15/3/2022
تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على المفاوضات النووية الإيرانية
في الأيام التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا، كان المفاوضون في فيينا متفائلين بتجديد الاتفاق النووي الإيراني. وذكرت كارين ديونغ في صحيفة واشنطن بوست، أنه بعد ما يقرب من عام على بدء المفاوضات، من المتوقع الآن التوصل إلى اتفاق نووي إيراني جديد في غضون الأيام القليلة المقبلة. وفي اليوم السابق للغزو، علق إنريكي مورا، ممثل الاتحاد الأوروبي في المحادثات، قائلاً: إننا نقترب من النهاية، مشيرًا إلى أن كبار المسؤولين توقعوا الوصول إلى حل من خلال المحادثات.
وبكل المقاييس، دفع الغزو هذه المفاوضات إلى حالة من عدم اليقين. وأثارت الجهود المتضافرة للقوى الغربية لعزل روسيا دبلوماسيا في أعقاب الهجوم؛ تكهنات بأن تصرفات بوتين، قد تعرقل أو تؤثر بطريقة ما على المفاوضات النووية، والتي لعبت موسكو دورًا حاسما فيها من خلال التخفيف من مطالب طهران. وبشكل أساسي، كانت هناك مخاوف بين المفاوضين من أن الاضطراب الناجم عن أعمال روسيا، قد يؤدي إلى إضاعة فرصة التوصل إلى اتفاق جديد. وحذر وزير الخارجية والدفاع الأيرلندي، سيمون كوفيني من أن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، قد يجعل إبرام الاتفاق أكثر صعوبة. وذكر جون آيرش، وباريسا حافظي، وفرانسوا ميرفي، في وكالة رويترز، أن الحرب في أوكرانيا تخلق شعورا ملحا لإنهاء المحادثات قبل أن يصبح التعاون مستحيلا.
ووفقا لـ«مايا كارلين»، من مركز السياسة الأمنية، فإن لإيران، وروسيا هدفا مشتركا، يتمثل في إنشاء محور موحد، ضد الولايات المتحدة، وقد يحاولان الوصول إلى اتفاق يخدم مصالحهما في أعقاب غزو أوكرانيا. وكان لروسيا دور محوري في محاولات إيران للالتفاف على العقوبات الغربية في السنوات الأخيرة. وناقش البلدان مسودة اتفاقية تعاون مدتها 20 عامًا في يناير 2022. لذلك، فإن لدى إيران حافزًا قويًا لإظهار دعمها لـ«بوتين» على الساحة الدولية. وعلق أليكس فاتانكا، من معهد الشرق الأوسط، أنه على الرغم من أن النخبة الحاكمة في طهران تتظاهر بالحياد علنًا، إلا أنها في الواقع تغاضت عن أفعال روسيا لتحقيق غاياتها.
وبحسب مسؤول فرنسي شارك في المفاوضات، فإن هناك احتمالية كبيرة لأن تؤدي أزمة بهذا الحجم، إلى إفساد الملف الإيراني، بعد أفعال الرئيس بوتين. وحذر صمويل هيكي، من مركز الحد من التسلح ومنع انتشار الأسلحة، من وجود خطر حقيقي، يتمثل في قيام روسيا بإحباط محادثات فيينا في محاولة لابتزاز الغرب. ومع ذلك، فإنه أمر غير مرجح، بالنظر إلى أن إحياء الاتفاق يخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة وروسيا. وأوضح جوناثان تيرون، وجولنار موتيفالي من وكالة بلومبرج، أن كلا من موسكو، وواشنطن، زعمتا قبل الغزو، أنهما تمكّنتا من إبعاد خلافاتهما الأخرى عن طاولة المفاوضات. وعلق صموئيل شراب من مؤسسة راند، أن روسيا جيدة في الفصل بين الأمور عندما تقرر القيام بذلك، ولذلك لن تغير أحداث أوكرانيا السياسة الروسية بشأن الاتفاق النووي الإيراني. وفي تأييد لهذا، علق فيودور لوكيانوف، رئيس هيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاعية في موسكو، بأنه لم يُلاحظ أي ارتباط حتى الآن، بين غزو أوكرانيا، والمفاوضات النووية الإيرانية، حيث يواصل الدبلوماسيون الروس العمل مع آخرين في الملف الإيراني.
