18/5/2022
الدور البريطاني في مواجهة العدوان الإيراني في الشرق الأوسط
تشمل التهديدات الأمنية التي تمثلها إيران لدول الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع؛ مخاطر الإرهاب، ودعم القوات المقاتلة بالوكالة لزعزعة استقرار المنطقة، والتمويل الدولي، والانتشار النووي، والهجمات ضد سفن الشحن التجاري المحايدة. وفي الخطاب الغربي حول هذه التحديات، ركزت أغلب التحليلات على ردود أفعال الولايات المتحدة، بصفتها الضامن الرئيسي لأمن المنطقة. ومع ذلك، فإن المملكة المتحدة دولة لها تاريخ طويل أيضا من المشاركات الأمنية والسياسية في المنطقة، فضلا عن اشتباكها مع إيران في العديد من القضايا في السنوات الأخيرة.
وفي تحليل للسياسة الخارجية البريطانية تجاه إيران، نشر «روبرت كلارك»، من جمعية «هنري جاكسون»، و«لوك رولينغز»، من شركة «ديلويت»، تحليلا بعنوان «مواجهة إيران في الخليج العربي». وفيما يتعلق بالتهديدات التي تشكلها طهران على مصالح بريطانيا في الشرق الأوسط، اتفق الباحثان على أنها تمثل «تهديدًا مباشرًا» للمصالح الاقتصادية والعسكرية للمملكة المتحدة، وذلك في تأييد لما خلص إليه تقرير «الخارجية الأمريكية»، بأن إيران هي «أسوأ دولة راعية للإرهاب في العالم»، حيث خصصت مليار دولار سنويًا «لدعم وتسليح وتمويل منظمات إرهابية إقليمية».
ويبرز دعمها للوكلاء في «اليمن»، و«العراق»، و«لبنان، كأحد أهم جوانب التهديد الأمني لإيران، حيث يمثل هذا الدعم «تهديدا كبيرا» للمصالح الغربية في المنطقة. ووفقا لتقارير «الخارجية الأمريكية»، حول الإرهاب لعام 2020، فإنها تستخدم «الجماعات الإقليمية المتشددة العاملة بالوكالة لتجنب المساءلة» عن أفعالها «وسياساتها العدوانية». وفي الخليج العربي، يشمل وكلاؤها، «سرايا الأشتر»، و«سرايا المختار» في البحرين، المصنفين كجماعات إرهابية في القائمة المخصصة للإرهابيين العالميين لوزارة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى «المتمردين الحوثيين» في اليمن.
علاوة على ذلك، أشار الباحثان إلى أن «المراجعة المتكاملة للسياسة الخارجية والدفاعية» البريطانية لعام 2021، والتي جاءت بعنوان «بريطانيا العالمية في عصر تنافسي»، أعادت تحديد الأولويات الدبلوماسية للندن في السنوات القادمة، والتي اعترفت بأن أحد أكبر الجهات الفاعلة الحكومية تهديدا للمصالح العالمية للمملكة المتحدة هي إيران، وأنها إلى جانب روسيا وكوريا الشمالية، يمثلون «تهديدا متزايدا»، للأمن القومي لبريطانيا. وفي ضوء ذلك، قدم الباحثان مجموعة من التوصيات السياسية للحكومة البريطانية. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، شددا على ضرورة النظر في كل من؛ «المشاركة البريطانية في الاتفاق النووي الإيراني»، و«الاستخدام المستقبلي للعقوبات الاقتصادية ضد طهران»، و«مسألة الأمن البحري في المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية»، من أجل كبح العدوان الإيراني في المنطقة، وخاصة أن «الآليات الحالية»، التي تم وضعها من خلال اتفاقيات متعددة الأطراف لتأمين الشرق الأوسط، قد ثبت «عدم فعاليتها» في ردع الاعتداءات الإيرانية على حلفاء المملكة المتحدة الإقليميين.
وفيما يتعلق بمشاركة بريطانيا في الاتفاق النووي الإيراني؛ ذكرت المراجعة المتكاملة لعام2021، أنه «كأولوية»، ستواصل المملكة المتحدة «العمل مع الشركاء في الجهد الدبلوماسي الرامي إلى منع إيران من تطوير سلاح نووي». وأنها، إلى جانب حلفائها، ستحاسب إيران على نشاطها النووي، في حين تظل أيضًا «منفتحة على المحادثات بشأن اتفاق نووي إقليمي شامل». وإلى جانب الاتحاد الأوروبي، كانت لندن، أحد المؤيدين الغربيين الرئيسيين لاستعادة الاتفاق النووي، حيث قالت الحكومة في بيان رسمي إن «الباب الدبلوماسي مفتوح، لكن الوقت ينفد للوصول إلى اتفاق».
