23/4/2022
هل تقوض الحرب في أوكرانيا حكم بوتين؟.. وجهات نظر غربية
أثارت الحرب الروسية الأوكرانية تساؤلات حول ما إذا كان النظام الحالي في موسكو قادرًا على البقاء في السلطة. وللإجابة عن هذا السؤال؛ يجب فهم فشل القوات الروسية في إخضاع الأوكرانيين، وحجم المساعدات الغربية لأوكرانيا، والتكاليف المتصاعدة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على الكرملين، والتي نال الكثير منها أيضًا المواطنين الروس العاديين، ما تسبب في تذمرهم وعدم رضاهم كما تقول التقارير.
فقد صرح الرئيس الأمريكي «جو بايدن» بأن بوتين «لا يمكنه المكوث في السلطة». وتساءل العديد من المحللين عن حالته العقلية، وتفكيره الاستراتيجي. وداخل روسيا نفسها، يحتفظ الكرملين بقبضته القوية على وسائل الإعلام، لكن الخسائر المتزايدة في صراع طويل الأمد، ستشهد بمرور الوقت تزايد المعارضة، ما يثير تساؤلاً حول ما إذا كانت قوته ستتعرض لتحدّ فعال. وكتبت «هولي إليات»، من قناة «سي إن بي سي»، أنه لأكثر من عقدين في السلطة، «طور بوتين بعناية صورة لنفسه كزعيم صارم وقوي، يقاتل من أجل مصالح بلاده»، لكن غزو أوكرانيا هو «أكبر خطأ في حياته السياسية، وسيضعف روسيا لسنوات قادمة».
وعلق «مايكل كوفمان»، من «مركز التحليلات البحرية» أنه «لأول مرة منذ 20 عامًا يكون نظام بوتين في وضع مشكوك فيه». وزعم «ألكسندر موتيل»، في صحيفة «ذا هيل»، أن «الحجة المؤيدة لنهايته تستند إلى «حرب الإبادة الجماعية ضد أوكرانيا». وأضافت «روزان مكمانوس»، من جامعة «بنسلفانيا»، أن استهداف الجيش الروسي للمدنيين ساهم في إلصاق تهمة التهور ببوتين. ووصفه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، «هربرت ماكماستر»، بأنه «لم يعد فاعلًا عقلانيًا»، بينما علق رئيس الوزراء البريطاني «جونسون» بأنه «لاعب غير عقلاني». وحكمت «فيونا هيل»، مسؤولة سابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي، عليه بأنه «منعزل» وساهم في صياغة «تصور مشوه للواقع».
وبالنسبة للمراقبين الغربيين، كانت «لا عقلانية»، و«عزلة بوتين»، من الأسباب الرئيسية لضعف أداء القوات الروسية في أوكرانيا. ورأت «روث ديرموند»، من «كينجز كوليدج لندن»، أنه «حتى الآن، يبدو أن الحرب تسير بشكل سيئ للغاية بالنسبة لروسيا، مع توقعاتها الخاطئة لقدراتها العسكرية وقدرات الأوكرانيين». ورأى «كير جايلز»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، أن موسكو أدركت بعد شهر من القتال أنها «لا تستطيع تحقيق أهدافها في غزو أوكرانيا بالقوة العسكرية»، ويجب عليها الآن توفير بديل لنزيفها من المقاتلين للحفاظ على استمرار عملياتها الحالية». وبالتالي، يُنظر إلى إعلان تحقيق أهدافها الأولية وإعادة ضبط عملياتها في شرق أوكرانيا على أنه «اعتراف بأن هدفها الأولي في تغيير النظام لم يعد ممكنًا». وعلق «تاراس كوزيو»، من «جمعية هنري جاكسون»، أنه «من الواضح أن بوتين أخطأ التقدير بشكل بالغ».
وبالإضافة إلى الإخفاقات العسكرية، فإن شدة العقوبات الدولية والأوضاع الاقتصادية السيئة من الممكن أن تؤدي إلى سقوط «بوتين». ففي 6 أبريل 2022، استهدفت العقوبات الغربية «بنات» بوتين، وأكبر البنوك العامة والخاصة في روسيا، حيث ربط «بايدن» هذه الإجراءات، رداً على ما ارتكبته روسيا في مدينة «بوتشا» الأوكرانية، بحجة أن عليها «دفع ثمن باهظ وفوري» لاستهداف المدنيين الذي نفته روسيا. وبالمثل، جمدت المملكة المتحدة أصول بنك «سبيربنك»، وبنك موسكو الائتماني، فضلاً عن فرض حظر كامل على الاستثمار المتجه إلى روسيا، والذي بلغت قيمته حوالي 11 مليار جنيه إسترليني في عام 2020.
