top of page

8/3/2022

أحلام بوتين الإمبراطورية قد لا تحقق الأهداف التي يريدها... وجهات نظر غربية

أدى رد الفعل على الهجوم الروسي على أوكرانيا في نهاية فبراير 2022. إلى إظهار عزم ووحدة الدول ذات التوجهات المعادية لروسيا. وشكلت مهاجمة «بوتين» لأوكرانيا، «صدمة سياسية» في جميع أنحاء الغرب، وبدا أنه سيكون قادرًا على تدمير جيشها بشكل سريع، وتثبيت حكومة صديقة في كييف. وعلى الرغم من التقدم الأولي لروسيا، فقد تعثرت وسط مقاومة الأوكرانيين. علاوة على ذلك، أصدر الغرب وحلفاؤه العديد من العقوبات الاقتصادية، ليس فقط ضد الحكومة الروسية، ولكن أيضًا ضد شركات وأفراد مدنيين، بهدف شل موسكو اقتصاديًا إلى حد تعجز فيه عن الاستمرار في العدوان المسلح على أوروبا الشرقية.

 

في البداية، شكك المحللون السياسيون في احتمالية وجود جهد غربي موحد ضد روسيا، متوقعين ظهور خلافات بين الدول المتحالفة، لا سيما فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية، ومتطلبات الطاقة الخاصة بكل منها. ومع ذلك، أقرت هذه الدول عقوبات دولية تستهدف موسكو وشركاءها، بالإضافة إلى إعلان التزامها بتزويد الأوكرانيين بالأسلحة للدفاع عن أنفسهم. وتأتي الإجراءات الاقتصادية والسياسية والأمنية الموحدة من قبل الغرب، كتذكير بالقوة الحقيقية التي تمتلكها هذه الكتلة السياسية والأمنية، وتُظهر أيضًا للقوى الاستبدادية الأخرى، كإيران، كما تشير الصحف، أن أي أعمال عدوانية مماثلة لتلك التي قام بها بوتين ستقابلها إجراءات مضادة صارمة. وهنا يظهر النفاق الغربي في تعامله مع إسرائيل التي مازالت تنتهك القانون الدولي وترفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بغزوها واحتلالها الأراضي الفلسطينية.

 

وبالفعل، اتفق التحالف الغربي على حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد موسكو. ووفقًا لبيان مشترك صادر عن «الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكندا، والمفوضية الأوروبية» تم إزالة مجموعة «مختارة من البنوك الروسية»، من نظام سويفت للتحويلات المالية، «عازلين» هذه البنوك عن الخدمات المصرفية الدولية. وكان لهذه العقوبات تأثير كبير في الاقتصاد الروسي. ففي 28 فبراير، تراجعت قيمة الروبل الروسي بنسبة 30%، ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة من 9.5% إلى 20%. وأوضح «جيمس تيتكومب»، و«ثيو ميرز»، في صحيفة «التلجراف»، أن البنك المركزي الروسي «سيوفر تمويلاً غير محدود لمواصلة الحرب، في الوقت الذي «يتسابق فيه المواطنون على ماكينات الصرف لسحب العملة». وعلى الرغم من أن الحكومة تملك احتياطيات أجنبية بقيمة 630 مليار دولار، إلا أن «جزءًا كبيرًا» منها «موجود في الخارج»، وبالتالي قد يتم تجميدها قريبًا. ووفقا لـ«إدوارد فيشمان»، و«كريس ميللر»، في مجلة «فورين بوليسي»، فإنه بينما «فشل التهديد بالعقوبات» في ردع بوتين عن مهاجمة أوكرانيا، فإن «العقوبات الاقتصادية يمكن أن تثبت للروس، أن أحلام بوتين الإمبراطورية لها تكلفة عليهم». وستؤدي العقوبات الاقتصادية المطولة إلى «إضعاف قوة موسكو في الخارج»، وبالتالي ستؤثر في شركائها في الشرق الأوسط مثل سوريا وإيران.

 

من ناحية أخرى، كان هناك إجماع سياسي أوروبي على مواجهة الغزو الروسي من خلال تسليح الأوكرانيين للدفاع عن أنفسهم. وعلى الرغم من أن حلف «الناتو»، حافظ على موقفه بالامتناع عن التدخل المباشر خوفًا من إشعال حرب أكبر بكثير، فقد وافقت دول أوروبية، مثل فرنسا، وبلجيكا، والسويد، والدنمارك، وهولندا، على البدء في تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وأعلنت إدارة بايدن تخصيص 350 مليون دولار كمساعدات عسكرية. وجاء أكبر تحول في الموقف الدفاعي ضد روسيا من ألمانيا. ووصف «جيف راثكي»، من «جامعة جونز هوبكنز»، «وحشية» الغزو، بأنها عجلت بـ«ثورة في السياسة الخارجية لبرلين، حيث زاد إنفاقها الدفاعي بمقدار 100 مليار يورو لمطابقة مستويات التزام الناتو، وكذلك الموافقة على توفير أسلحة مباشرة للأوكرانيين. وبالنسبة إليه، فإن هذا التغيير هو «عكس سياسة ألمانيا طويلة الأمد ضد توفير الأسلحة لمناطق الأزمات»، ويُظهر إحساسًا هائلا بمستقبل الأمن الأوروبي الذي أشعله الهجوم الروسي.