وفي الوقت الحالي على الأقل، يبدو أن هذا هو الحال. وأكد نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، أن روسيا ستواصل المشاركة في مفاوضات فيينا، على الرغم من وصفه نظام بوتين، بأنه منبوذ دوليًا في نفس البيان. كما يجب أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014. لم يحل دون توقيع الاتفاق النووي الأصلي في العام التالي.
ومع ذلك، أثار الغزو الروسي لأوكرانيا بعض المخاوف في الولايات المتحدة، في ضوء أن أي صفقة جديدة سوف تتدخل فيها موسكو. وتمثل الدافع وراء هذا التأكيد في مشاركة الأخيرة بكل من المفاوضات بشأن الصفقة الأصلية، والعملية الجارية حاليًا في فيينا. وعلى سبيل المثال، أوضح مارك دوبويتز، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن إدارة بايدن، على وشك توقيع اتفاق مع إيران يفاوض عليه بوتين. وبالمثل، اتهم مايك غالاغر، عضو الكونجرس الجمهوري، الإدارة الأمريكية، بالاعتماد على روسيا للتفاوض مع إيران، موضحًا أن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015. ستكون صفقة توسط فيها بوتين، وتعني فوزًا هائلاً لخصوم أمريكا.
ومن جانبه، رفض بول بيلار، المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، هذه الانتقادات ووصفها، بأنها إلقاء تهمة التبعية من دون وجه حق، نافيا هذه الادعاءات من خلال الإشارة إلى أن الاتفاق النووي، هو اتفاقية متعددة الأطراف تضم الصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى روسيا، ما ينتقص من حقيقة أنها صفقة يفاوض عليها بوتين. وعلى غرار تعليقات هيكي السابقة، أوضح بيلار، أن الأطراف المختلفة المشاركة في الاتفاقية، سعت إلى الاتفاق لأنهم يدركون أنه في مصلحة عدم الانتشار النووي، والحد من الصراع بالشرق الأوسط. ويشمل هذا روسيا، التي لا تريد أن ترى دولة نووية جديدة على مقربة من حدودها الجنوبية. ويتضح هذا من التعليقات التي أدلى بها مسؤول رفيع بالخارجية الأمريكية في فيينا، والذي أكد أن واشنطن، وموسكو، كانا يواصلان العمل نحو هدف يبدو أنه يحمل مصلحة مشتركة في هذه القضية.
ومن الطرق الأخرى التي قد يؤثر من خلالها الغزو الروسي على المفاوضات النووية، هو تأثيره على أسعار النفط العالمية. وكما لاحظ محللون من مجموعة إيه إن زد المصرفية الأسترالية، فإنه على الرغم من الآمال في واشنطن بأن العقوبات الدولية، لن تؤثر في تدفق النفط والغاز، فقد أثرت جنبًا إلى جنب في حجم العرض، مع إحجام الشركات عن العمل مع موسكو. ومن ثم، تجاوز خام برنت القياسي العالمي 118 دولارًا للبرميل للمرة الأولى، منذ 2013 في 3 مارس 2022. حيث ارتفعت الأسعار بعد اندلاع الأعمال العدائية في أوروبا الشرقية.
من ناحية أخرى، من المرجح أن تشهد عودة إيران إلى الاتفاق النووي، تخفيفا للقيود المفروضة على صادراتها النفطية، وهو ما قد يؤدي وفقًا لـ«بول والاس»، وغرانت سميث، من بلومبرج، إلى انخفاض في أسعار النفط الخام، إذا كانت بالفعل قادرة على زيادة العرض بشكل كافٍ. ويُعتقد أن طهران تحتفظ بمخزون ما بين 80-90 مليون برميل من النفط، يمكن بيع البعض منه في حالة التوصل إلى اتفاق، فضلاً عن احتمال زيادة إنتاجها خلال الأشهر المقبلة. وبالتالي، وكما أوضح هنري روم، من مجموعة أوراسيا، فإن أسعار النفط المرتفعة ستضع ضغوطًا شديدة على الحكومات الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، للتوصل إلى اتفاق بسرعة.
