top of page

12/4/2022

حظر واردات النفط والغاز الروسية.. وجهات نظر غربية

بعد أسابيع من التوتر المتصاعد بين روسيا والقوى الغربية، جرى تشديد حزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو بعد غزوها أوكرانيا في فبراير. وأعدت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والمفوضية الأوروبية خططًا لقطع أو إنهاء اعتمادها على إمدادات النفط والغاز الطبيعي الروسية، بجانب إصدار عقوبات على البنوك والأصول الخارجية الروسية، وانسحاب العديد من الشركات العالمية من البلاد. وتهدد احتمالية توقف الغرب عن شراء الطاقة من موسكو استمرارية الغزو في أوكرانيا.

 

وبطبيعة الحال، كان الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، أشد مؤيدي فرض حظر على صادرات النفط والغاز الروسية إلى الغرب، وقد دعا القوى الغربية إلى تبني عقوبات أشد ضد موسكو لإجبارها على التخلي عن خططها للاستيلاء على الأراضي الأوكرانية بالقوة.

 

وفي ترجمة فعلية، وقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يوم 8 مارس 2022، أمرًا تنفيذيًا يحظر على الشركات والأفراد في الولايات المتحدة استيراد النفط الخام الروسي وبعض المنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال والفحم . فيما وصفته كريستينا لو، من مجلة فورين بوليسي بأنه أحدث جهود واشنطن لخنق شريان الحياة الاقتصادي لروسيا . وحدد هذا الأمر فترة 45 يومًا لإنهاء العقود الحالية، وحظر على الشركات الأمريكية الاستثمار في صناعات النفط والغاز الروسية. وفي الإطار نفسه، أعلنت بريطانيا أنها ستتخلص تدريجيا من استخدام النفط والغاز الروسي في المملكة المتحدة بحلول نهاية عام 2022. وعلق وزير الأعمال والطاقة البريطاني كواسي كوارتنج، أن هذه الفترة تهدف إلى منح الأسواق والشركات وسلاسل التوريد الوقت الكافي لاستبدال الواردات الروسية.

 

ومن جانبها، أعلنت المفوضية الأوروبية، اعتزامها إنهاء اعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة من موسكو، بمقدار الثلثين في عام 2022، وبشكل كامل قبل عام 2030. وأوضح ستانلي ريد، في صحيفة نيويورك تايمز، أن مقترحات المفوضية الأوروبية هي مزيج من الإجراءات قصيرة المدى؛ بهدف تهدئة مخاوف التوريد، بالإضافة إلى مقترحات متوسطة الأجل تتعلق بتسريع تركيب معدات لتوليد كميات هائلة من الطاقة النظيفة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

 

وفي ضوء إحجام الغرب سابقا عن استهداف صناعة الطاقة الروسية؛ خوفًا من خلق حالة من عدم الاستقرار في السوق العالمية؛ علقت لو، بأن هذا التغيير في السياسة، يمثل تحولا كبيرا لواشنطن، والتي قاومت استهداف قطاع الطاقة بدافع القلق بشأن أمن الطاقة في الغرب، ومع ذلك فهو رمزي إلى حد كبير . وبالمثل، أشار لاري إليوت، في صحيفة الجارديان، إلى أن هذه الخطوة غير مكلفة لإدارة بايدن، حيث إن 8% فقط من صادرات النفط الروسية موجهة إلى الولايات المتحدة، رغم أنها لا تخلو من المخاطر الطفيفة.

 

وتمثل الإجراءات السابقة للحد من استخدام النفط والغاز الروسي ضربة اقتصادية جديدة لموسكو، حيث تعتبر احتياطيات النفط والغاز شريان الحياة الاقتصادي بالنسبة لها. وعلق نيكوس تسافوس، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بأن العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي، هي الورقة الرابحة الاقتصادية للغرب، وأن هذا القطاع يبدو اليوم أكثر هشاشة مما كان عليه قبل أسبوعين.

 

ومع ذلك، فإن المقاطعة الغربية لمبيعات الطاقة الروسية ستحمل أيضًا عواقب اقتصادية كبيرة على هذه البلدان. وأوضح مايكل شير، في صحيفة نيويورك تايمز، أن بايدن في خطابه الخاص بقرار مقاطعة النفط الروسي، حذر الأمريكيين من أن قرار إلحاق ضرر اقتصادي بروسيا، سيعني حتما ارتفاع أسعار الغاز في الداخل، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي برر هذه الصعوبة بالتعليق، إذا لم نرد على هجوم بوتين على السلام والاستقرار العالميين اليوم، فإن تكلفة الحرية والشعب الأمريكي ستكون أكبر غدًا.

