31/3/2022
آفاق الاقتصاد الخليجي في عام 2022
بعد نحو ثماني سنوات من معايشة عجز الموازنة العامة في الاقتصاد الخليجي، نتيجة لانخفاض أسعار النفط منذ منتصف 2014؛ تتجه هذه الموازنات إلى التوازن وتحقيق فوائض. فلدى عودة الاقتصادات العالمية إلى التعافي، عاد الطلب على النفط بقوة، وأمكن «لأوبك بلس»، أن ترفع إنتاجها بمقدار 400 ألف برميل يوميًا، ثم جاءت أحداث الحرب «الروسية الأوكرانية»، لترفع من أسعار النفط، حتى وصلت أحيانًا إلى 135 دولارا للبرميل. ورغم ما اتسمت به هذه الأسعار من تقلب؛ بسبب أنباء الحرب، إلا أنها ظلت في الغالب فوق سعر الـ100 دولار للبرميل، وهو سعر يتخطى سعر التعادل الذي وضعته دول الخليج لنفطها، والذي يبلغ متوسطه 66.8 دولارا للبرميل، علمًا بأن كل زيادة بمعدل 10 دولارات للبرميل، ترفد الاقتصاد الخليجي بـ65 مليار دولار.
وبهذا المعنى، تأتي التوقعات بأن يشهد الاقتصاد الخليجي في 2022. أكبر معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي، لم يحققه منذ سنوات. وفيما تشير هذه التوقعات إلى تحقيق السعودية، والإمارات، والكويت، معدلات نمو في حدود 5% أو تزيد قليلاً، فإنها تتراوح في قطر، وسلطنة عُمان، ومملكة البحرين بين 3–4%، وإن كانت هذه التوقعات ما زال يكتنفها الغموض، حيث لم تنته جائحة كورونا بعد.
ومع ذلك، فإن القرار الذي اتخذته معظم دول العالم بعدم العودة إلى الإغلاق، والتعايش مع فيروس كورونا وتحوراته، قد قلل كثيرًا من تأثير هذا الغموض، كما أن السياسات التي اتخذتها دول الخليج، بشأن تنويع مصادر الاستيراد، والحماية الاجتماعية لمواطنيها، جعلت مستوى التضخم في الحدود الآمنة، وعززت قدرتها على تحقيق استفادة إيجابية صافية من ارتفاع أسعار النفط، حيث تشير التوقعات إلى أن معدل التضخم في هذه الدول عام 2022. يتراوح ما بين 2–2.8%، والذي يقل كثيرًا عن المعدلات التي تشهدها الاقتصادات الغربية، حيث اقترب معدل التضخم في بريطانيا من 9%، وتجاوز 7% في الولايات المتحدة.
وبالفعل، بدت تباشير الزيادة في أسعار النفط، لدى اجتماع «القمة الخليجية» في الرياض، في ديسمبر2021. حيث كان من جملة القرارات التي اتخذها «المجلس الأعلى»، تأكيد أهمية متابعة إنجاز الرؤى الاقتصادية لدول المجلس، لتحقيق التنوع الاقتصادي، وتعظيم الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية والفرص المميزة لمضاعفة الاستثمارات المشتركة بينها، وتطوير تكامل شبكات الطرق والاتصالات بين دول المجلس، وتعزيز الصناعات الوطنية وتسريع وتيرة نموها، بما في ذلك إزالة كل العقبات والصعوبات التي تواجه تنفيذ قرارات العمل الاقتصادي المشترك، واستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية.
وتُمكن الزيادة في أسعار النفط، دول الخليج من استكمال تنفيذ المشروعات المشتركة، التي تعزز التعاون الاقتصادي بينها، وتسهم في تنويع مصادر دخلها. ومن بين هذه المشروعات، مشروع «جسر المحبة»، بين قطر والبحرين، ومشروع «سكة حديد الخليج»، الذي يمتد من الكويت، مرورًا بالدمام، إلى مملكة البحرين، ومن الدمام إلى قطر عن طريق منفذ سلوى، وسيربط قطر بالبحرين، ومن السعودية إلى الإمارات، ومن ثم إلى مسقط.
علاوة على ذلك، تمكن الزيادة في أسعار النفط، من نمو حجم الاستثمارات المتبادلة بين دول الخليج. وعلى رأس هذه الاستثمارات، نموذج «التحالف بين السعودية والإمارات»، كأكبر اقتصاديين عربيين، الأول بناتج محلي إجمالي يزيد على 750 مليار دولار سنويًا، والثاني بنحو 420 مليار دولار سنويًا. ويعزز الزخم في العلاقات المتبادلة، مجلس التنسيق المشترك وتسهيلات وحوافر رجال الأعمال. وفيما تجاوز حجم الاستثمارات السعودية في الإمارات 10 مليارات دولار، فهو نفس الرقم تقريبًا لاستثمارات الإمارات في السعودية، كما بلغ عدد المشروعات السعودية في الإمارات 206 مشروعات، مقابل 140 مشروعا إماراتيا في السعودية.
