top of page

13/4/2022

البعد الاجتماعي في خطة التعافي الاقتصادي البحرينية

مثل البعد الاجتماعي سمة من أبرز سمات السياسة الاقتصادية البحرينية، بل يعد أحد ثوابتها التي أكدت عليها في «رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، دون أن يقتصر هذا البعد على برامج الحماية الاجتماعية مع اتساع هذه البرامج وشمولها، ولكنه امتد إلى التزام الحكومة في كل الأوقات بدعم مختلف جوانب التنمية البشرية، حتى في تلك الظروف التي تدنت فيها أسعار النفط، وحققت الموازنة العامة للدولة عجزا. وحين كانت المفاضلة في تقليص هذا العجز بين زيادة الدين العام -مع ما لذلك من تبعات على التصنيف الائتماني للمملكة- وبين تقليص الإنفاق الاجتماعي؛ كان الاختيار زيادة هذا الدين.

 

وفي تأييد لهذا، حين توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، أثناء جائحة كورونا، ووجه جلالة الملك بتخصيص نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي (4.5 مليارات دينار)، للتخفيف من تأثير تداعيات هذه الجائحة وتحقيق استقرار القوى العاملة، ورغم ما اقتضته اعتبارات تحقيق الاستقرار المالي من خفض للإنفاق؛ فإن الحكومة جعلت المواطن البحريني في مأمن من تأثير هذا الخفض. وحين لجأت إلى اتباع سياسة ضريبية تمثلت في فرض ضريبة القيمة المضافة، لم تلجأ إلى ضرائب على الدخل، ولكنها لجأت إلى ضريبة على الإنفاق، أي إن المواطن لا يتحملها إلا بمناسبة إنفاقه على عدد من السلع والخدمات.

 

وقبل أن ينتهي عام 2021 أعلن وزير المالية والاقتصاد الوطني البحريني، الشيخ سلمان بن خليفة، في 31 أكتوبر، خطة التعافي الاقتصادي، التي توجهت إلى تحقيق الاستقرار المالي بحلول 2024، مستفيدًا من البدء الفعلي لهذا التعافي، حين حقق الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نسبة نمو 12.8% من الربع الثاني للعام المنصرم. وفي جوانبها الاقتصادية، سعت الخطة -عبر تسهيل الإجراءات التجارية وزيادة فاعليتها، وتسريع إصدار التصاريح والموافقات الحكومية للشركات الأجنبية، وطرح إقامات دائمة للمستثمرين وأصحاب المواهب، والتوقيع على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية- إلى استقطاب استثمارات أجنبية بقيمة أكثر من 2.5 مليار دولار بحلول 2023، فضلا عن تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى، عبر إطلاق مشاريع استراتيجية بقيمة أكثر من 30 مليار دولار، من بينها مشروع مترو البحرين، ومنطقة التجارة الأمريكية، ومنطقة الصناعات التحويلية في قطاع الألمونيوم.

 

ومن المعلوم، أن المملكة كانت قد أطلقت في عام 2015، حزمة مشاريع تنموية بقيمة 32.5 مليار دولار، ومن أبرز ما تم إنجازه منها: مشروع مبنى المسافرين الجديد بمطار البحرين الدولي، وخط الصهر السادس بألبا، ومنصة استيراد الغاز المسال، وخطة الأنابيب النفطي (أ, ب), وإنشاء خمس مدن جديدة (مدينة سلمان – مدينة خليفة – مدينة شرق الحد – مدينة شرق سترة – ضاحية الرملي), ومشاريع بنية تحتية على رأسها شبكة كهرباء ضغط عالٍ بمستوى 400 كيلو فولت، مكونة من عدة محطات وخطوط وتطوير مختلف الشوارع والتقاطعات الرئيسية.

 

واشتملت خطة التعافي أيضًا على تحقيق نمو القطاع غير النفطي بنسبة 5%، عبر تنمية القطاعات الواعدة، كقطاع السياحة، باستهداف زيادة عدد السائحين إلى 14 مليون سائح، وإنفاق السياح إلى 2 مليار دينار، وقطاع الخدمات اللوجستية، برفع كمية الشحن بالميناء إلى مليون حاوية، ومن المطار إلى مليون متر متري بحلول 2030، وزيادة عدد الوجهات الجوية إلى أكثر من 70 وجهة بحلول 2025، وجعل البحرين من أفضل ثلاثة إقليميًا وعشرين عالميًا في الخدمات اللوجستية، وزيادة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10% بحلول 2030، إلى جانب تنمية قطاع النفط والغاز من خلال استكمال المشاريع الرئيسية، مثل استكمال إنشاء 22 محطة وقود جديدة، ومتابعة تطوير موارد النفط والغاز، مثل مشروع خليج البحرين، والقواطع البحرية، وحقل البحرين.

