top of page
2019/11/15

زيارة جلالة الملك للقاهرة.. والتعاون الاستراتيجي البحريني المصري

في تواصل على خطى تعزيز التعاون الاستراتيجي البحريني المصري اختتم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة زيارته لمصر، والتي بدأها يوم 7 نوفمبر، واستمرت 3 أيام، التقى خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي، إذ استعرضا تطورات الأوضاع الإقليمية، وتطرقا إلى عدد من الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، بالإضافة إلى جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف ومواجهة التدخلات الخارجية، وهي الزيارة التي تمثل دفعة قوية لمسار علاقات التعاون والعمل المشترك بين البلدين بما تحمله من دلالات على مواصلة التشاور والتنسيق المستمر تجاه قضايا وأزمات المنطقة.ومن جانبه، أشاد جلالة الملك بما تشهده مصر من نهضة تنموية رائدة، استطاعت بفضلها تحقيق إنجازات نوعية في مختلف القطاعات، مؤكدا حرص المملكة على الاستمرار في تطوير وتعزيز آليات التعاون الثنائي في مختلف المجالات بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، مثمنًا الدور الذي قامت به مصر على امتداد عقود طويلة في دعم مسيرة النهضة والتنمية في البحرين.وتعد العلاقات المصرية - البحرينية نموذجا للتعاون الاستراتيجي الشامل على المستوى العربي، في ظل روح المودة والإخاء التي تحكمها، وتشعب وتعدد دوائرها السياسية والاقتصادية والثقافية، وما تتميز به من استقرار، فهي علاقات تاريخية ممتدة عبر العصور المختلفة، لا ترتبط بأشخاص بقدر ما ترتبط بشعوب، تسعى إلى مواصلة الارتقاء بأطر التعاون الشاملة، وحينما بدأت البحرين علاقاتها الدبلوماسية في 1971. كانت مصر في طليعة من بادلها هذه العلاقات بعد أن كانت في طليعة الاعتراف بالبحرين دولة عربية مستقلة.وانطلاقا من ذلك، كان تعامل البلدين إزاء كثير من التحديات التي واجهت كليهما ينطلق من رؤية واحدة وتعاون وثيق، فقد توحدت رؤيتهما في ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وفق معايير تطبق على الجميع دون استثناء، وكان دعمهما لنضال الشعب الفلسطيني المشروع من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة، وكان أيضًا في مواجهة الإرهاب والتطرف.واكتسبت هذه العلاقات التاريخية زخمًا شديدًا وقوة دفع كبيرة منذ تولي جلالة الملك المسؤولية، وهو ما انعكس في شكل كبير على الزيارات الرسمية رفيعة المستوى المتواصلة بين قيادتي البلدين، إذ اعتاد جلالة الملك على مشاركة مصر في جميع مناسباتها المهمة، فقد شهد حفل تنصيب الرئيس السيسي، وشارك في حفل افتتاح قناة السويس، وفي مؤتمر مصر الاقتصادي لدعم الاقتصادي الوطني، وشارك في القمة العربية التي ترأستها مصر في دورتها الأخيرة، وتعد زيارته الأخيرة إلى القاهرة هي السادسة منذ مارس 2015. وبالمثل، بادله الرئيس السيسي هذه الزيارات، فشارك في منتدى حوار المنامة في أكتوبر 2015. وزار المملكة في 8 مايو 2017. وفي سبتمبر 2018. في دلالة واضحة على ما يجمع بين الزعيمين من تقدير متبادل وعلاقات أخوية وطيدة، تجسدها ثوابت تاريخية ومصير مشترك.