ومع ذلك، أوضح روم، أيضًا أن أسعار النفط المرتفعة، يمكن أن يكون لها تأثيرات عكسية في المفاوضين الإيرانيين؛ لأن الفوائد التي قد تعود على طهران من قدرتها على بيع نفطها إلى الصين بأسعار أعلى، ستقلل من شعورها بالحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق. كما من الممكن أن تنظر إلى رغبة واشنطن في خفض أسعار النفط، كفرصة لانتزاع مزيد من التنازلات أثناء سير المفاوضات. لكن علي فايز، من المجموعة الدولية للأزمات، أشار إلى أن هذا سيكون إساءة تقدير من جانبها؛ لأن الولايات المتحدة لديها القدرة الكاملة للتعامل مع العديد من القضايا في وقت واحد، ما يعني أن التعنت الإيراني لن يؤدي إلا إلى مزيد من المماطلة، وليس مزيدا من التنازلات.
وبشكل عام، كانت هناك أيضًا تحذيرات من أن غزو أوكرانيا، قد يؤثر في السياسة الخارجية الإيرانية. ووفقًا لـ«بيلار»، قد يكون للحرب في أوكرانيا بالفعل عواقب وخيمة قد تقدم عليها إيران؛ لأن الغزو قد يكون بمثابة تحويل الانتباه، الذي قد يفضي إلى وقوع مزيد من الأنشطة العدوانية الإيرانية في المنطقة. وفي أعقاب الغزو، تم تطبيق المنطق ذاته على زيادة التوترات بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان. وعلق بوني لين، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بأنه كانت هناك مخاوف من أن الغزو الروسي لأوكرانيا، قد يشجع بكين على فعل الشيء نفسه ضد تايوان، أو على الأقل زيادة العدائية ضدها. وأوضح بيلار، أن المنطق ذاته، يمكن أن يطبق، ضد جهات فاعلة في الشرق الأوسط في خضم اهتمام العالم بالأزمة الأوكرانية.
ومع ذلك، أوضح بعض المحللين، أن رد الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى على غزو روسيا لأوكرانيا، من خلال نظام عقوبات شامل ومنسق، يجب أن يكون بمثابة تحذير للدول التي تفكر في العدوان. وقالت سوزان مالوني، من معهد بروكينجز، إن هجوم بوتين العسكري يجب أن يكون بمثابة سيناريو تحذيري، وليس تشجيعًا لمزيد من التمرد والعدائية. وبالمثل، أشار حسين إيبش، من معهد دول الخليج العربي، إلى أن الرد الغربي على أزمة أوكرانيا، أظهر أنه قد توحّد وعُزّز بعد هذا الهجوم.
على العموم، مع استمرار المفاوضات النووية في فيينا في ظل توتر الأحداث بشأن أوكرانيا، يخشى بعض الدبلوماسيين من مغبة عدم إبرام اتفاق جديد. وأعرب المحللون الغربيون عن أملهم في أن يتمكن المفاوضون من فصل القضية النووية عن التطورات الأخيرة في أوروبا، بالنظر إلى مصالحهم المشتركة في إيجاد حل. وعلى هذا النحو، علق دان لوس، من شبكة إن بي سي نيوز، بأنه يبدو أن القوى العالمية على أهبة الاستعداد لإحياء اتفاق 2015. لكن، بمجرد أن ينحرف الانتباه الدولي بعيدًا عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وتخفيف حدة المواجهة مع الغرب، قد تقرر موسكو، سحب مشاركتها في جهود إعادة الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي، ومع كل هذا، يظل من غير المعروف ما إذا كان من الممكن إجراء المحادثات.