 

ويبدو البعد الاجتماعي في أولويات هذه الخطة في خلق فرص عمل واعدة، وتوظيف 20 ألف بحريني وتدريب 10 آلاف سنويًا حتى 2024، بما يحقق أحد المبادئ الرئيسية لرؤية البحرين الاقتصادية 2030، وهي جعل المواطن البحريني الخيار الأول في سوق العمل. وقد جاء هذا الهدف واقعيًا، حيث قامت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية من خلال البرنامج الوطني للتوظيف، بتوظيف 26 ألف بحريني في القطاع الخاص في نحو 6642 منشأة في 2021، وتدريب نحو 12 ألفا، كما تتسع الفرص لتشغيل البحرينيين وزيادة أجورهم، فمازالت نسبة البحرنة في القطاع الخاص عند حدود 33%، كما أن نسبة البحرينيين المشتغلين في القطاع الخاص، الذين يتقاضون أجورًا تزيد على 600 دينار شهريًا في حدود 35%. وفيما ترتفع نسبة البحرنة في قطاع الاتصالات، وتبلغ 71% وفي قطاع الخدمات المالية وتبلغ 68%؛ إلا أنها في قطاع الصناعة تبلغ 19.5%، وفي قطاع السياحة 22%.

 

وتأتي هذه الفرص في قطاع السياحة، عبر تنفيذ استراتيجيته (2022–2026)، وفي قطاع الصناعة لنفس الفترة، والتي يستهدف فيها رفع نسبة البحرنة إلى 25.3%. ويسعى قطاع السياحة إلى رفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 7% إلى 11.4%، وأعداد السياح من 11 مليونا إلى 14.1 مليون سائح، وأن يبلغ متوسط الليالي السياحية 3.5 ليال، ومتوسط إنفاق السائح 74.5 دينارا بحرينيا. وكما تأتي فرص العمل في المجالات المختلفة للنشاط السياحي من فندقة ومطاعم ومقاهي فضلاً عن الخدمات المحاسبية والإدارية والفنية المرتبطة؛ فإنها تأتي أيضًا من أعمال التشييد والتجهيزات لمشروعات هذا القطاع من فنادق وواجهات غوص وشواطئ وأماكن ترفيه. ومن جانبها، قامت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية, بتنفيذ برامج تدريبية احترافية في قطاع السفر والسياحة لتسريع إدماج الباحثين عن عمل، إلى جانب تقديم الحوافز للشركات التي توظف المواطن البحريني، ومنها دعم الأجور وتوفير التدريب المهني المجاني، فضلاً عن التسهيلات الإدارية.

 

ولتحقيق الاستفادة من فرص العمل التي يتيحها تنفيذ استراتيجيات خطط التعافي، تم نقل صلاحيات إعداد خطة هيئة تنظيم سوق العمل, إلى وزير العمل بعد أن كان يقدمها الرئيس التنفيذي، ويتم متابعة الخطة والإشراف على تنفيذها من قبل مجلس الوزراء، واللجان الوزارية ذات العلاقة. ويجري تضمين هذه الخطة في خطة التعافي الاقتصادي، وبرنامج عمل الحكومة. وقد تضمنت خطة (2021– 2023)، تنفيذ خطة مطورة مستدامة للتعليم ما بعد المدرسي لإعداد كوادر وطنية بمستوى دولي من خلال تنفيذ نظام للتعليم والتدريب، إلى جانب العمل على مبادرة منصة مهارات التوظيف, كمنظومة إلكترونية تقدم بيانات شاملة ومتكاملة لأهم المهارات، التي يطلبها سوق العمل، ومبادرة مهارات البحرين كأحد المشاريع الحيوية المتصلة بخطة التعليم ما بعد المدرسة.

 

 وتعزيزًا لأفضلية البحريني للتوظيف في القطاع الخاص، بلغت ميزانية البرنامج الوطني للتوظيف 120 مليون دينار لدعم التوظيف والتدريب على مدى 3 سنوات من قبل تمكين, إلى جانب جعل التكلفة تميل لصالح البحريني. وتمديد فترة الإعلان عن الوظائف في الصحافة، وتسهيل تسجيل الباحثين عن عمل، وتسهيل العمل عن بعد، والعمل الجزئي للإناث لتسريع إدماج المرأة في سوق العمل، وفرض نسب بحرنة بشكل متفاوت على منشآت القطاع الخاص، وترشيد استقدام العمالة الوافدة، وإقامة معرض توظيف إلكتروني دائم، إلى جانب برامج التدريب على رأس العمل، والتدريب مع ضمان الوظيفة.