وتعكس هذه الزيارة إقرارًا من الدولتين بثقلهما في محيطيهما، ودورهما في حفظ أمن واستقرار المنطقة وذلك بالنظر إلى ما تملكه كل منهما من علاقات واسعة مع جيرانهما وتحالفاتهما مع المنظمات الإقليمية والدولية. كما جاءت نتيجة طبيعية لما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات سياسية وعسكرية متسارعة، فلمصر دور فاعل ومؤثر فيها، إضافة إلى العقيدة المصرية الواضحة في حماية الأمن القومي الخليجي باعتباره خطًا أحمر للأمن القومي المصري، والذي تم ترجمته من خلال تبادل الزيارات على المستوى الرسمي بين قادة الخليج ومصر، والمشاركة في المناورات العسكرية بين الجانبين والذي تتطور إلى الدخول في تحالفات عسكرية، بما يمكن معه اعتبار أن مصر والخليج يحاولان رسم رؤية سياسية تهدف إلى تحقيق التوازن الإقليمي وتثبيت مصالح كل منهما في المنطقة، لذا تعد تلك الزيارة بالغة الأهمية من حيث التوقيت والنتائج المترتبة عليها.كما تم ترجمته أيضا من خلال التصريحات الرسمية المصرية إزاء ما تتعرض له مملكة البحرين من أعمال إرهابية، ومن خلال فعاليات التدريب المشترك لأفرع القوات المسلحة في البلدين، ومذكرة التفاهم في مجال الدفاع لعام 2016. وفي مجال التشاور السياسي في نفس العام، عزز من ذلك أن البحرين كانت دائما على رأس الداعمين لموقف مصر من الإرهاب الذي تمارسه جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين. وحرص جلالة الملك على حل مشكلة سد النهضة الذي تقوم به إثيوبيا على النيل الأزرق الذي يمد مصر بالحصة الأكبر من المياه التي تصل إليها، ما يعد تهديدًا مباشرًا لأمنها وسلامتها، وتطلعه إلى الحل الذي يأتي بالخير والازدهار لكل الدول المعنية ويضمن حقوق مصر في حصتها المائية دون التأثير على أمنها المائي.وإذا كانت الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية قد تصدرت الموضوعات التي تطرقت إليها مباحثات الزعيمين، فقد توحدت رؤيتهما حول دعم جهود التوصل إلى حلول سياسية لهذه الأزمات، وضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي العراق وسوريا وليبيا واليمن، ولهذا فقد أشادا بالاتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية كريمة من الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان ودعم حكومة الإمارات وولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، والذي تم توقيعه يوم 6 نوفمبر 2019 كخطوة محورية في مسار حل الأزمة اليمنية سياسيًا وإنهاء الحرب، من خلال تأسيسه لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة وتوحيد الجهود للقضاء على الانقلاب الحوثي.وتأتي هذه الزيارة أيضًا في إطار الاتصالات المكثفة بين مصر والبحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة، سواء في مواجهة التهديدات الإيرانية التي تتعرض لها مملكة البحرين، وما تُصدره لها من قلاقل أمنية وتوترات، أو تهديدات الإرهاب والتطرف التي تقوم بها جماعات الإسلام السياسي، ودعم قطر لهذه الجماعات وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية ودعمها للكيانات الخارجة على القانون، وتهديدها الأمن القومي العربي والسلم والأمن الدوليين. ويقوم موقف الدول الأربع -الذي تم تأكيده في زيارة جلالة الملك للقاهرة- على أهمية الالتزام بالاتفاقيات والقرارات الدولية والمبادئ المستقرة في مواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي واتفاقات مكافحة الإرهاب والتطرف، مع الالتزام بمنع تمويلهما أو توفير ملاذات آمنة لهما، وإيقاف كل أعمال التحريض والحض على الكراهية أو العنف، والالتزام الكامل باتفاق الرياض 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية 2014. في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والالتزام بكل مخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض في 2017.