في الوقت ذاته، تعد السعودية الشريك التجاري الأكبر للبحرين، حيث تستثمر في العديد من الأنشطة الاقتصادية لديها، إضافة إلى استثمارها في مشروع «جسر الملك حمد»، و«شبكة السكة الحديدية» بين البلدين، وتزيد استثماراتها على 2.5 مليار دولار. ويمثل الاستثمار السعودي نحو 80% من حجم المشاريع العقارية التي تتولاها الاستثمارات الأجنبية، ويستحوذ على نحو30% في المناطق الصناعية الجديدة، وتبلغ استثمارات السعوديين في البورصة البحرينية نحو 432 مليون دينار. ولدى اجتماع «المجلس التنسيقي السعودي-البحريني»، في ديسمبر2021؛ جرى بحث حزمة من المشاريع الاستثمارية الكبرى في البحرين، باستثمارات سعودية بلغت 5 مليارات دولار. وفي هذا الإطار، تم إعلان لدى زيارة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير «سلمان بن حمد» إلى أبو ظبي في نوفمبر2021. إنشاء «صندوق استثمار مشترك»، بين الإمارات، والبحرين. وفيما تزيد مشاريع «الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية»، في البحرين على 17 مشروعا بقيمة 150 مليون دينار؛ فإن استثمارات «الهيئة العامة للاستثمار الكويتية»، تبلغ أكثر من 914 مليون دينار، في الوقت الذي تواصل فيه «اللجنة العليا المشتركة البحرينية-الكويتية»، بحث الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي يتيحها التعاون بين البلدين.
وفي الوقت الذي يعد تعزيز الاستثمارات المشتركة، «أثرًا مباشرًا»، لارتفاع الإيرادات النفطية في 2022؛ فإن هذا الارتفاع يسهم أيضًا في دعم إيرادات «الصناديق السيادية الخليجية»، التي تعرضت للاستنزاف في فترة انخفاض أسعار النفط. ومع وجود أوجه إنفاق يصعب تقليصها، مثل «الإنفاق الأمني»، وسط أوضاع إقليمية ودولية مضطربة، و«الإنفاق الاجتماعي»، الذي يلبي حاجات السكان من إسكان، وتعليم، وصحة، وضمان اجتماعي، وأمن غذائي ومائي، وأمن طاقة وبيئة؛ وُضعت الدول الخليجية تحت ضغط تدبير الموارد المالية اللازمة لتغطية نفقاتها؛ ما اضطرها إلى السحب من هذه الصناديق، حتى إن «صندوق النقد الدولي»، حذر في فبراير 2020 من أنه «إذا استمرت دول الخليج في السحب على هذا النحو، فإنها قد تستنزف صناديقها السيادية في 15 عاما».
وبتفصيل أكثر، تعد الإمارات، «الثانية» عالميًا في حجم صناديق الثروة السيادية، بما يقارب 1.4 تريليون دولار، وتحتل السعودية المركز «الرابع»، عالميًا بنحو تريليون دولار، وتأتي الكويت في المرتبة «السادسة»، بأكثر من 530 مليار دولار، فيما تأتي قطر «السابعة»، بأكثر من 320 مليار دولار، وسلطنة عُمان، في المركز الـ24. بأكثر من 24 مليار دولار، والبحرين الـ«26»، بحجم صندوق يزيد على 18 مليار دولار. وقد مثلت هذه الصناديق دومًا حائط صد للوقاية من أزمات انخفاض أسعار النفط وتقلباته، حيث تنتعش حين ترتفع الإيرادات النفطية.
وفوق هذا وذاك، تمكن زيادة أسعار النفط دول الخليج من استئناف تنفيذ مشروعاتها التنموية التي أجلت تنفيذها في فترة انخفاض الأسعار، أو إطلاق مشروعات جديدة. واشتملت خطة التعافي البحرينية على تنفيذ مشروعات بقيمة 30 مليار دولار. وأعلنت الإمارات إطلاق50 مشروعا جديدا لتحقيق التميز في المنافسة الاقتصادية، تستهدف جذب استثمارات أجنبية بقيمة 150 مليار دولار، كما أعلنت الكويت عن 9 مشروعات بقيمة 65 مليار دولار. وفي السعودية، تم استئناف تنفيذ عدد من المشروعات العملاقة، كمشروع «منتزه الملك سلمان»، ومشروع الفدية «عاصمة الترفيه»، و«مشروع جبل عمر»، كما بدأت شركة «أكوا باور»، الاستثمار في 8 مشروعات جديدة في مجال الطاقة المتجددة، بقيمة 8 مليارات دولار. وفي منتدى المشاريع المستقبلية يوم 22 مارس 2022. تم إعلان 3000 مشروع بقيمة 213 مليار دولار.