ومع ذلك، اعتبارًا من منتصف فبراير 2022، توقفت المحادثات الأمريكية والإيرانية للعودة لشروط الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015، حيث أفاد «باتريك وينتور»، من صحيفة «الجارديان»، أنه «حتى الآن لا يوجد أي مؤشر على انفراج بعد أن اتهم المسؤولون الإيرانيون الولايات المتحدة برفض اتخاذ خطوات سياسية داخل الكونجرس لاستعادة الصفقة». وكما هو الحال مع الموقعين الأوروبيين على اتفاق 2015، وجدت بريطانيا نفسها مهمشة بشكل متزايد بسبب الإجراءات، كما تهدد الخلافات البارزة بين الأمريكيين والإيرانيين بعرقلة أي تقدم سابق تم إحرازه.
ونتيجة لهذه التطورات، فضلاً عن استمرار إيران في تطوير قدراتها النووية، حث «كلارك»، و«رولينغز» على نبرة أكثر صرامة من قبل بريطانيا تجاه طهران، لا سيما من خلال فرض عقوبات أكثر شدة لمعاقبتها على أنشطتها الضارة. وفي إشارة إلى التردد الواضح للندن في الرد ديناميكيًا على الانتهاكات الإيرانية لاتفاقية 2015، حث الباحثان أيضًا الحكومة على «إعادة النظر في هذا التردد، وإعادة فرض العقوبات؛ كآلية للحد من عدم امتثال إيران».
وعند الإشارة إلى فرض قيود الأمم المتحدة على مبيعات الأسلحة لإيران المضافة إلى شروط «الاتفاق النووي لعام2015، والتي انقضت في أكتوبر2020؛ دعا المحللان، بريطانيا إلى «إعادة حظر أسلحة دائم»، أكثر من المستخدم أصلاً في الاتفاقية الأصلية، وذلك لتقييد قدرتها على استيراد الأسلحة من الخارج، ومن ثم، إمداد وكلائها في الشرق الأوسط بالسلاح. وفيما يتعلق بمستقبل الاتفاق النووي، حثا على إجراء مفاوضات مستقبلية مع إيران لإشراك وجهات نظر وآراء حلفاء المملكة المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة السعودية والإمارات، واصفين إخفاق لندن وواشنطن في القيام بذلك في الماضي، بأنه «فرصة ضائعة لتعزيز الشرعية الإقليمية للاتفاق النووي».
وحول مسألة جعل العقوبات الاقتصادية ضد إيران أكثر فاعلية بغية كبح أنشطتها العدائية في المنطقة، أوصى «كلارك»، و«رولينغز»، بـ«استهداف أكثر كفاءة للنظام المصرفي الإيراني؛ الذي يُسهل الإرهاب الإقليمي الذي تسيطر عليه إيران». على وجه الخصوص، أشارا إلى العلاقات بين الحرس الثوري الإيراني، والمصارف الموجودة في إيران ولبنان، واقترحا على «الحكومة البريطانية فتح تحقيق عن دور الصناعة المصرفية البريطانية وعلاقاتها مع بعض البنوك اللبنانية».
بالإضافة إلى ذلك، تم تسليط الضوء على استخدام إيران للمواطنين البريطانيين كرهائن دبلوماسيين، مع «احتجاز ما لا يقل عن خمسة مواطنين بريطانيين ومزدوجي الجنسية بشكل غير قانوني في إيران»، وبالتالي أصبح هذا الأمر «مصدر خلاف شديدا فيما يخص المصالح الوطنية للمملكة المتحدة». واستشهد الباحثان بـ«النموذج الدبلوماسي الأمريكي» في التعامل مع احتجاز إيران للمواطنين، أي تبادل الأسرى وإطلاق سراح الإيرانيين المسجونين في الغرب، مقابل إطلاق سراح أمريكيين في إيران؛ كنموذج يجب أن يُحتذى به في كيفية حماية الحكومة البريطانية «بشكل أفضل» للمواطنين الذين يسافرون إلى إيران، ثم يتم اعتقالهم. وكان «باري روزن» -كبير مستشاري منظمة «متحدون ضد إيران النووية»، والناجي من أزمة الرهائن الإيرانية «1979-1981»- في صحيفة «واشنطن بوست»، قد حث قادة العالم على «عدم إبرام أي صفقات مع إيران حتى يتم إطلاق سراح جميع الرهائن»، وأن إلغاء التجميد المحتمل للعقوبات ضدها «يحفزها فقط على مواصلة هذه الممارسة الإجرامية»، داعيا -آنذاك- الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا، والسويد، وألمانيا، والنمسا، -وجميعهم كان لديهم رهائن في إيران- إلى التكاتف للضغط على إيران للإفراج عن السجناء المحتجزين لدى الأخيرة جراء تهم ملفقة، مؤكدًا أن «قوة الضغط تكمن في كثرة عدد الدول الغربية المطالبة بذلك الأمر».
