6/5/2022
مستقبل الأمن البحري في الخليج العربي والبحر الأحمر
حظيت مياه الخليج العربي والبحر الأحمر، بأهمية كبيرة في السنوات الأخيرة، من بين الاعتبارات الأمنية الأخرى للشرق الأوسط، حيث ازداد عدد الهجمات الموجهة ضد أهداف مهمة للشحن التجاري في مياه المنطقة، مع انخراط إيران وإسرائيل في «حرب الظل»، واعتبار الغرب أن إيران وحلفاءها مسؤولون عن الاستيلاء على السفن المحايدة والاعتداء عليها. ونظرًا إلى أهمية المنطقة لصادرات الطاقة والتبادل التجاري، فإنه من الطبيعي أن تزداد الجهود متعددة الأطراف لتأمين مياهها. وفي عام 2019، شكلت الولايات المتحدة، مجموعة الأمن البحري الدولي؛ بهدف حماية السفن التجارية، التي تمر عبر مياه شبه الجزيرة العربية.
وفي هذا السياق، استضاف «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، ندوة بعنوان: «مستقبل الأمن البحري في الخليج والبحر الأحمر»، بهدف بحث مسألة الأمن البحري في هذه المنطقة، وعلى وجه الخصوص مستقبل التعاون متعدد الأطراف، أدارها «بلال صعب»، مدير برنامج الدفاع والأمن بالمعهد، وشارك فيها «كيفن دونيغان»، القائد السابق للأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، و«ساسكيا جينوجتن»، من «أكاديمية الدفاع الهولندية»، و«سينزيا بيانكو»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، و«ميريت مبروك»، من برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط.
في البداية، ركز «دونيغان»، على جغرافيا» القضية المطروحة، ليشمل ما هو أبعد من مضيق هرمز فقط، وتحديدا البحر الأحمر وشمال المحيط الهندي، حيث أشار إلى أنه في السنوات الأخيرة تم «إيلاء الكثير من الاهتمام للبحر الأحمر»، ليس من جانب الأطراف، التي تحده فقط، بل أيضًا البلدان التي تشعر أنها «بحاجة إلى المشاركة».
وفي شرحه للسياسة الأمريكية تجاه الأمن البحري؛ أوضح أن نهجها العالمي قائم على أساس حماية التجارة. وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، فإن20% من النفط الخام العالمي يمر عبر مضيق هرمز، و12% من حركة التجارة العالمية يمر عبر قناة السويس، وبالتالي فإن أي اضطرابات في هذه الممرات سيكون لها آثار كبيرة على الاقتصاد العالمي. بعد ذلك، أورد ثلاث «ركائز» لموقف واشنطن بشأن مياه الشرق الأوسط؛ هي «مكافحة الإرهاب»، و«ردع إيران»، و«حماية حرية الملاحة من أجل التدفق الحر للتجارة»، حيث دحض الرواية السائدة بأن الولايات المتحدة لم تعد معتمدة على نفط الشرق الأوسط؛ قائلا إنه نظرًا إلى طبيعة سوق الطاقة العالمي، فإن اهتمام واشنطن بالحفاظ على حرية التجارة في الخليج لا يزال قائما، وهو أقوى من أي وقت مضى.
وفي تناوله مسألة إعادة التقييم الأمريكية، أشار إلى «عملية طويلة» من قبل واشنطن، «لبناء تحالفات في المنطقة، بناءً على فكرة أن عددًا قليلاً من الدول ليست معنية بالعوائق التي تحول دون التدفق الحر للتجارة، موضحا أن القوات البحرية المشتركة في الخليج، تتكون من 34 دولة، وقد كانت مصر هي أحدث إضافة إليها، ذاكرا أن الغرض منها هو «مكافحة القرصنة»، و«الحفاظ على تدفق حركة التجارة»، و«ردع الأنشطة الخبيثة» في الخليج وشمال المحيط الهندي.