 

يتمثل البعد الاجتماعي أيضا في زيادة مساحة العمران، وهو ما يتيح حلولا جذرية لمشكلة الإسكان، للتعامل مع ارتفاع معدل النمو السكاني، وزيادة الطلب على المساكن، حيث احتوت خطة التعافي على خمس مدن جديدة، يجري العمل حاليًا على إعداد مخططاتها العامة، وتزيد مساحة العمران في المملكة بنحو 60%. وتقع هذه المدن في مناطق (فشت الجارم، وجزيرة سهيلة، وفشت العظم، وخليج البحرين، وجزر حوار. ويأتي هذا التوسع العمراني، بجانب ما حققته الحكومة بالشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذ مبادرة جلالة الملك, بتوفير 40 ألف وحدة سكنية، حيث أقامت خمس مدن إسكانية جديدة (مدينة سلمان، وتضم نحو 12 ألف وحدة سكنية، ومنطقة شرق الحد 5000 وحدة سكنية، ومنطقة شرق سترة 3500 وحدة سكنية، ومدينة خليفة 4500 وحدة سكنية، وضاحية الرملي 4000 وحدة سكنية)، إلى جانب برنامج شراكة, الذي يتم فيه المزايدة على حقوق تطوير الأراضي الحكومية من قبل القطاع الخاص، فضلا عن تطوير 132 منزلا بمنطقة اللوزي، ويتم حاليًا التوسع في هذا البرنامج ليشمل 16 ألف وحدة سكنية بجودة عالية.

 

ويتمثل البعد الاجتماعي كذلك فيما احتوته خطة التعافي من مشروعات، تدعم جودة التعليم العالي، شملت مشروع مدينة الملك عبدالله الطبية, وهو مجمع للرعاية الصحية يضم مرافق أكاديمية وطبية، ومراكز للأبحاث المتخصصة في دراسة الأمراض السائدة في المنطقة. ويتم تنفيذ هذا المشروع على مرحلتين، الأولى قسم تعليمي من ثمانية طوابق بسعة 300 سرير، ومختبرات حديثة ومركز تصوير إشعاعي. والثانية تتوسع إلى 500 سرير ومركز بحث وتطوير وقاعدة مؤتمرات، كما شملت الخطة مشروع كلية الهندسة لجامعة البحرين، والذي يوفر بيئة علمية تساهم في إثراء البحث العلمي وتطوير التقنيات الهندسية لخدمة الصناعات المحلية والإقليمية، كما يتسع التطوير للمجالات جديدة كعلوم الفضاء، وإعداد الكوادر المتخصصة في المجالات التي تلبي احتياجات سوق العمل.

 

وفي مجال النقل يأتي مشروع مترو البحرين, الذي انتهت دراسته الاستشارية، وبدأت الحكومة مرحلته الأولى، التي تمثل خطوة مهمة في مساعيها لتطوير شبكة النقل الحضري بطول 109كم. ويبلغ عدد الركاب في السنوات الأولى للتشغيل نحو 200 ألف راكب يوميًا، ويسعى المشروع كنظام نقل بديل مستدام وعصري إلى جعل استخدام المترو أفضلية على استخدام السيارة الخاصة، بما يقلل من الاختناقات المرورية، ويخفض الطلب المحلي على الوقود، ويحسن البيئة. كما يأتي أيضًا مشروع جسر الملك حمد, الذي يربط بين البحرين والسعودية بطول 25كم، وأربعة مسارات، وجزء من مسار السكة الحديدية الخليجية. ويعزز هذا المشروع حركة التجارة والسياحة بين البلدين، كما أنه يسهم في حل مشكلة الازدحام على جسر الملك فهد، ويعزز كفاءة نقل البضائع والأفراد. كما يأتي مشروع الشارع الشمالي بطول 22.5كم، يستكمل تطوير شبكة الطرق ويواكب التوسع العمراني، ويوفر ممرات للنقل على طول المحيط الشمالي للمملكة، ويعزز من الربط بين المشاريع الاستراتيجية والإسكانية.

 

يضاف إلى أهمية ذلك ما اشتمل عليه البعد الاجتماعي من مشروعات في القطاع الصحي، التي تضم مجمع دالمونيا للخدمات الصحية, والذي يقدم خدمات وعيادة في مختلف التخصصات، ومستشفى الملك حمد, بمنطقة عالي، وتشمل كل التخصصات أيضًا بطاقة 125 سريرا، فضلاً عن غرفة للعمليات الجراحية الدقيقة، وتعتمد المستشفى على الطاقة الشمسية بنسبة 75%. وفي قطاع الشباب والرياضة نجد مشروع المدينة الرياضية، الذي يتضمن ملعبا رياضيا متكاملا، هو الأكبر على مستوى المملكة، وصالة متعددة الاستخدامات، ومسارات لألعاب القوى، ومجمع متاجر وفنادق.

 

على العموم، فإنه باستكمال تنفيذ استراتيجيات خطة التعافي البحرينية في أبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية، تكون المملكة قد حققت نقلة نوعية كبرى في تنفيذ رؤيتها الاقتصادية 2030 تجعلها على مقربة من الإنجاز الكامل لأهداف التنمية المستدامة 2030.

{ انتهى  }
bottom of page