وبالفعل، أصبحت آثار العقوبات الاقتصادية على روسيا واضحة. وتوقع «معهد التمويل الدولي» أن ينكمش اقتصادها بنسبة 15% بحلول نهاية عام 2022، مع مزيد من الانخفاض بنسبة 3% في عام 2023، موضحا كيف إن الغزو «سيقضي على 15 عامًا من النمو الاقتصادي وسط هجرة الأدمغة، ونقص الاستثمار في الخدمات الاقتصادية للبلاد». وتوقع «بنك جولدمان ساكس»، و«البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية»، انكماشًا اقتصاديًا بنسبة 10% لعام 2022، في أسوأ ركود تشهده البلاد منذ ما يقرب من 30 عامًا. وعلق «غاري هوفباور»، و«ميجان هوجان»، من «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي»، بأن «التجميد المالي والتجاري من شأنه أن يجلب البؤس للشعب الروسي»، حيث يواجه المواطنون الآن «ارتفاع تكلفة السلع الأساسية، وخطر فقدان الوظائف الذي يلوح في الأفق، وشعورا متزايدا بالعزلة».
ويبقى السؤال هو ما إذا كانت المشاكل الاقتصادية لروسيا، والسخط الشعبي المزعوم، سيدفعان «بوتين» إلى تغيير مساره. وكما أوضح «دان باير»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، فإن هذا الأمر يبدو من غير المعروف للمراقبين، بالنظر إلى حالة القمع الواضحة للمعارضة داخل البلاد. وقال «جيمس هوهمان»، في صحيفة «واشنطن بوست»، إن هناك «إشارات» على أنه يواجه «تحديات متزايدة في الداخل». في حين أوضح «ألكسندر موتيل» أن «مزيجًا من الاحتجاج الشعبي، ومكائد النخبة، وفشل الدولة، وتدهور الشرعية وحربا طاحنة، وعزلة دولية» ستؤدي إلى «نتيجة واحدة فقط؛ هي الإطاحة ببوتين».
وعلى الرغم من ذلك، أقر «هوهمان» بأنه من «الخطر» المبالغة في احتمالية اندلاع انتفاضة شعبية ضد الكرملين. وأدت حملات القمع المزعومة للسلطات الروسية إلى جعل المعارضة تمثل تهديدًا ضئيلا لسيطرة الكرملين على سلطة لطالما طال أمدها. وأشار «هوفباور»، و«هوجان»، إلى المعارضة الحالية بأنها «أضعف من أن تتغلب على بوتين». وذكرت «جينيفر حسن»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن الدلائل تشير إلى أن الغزو تسبب في زيادة شعبيته الداخلية، حيث سجلت استطلاعات الرأي قفزة لصالحه من 69% إلى 83% بين يناير ومارس 2022».
وفي الواقع، أدت سيطرة نظام بوتين على وسائل الإعلام إلى زيادة الدعم للحكومة، وتعزيز المشاعر المعادية للغرب. ولفت «سيلفانوس أفيسورغبور»، من «المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية»، الانتباه إلى أن «زيادة عزل روسيا وبوتين عن المجتمع الدولي «تتيح له الفرصة لـ«فرض سياسات أكثر قمعية على مواطنيه وأحزاب المعارضة».
ومع ذلك، أشار «موتيل» إلى أن الاعتقاد بتغيير نظام قوي، مثل بوتين، يعيد إلى الأذهان سابقة تاريخية هي سقوط آخر القياصرة الروس «نيكولاس الثاني»، الذي «فرّ هاربًا على الرغم من حصوله على الدعم المطلوب من الجيش والشرطة». لكن «هوفباور» و«هوجان» عارضا هذا الرأي، بحجة أن الحالات التي ساهم فيها استخدام العقوبات في تغيير النظام حدثت في «البلدان الصغيرة الذي شهدت ظروفا فوضوية مقترنة بأمن داخلي ضعيف»، ومن ثم، فإن التنبؤات بأن روسيا تواجه المصير نفسه «مفرط إلى حد كبير في التفاؤل». وبالمثل، اعتبر «آدم توز»، في صحيفة «فورين بوليسي»، أنه من «غير الواقعي» توقع أن «الضغط على الجبهة الداخلية» سيقنع بوتين بتغيير رأيه بشأن الحرب».