وفيما يتعلق بالمستقبل، لاحظ «دونيغان»، «تغييرات مهمة» في الديناميكيات الإقليمية للأمن البحري في الشرق الأوسط، مثل تأثير دور«قوة المهام 59» التابعة للبحرية الأمريكية، والتي تركز على تقوية الدفاعات ضد المركبات غير المأهولة المستخدمة لمهاجمة السفن، وأبرزها الطائرات المسيرة والسفن من طراز «كاميكازي».
وحول التوقعات «الواقعية»، لتعزيز التعاون في مجال الأمن البحري، وماذا ستكون «النتيجة المثالية»؛ أقر القائد السابق في البحرية الأمريكية، بأن أحد المخاوف الرئيسية، هو التصور بأن «واشنطن تغادر الشرق الأوسط». وعن الهدف النهائي للجهود التي تقودها أمريكا، استشهد بـ«الدفاع الجوي والبحري المتكامل»، باعتباره «ضرورة حتمية»، معلقا بأنه من المفيد رؤية إيران «تتصرف وفقًا للأعراف والمعايير الدولية»، وذلك على الرغم من الاعتراف بأن هذا الاحتمال غير مُرجح حاليًا.
أما بالنسبة إلى التحديات الأساسية لجهود التعاون، فقد أوضح «دونيغان»، أن «الهدف طويل المدى» لبناء «وحدة من التعاون» بين الدول متشابهة التفكير، هو هدف سيستغرق بعض الوقت لتحقيقه؛ نظرًا إلى أن «كل دولة مدفوعة بمصالح مُختلفة»، مشيرا إلى أن تبادل المعلومات يمثل دائمًا عملية صعبة في بداية الجهود التعاونية، وأن مثل هذه الشراكات تحتاج إلى أن تُبنى على «الثقة».
وبالانتقال إلى المنظور الأوروبي حول الأمن البحري في الشرق الأوسط، أوضحت «جينوجتن»، أن الدول الأوروبية لا تزال منخرطة في عملية «التفكير» في دورها في المنطقة، في حين أقرت أن هذا «من غير المرجح أن يتغير قريبا»، خاصة أن هذه الدول معنية بـ«الامتداد الجغرافي»، و«نوع الأنشطة البحرية»، التي تريد تحديد أولوياتها، لاسيما أنها تتعامل مع الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط، والتهديدات الروسية في منطقة القطب الشمالي.
وحول تفصيل التدخل الأوروبي الحالي في الأمن البحري للمنطقة، أشارت إلى أن البعثات البحرية لدول الاتحاد الأوروبي، نشطة في الصومال، ومضيق هرمز. وفي السابق، كان التركيز على ردع القرصنة، حيث كانت فرنسا وإسبانيا «القوى الدافعة» لهذا الإجراء، بينما حاليًا، تشارك تسع دول أوروبية، بشكل «أكثر مرونة» في عملياتها. وحول تباين النهج الأوروبي عن النهج الذي تقوده واشنطن، أوضحت أن النهج الأوروبي، يركز بشكل أكبر على «خفض التصعيد»، مع كون العمليات الأوروبية أصغر حجمًا إلى حد كبير.
أما عن احتمال أن يغير الأوروبيون مواقفهم ويعملوا بشكل وثيق مع الأمريكيين، فقد أوضحت أنه من غير المُرجح أن يطرأ تغير على الديناميكية حاليا، مشيرة إلى «العداء» بين إدارة ترامب وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين عامي 2019 و2020، بشأن سياسات واشنطن تجاه طهران، بما يعني أن دول الاتحاد الأوروبي «في وضع جيد تمامًا»، مع امتلاكها نهجا منفصلا، مقابل الأمريكيين، مؤكدة أن التنافسات القائمة بين دول الناتو، وخاصة بين باريس من جهة، وواشنطن، ولندن من جهة أخرى، «تعرقل» المزيد من التعاون.
