من ثلاث جهات؛ من الجنوب من شبه جزيرة القرم، ومن الشرق باتجاه مدينة خاركيف، ومن الشمال عبر بيلاروسيا باتجاه العاصمة كييف. وسبق حركة الدبابات والطائرات الحربية وعربات نقل القوات «وابل» من الضربات الصاروخية ضد البنية التحتية العسكرية الرئيسية في جميع المدن الأوكرانية الكبرى. وكما توقع المحللون، لم تتم خطة موسكو بسلاسة. وقال وزير الدفاع البريطاني، «بن والاس»، إنه بالإضافة إلى مقتل 450 جنديًا روسيا خلال الهجوم الأولي، فشل الجيش الروسي في تحقيق «أي من أهدافه الرئيسية»، و«تأخر عن جدوله الزمني المأمول». ومع ذلك، فقد تقدمت المدرعات الروسية في المدن الأوكرانية الكبرى، ووصلت إلى ضواحي العاصمة كييف في صباح يوم 25 فبراير، ما اضطر وزارة الدفاع الأوكرانية إلى تسليح المدنيين بالبنادق الآلية، ترقبا لمعركة طويلة الأمد للسيطرة على المدينة.

 

وهناك إجماع على صعوبة الوضع في أوكرانيا. وعلقت «إيما آشفورد»، من «المجلس الأطلسي»، بأنه «من غير المرجح أن تنتهي هذه المعركة بشكل جيد بالنسبة إلى أوكرانيا»، نظرًا إلى أن القوات الروسية «متفوقة بشكل كبير». وقال «مالكولم تشالمرز»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، إن «الهدف الرئيسي المباشر للمقاومة الأوكرانية سيكون النجاة»، لكن إذا تمكنت من فعل ذلك، و«استمرت في إلحاق الضرر بالمعتدين»، فإن «مقامرة بوتين ستتجه نحو الفشل».

 

وأزالت طبيعة الهجوم الروسي - بعد انهيار الجهود الدبلوماسية في الوساطة - أي شك حول أن هذه الحرب كان غير مخطط لها، حيث كان بوتين ينوي خوضها طوال الوقت على الرغم من استمراره في الحديث عن إجراء مفاوضات حتى اليوم السابق لأمره بالهجوم. وأشاد «كريستوفر سكالوبا»، من «المجلس الأطلسي»، بدور أجهزة المخابرات الأمريكية والغربية في تحديد نوايا بوتين قبل الغزو، قائلا: إنه «كشف عدم شرعية أعمال روسيا وذرائعها الخرقاء». ووصف «تشالمرز»، الغزو بأنه نتيجة «القومية الفاسدة» التي تغذيها «الإهانات التي تتصورها موسكو خلال العقود الثلاثة الماضية». فيما رأى «باري بافيل»، من «المجلس الأطلسي»، أن هذه الخطوة تثبت أن الرئيس الروسي، «لا يريد أقل من استعادة أكبر قدر ممكن من السيادة السوفيتية السابقة».

 

وفيما يتعلق بتأثير الهجوم والدوافع وراء فكرة البناء الأمني الأوروبي الموحد؛ حذر «بافيل»، من أن «العالم قد دخل الآن «حقبة تاريخية جديدة خطيرة»، بينما أكد «تشالمرز»، أن تشكيل «ستار حديدي جديد»، أصبح «حتميًا» الآن. وأشار «سكالوبا»، إلى أن تحركات روسيا «غيرت ملامح الأمن الأوروبي بشكل دائم».

 

وحتى الآن، كانت العقوبات الاقتصادية ضد أفراد ومؤسسات روسية مهمة، هي وسيلة الغرب لإدانة ما فعلته روسيا، على الرغم من تردد البعض في فرض أقسى الإجراءات الممكنة، فضلاً عن المحدودية التي لا يمكن إنكارها لدور هذه العقوبات في التصدي لتهديدات عسكرية. وتعهد الرئيس الأمريكي، «بايدن»، بفرض جولة أخرى من «العقوبات» مع الأعضاء الآخرين في مجموعة السبع. ويأتي ذلك في أعقاب الإجراءات السابقة التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي يشير توقيتها، وفقًا لـ«ستيفن إيرلانجر»، و«ماتينا جريدنيف»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى «درجة عالية من الاتحاد».

