7/5/2022
الطاقة المتجددة في الخليج.. ضرورة استراتيجية
قد يبدو هذا العنوان غريبًا لمنطقة هي الأغنى عالميا في احتياطي النفط الخام، تمتلك احتياطيا يبلغ نحو 510 مليارات برميل تشكل نحو 34% من الاحتياطي العالمي، ولديها ثلاثة من أكبر منتجي النفط الخام في العالم (السعودية – الإمارات – الكويت) ينتجون معًا قرابة 20% من الإنتاج العالمي من النفط الخام، وتزود السعودية وحدها السوق العالمي بقرابة 7 ملايين برميل يوميا من النفط الخام متربعة على عرش أكبر مصدري هذه السلعة، كما أن هذه المنطقة تمتلك نحو 21% من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي، وتسهم في الإنتاج العالمي له بنسبة 11%.
ولكن هذا الإحساس بالغرابة كان يمكن أن يكون طبيعيًا، إذا كان هذا العنوان قد تم طرحه منذ عقود قليلة، حين كان عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي صغيرا، وحين كان استهلاكهم للمنتجات النفطية محدودا، ومن ثم فإن الحديث عن طاقة متجددة في ذلك الوقت في دول مجلس التعاون الخليجي كان يبدو وكأنه نوع من الترف الفكري، ولكن الآن بعد أن بلغ عدد سكان هذه المنطقة قرابة 57 مليون نسمة، وبعد أن طغى النمط الاستهلاكي السائد الذي ساعدته الأسعار المنخفضة للمنتجات النفطية، على نسبة كبيرة مما تنتجه دول الخليج من نفط في وقت تعتمد فيه اقتصاداتها بنسبة كبيرة على الإيرادات النفطية، سواء في تمويل موازاناتها العامة أو تمويل وارداتها الاستهلاكية والانتاجية، وبعد أن زادت الضغوط البيئية على الوقود الأحفوري، وارتباط استهلاكه بالتغيرات المناخية، لا نجد غرابة في طرح هذا العنوان، بل إنه أصبح يمثل اتجاهًا رئيسيًا في الرؤية المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي القائمة على تنويع مصادر الدخل.
وتبين المقارنة بين أرقام الإنتاج وأرقام الصادرات لدول مجلس التعاون أن الاستهلاك المحلي من المنتجات النفطية سواء كوقود لوسائل النقل، أو تشغيل محطات الكهرباء، قد أخذ يستوعب نسبة كبيرة مما تنتجه هذه الدول من نفط خام، ففي السعودية التي تنتج يوميًا قرابة 12 مليون برميل فإن صادراتها 7 ملايين برميل، وفي الإمارات بينما تنتج 3.1 ملايين برميل يوميًا فإن صادراتها تبلغ نحو 2.4 مليون برميل، وفي الكويت بينما تنتج نحو 2.7 مليون برميل يوميًا فإن صادراتها منها تبلغ نحو 1.8 مليون برميل، فإذا استمر هذا الاتجاه على ما هو عليه من دون ضابط، ومن دون سياسات بديلة، فقد تجد دول مجلس التعاون الخليجي أن ليس لديها ما يكفي لتصديره، وهذا هو الجانب الأول في اعتبار أن الطاقة المتجددة في دول الخليج ضرورة استراتيجية.
أما الجانب الثاني في هذا الاعتبار فهو ذلك الارتباط بين استهلاك الوقود الأحفوري عمومًا وتلوث الهواء، ومن ثم زيادة الانبعاثات الكربونية وتغيرات المناخ، هذا الارتباط الذي كان حاضرًا في فرض الدول الأوروبية ضريبة الكربون على استهلاك هذا الوقود، كما كان حاضرًا أيضًا في تحذير الأمين العام للأمم المتحدة في مارس الماضي بمناسبة الحرب الروسية الأوكرانية، الذي اعتبر الاعتماد مجددًا على الوقود الأحفوري، يهدد تنفيذ أهداف باريس المناخية (التزامات الدول بشأن تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري) وفي تخيير دول العالم بين الآثار الكارثية للتغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي وأنماط الحياة وبدائل الوقود الأحفوري، فإنهم يختارون من دون شك هذه البدائل.