من ناحية أخرى، تحدثت «بيانكو» عن رؤية دول الخليج نفسها في مسائل الأمن البحري الإقليمي، موضحة كيف نما حجم المنافسات الإقليمية في المجال البحري «أكثر فأكثر» في السنوات الأخيرة، مؤكدة أن هذا «لم يكن الحال في الماضي»، واصفة البعد البحري، بأنه «أحد المجالات الأكثر سخونة» في الشرق الأوسط، وأيضًا أحد المجالات، التي تكون فيها دول الخليج «أكثر عرضة للخطر»، ويرجع ذلك جزئيًا إلى اعتمادها التاريخي على الأمريكيين لحماية الأمن البحري، مشيرة إلى كيف تجري الآن فترة «إعادة تعديل»، حيث تتبنى دول الخليج «مزيدًا من المسؤولية»، و«مزيدًا من تدويل الأمن البحري الخليجي»، مؤكدة توصلها إلى اتفاقيات، وإجراء تدريبات متعددة الأطراف مع قوى خارجية، مثل الهند، واليابان، والصين.
علاوة على ذلك، وصفت «بيانكو»، تطوير القدرات الخليجية، بأنه «مذهل»، من خلال شراء معدات بحرية جديدة من موردين متعددين. وفيما يتعلق بمسألة شراء الغواصات، أوضحت أنه «لم يتم الحديث عنها حتى في السنوات السابقة، لكنّ الآن السعودية، والإمارات، وقطر كلها «تشارك في برامج من أجل الحصول عليها»، مشيرة إلى أن المقاربات الخليجية للأمن البحري تختلف عن الأساليب التقليدية التي تتبناها القوى الغربية، حيث تركز الرياض، مثلا على حماية حدودها البحرية، في حين وقعت أبو ظبي، اتفاقية لبناء مركز تدريب تحت الماء لمواجهة الغواصات المُعادية مع شركة فرنسية. ومع ذلك، حذرت من أن التقدم على هذه الجبهات سيستغرق «وقتا».
من جانبها، ركزت «مبروك»، على البحر الأحمر، ومصر، في إشارة إلى أنه، مقارنة بمضيق هرمز، لم تتم مناقشة الأمن البحري للبحر الأحمر كثيرًا، حيث سلطت الضوء على أن المنطقة كانت مسرحًا للكثير من التطورات في السنوات الأخيرة، حيث «عززت مصر قواتها البحرية منذ عام 2013»، والمشاركة بشكل أكبر في العمل متعدد الأطراف، وإجراء مناورات بحرية مع الأمريكيين والفرنسيين والروس والصينيين، مشيرة إلى أهمية التجارة والأمن باعتبارهما «عناصر حيوية» ترتبط بحركة الملاحة في البحر الأحمر، فقد كانت ولا تزال، قناة السويس «أحد مصادر الدخل الرئيسية لمصر». وهكذا، وصفت سلامة هذا الممر، بأنه «ضروري» للتجارة العالمية، مشيرة إلى حالة تعطل قناة السويس العام الماضي، وتوقف حركة الملاحة البحرية فيها، والاضطراب الذي لحق بالاقتصاد العالمي من وراء ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، سلطت الضوء أيضا على وجود «أكثر نقاط الاختناق البحرية ازدحامًا» في البحر الأحمر عند باب المندب بين دولتي جيبوتي واليمن. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، أشارت إلى أنه على الرغم من السياسة الخارجية «المحافظة»، و«المستقلة جدًا» تاريخيًا، فقد حافظت مصر على وجودها المتوازن في البحر الأحمر، موضحة أن القضايا المتعلقة بتجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، وتهريب الأسلحة والإرهاب، و«التهديدات البيئية» الأخرى والمرتبطة بحركة الملاحة في البحر الأحمر، تعتبر في حد ذاتها مخاوف لدى مصر.
وفيما يتعلق بالجهود متعددة الأطراف، ذكرت «مبروك»، أن مصر «تفضل التعاون الدولي»، لكنها أيضًا لا تزال «حساسة للغاية»، فيما يتعلق بمن تريد التعاون معه لتعزيز أمن وسلامة حركة الملاحة في البحر الأحمر، ولعل تلك الديناميكية المهمة تثير التساؤل حول ماهية التعاون، إن حدث في الواقع، في المنطقة وكيف سيبدو. وعندما سُئلت، عما إذا كان من المرجح أن يلين هذا الموقف المصري في المستقبل، أجابت أن هذا سيعتمد أيضًا على طبيعة الأزمة المطروحة والمحتملة آنذاك، سواء كانت عسكرية أو تجارية أو بيئية.