 

ويأتي الضغط الدولي ضد روسيا مع تعثر خطط الغزو. وعلى الرغم من أن القوات الروسية تهدد كييف، وقد أحرزت تقدمًا ملحوظًا في جنوب البلاد، إلا أن إرادة الأوكرانيين لم تنكسر، وتم صد التقدم الروسي في جميع أنحاء البلاد. وأشار «دان صباغ»، في صحيفة «الجارديان»، إلى الغزو حتى الآن بأنه «غير منسق بشكل غريب، وعشوائي، مع «أخطاء متكررة» من قبل الجيش»، كما وصف الهجوم على مدينة «خاركيف»، بأنه «فاتر»، مع توغل محدود سريع لقوات الكوماندوز الخاصة، ما يشير إلى أن هذه «لم تكن محاولة جادة للغزو». وبالمثل، وصف «مايكل جوردون»، و«ماكس كولتشيستر»، و«دانيال مايكلز»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، كيف «تعثر الجيش الروسي في وقت مبكر من الغزو»، حيث تهدد «المقاومة الشديدة»، بتبديد آمال موسكو في تحقيق نصر سريع في حرب طويلة الأمد ومكلفة». وأوضح «لوك هاردينغ»، في صحيفة «الجارديان»، أنه في حين «من السابق لأوانه وصف عملية الكرملين بالفشل»، إلا أنه بعد أيام فقط من الغزو، هناك دلائل على أن الأمور «لا تجرى بالضبط «كما خطط لها» بوتين.

 

وفي محاولة لتفسير الانتكاسات التي ارتكبها الجيش الروسي، قال «لورانس فريدمان»، في صحيفة «الجارديان»، إن «المفاجأة الكبرى الأولى لهذه الحرب»، هي «فشل موسكو في الاستفادة من حشدها العسكري الذي طال أمده لتصميم هجوم فعال ثم تنفيذه». وأشار «صباغ»، إلى استخدامها المحدود للقوة الجوية، وهو مجال تتفوق فيه بشكل كبير على أوكرانيا، باعتباره «محيرًا»، حيث كان يُفترض «أن تستهدف تدمير الطائرات والمروحيات الأوكرانية في اليوم الأول، وإثبات تفوقها الجوي». وأضاف «جاستن برونكس»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أنه «فوجئ بافتقار استخدام القوة الجوية حتى الآن». كما لاحظ «هاردينغ»، «العداء الدولي بشكل كبير» للغزو».

 

ومع ذلك، من المهم عدم استبعاد الخطر المستمر المتمثل في تقدم القوات إلى أوكرانيا. وأوضح «مارك شامبيون»، من «بلومبيرج»، أنه في جنوب البلاد، تخلت القوات الروسية عن هجومها في مدينة أوديسا الساحلية الرئيسية، وبدلاً من ذلك تتجه نحو مدينة ماريوبول شرق البلاد؛ لمحاصرة القوات الأوكرانية العالقة في أراضي دونباس الانفصالية». وعلق «صباغ»، بأنه «على الرغم من كل زلات القوات الروسية»، فقد أحرزت تقدمًا حول كييف و«تسيطر على جنوب البلاد تدريجيًا». ومع وضع هذا في الاعتبار، أوضح «بافيل فيلجنهاور»، من مؤسسة «جيمستاون»، أن «روسيا لا تزال لديها المبادرة»، لكنها «لا تحقق الأهداف التي تريدها»؛ بسبب شراسة المقاومة، مضيفا أن «الأيام القادمة ستكون حاسمة»، فيما يتعلق بما إذا كان بإمكانها القضاء على المقاومة، أو أن تجد نفسها في حرب لا يمكنها الفوز بها». ومع ذلك، افترض «هاردينغ»، أنه «حتى لو نجحت موسكو في الاستيلاء على كييف، فإن «أشهرا وسنوات من المشاكل تنتظرها، حيث لا أحد يتوقع أن يستسلم الأوكرانيون».

 

ورأى «جون راين»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن بوتين «لم يثبت أنه غير قابل للخضوع لأي ردع ولا لإقناع أي منطق استراتيجي كان يأمل الكثيرون أن يمنعه من الشروع في مثل هذا العمل العدواني»، مشيرًا إلى أن «لديه أسبابا تجعله واثقًا» من أن الغزو سينجح، ويرجع ذلك بالتحديد لتحديث القوات المسلحة الروسية لعقود، والتكيف مع العقوبات المتوقعة، ورفض آليات الردع، لكن «أكبر خطأ هو أنه أخطأ في تقدير القدرة الأوكرانية على إلحاق ضرر مادي بقواته من خلال مقاومتها». وعند النظر إلى أهمية استمرار المقاومة ضد الغزو، رأى «راين»، أنها من الممكن أن تغير «من آمال بوتين في استعادة الهيمنة السوفيتية».