لهذا أصبح الاهتمام الخليجي يتجه إلى إزالة الكربون من قطاع الطاقة، ومن ثم الاعتماد أكثر في النقل على السيارات الكهربائية، حيث تعد دول مجلس التعاون الخليجي من أعلى بلدان العالم في معدلات استهلاك الفرد للطاقة الكهربائية بنسبة تتراوح ما بين 103% و430%، بسبب الحاجة إلى استخدام الطاقة الكهربائية لأغراض التبريد وتحلية مياه البحر، فيما ترتفع نسبة الوقود السائل في مزيج الطاقة، وتزيد الصناعات القائمة من استهلاك الطاقة كمصاهر الألومنيوم والبتروكيماويات والإسمنت، وتشير التوقعات إلى ارتفاع معدل النمو السنوي الإجمالي لذروة الطلب على الطاقة بنسبة 7.5% من 122 جيجاوط ليتجاوز 250 جيجاوط بحلول 2030 ما يخلق تحديًا إضافيًا لضرورة الحد من الانبعاثات الكربونية، ومع إعلان دول المجلس أهدافها المناخية الجديدة، كالحياد المناخي في الإمارات بحلول 2050، والحياد الصفري في السعودية والبحرين بحلول 2060، فإن ذلك سوف يتطلب مزيدا من الاستثمارات في الطاقة المتجددة، وهي الاستثمارات التي نمت بسرعة بنسبة 69% في الفترة بين 2015 إلى 2020 في دول المجلس، وإذا كانت النتائج المحققة حتى الآن مازالت محدودة قياسًا إلى حجم الطلب على الطاقة، فإنه بمقدور التقدم التكنولوجي وانخفاض التكاليف تعزيز حلول الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع.
وفي مرحلة انتقالية يبدو زيادة استخدام الغاز، حيث إنه أقل تسببًا في الانبعاثات الكربونية من أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، وإذا كان الوقود السائل يشكل نحو ثلث قدرات توليد الكهرباء في دول المجلس، فإن التحول نحو مزيج يجمع بين الطاقة المتجددة وطاقة الغاز، يمكن أن يؤدي إلى هبوط سريع وكبير في الانبعاثات الكربونية، من دون المساس بكفاءة وموثوقية توليد الطاقة، ومما يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية أيضًا تحويل عمل التوربينات الغازية من الدورة البسيطة إلى الدورة المركبة، وتحديث الأصول الحالية لتوليد الطاقة، وقد قدرت شركة جنرال الكتريك قدرات التوليد بالدورة البسيطة في دول المجلس بـ 57 جيجاوات في الوقت الراهن، وأن تحويل 25% فقط من الدورة البسيطة إلى الدورة المركبة يحقق خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 30 مليون طن سنويًا أو ما يعادل إزالة 7.5 ملايين سيارة من الشوارع، وهو تحويل ممكن أن يتم في 16 شهرا ويزيد قدرات توليد الكهرباء بنسبة 50% من دون تسبب في انبعاثات كربونية إضافية.
إلى جانب ذلك فإن دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بقدرات هائلة لتحقيق الريادة العالمية في إنتاج الهيدروجين منخفض الكربون، الذي يمكن استخدامه بمفرده أو بمزجه مع الغاز الطبيعي لتشغيل محطات الطاقة الجديدة، وقد أعلنت دول المجلس بالفعل إطلاق مشروعات الهيدروجين الأخضر والأزرق وهما من أهم أشكال الطاقة البديلة والنظيفة التي يتنوع استخدامها على نطاق واسع في النقل والصناعة، وهذا الوقود ينتج من خلال الكهرباء بعملية كيميائية تفصل الأوكسجين عن الهيدروجين، والهيدروجين الأخضر يتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، ومن ثم لا ينتج عنه تلوث بيئي، أما الهيدروجين الأزرق فيتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة الهيدروكربونية كالنفط والغاز، ما يؤدي إلى انبعاثات كربونية.
وتمتلك دول المجلس إمكانات هائلة لإنتاج الهيدروجين بنوعيه، فهي تملك حصة الأسد في الطاقة الشمسية، ولديها احتياطات هائلة من المواد الهيدروكربونية، وقد باشرت بالفعل العمل في الاتجاهين كي تتحول في وقت قريب إلى أحد أهم مراكز تصدير الهيدروجين في العالم، وقد انضمت الإمارات إلى مجلس الهيدروجين العالمي، ووضعت استراتيجية وطنية لإنتاجه تمتد حتى 2050، وأصبحت شركة أدنوك تنتج حاليًا 300 ألف طن سنويًا من الهيدروجين وصدرت أول شحنة من الهيدروجين الأزرق إلى اليابان، وأنشأت مجموعة عمل مع روسيا للطاقة الهيدروجينية، فيما دشنت دبي مشروع الهيدروجين الأخضر الأول من نوعه في المنطقة باستخدام الطاقة الشمسية، وفي السعودية يصبح مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر جاهزًا بحلول 2025 كأحد أهم المشاريع المماثلة في العالم، وأنجزت شركة النفط الكويتية الوطنية وحدة تكسير الهيدروجين بطاقة 454 ألف طن سنويًا، فيما تبنت شركة نفط عمان بالتعاون مع شركات أجنبية مشروع لإنتاج 1.8 ملايين طن هيدروجين أخضر بقيمة 30 مليار دولار باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وهذه الاتجاهات حين تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتزيد الاعتماد على الطاقة النظيفة، تتيح لدول المجلس صادرات أكبر من النوعين معًا، ويتوفر لدول المجلس إمكانات التوسع في إنتاج هذه الطاقة، سواء الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، أو تمويل الاستثمارات، وتحمل التكلفة المرتفعة للهيدروجين الأخضر، كما أن هذا التحول ينعكس بالطبع على اتجاهات التعليم لخلق كوادر قادرة على استيعاب التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، وقد كانت الوكالة الدولية الطاقة المتجددة «إيرينا»، قد كشفت في وقت سابق، أن سعات الإنتاج في مشاريع الطاقة المتجددة في دول الخليج قد نمت بمقدار أربعة أضعاف في 3 سنوات فقط من 2014 – 2017، وأن هذه المشروعات حين إتمامها ستوفر لدول المجلس نحو 76 مليار دولار بحلول 2030.
