top of page

21/4/2022

التكامل الصناعي الخليجي.. ضرورة استراتيجية

يبين‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أن‭ ‬التصنيع‭ ‬قد‭ ‬مثّل‭ ‬الحلقة‭ ‬المحورية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تقدم‭ ‬الدول،‭ ‬وذلك‭ ‬لآثاره‭ ‬الواسعة‭ ‬والعميقة‭ ‬التي‭ ‬يرتبها‭ ‬لكل‭ ‬القطاعات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬حدث‭ ‬تكامل‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬الصناعة‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬وأكثر‭ ‬ربحية،‭ ‬ويحتوي‭ ‬أسباب‭ ‬المنافسة‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬الحروب،‭ ‬وهذا‭ ‬الإدراك‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬السوق‭ ‬الأوروبية‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬طالما‭ ‬تصارعت‭ ‬وتحاربت،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬نواة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬كما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭. ‬

وقد‭ ‬سعت‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬اقتفاء‭ ‬الدرس‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وتحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬بين‭ ‬دولها،‭ ‬والتوافق‭ ‬على‭ ‬ترحيل‭ ‬الصراعات‭ ‬القائمة‭ ‬بينها‭ ‬حتى‭ ‬يتحقق‭ ‬هذا‭ ‬التكامل‭. ‬وحين‭ ‬تحقق‭ ‬أوجد‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬الأسباب‭ ‬السياسية‭ ‬إلى‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭. ‬ولعل‭ ‬النموذج‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬نموذج‭ ‬‮«‬الآسيان‮»‬،‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬التي‭ ‬توافقت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحدي‭ ‬الفقر‭ ‬والتخلف‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬السياسية،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬أمامها‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬بين‭ ‬دولها‭.‬

وفي‭ ‬إدراك‭ ‬لذلك،‭ ‬تقدم‭ ‬‮«‬اتحاد‭ ‬الغرف‭ ‬التجارية‭ ‬الخليجية‮»‬،‭ ‬باقتراح‭ ‬لوزراء‭ ‬التجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬بدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬خلال‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2020،‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬الصحية‭ ‬والطبية‭ ‬والزراعة‭ ‬والمواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬ويحث‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬دفع‭ ‬الاستثمار‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬استدامة‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والصحي‭ ‬الخليجي،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬إجراءات‭ ‬حمائية‭ ‬حظرت‭ ‬فيها‭ ‬تصدير‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬والأدوية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تستورد‭ ‬فيه‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬نحو‭ ‬90‭%‬‭ ‬من‭ ‬احتياجاتها‭ ‬الغذائية،‭ ‬وتأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثامنة‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬واردات‭ ‬الأغذية،‭ ‬وقد‭ ‬بلغت‭ ‬قيمة‭ ‬وارداتها‭ ‬منها‭ ‬نحو‭ ‬52‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2020‭. ‬والتكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ -‬خاصة‭ ‬في‭ ‬السلع‭ ‬الاستراتيجية‭- ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬يحقق‭ ‬لها‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬بإحلال‭ ‬المنتجات‭ ‬الوطنية،‭ ‬فإنه‭ ‬يزيد‭ ‬صادراتها‭ ‬غير‭ ‬النفطية،‭ ‬ويوفر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للمواطنين،‭ ‬ويحقق‭ ‬أمنها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‭ ‬المختلفة‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬قد‭ ‬ركز‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التنسيق‭ ‬والتكامل‭ ‬والترابط‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬دوله‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات،‭ ‬وتوثيق‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬شعوبها،‭ ‬ووضع‭ ‬أنظمة‭ ‬متماثلة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الميادين‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والجمركية‭ ‬والنقل‭ ‬وفي‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬وحدتها‭. ‬ونصت‭ ‬المادة‭ ‬الثامنة‭ ‬من‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لعام‭ ‬2001‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬على‭ ‬بذل‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زيادة‭ ‬مساهمة‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬وعلى‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الدول‭ ‬بتوفير‭ ‬التشريعات‭ ‬والأنظمة‭ ‬الداعمة‭ ‬لذلك‭. ‬