 

وردا على هذه الإجراءات، توالت ردود الأفعال الغربية. ووفقًا لـ«شير»، امتد تأثير القرارات بسرعة عبر سوق الطاقة العالمية . وبالفعل، ارتفع سعر خام برنت مرة أخرى كرد فعل للإعلان، بنسبة 4% إلى 128 دولارًا للبرميل يوم 8 مارس، وفي الولايات المتحدة ارتفع متوسط سعر جالون البنزين إلى 4.173 دولارات، وهو مستوى مرتفع جديد بزيادة قدرها 72 سنتا عن الشهر السابق. وعززت مقاطعة النفط والغاز الروسيين، توقعات محللي الصناعة الغربيين بمزيد من ارتفاع أسعار الطاقة طوال عام 2022. وتوقعت شركة ريستاد إنرجي، أن يكون الحظر الغربي الكامل على النفط والغاز الروسي بمثابة حافز لوصول سعر النفط 200 دولار لبرميل النفط الخام. وهو أعلى بكثير من الرقم القياسي الحالي البالغ 147 دولارًا للبرميل. في حين أشار بنك أوف أمريكا، إلى أن فرض حصار واسع النطاق على النفط الروسي من شأنه أن يؤدي إلى صدمة في السوق تعادل إلى حد كبير أزمة النفط عام 1979، فضلًا عن احتمالية تجاوز الأسعار حد 200 دولار للبرميل. وحذر بوب مكنالي، من شركة رابيدن إنرجي جروب، من أن سوق الطاقة العالمية الآن في خطر تفاقم الأمر، ولكننا ما زلنا في المرحلة الأولى.

 

من ناحية أخرى، أعلنت العديد من الشركات الغربية سحب مصالحها من السوق الروسية. ومن بين الشركات العالمية التي علقت مؤخرًا عملياتها التجارية في البلاد بعد زيادة الضغط السياسي عليها شركة كوكاكولا، وماكدونالدز، وستاربكس، وبيبسيكو. وفي صناعة الطاقة، أوضحت شركة شل، أنها بدأت الآن في عملية سحب نفسها من جميع صناعة الهيدروكربونات الروسية، فيما وصفته صحيفة فاينانشيال تايمز، بأنه عقوبة مفروضة عليها. يأتي ذلك بعد أن أنهت شركات الطاقة العملاقة الأخرى، مثل بي بي، وإكسون موبيل أيضًا مشاركتها في صناعة الطاقة الروسية.

 

وعلى الرغم من الرد الغربي الموحد، بشكل عام على الغزو الروسي لأوكرانيا حتى الآن؛ فإن قضية أمن الطاقة هي أكبر عائق أمام عمل جماعي واضح ضد موسكو. وأشار شير، إلى أن بايدن، تصرف من دون الاتفاق مع الحلفاء، بعكس ما ميز معظم ردود الفعل نحو الاعتداءات الروسية خلال الأشهر الماضية. ورأى إليوت، أن الدول الأوروبية التي لا تزال تعتمد على الطاقة الروسية تتملكها مخاوف واضحة، بشأن خروج موسكو من منظومة الطاقة العالمية.

 

وتستقبل دول الاتحاد الأوروبي 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا. وبالفعل، سبق هذه الإجراءات، تأكيد المستشار الألماني، أولاف شولتز، عدم قدرة بلاده على تأمين إمدادات الطاقة في أوروبا لتوليد نظام التدفئة والتنقل وإمدادات الطاقة والصناعة بأي طريقة أخرى بعيدا عن روسيا، كما أشار مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي، إلى اعتماد بلاده على الغاز الطبيعي الروسي باعتباره حقيقة مؤلمة.

 

وعلى الرغم من التحفظات العامة، لا يزال احتمال قيام الدول الأوروبية بفرض عقوبات وحظر على الطاقة الروسية قائما. وأوضحت لو، أنه من المتوقع أيضًا أن تستهدف عدة دول أوروبية أخرى قطاع النفط الروسي، وإن كان ذلك أقل حدة من قرار الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة. ويكمن جوهر هذه الخطط في إدراك أن الاعتماد على النفط والغاز الروسي غير مستدام لأمن الطاقة على المدى الطويل، وهو ما تضمنه تصريح أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، من أن أوروبا ببساطة لا تستطيع الاعتماد على مورد يمثل تهديدا لنا بشكل صريح.