وعلى الرغم من أن المعارضة الداخلية، سواء على المستوى الشعبي أو داخل الحكومة، قد لا تكون قادرة على تحدي سلطة بوتين، فقد تكون العزلة الدولية المتزايدة لموسكو سببًا محتملاً وراء سقوطه من السلطة. وأشارت «إليات» إلى أن موسكو لديها الآن «عدد قليل من الأصدقاء على الساحة العالمية»، وأنه حتى الصين «تبدو قلقة بشأن الصراع الذي قد يطول أمده في أوكرانيا، وتأثيره على الاقتصاد العالمي»، مشيرة إلى أنه في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الغزو، فقط سوريا، وكوريا الشمالية، وبيلاروسيا، وإريتريا، أعربت عن دعمها للكرملين، بينما اختارت كوبا والصين، حليفتا روسيا، الامتناع عن التصويت لحفظ ماء الوجه على الصعيد الدولي».
وهكذا، لاحظ المعلقون الغربيون كيف إن الغزو، بدلاً من أن يؤدي إلى تعزيز مكانة روسيا العالمية، سيؤدي إلى إضعافها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا واستراتيجيا. واعتبر «كورت فولكر»، سفير واشنطن السابق لدى الناتو، أن بوتين الآن «أضعف روسيا في كل النواحي»، وأضاف «كوزيو» أنه «يجد نفسه الآن بلا خيارات جيدة لإنهاء حرب ستؤدي حتمًا إلى التراجع الجيوسياسي لروسيا كقوة عظمى». وأوضح «موتيل» كيف أدت «الحرب إلى تضرر الوضع الأمني الروسي بشكل كبير من خلال العمل على تقوية شوكة الناتو، وإعادة تسليح ألمانيا بمئات المركبات وآلاف الجنود. وذهب «ميشال بارانوفسكي»، في «صندوق مارشال الألماني»، أبعد من ذلك، حيث افترض أن هذه الحرب قد تكون «نهاية روسيا التي عرفناها».
وعلى الرغم من الأضرار التي لحقت بروسيا، فإن سيطرة بوتين على السلطة وعزمه القضاء على المقاومة الأوكرانية بغضّ النظر عن الخسائر تعد سببًا رئيسيًا لاستمرار الحرب فترة أطول. وكتب «جايلز» أن «الخطر يكمن في أن تتمكن من الاستمرار في حرب استنزاف»، بصرف النظر عن الخسائر البشرية من جانبها، أو الضرر الذي قد يلحق باقتصادها»، وأنها يمكن أن تفعل ذلك «لفترة أطول من قدرة أوكرانيا على المقاومة والحفاظ على المصالح الغربية ودعمها لها». من جانبه، تطرق «إيان ليسر»، من «صندوق مارشال»، إلى أن «النوايا الروسية» يكتنفها الغموض، ولا يزال المسار الطويل الأمد الذي سيتبعه الكرملين لإخضاع أوكرانيا غير معروف».
ويري الخبراء الغربيون أن الفشل العسكري وحده هو الذي سينهي الغزو الروسي لأوكرانيا. وعلق «جايلز» أن «الشيء الوحيد الذي سيغير طموح بوتين هو الفشل الذي سيجبره على إعادة تعريف ما يريده من الحرب». ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنه لم يُظهر حتى الآن أي تصريح علني جاد للتوصل إلى سلام تفاوضي. ولطالما تم اتهام مشاركة روسيا في المحادثات مع المسؤولين الأوكرانيين، في كل من بيلاروسيا وتركيا، كتكتيك سمح لقواتها بإعادة تجميع صفوفها لشن هجمات مستقبلية.
على العموم، لا يزال «بوتين» في الوقت الحالي مسيطرًا بقوة على الدولة وأجهزتها الأمنية. وعلى الرغم من إخفاقاته الواضحة في تحقيق أهدافه، فإن الدعم على الجبهة الداخلية للنظام لا يزال قويًا، ويضمن الدعم العام والكامل للحرب في ظل سيطرته على وسائل الإعلام في البلاد.
ومع ذلك، إذا استمرت الخسائر البشرية في الازدياد من دون نتائج عسكرية واستراتيجية، فإن قوة بوتين ستضعف، وعندما يقترن ذلك بالعزلة الدولية والركود الاقتصادي، فإن التهديدات المحتملة لنظامه ستكون من الداخل.