 

من ناحية أخرى، تؤكد نكسات روسيا العسكرية للعديد من القوى الاستبدادية الأخرى أن استخدام القوة ضد الدول لا يضمن تلقائيًا تحقيق النصر، حتى مع وجود احتمالات إيجابية على تحقيق ذلك نظريا. وانطلاقًا من ذلك، يجب أيضًا تقييم عمليات صنع القرار داخل الكرملين؛ حيث أوضح «هاردينغ»، أنه «من المستحيل معرفة ما إذا كان هناك استياء داخل مجلس الأمن القومي الروسي» بسبب التقدم البطيء الذي أحرزه الجيش حتى الآن، لكنه لاحظ أن محللين آخرين سجلوا كيف أن رئيس الأركان العامة الروسية، «فاليري جيراسيموف»، «حذر بوتين من أن غزو أوكرانيا قد لا يكون أمرًا سهلا». ومع ذلك، أشار إلى أنه «في الوقت الحالي»، يظهر دعم كبار القادة السياسيين والعسكريين للعملية، التي شنها ضد أوكرانيا.

 

وبالنسبة إلى ردود الفعل الدولية حيال الغزو، أثار رد الفعل الخافت من «بكين» انتباه المراقبين، وتساءل العديد منهم عما إذا كانت تولي اهتمامًا لهذه الحرب لقياس ما إذا كانت قادرة على القيام بأعمال مماثلة ضد منافسيها الإقليميين مستقبلاً. وعلى الرغم من ردود الفعل الدولية المناهضة لموسكو، رأى «جيمس بالمر»، من مجلة «فورين بوليسي»، أنه «من غير المحتمل» أن تضحي بكين أو حتى يتأثر تحالفها البناء مع موسكو». وفي 23 فبراير، وصف المتحدث باسم «الخارجية الصينية»، الولايات المتحدة، بأنها «وراء إشعال فتيل التوترات الحالية المحيطة بأوكرانيا»، حيث بدا أن بكين تقدم لروسيا بعض الدعم لموقفها».

 

ومع ذلك، لم تقدم الصين دعمًا كاملاً لروسيا. فعلى الجبهة الدبلوماسية في الأمم المتحدة، امتنع ممثلها عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يدين الغزو. وبالنظر إلى مقعد موسكو الدائم في مجلس الأمن، فإن القرار الذي صاغته واشنطن تم رفضه بشكل غير مفاجئ. وقبل ذلك، تم تسليط الضوء على كيف أن بكين، داخل الأمم المتحدة على الأقل، «لن توافق أبدًا على أي إجراءات معادية ضد روسيا»، ولكن الامتناع عن التصويت من شأنه أن يشير إلى «عدم الرضا» عن تصرفات موسكو. وتحليلاً لهذه الخطوة الدبلوماسية، أشار «مارك ستون»، من «سكاي نيوز»، أن هذا الامتناع يظهر أن الصين ستحاول «الابتعاد» عن هذه الاعتداءات، وبالتالي فإن موسكو «وحيدة» على المستوى الدولي.

 

أما بالنسبة إلى طهران، فقد «رفضت إدانة الغزو»، بحسب «تريفور فيلسث»، من مجلة «ناشيونال إنترست». وحاولت إلقاء اللوم على الناتو. ووصف الرئيس «إبراهيم رئيسي»، الحلف بأنه «تهديد خطير لاستقرار وأمن الدول المستقلة». وكتب وزير الخارجية «حسين أمير عبداللهيان»، أن الأزمة «متجذرة في استفزازات الناتو». ومع ذلك، فإن عدم الرضا عن الإجراءات الروسية واضح أيضًا، حيث أشار إلى أن طهران لا تعتقد أن «اللجوء إلى الحرب هو الحل»، وأنه «من الضروري» أن يتفق الطرفان على وقف إطلاق النار». ويبدو من الردود المختلطة من «طهران»، و«بكين»، أن الآمال المحتملة التي كانت لديهما في استخدام الغزو الروسي، كمبررات لهجماتهم المحتملة مستقبلاً على خصومهما الإقليميين قد «تضاءلت».

 

على العموم، فإن غزو بوتين لأوكرانيا، والغضب من العقوبات التي يقودها الغرب ضد موسكو، وتعثر القوات المسلحة الروسية في هذا الغزو، يعد بمثابة تحذير للأنظمة الاستبدادية التي تقوم بأعمال عدوانية ضد الدول الأخرى ذات السيادة، لا سيما تلك المدعومة من الغرب، وأنه لن يتم السكوت عليها. وبالتالي، سواء كانت عقوبات اقتصادية أو تسليم مساعدات عسكرية لأولئك الذين يتعرضون للهجوم، فإن إظهار الوحدة الغربية الذي أظهرته الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وحلفاؤهم الأوروبيون وشركاء آخرون في جميع أنحاء العالم، يظهر أهمية هذا التحالف في الرد على أعمال العدوان غير المبررة من قبل قادة دول تسعى إلى الصراع والحرب لخلق تغييرات جيوسياسية.

{ انتهى  }
bottom of page