وفيما يتعلق بقضية الأمن البحري والمخاوف الأمنية الدولية في أعقاب مهاجمة السفن التجارية المدنية في بحر العرب، وارتباط هذه الهجمات بإيران ووكلائها؛ قدم كل من «كلارك» و«رولينغز»، العديد من التوصيات التي قد تعتمدها السياسة البريطانية حيال دول المنطقة. واعترافًا بأن العديد من أعضاء التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية، المطلين على مياه الخليج العربي، يتعرضون «لتهديد متزايد من الأعمال العدائية الإقليمية الضارة من قبل إيران»، أوضحا أن «هذا التحالف يمكن أن يلعب دورًا أكبر بكثير وأكثر فعالية في تأمين المصالح الأمنية «لأعضائه الخليجيين». وكجزء من ذلك، أشارا إلى أن «التهريب الإيراني غير المشروع للصواريخ «الباليستية»، وصواريخ «كروز»، عبر البحر إلى اليمن، «يمكن استهدافه بشكل أفضل من قبل قدرات البحرية الملكية البريطانية المتمركزة في المياه الإقليمية.
وحول هذه النقطة، أوضح «سيدهارث كوشال»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أن اعتراض تهريب الأسلحة بين إيران واليمن له أهمية بالغة، حيث إن الحرس الثوري الإيراني يقوم بشحن مكونات وأجزاء تلك الصواريخ المتطورة التي يتم تجميعها في النهاية ليتسنى إطلاقها ضد دول الخليج. ومن البديهي، أنه إذا نجح المجتمع الدولي في اعتراض نقل تلك الأجزاء والتقنيات العسكرية إلى الحوثيين، فإن المخاطر الأمنية على دول الخليج ستقل أيضًا بدرجة لا بأس بها.
وعن كيفية استخدام المملكة المتحدة لانتشار قواتها ومعداتها البحرية الحالية في المنطقة لتحقيق تأثير أفضل في ردع الاعتداءات الإيرانية التي تستهدف دول الخليج، أشاد الباحثان بالدور الذي تقوم به الفرقاطة البريطانية «إتش إم إس مونتروز»، المتمركزة في الخليج، مشيرين في الوقت ذاته، إلى «الخسارة العميقة»، التي قد تلحق بالعنصر الأمني في مضيق هرمز، نتيجة التقاعد المقرر لتلك الفرقاطة وإخراجها من الخدمة خلال عام 2022. وفي الواقع، كان الانتشار للقوات والمعدات البريطانية في الخليج نشطًا للغاية في الأشهر الأخيرة. ففي يناير 2022، صادرت القوات البحرية على متن تلك الفرقاطة، كجزء من عمليات القوات البحرية المشتركة الدولية -وهو تحالف بحري متعدد الجنسيات- أكثر من طن من المخدرات غير المشروعة كان يتم تهريبها عبر خليج عمان. وفي فبراير 2021، صادرت الفرقاطة ذاتها، أيضًا 2.6 مليون طن من المخدرات غير المشروعة في بحر العرب.
على العموم، لاقت التوصيات التي قدمها «كلارك»، و«رولينغز»، صدى من قبل النائب «توبياس إلوود»، الرئيس الحالي للجنة الدفاع في مجلس العموم، موضحا أن تلك الاقتراحات والالتماسات تشبه الكثير من رؤياه حول ملامح السياسة البريطانية التي يجب تبنيها تجاه إيران، وخاصة فيما يتعلق بمستوى التعاون العسكري البريطاني في المنطقة». وعلى وجه الخصوص، كانت التوصية بأن تكون الفرقاطة «إتش إم إس مونتروز»، التابعة للبحرية الملكية البريطانية متمركزة بشكل دائم في منطقة الخليج، قد لاقت قبولاً من قبل «إلوود» على أن حكومته يجب أن تنظر فيها «بكل تأكيد».
من ناحية أخرى يتضح من النتائج التي توصل إليها الباحثان أن بريطانيا يمكنها فعل المزيد لدعم الحلفاء الإقليميين، على الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية. وعلى الرغم من محدودية القوة الدبلوماسية والوجود العسكري المادي لها في المنطقة؛ يجب أن نتذكر دورها في «المحادثات النووية الجارية»، و«مدى قدرتها على فرض عقوبات صارمة على البنوك التي تدعم التجاوزات والانتهاكات العدوانية الإيرانية»، وكذلك «مشاركتها في عمليات التحالف الدولي لأمن الملاحة في الخليج». وعليه، فإن تلك القدرات تسمح لبريطانيا، بأن تكون واحدة من القوى الخارجية القليلة القادرة على التصرف بشكل إيجابي في المنطقة لصالح تعزيز السلام والأمن، كما يمكن الاستفادة من تعظيم الموارد العسكرية المتاحة الحالية والآليات الدبلوماسية بشكل أفضل لتعزيز حجم التعاون الإقليمي بينها وبين حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، بهدف تأمين المنطقة من عدوانية إيران.