 

من ناحية أخرى، قُوبل هذا النهج بالرفض من قبل محللين آخرين. ورفض «توم كيتنغ»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، التأثير الفوري للعقوبات الأولية، واصفًا إياها، بأنها «لن تكون رادعة في معركة بالأسلحة النارية». وكتب «تشالمرز»، أنها وحدها «لن تفعل الكثير للتأثير في نتيجة هذه الحرب». وخلصت «آشفورد»، إلى أنها «لن تغير مسار الغزو». كما لوحظ عدم تأثيرها في «بوتين» ودائرته الداخلية. وأشار «مايكل ماكفول»، السفير الأمريكي السابق لدى موسكو، إلى أن بوتين «لن يلتفت إلى سوق الأوراق المالية في روسيا»، وبدلاً من ذلك، سيركز على هزيمة أوكرانيا عسكريًا بغض النظر عن الكلفة الاقتصادية»، مضيفا أنه من «السذاجة» الاعتقاد أن الرد الحالي من قبل الغرب، «سيغير من حسابات بوتين». ولاحظ الروس هذه الحقيقة أيضًا. وصرح «أناتولي أنتانوف»، سفير موسكو لدى واشنطن، أنه «من الصعب التوقع من روسيا مراجعة سياستها الخارجية تحت تهديد القيود».

 

وحول سبب استعداد روسيا للخضوع لعقوبات اقتصادية صارمة، مقابل محاولة إخضاع أوكرانيا بالقوة؛ أوضحت «راشيل إلباوم»، من شبكة «إن بي سي نيوز»، أن موسكو جمعت أكثر من 600 مليار دولار من الاحتياطيات الدولية «لمساعدتها على الصمود»، أمام القيود المفروضة حديثًا عليها. ومنذ ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014. ابتعدت إلى حد كبير عن التداخل الاقتصادي مع الغرب. وأشار «سيباستيان مالابي»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، إلى أنها استغلت السنوات الثماني لتقليل «تعرضها للعقوبات». وفي حين أدرك «مالابي»، أن حظر تصدير بعض التقنيات إلى روسيا «سيؤثر فيها»، إلا أن تأثير مثل هذه المحظورات «ستتجسد آثارها ببطء»، وبالتالي، لن تؤثر في الأحداث على الفور».

 

وأعقب الغزو الروسي مطالبات غربية لدعم أوكرانيا بشكل أكبر. ورغم أن «واشنطن»، و«لندن»، رفضتا فكرة المشاركة بأنفسهما في القتال؛ بسبب مخاطر إشعال صراع عالمي أوسع، فقد أوضح «سكالوبا»، أنه «يجب على الغرب تكثيف الجهود لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها» من خلال تقديم الأسلحة والمشورة العسكرية والاستخبارات التي تمكنها من تكبيد الجيش الروسي خسائر». ودعا «مارك بوليمروبولوس»، من «المجلس الأطلسي»، إلى اتخاذ «إجراء سري قوي عبر الاستخبارات لدعم كييف»، وشبه مقاومتهم بمقاومة أفغانستان للغزو السوفيتي عام 1979.

 

علاوة على ذلك، أوضح «سكالوبا»، أن واشنطن وحلفاءها، «يجب أن يفكروا في الخيارات العسكرية» ضد الدفاعات الجوية الروسية وقدرات الصواريخ، مشيرًا إلى أن تهديد بوتين برد فوري بالانتقام على الدعم الخارجي لأوكرانيا، «يشير إلى مخاوفه من قدرات الغرب». ورغم عدم دعوته إلى مشاركة عسكرية نشطة من الغرب في هذه المرحلة، فقد قام «بافيل»، بإدراج توصيات لحلف الناتو لمواجهة التهديد الروسي، بما في ذلك تحسين «موقفه الدفاعي التقليدي»، و«تنسيقه مع الاتحاد الأوروبي»، وتشديد «الموقف النووي» للغرب ضد موسكو.

 

وبالنظر إلى الحدث في سياق أوسع، أوضح «نيل ملفين»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أن هذا الصراع «ليس مجرد أزمة للأمن الأوروبي»، لكنه ذو بُعد عالمي؛ نظرًا إلى علاقات موسكو الأمنية والسياسية مع الصين والهند وباكستان والبرازيل، ومن ثمّ، الغرب الذي يجب عليه التركيز على «كيفية بناء استراتيجية لتحدي جهود روسيا لإعادة تشكيل النظام الدولي لصالحها». وتوقع «توماس واريك»، من «المجلس الأطلسي»، أن «الداخل الأمريكي سيكون «مسرح عمليات» في هذا الصراع. ومن المحتمل أن تُستخدم تكتيكات الحرب المختلطة، مثل «حملات التضليل، والهجمات الإلكترونية، وتسليح وسائل التواصل الاجتماعي، والتلاعب بالانتخابات، لاستهداف واشنطن والغرب. وبالتالي، رأى أن «التماسك والمرونة المجتمعية لواشنطن أضحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى».