وفي كل مرة تتم فيها زيارة جلالة الملك للقاهرة، أو زيارة الرئيس السيسي إلى المملكة يتم تأكيد ضرورة تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية بين الجانبين، والتنفيذ الكامل للاتفاقات المعقودة بينهما في هذا الشأن، خاصة اتفاقية التبادل التجاري التي تعود إلى عام 1982. واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة عام 1997. والاتفاق على إنشاء مركز تجاري مصري في البحرين، ومذكرة التفاهم في مجال إنشاء وإدارة المناطق الصناعية في 2009. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين القاهرة والمنامة عام 2018. نحو 165 مليون دولار، في حين بلغ حجم الاستثمارات البحرينية في مصر نحو 3 مليارات دولار. تحتل بها البحرين المرتبة الـ«14» في قائمة الدول المستثمرة في مصر مع توقع ارتفاع حجم هذه الاستثمارات إلى نحو 10 مليارات دولار بحلول عام 2022. في ضوء تصاعد التعاون بين البلدين، وتوقيع عدد من الاتفاقات الجديدة وخاصة اتفاقية عدم الازدواج الضريبي في 2016 واتفاقية الملاحة التجارية البحرية في نفس العام، وإطلاق البحرين حملة للترويج السياحي لمصر. وفي مجال العلاقات الثقافية، كان حرص جلالة الملك على تطوير هذه العلاقات، ونذكر أنه في 2009 قد جرى الاتفاق حول البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي بين حكومتي البلدين (2009/2019)، الذي نص على التعاون في مجالات الفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى والأوبرا والكتاب والمكتبات وثقافة الطفل والسينما والأسابيع الثقافية والآثار وتبادل الزيارات والمعارض، ولا يكاد يمضي شهر إلا وتوجد فعالية في هذا المجال معبرة عن عمق وكثافة العلاقات التي تربط الشعبين الشقيقين، والذي عبر عنها جلالة الملك في زياراته المتكررة لمصر.ومنذ عام 1999. وهو العام الذي تولى فيه جلالة الملك المسؤولية، تعددت صور توثيق قوة الدفع الكبيرة التي اكتسبتها العلاقات البحرينية المصرية، ففي هذا العام وقعت البحرين مع مصر العديد من اتفاقيات التعاون العلمي والتكنولوجي والثقافي والفني، وفي عام 2004 وقع الجانبان اتفاقية للتعاون بين وزارتي العمل، وفي عام 2009 اتفاقية للتعاون في المجالين الإعلامي والثقافي، كما وقعا العديد من بروتوكولات التعاون، مثل؛ «بروتوكول للتعاون في مجال الطرق والجسور عام 2005. وفي مجال النقل الجوي عام2007. والتعاون الإعلامي عامي 2009 و2016». أضف إلى ذلك العديد من مذكرات التفاهم، كمذكرة التفاهم للتعاون في مجال الزراعة عام 1999. وفي مجال السياحة في نفس العام، وفي المجالات الصحية والقانونية والقضائية والتخطيط العمراني والإسكان في 2004. ومن أجل التنسيق الأمني والمصرفي والتعاون النفطي وحماية البيئة عام 2006. وفي مجالات الشباب والرياضة عام 2007. وفي مجال المرأة عام 2008 وإنشاء وإدارة المناطق الصناعية والتعاون بين وزارتي الخارجية في البلدين في 2009. والتعاون في مجالات التخطيط والإصلاح الإداري والشباب والشؤون الاجتماعية والمعاهد الدبلوماسية والتشاور السياسي والدفاعي في 2016. في تأكيد عمق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، والتي حرص على تنميتها جلالة الملك، والرئيس عبدالفتاح السيسي.إلى هذا، شكلت زيارة جلالة الملك للقاهرة نقلة نوعية جديدة في مسيرة علاقات التعاون الاستراتيجي الممتدة والمتميزة بين القاهرة والمنامة، وزخمًا كبيًرا في فتح آفاق متجددة، بما يمكن معه القول إن القيادتين البحرينية والمصرية قد حرصتا على تحقيق التشاور المستمر من خلال تبادل الزيارات وتقاربها بما يسهم في تعزيز الأجواء الإيجابية بين البلدين التي تدعم أواصر التعاون بينهما، وإعطاء قوة لدفع تطوير العلاقات الاستراتيجية البحرينية المصرية والخليجية بشكل عام في كثير من المجالات. 

{ انتهى  }
bottom of page