ولتحقيق‭ ‬الاستفادة‭ ‬القصوى‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يقتضي‭ ‬وضع‭ ‬خريطة‭ ‬صناعية‭ ‬لكل‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬توزيع‭ ‬إقامة‭ ‬المصانع‭ ‬بينها،‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬الميزة‭ ‬النسبية‭ ‬لكل‭ ‬دولة،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬التكامل‭ ‬الفعلي،‭ ‬ويعود‭ ‬بالفائدة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬منافسة‭ ‬أو‭ ‬تكرار،‭ ‬ويرشد‭ ‬إقامة‭ ‬الصناعات‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الكفاءة‭ ‬والإنتاجية،‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالمنافسة‭ ‬مع‭ ‬الخارج‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬غير‭ ‬الخليجية،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬السوق‭ ‬الخليجي‭ ‬الذي‭ ‬تزيد‭ ‬قيمته‭ ‬على‭ ‬1‭.‬7‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭. ‬ومن‭ ‬صور‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬التي‭ ‬أوجدتها‭ ‬العولمة‭ ‬أن‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الصناعة‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬وجزء‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬الميزة‭ ‬النسبية،‭ ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬الواضحة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬صناعات‭ ‬السيارات‭ ‬وأجهزة‭ ‬الحاسوب‭.‬

وبالفعل،‭ ‬أخذ‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬عدة‭ ‬خطوات‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬تحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي،‭ ‬كإقرار‭ ‬‮«‬الاستراتيجية‭ ‬الموحدة‭ ‬للتنمية‭ ‬الصناعية‮»‬‭ ‬لدول‭ ‬المجلس‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬وتعديلاتها‭ ‬في‭ ‬1998،‭ ‬وتحقيق‭ ‬المواطنة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الصناعي،‭ ‬وإعفاء‭ ‬المنتجات‭ ‬الصناعية‭ ‬ذات‭ ‬المنشأ‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬والرسوم‭ ‬ذات‭ ‬الأثر‭ ‬المماثل‭. ‬وقضت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2001،‭ ‬بمبدأ‭ ‬معاملة‭ ‬السلع‭ ‬المنتجة‭ ‬بدول‭ ‬المجلس‭ ‬نفس‭ ‬المعاملة‭ ‬الوطنية‭. ‬ومنذ‭ ‬بدء‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الجمركي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬تم‭ ‬إعفاء‭ ‬جميع‭ ‬المنتجات‭ ‬المصنعة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭. ‬وبمقتضى‭ ‬قرارات‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬في‭ ‬أبوظبي‭ ‬1986‭ ‬تم‭ ‬السماح‭ ‬للمستثمرين‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬قروض‭ ‬من‭ ‬بنوك‭ ‬وصناديق‭ ‬التنمية‭ ‬الصناعية‭ ‬بالدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬ومساواتهم‭ ‬بالمستثمر‭ ‬الوطني،‭ ‬كما‭ ‬قضت‭ ‬قرارات‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬بمسقط‭ ‬2001،‭ ‬بإعفاء‭ ‬مدخلات‭ ‬الصناعة‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭. ‬

وتشريعيا،‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬التعاون‮»‬،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التشريعات‭ ‬الموحدة‭ ‬المدعمة‭ ‬لعملية‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي،‭ ‬كالقانون‭ ‬الموحد‭ ‬للتنظيم‭ ‬الصناعي‭ ‬لدول‭ ‬المجلس،‭ ‬وقانون‭ ‬مكافحة‭ ‬الإغراق‭ ‬وقواعد‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬في‭ ‬المشتريات‭ ‬الحكومية‭ ‬للمنتجات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وقواعد‭ ‬موحدة‭ ‬لتشجيع‭ ‬قيام‭ ‬المشروعات‭ ‬الصناعية‭ ‬الخليجية‭ ‬المشتركة،‭ ‬واستخدام‭ ‬المنتجات‭ ‬الصناعية‭ ‬الخليجية‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬القروض‭ ‬والإعانات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬لدول‭ ‬أخرى،‭ ‬واستراتيجية‭ ‬تنمية‭ ‬الصادرات‭ ‬الصناعية‭ ‬غير‭ ‬النفطية،‭ ‬وشهد‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬2022‭ ‬انطلاق‭ ‬فعاليات‭ ‬ورشة‭ ‬العمل‭ ‬الخليجية‭ ‬لمناقشة‭ ‬مسودة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الصناعية‭ ‬الموحدة‭ ‬لدول‭ ‬المجلس‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬هيكل‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬لدول‭ ‬المجلس،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬المعادن‭ ‬الإنشائية‭ ‬والنقل‭ ‬يتصدران‭ ‬بقية‭ ‬القطاعات،‭ ‬يليهما‭ ‬قطاع‭ ‬صناعة‭ ‬المنتجات‭ ‬الكيميائية‭ ‬والبتروكيميائية‭. ‬وقد‭ ‬شهد‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬نموًا‭ ‬متسارعًا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬المصانع‭ ‬أو‭ ‬الاستثمارات‭ ‬أو‭ ‬حجم‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭. ‬وأولت‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بتنميته،‭ ‬سواء‭ ‬لجهة‭ ‬توفير‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬اللازمة‭ ‬وإنشاء‭ ‬المدن‭ ‬الصناعية،‭ ‬أو‭ ‬لجهة‭ ‬إنشاء‭ ‬صناديق‭ ‬التنمية‭ ‬الصناعية‭. ‬ومنذ‭ ‬2003‭ ‬تعمل‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬الخليج‭ ‬للاستشارات‭ ‬الصناعية‮»‬،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتنمية‭ ‬الصناعية‮»‬،‭ ‬‮«‬اليونيدو‮»‬،‭ ‬على‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الشبكة‭ ‬الخليجية‭ ‬للمناولة‭ ‬والشراكة‭ ‬الصناعية‮»‬،‭ ‬وتطبق‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬على‭ ‬الصناعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة،‭ ‬بواسطة‭ ‬دمج‭ ‬المبادرات‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬وربط‭ ‬جميع‭ ‬مراكز‭ ‬المناولة‭ ‬والشراكة‭ ‬الصناعية‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬مشتركة،‭ ‬فالشبكة‭ ‬هي‭ ‬مركز‭ ‬للربط‭ ‬الصناعي‭ ‬بين‭ ‬المشترين‭ ‬والموردين‭ ‬لتعزيز‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد،‭ ‬ودعم‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬لوصوله‭ ‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة،‭ ‬وتم‭ ‬إنشاء‭ ‬بوابة‭ ‬تفاعلية‭ ‬لهذه‭ ‬الشبكة،‭ ‬فيما‭ ‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1500‭ ‬مورد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬عليها،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬أعضاء‭ ‬مركز‭ ‬مناولة‭ ‬دبي‭ ‬418‭ ‬عضوًا،‭ ‬والبحرين‭ ‬200،‭ ‬وقطر‭ ‬276،‭ ‬والكويت‭ ‬400،‭ ‬والسعودية‭ ‬528‭.‬

وفي‭ ‬سعيها‭ ‬لتحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي،‭ ‬استضافت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2021،‭ ‬الاجتماع‭ ‬‮«‬48‮»‬،‭ ‬للجنة‭ ‬التعاون‭ ‬الصناعي‭ ‬الخليجية،‭ ‬في‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬كونه‭ ‬أحد‭ ‬الخيارات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لتعزيز‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وبما‭ ‬يواكب‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة،‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬الصناعات‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وإنترنت‭ ‬الأشياء،‭ ‬وتطوير‭ ‬الأنظمة‭ ‬والسياسات‭ ‬والقوانين‭. ‬