 

ولوضع الأمور في سياقها، يجب الاعتراف بأن الغزو له تداعيات اقتصادية وسياسية كبيرة خارج أوروبا. وأشار «بريان كاتوليس»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن «التحول الخطير» للنظام الأمني في أوروبا، سيكون له «أصداء» بالنسبة إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

واقتصاديًا، يمكن تعويض فقدان أسواق واردات الأغذية لكييف وموسكو، بالمكاسب التي يمكن تحقيقها من زيادة عائدات تصدير الطاقة. وكما أوضح «كاتوليس»، فإن «نصف صادرات القمح الأوكرانية تذهب إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، كما توفر روسيا «الكثير منه أيضًا»، وسيؤثر الغزو في الإمدادات الغذائية لمصر واليمن وليبيا ولبنان بشكل «كبير». وأشارت «ميريت مبروك»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن ما يقرب من «50% من واردات القمح عام 2021 للقاهرة، جاءت من موسكو»، و30% أخرى من كييف». كما تأتي أكثر من نصف واردات القمح للبنان من أوكرانيا. وأضاف «كاتوليس»، أنه في حين أن ارتفاع أسعار الطاقة «يفيد» البلدان المصدرة للطاقة في المنطقة، إلا أنها ستؤدي إلى «إجهاد موازنات» مستوردي الطاقة وتأثر الاقتصاد العالمي.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح «بوتين» في تحقيق طموحاته في أوكرانيا، «سيؤثر في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، حيث من المرجح أن «تنمو طموحاته». وحذر العديد من المحللين من أن «الوجود العسكري الروسي في المنطقة قد يتم استغلاله ليصبح مؤثرًا بشكل مباشر في إدارة الغزو». وحذرت «آنا بورشيفسكايا»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، من استخدام الساحل السوري وجزيرة القرم في العمليات العسكرية الجارية في أوكرانيا». ويرى «الكرملين»، أن المعركة التي يخوضها على كلتا الجبهتين ما هي إلا ساحة قتال واحدة في الأساس». ويعد «التدخل الروسي في دمشق، بمثابة «حملة مناهضة لواشنطن»، تسعى موسكو فيها إلى تمديد نفوذها بالجناح الجنوبي لحلف الناتو، فيما ستسعى إلى فرض هيمنتها في العراق ولبنان وليبيا للضغط على هذا «الجناح».

 

ووفقا للعديد من المحللين، فإن الصراع الذي سيطول أمده في كييف سيخسره الروس في النهاية، لكن الخسائر البشرية ستكون «كارثية». وأكد «جون ناجل»، من «الكلية الحربية للجيش الأمريكي»، أن «الأوكرانيين سيقاتلون الروس إذا كان لديهم أسلحة ومعدات للقيام بذلك». وقال، «جراد هاربر»، من الكلية ذاتها، إن روسيا «من المرجح أن تجد نفسها أمام فرصة للسيطرة على أوكرانيا»، ولن يحدث ذلك من دون «تورطها بمستنقع تمرد». وأشار «مارك جالوتي»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، إلى أن الغزو الروسي «سيشهد في النهاية زوال نظام بوتين».

 

وكما أوضحت «آشفورد»، فإنه «من المحتمل أن تشهد الحرب وابلاً مستمرًا من الهجمات الجوية على الأهداف العسكرية والمطارات الأوكرانية»، جنبًا إلى جنب مع «الدفع المنسق لمحاصرة الجيش الأوكراني في شرق البلاد». وأكد «جوناثان إيال»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أن قادة أوروبا الشرقية، الذين حذروا من مخاطر العدوان الروسي، «يرون أن الاتحاد الأوروبي يمكنه - ويجب عليه- فعل المزيد لتفادي أو تخفيف الكارثة التي يواجهونها الآن»، وأن «سبل طمأنتهم، «ستكون أكبر مهمة تواجه كل من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي».

 

على العموم، يمثل الغزو الروسي لأوكرانيا، أحد الأزمات الكبرى في التاريخ الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، وهو أكبر نزاع مسلح تقليدي بأوروبا منذ ذلك الحين. ورغم تقدم القوات الروسية، فإن معدل التقدم حتى الآن أقل مما كان متوقعًا من العديد من الخبراء والمحللين، ويعكس المقاومة القوية للأوكرانيين. ومع ذلك، لا تزال مخاطر وقوع مزيد من التصعيدات قائمة، وإذا تحول الصراع إلى حرب طويلة الأمد فلا يمكن استبعاد قيام «بوتين»، بتدابير يائسة بشكل متزايد. وبالتالي، فإن هذا العدوان يعد تحديا لأمن الدول الأوروبية، وحلف شمال الأطلسي.

{ انتهى  }
bottom of page