وإدراكًا للضرورة الاستراتيجية للطاقة المتجددة، فقد شهدت دول المجلس اهتمامًا متزايدًا بمشروعات هذه الطاقة، وفي عام 2019 تم تعديل أهداف الطاقة الشمسية في السعودية لكل من عامي 2023 و2030، وزيادتها بشكل كبير لتبلغ 20 جيجاوات و40 جيجاوات على التوالي، بعد أن كانت فقط 2.35 ميجاوات في 2010 و84 ميجاوات في 2018، وتخطط السعودية لتوليد 50% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول 3030، فيما دشنت الإمارات العديد من مشروعات الطاقة المتجددة، كمحطة «براكة» وهي من أكبر مشاريع الطاقة النووية السلمية على مستوى العالم، ومجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، ومحطة الظفرة للطاقة الكهروضوئية، وفي العام الماضي زادت الإمارات قدرات توليد الطاقة المتجددة لديها بنسبة 32% لتصل إلى 2.54 جيجاوات، وغدت تستضيف مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إرينا»، وتستهدف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 مزيجًا من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة لضمان تحقيق التوازن بين الاقتصاد والبيئة فيما تستثمر 600 مليار درهم لتنفيذ هذه الاستراتيجية، ودشنت الكويت مشروع «الشقايا» للطاقة المتجددة، لتشكل 15% من مزيج الطاقة بحلول 2030، ويتألف المشروع من محطة للطاقة الشمسية المركزة بطاقة توليد 50 ميجاوات، ومحطة للطاقة الشمسية وأخرى لطاقة الرياح بقدرة توليد لكل منهما 10 ميجاوات.
وفيما شهدت البحرين افتتاح أول محطة حكومية للطاقة المتجددة في المحافظة الجنوبية بطاقة إنتاجية 5 ميجاوات، فقد حرصت المملكة على الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة والبديلة، انطلاقًا من استراتيجية وطنية تهدف إلى رفع كفاءة استخدام أنظمة الطاقة وتوفير ما يقرب من 2030 مليون دينار بحلول 2025، وبموجب المرسوم الملكي 87 لسنة 2019 أنشأت المملكة هيئة مختصة تعنى بمصادر الطاقة الطبيعية ذات الطابع الدائم والمستمر، تقوم على تنفيذ خطتها الوطنية لاستخدامات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة التي دشنتها في 2017، وشجعت العديد من المؤسسات والأفراد على استخدام الطاقة الشمسية، فضلاً عن إنشاء محطة طاقة شمسية بسعة إجمالية 100 ميجاوات، ووضعت المملكة هدفًا رفع إسهامات الطاقة المتجددة من إجمالي احتياجات البحرين للطاقة إلى 5% بحلول 2025 و10% بحلول 2030، وبمشاركة خليجية تم افتتاح أكبر مشروع للطاقة المتجددة في سلطنة عُمان في يناير الماضي باستثمارات بلغت 430 مليون دولار يوفر الكهرباء لـ 15 ألف منزل.
هذا الاهتمام الخليجي لمشروعات الطاقة المتجددة، بينما يحرر أهم موارد دول الخليج الاقتصادية من نهم زيادة الاستهلاك المحلي، يعمل في الوقت نفسه على الحفاظ على مكانة منطقة الخليج الاستراتيجية العالمية كأهم مزودي الطاقة في العالم، فضلًا عن الوفاء بالتزامات دول مجلس التعاون الخليجي بشأن إجراءات الحد من الأسباب المؤدية إلى التغيرات المناخية.