ومن الثابت أنّ الدخول في هذه المشروعات، يزيد من قابلية الاقتصاد الخليجي للاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة مع توافر مناخ استثماري محفز لقدوم هذه الاستثمارات. ووفقا لصحيفة «فايننشيال تايمز»، فإن «دبي»، جاءت عام 2021. في المرتبة الأولى «عربيًا»، والثالثة «عالميًا»، من حيث تدفقات رؤوس الأموال، وعدد مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، فيما بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية 23 مليار دولار. وتوجهت الكويت إلى إنشاء 4 مناطق اقتصادية للاستثمار الأجنبي المباشر، تقدر القيمة المستهدفة للاستثمارات فيها بأكثر من تريليون دولار، وتجاوز رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في البحرين 33 مليار دولار، بينما بلغ 35 مليار دولار في قطر، و42 مليار دولار في سلطنة عُمان.
وبشكل عام، فإن تحسن وضع الاقتصاد الخليجي عام 2022. ينعكس على تحسن وضع الاقتصادات العربية، سواء من حيث زيادة قدرتها على الاستثمار، أو زيادة الفرص المتاحة للعمالة العربية في السوق الخليجي. وتعد مصر أكبر واجهة عربية للاستثمارات الخليجية، كما أن العمالة المصرية في دول الخليج هي الأكبر عربيًا. وفي عام 2021. قدرت تحويلاتها بـ31.5 مليار دولار، مثلت المصدر الأول للنقد الأجنبي لمصر. وفي 16 مارس 2022. تم التوقيع على اتفاقية بين السعودية ومصر، لقيام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بالاستثمار في مصر، وبلغت الاستثمارات السعودية في مصر أكثر من 30 مليار دولار، ويعد من أكبر المشروعات المشتركة بين البلدين مشروع الربط الكهربائي. فيما زادت الاستثمارات الإماراتية في مصر بنسبة 28% في عام2021. وقام صندوق ثروة أبوظبي باستثمار 2 مليار دولار في الربع الأول من عام 2022 بمصر، وتجاوزت الاستثمارات الكويتية 15 مليار دولار.
وفضلاً عن هذه الاستثمارات وفرص العمالة؛ فإن تحسن وضع الاقتصاد الخليجي، يزيد من قدرته على تقديم المساعدات التنموية، سواء للدول العربية أو للدول النامية. ومنذ عام 2015. وحتى نهاية 2021. زادت قيمة الدعم السعودي لليمن على 20 مليار دولار، وساعدت السعودية 164 دولة حول العالم بعدد مشروعات إنسانية وتنموية وخيرية، بلغت 4735 مشروعا، بقيمة أكثر من 48 مليار دولار، كما وصلت هذه المساعدات إلى منظمات وهيئات دولية؛ على رأسها الأمم المتحدة، والبنك الآسيوي للاستثمار، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والبنك الإسلامي للتنمية، من إجمالي جهات مستفيدة بلغت 49 جهة، بعدد مساهمات بلغ 563. وحجم مساعدات زاد على 2.2 مليار دولار. فيما بلغت قيمة المساعدات المقدمة للاجئين بنحو 17 مليار دولار. كما تأتي الإمارات على رأس المانحين للمساعدات التنموية عالميًا. وبحسب جدول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» ومنذ قيامها وحتى نهاية عام 2022. قدمت الإمارات مساعدات تزيد قيمتها على الـ100 مليار دولار، فيما يزيد قيمة المساعدات الخارجية الكويتية على 2 مليار دولار سنويًا.
على العموم، إذا كانت الأزمة العالمية القائمة حاليًا جراء الحرب الروسية الأوكرانية، والعقوبات الغربية على روسيا تلقي بظلالها على الاقتصاد الخليجي، لجهة ارتفاع أسعار الغذاء، كون البلدين المتنازعين من أكبر الموردين عالميًا للحبوب والزيوت واللحوم، ما قد يؤثر في حصاد الآثار الإيجابية لارتفاع أسعار النفط؛ فإن الاستثمارات التي قامت بها دول الخليج في القطاع الزراعي في قارات العالم المختلفة، قد جنبها الكثير من التبعات السلبية لهذه الأزمة، كما أنه في حال طال أمد هذه الأزمة، وامتدت العقوبات الغربية لتشمل قطاع الطاقة الروسي، فسوف يكون الاقتصاد الخليجي - صمام أمن الطاقة العالمي - على موعد مع أسعار نفط أخرى غير تلك السائدة حاليًا، وهو ما يمكنه من احتواء أي آثار اقتصادية سلبية جديدة.