واستمرارًا‭ ‬لهذا‭ ‬النهج،‭ ‬تتجه‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لمواصلة‭ ‬تنفيذ‭ ‬رؤاها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2030،‭ ‬والتي‭ ‬تحتل‭ ‬فيها‭ ‬الصناعة‭ ‬مكانة‭ ‬بارزة،‭ ‬مستهدفة‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬نسبتها‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬الى‭ ‬25‭%‬‭ ‬بحلول‭ ‬2030‭. ‬وتستهدف‭ ‬استراتيجية‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭ ‬البحريني‭ (‬2022–2026‭)‬،‭ ‬رفع‭ ‬مساهمة‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭ ‬التحويلية‭ ‬من‭ ‬12‭.‬8‭%‬‭ ‬في‭ ‬2019،‭ ‬إلى‭ ‬14‭.‬5‭%‬‭ ‬في‭ ‬2026،‭ ‬وزيادة‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬59‭ ‬ألفا‭ ‬في‭ ‬2019،‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬65‭ ‬ألفا‭ ‬في‭ ‬2026،‭ ‬ورفع‭ ‬نسبة‭ ‬البحرنة‭ ‬من‭ ‬23‭%‬‭ ‬إلى‭ ‬25‭.‬3‭%‬‭. ‬وقد‭ ‬وضعت‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬نصب‭ ‬أعينها‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬لتحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬عليه‭ ‬قادة‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬قمتهم‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2021‭. ‬

ومن‭ ‬جانبها‭ ‬وضعت‭ ‬الإمارات‭ ‬خططا‭ ‬استراتيجية‭ ‬تستهدف‭ ‬رفع‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬من‭ ‬133‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬إلى‭ ‬300‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬عام‭ ‬2031،‭ ‬مع‭ ‬التوجه‭ ‬لتهيئة‭ ‬الإمارات‭ ‬لتكون‭ ‬مركزا‭ ‬إقليميا‭ ‬وعالميا‭ ‬لصناعات‭ ‬المستقبل‭. ‬وفيما‭ ‬تبلغ‭ ‬نسبة‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬نحو‭ ‬12‭%‬‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬للسعودية،‭ ‬فإنه‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ (‬1970–2019‭)‬،‭ ‬حققت‭ ‬هذه‭ ‬الصناعات‭ ‬معدل‭ ‬نمو‭ ‬سنوي‭ ‬مركب‭ ‬نحو‭ ‬5‭.‬2‭%‬،‭ ‬وغدت‭ ‬تمثل‭ ‬نحو‭ ‬54‭.‬2‭%‬‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬الخليجية‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬حقق‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭ ‬القطري‭ ‬معدل‭ ‬نمو‭ ‬6‭%‬،‭ ‬فيما‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬المصانع‭ ‬927‭ ‬مصنعا،‭ ‬وقادت‭ ‬الصناعة‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لسلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬والكويت‭ ‬في‭ ‬2021‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬الرؤى،‭ ‬تمتلك‭ ‬الصناعات‭ ‬الخليجية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬التكامل،‭ ‬مثل‭ ‬الثروات‭ ‬المعدنية‭ ‬الهائلة‭. ‬وفي‭ ‬السعودية‭ ‬وحدها‭ ‬تقدر‭ ‬بنحو‭ ‬5‭ ‬تريليونات‭ ‬ريال‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5300‭ ‬موقع،‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬والفضة‭ ‬والنحاس‭ ‬والحديد‭ ‬وغيرها‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قدرة‭ ‬تمويلية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أرصدة‭ ‬الصناديق‭ ‬السيادية،‭ ‬وعمالة‭ ‬ماهرة‭ ‬مدربة،‭ ‬وسوق‭ ‬كبير‭ ‬خليجي‭ ‬وإقليمي،‭ ‬وبنية‭ ‬تحتية‭ ‬صناعية‭ ‬محفزة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرات‭ ‬ناجحة،‭ ‬من‭ ‬أمثلتها‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬‮«‬شركة‭ ‬الخليج‭ ‬لصناعة‭ ‬البتروكيماويات‮»‬،‭ ‬و«شركة‭ ‬ألبا‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬إنتاجها‭ ‬السنوي‭ ‬يتجاوز‭ ‬1‭.‬35‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬لتصبح‭ ‬أكبر‭ ‬مصهر‭ ‬ألومنيوم‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬المشروعات‭ ‬الخليجية‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تؤهل‭ ‬الربط‭ ‬والتشابك‭ ‬الصناعي،‭ ‬كجسر‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬والبحرين،‭ ‬والذي‭ ‬يدعمه‭ ‬جسر‭ ‬الملك‭ ‬حمد،‭ ‬ومشروع‭ ‬السكة‭ ‬الحديدية‭ ‬الخليجية،‭ ‬والربط‭ ‬الكهربائي‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬نتائج‭ ‬قمة‭ ‬العلا‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2020،‭ ‬إحياء‭ ‬المشروعات‭ ‬المشتركة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الخليجي،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المشروعات‭ ‬الصناعية‭ ‬الخليجية‭ ‬المشتركة‭ ‬مازالت‭ ‬دون‭ ‬مستوى‭ ‬الطموح‭ ‬الذي‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭ ‬الشعوب‭ ‬الخليجية‭.‬