وفي سؤال حول الاستفزازات الإيرانية، وكيف يمكن ردعها؛ أفاد «دونيغان»، أنه لا توجد دولة في المنطقة تريد تفاقم المزيد من الصراعات، وأن تشكيل تحالفات أمنية بحرية؛ يهدف إلى منع تطور الصراعات البرية وتسلل تداعياتها إلى مياه المنطقة. وفيما يتعلق بموضوع «الخطوط الحمراء» لبلدان المنطقة، والتي لا يجب تجاوزها حفاظًا على حركة الملاحة، أوضح أن هذه الخطوط غير محددة من قبل أي جانب، ووافقت «جينوجتن» على هذه التقييمات، مضيفةً أن الردع في هذا المجال يتجاوز نطاق المفهوم التقليدي بمعني عدم الرد بقوة مفرطة لعدم تصعيد التوترات مع الخصوم والأعداء.
وفيما يتعلق بالتهديدات السيبرانية في المجال البحري، وصف «دونيغان» هذه القضية، بأنها باتت تثير المخاوف والقلق في الوقت الحاضر؛ وأنه بسبب الطبيعة «المفتوحة» للسفر البحري، يتم إعلان وجهة السفن وسرعتها على نطاق واسع، حيث «يمكن استغلال» هذه البيانات بطريقة تخريبية من قبل الجهات الخبيثة والعدائية، فضلا عن احتمالية أن يتمكن المخترقون السيبرانيون من السيطرة على أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالسفن التجارية أو العسكرية وتخريبها.
وبالنسبة إلى موقف الصين من قضية الأمن البحري في الشرق الأوسط، وصفت «مبروك»، هذا الموضوع بأنه «مثير للاهتمام»، حيث سعت منذ فترة طويلة إلى «الاستثمار في المنطقة»، كما أنها واحدة من أوائل الدول، التي «قفزت بحجم إمكاناتها» للإستثمار في قناة السويس وتطويرها. واستمرارًا لذلك، وصفت «بيانكو» تورط الصين في المنطقة، بأنه «أمر غامض»، وأنه ينبغي على الغرب أن يشعر بالقلق من الصفقات، التي تبرمها مع دول المنطقة، وكذلك الخطط التوسعية لمبادرة الحزام والطريق، خاصة في القرن الإفريقي.
وكجزء من هذا، سلط «دونيغان» الضوء على كيفية وجود القاعدة العسكرية الوحيدة للصين خارج أراضيها في «جيبوتي». وفيما يتعلق بمشاركتها في عمليات الأمن البحري، لاحظ أنه في حين أن مشاركتها ستكون «تعاونًا عظيمًا»؛ نظرًا إلى مخاوفها المشتركة بشأن حركة الملاحة التجارية، إلا أنه من غير المحتمل، أن تحدث تلك المشاركة؛ بسبب المنافسة الجيوسياسية الشرسة لها مع الغرب.
على العموم، قدمت الندوة ثروة من المعلومات والتحليلات حول الوضع الأمني البحري في الخليج والبحر الأحمر، مع التركيز بشكل خاص على جهود التعاون الأمني متعدد الأطراف، لردع الأعمال العدائية، وحماية التدفق الحر للتجارة في هذه المنطقة. واتفق المشاركون على أن حماية مضيق هرمز وقناة السويس ليست مجرد مسألة ذات أهمية قصوى للبلدان المحيطة بها فقط، ولكن أيضًا بالنسبة إلى الاقتصاديات الكبرى في العالم، كما تم الاتفاق أيضا على تعزيز آفاق التعاون الأمني بصورة أكبر مستقبلاً، لاسيما وأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاءهم الأوروبيين، وأغلبية دول الشرق الأوسط تتشارك نفس المهمة المتمثلة في حماية النقل البحري من الهجمات المرتبطة بإيران، إما بشكل مباشر أو بوكلائها في المنطقة.