 

وبينما تواجه موسكو الآن إجراءات غربية واسعة النطاق ضد صادراتها من الطاقة؛ فإن العوائق التي فرضتها حتى الآن الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والتي اقترحتها المفوضية الأوروبية، لا تعادل حظرًا عالميًا أو حصارًا على النفط والغاز الروسي، مع توضيح ديريك بروير، و جاستن جاكوبس، و مايلز ماكورميك، في صحيفة فاينانشيال تايمز، إن فرض حظر أوسع سيتطلب عقوبات ثانوية، ضد مشترين آخرين لإمدادات موسكو، بالإضافة إلى تعاون الاتحاد الأوروبي، ووجهات نظر مماثلة من الهند والصين، أكبر مشتر للنفط من روسيا. ويبدو أن هذا الاحتمال الأخير بعيد المنال. وفيما يتعلق باحتمالية فرض عقوبات ثانوية غربية ضد مشتري الطاقة الروسية الآخرين، أوضحت هيليما كروفت، من شركة ار بي سي كابيتال، أن هذا هو الوقت الذي يصبح فيه الأمر خطيرًا حقًا، بالنظر إلى الكيفية التي يتعين على المصافي في الهند والصين حساب التكلفة والعائد، بشأن مخاطر استمرار النفط والغاز الروسي المهم.

 

ومع تقليص الصادرات الروسية، فإن السؤال المهم، هو كيف سيتم تعويض العجز في الإمدادات إلى أوروبا والغرب. وفي حين أشار ستانلي ريد، في صحيفة نيويورك تايمز، إلى أنه إذا وافق قادة أوروبا على قطع النفط والغاز الروسي، فسيكون لذلك فائدة كبيرة لمجموعة متنوعة من شركات الطاقة، أي موردي الغاز الطبيعي المسال في قطر وحول خليج المكسيك، بالإضافة إلى الشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية ومزارع الرياح البحرية. إلا أنه من الواضح أيضًا أن هناك العديد من العوائق اللوجستية والسياسية تقف في طريق هذا التحول المبسط للطاقة.

 

وبينما أوضح ماركو ألفيرا، من شركة سنام للغاز الطبيعي، أنه يمكن إنجاز الكثير في غضون ستة أشهر، إذا قوبلت الأزمة بـ«رد فعل شبيه بالحرب»، فإن حقيقة أن البيت الأبيض قد تعهد بإطلاق 30 مليون برميل من النفط من احتياطياته الاستراتيجية، كجزء من جهد 30 دولة أخرى لإطلاق 60 مليون برميل في السوق العالمية؛ توضح أنه سيكون هناك القليل من عدم اليقين على المدى القصير، بشأن واردات الطاقة إلى الغرب.

 

وبشكل عام، فإن ردع بوتين عن مواصلة مهاجمة البلدات والمدن الأوكرانية يمثل معضلة في ظل وجود ضغوط أخلاقية واقتصادية وسياسية متعددة. وأشار ديفيد سميث، في صحيفة الجارديان، إلى أن بايدن، الآن في مأزق صعب، حيث يواجه مطالب بتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا، في الوقت الذي يتجنب فيه حرب عالمية ثالثة مع موسكو، مضيفا أنه يخوض أخطر مواجهة مع زعيم روسي منذ مواجهة جون كينيدي، ضد خروتشوف في أزمة الصواريخ الكوبية، كما رأى سميث، أنه لا توجد إجراءات اتخذها الغرب حتى الآن منعت الكارثة الإنسانية في أوكرانيا.

 

على العموم، فإنه في حين أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا فشلت حتى الآن في وقف حملتها العسكرية، إلا أن هناك أيضًا إدراك واسع النطاق بين المحللين الغربيين، بأن العقوبات الاقتصادية الصارمة ضد موسكو، بما في ذلك تلك المتعلقة بصناعة الطاقة، ستضر بالكتلة الاقتصادية الغربية، وكما علق إليوت، فإنه كلما طالت الحرب الاقتصادية، ارتفعت التكلفة لجميع المعنيين.

{ انتهى  }
bottom of page