وتعزيزا‭ ‬لهذا‭ ‬الدور،‭ ‬أتاحت‭ ‬‮«‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬البحرينية‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬فرصًا‭ ‬واسعة‭ ‬للصناعات‭ ‬الخليجية‭ ‬لوصول‭ ‬منتجاتها‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية،‭ ‬حال‭ ‬تكاملها‭ ‬مع‭ ‬الصناعات‭ ‬البحرينية‭. ‬وأعلنت‭ ‬المملكة‭ ‬ضمن‭ ‬حزمة‭ ‬المشاريع‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‮»‬‭ ‬‮«‬2022–2026‮»‬،‭ ‬مشروع‭ ‬منطقة‭ ‬التجارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سلمان‭ ‬الصناعية‭. ‬وتعد‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬بمثابة‭ ‬مركز‭ ‬إقليمي‭ ‬للتصنيع‭ ‬والتجارة‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬والتوزيع‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وأسواق‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬وخارجها،‭ ‬وتسهل‭ ‬عمليات‭ ‬التصدير‭ ‬عبر‭ ‬ميناء‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬ومطار‭ ‬البحرين‭ ‬الدولي‭ ‬وجسر‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭. ‬

ويتيح‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬إعفاءً‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الكوادر‭ ‬الوطنية‭ ‬المؤهلة،‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬عالية‭ ‬المستوى،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬للتكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬الخليجي‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬للألومنيوم‭ ‬قرب‭ ‬مصنع‭ ‬ألبا،‭ ‬وقد‭ ‬اجتذب‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بالفعل‭ ‬شركة‭ ‬ألبستر‭ ‬الأسبانية‭ ‬لتدشين‭ ‬أول‭ ‬مصنع‭ ‬لتكرير‭ ‬حبيبات‭ ‬الألومنيوم‭ ‬وإنتاج‭ ‬سبائك‭ ‬الألومنيوم‭ ‬عالية‭ ‬الجودة‭ ‬والاستخدامات‭ ‬لأغراض‭ ‬متعددة،‭ ‬ويخصص‭ ‬هذا‭ ‬المصنع‭ ‬نحو‭ ‬85‭%‬‭ ‬من‭ ‬إنتاجه‭ ‬للتصدير‭ ‬للأسواق‭ ‬الخليجية‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬فيما‭ ‬يكفل‭ ‬التكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬الخليجي‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬المشروعات‭ ‬وعدم‭ ‬اقتسام‭ ‬الأسواق،‭ ‬ويحقق‭ ‬الاعتماد‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي،‭ ‬وفيما‭ ‬تتسع‭ ‬الفرص‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬الصناعات‭ ‬القائمة‭ ‬والجديدة؛‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التكامل‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬‮«‬ضرورة‭ ‬استراتيجية‮»‬،‭ ‬لتحقيق‭ ‬مستهدف‭ ‬الصناعة‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬حيث‭ ‬توجهت‭ ‬إليه‭ ‬الرؤى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لدول‭ ‬المجلس،‭ ‬ولتعزيز‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬والقوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى،‭ ‬مثل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬الصين،‭ ‬الهند،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وفضلا‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬يُمكن‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬شروط‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬مبادلاتها‭ ‬التجارية،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة،‭ ‬آخذًا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬المشروعات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬منفردة‭ ‬في‭ ‬قطر‭ ‬دون‭ ‬تكامل‭ ‬مع‭ ‬الأقطار‭ ‬الأخرى‭ ‬قد‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬تحدي‭ ‬ارتفاع‭ ‬التكلفة‭ ‬وضيق‭ ‬السوق‭. 

{ انتهى  }
bottom of page