21/5/2022
حروب مواقع التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط
لم تعد المنافسة داخل الشرق الأوسط قاصرة على الساحتين السياسية والدبلوماسية فقط، فعلى الصعيد التكنولوجي، برزت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير خلال العقد الماضي، حيث إن غالبية المواطنين والمقيمين في المنطقة لهم وجود على الإنترنت بشكل أو بآخر. ويُثير صعود هذه الوسائل تحديات خاصة للمجتمع، والتي تضم زيادة حدة الحوار السياسي، فضلا عن استخدامها لارتكاب الجرائم، ما أدى إلى ظهور العديد من التحديات الاستراتيجية.
ولمناقشة هذه الديناميكية، عقد معهد «بروكينجز»، ندوة بعنوان «حروب مواقع التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط»، أدارها «دانيال بايمان»، من مركز سياسات الشرق الأوسط بالمعهد، وشارك فيها «دينا حسين»، رئيسة مكافحة الإرهاب والمنظمات الخطرة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا بـ«فيسبوك»، و«أليكساندرا سيغل»، من برنامج السياسة الخارجية بالمعهد، و«كريس ميسيرول»، من مبادرة الذكاء الاصطناعي بالمعهد، و«عفيفي أبروجي»، الباحثة في منظمة «سميكس».
في البداية، أشار «بايمان»، إلى أن منطقة الشرق الأوسط، لطالما عُرفت بأنها منطقة «صراع ومنافسة»، حيث «تتدخل الدول في سياسات بعضها؛ بهدف زعزعة الاستقرار»، ولذلك فإن امتداد هذه الديناميكية إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي، «ليس بالأمر الغريب».
وحول ما تفعله منصات التواصل الاجتماعي في المنطقة لمواجهة «النشاطات الحكومية»، أشارت «دينا»، إلى أن نهج الشركة التحليلي يدور حول تتبع «المحتوى» و«السلوكيات». وبالنسبة إلى المحتوى الذي يتم مشاركته، فقد تمكنت بعض الدول من إساءة الاستخدام من خلال مشاركة معلومات خاطئة عن عمد. وفيما يتعلق بالسلوكيات، كان هناك ارتفاع في عدد الحسابات المشكوك في صحتها، وتحديدا الحسابات الاصطناعية أو «الروبوتات»، التي أنشأتها الصين وروسيا وإيران وغيرها. علاوة على ذلك، فقد قامت دول بتعيين «جهات فاعلة خاصة، للقيام بالأعمال الخبيثة حتى تتجنب خطر المساءلة، كما أن بعض الدول استفادت أيضًا من «غموض القوانين»، الخاصة بأمور التكنولوجيا. وبالفعل، كشفت «ميتا»، الشركة الأم لفيسبوك، في يناير 2022، أنها أزالت ما وصفته «إليزابيث كوليفورد»، في «رويترز»، بـ«شبكة من الحسابات المزيفة، التي أنشأتها إيران»، والتي استهدفت مستخدمي موقع «إنستجرام». ورداً على ذلك، أشار «بين نيمو»، رئيس قسم استخبار التهديدات العالمية في «ميتا»، إلى أن الشركة «حددت مجموعة مماثلة لهذه العمليات مصدرها إيران على مدى السنوات الماضية».
وعن «أدوات السيطرة» التي تستعملها الدول، لتسخير وسائل التواصل الاجتماعي لمصلحتها، تحدثت «سيغل» عن ثلاث أدوات هي، «الخوف»، و«الغزو»، و«العزل». وبالنسبة إلى الخوف، فهو يشمل «المراقبة» و«القمع الجسدي»، أما «الغزو»، فيشير إلى موجات من «النشاطات المصنوعة» على منصات التواصل من خلال «روبوتاتها الخاصة»، أو «توظيفها» لأفراد وجماعات لدعم رواياتها عبر الإنترنت، فيما وصفته بـ«المرتزقة الرقميين»، الذين يهدفون إلى «حجب» الأصوات الأخرى. وبشأن مفهوم «العزل»، فإن بعض الأنظمة تُقيد وصول مواطنيها إلى بعض المنصات والمحتوى على الإنترنت. ومثال على ذلك، قيام المتمردين الحوثيين في اليمن بحجب الإنترنت جزئيا من أجل إحكام السيطرة على البلاد.
ومن جانبها، أكدت «أبروجي»، أن هذه الأدوات تمثل «تهديدا دائما» على المجتمع المدني، مشيرة إلى ضرورة حماية الحق في حرية التعبير على مواقع التواصل. وفي حديثها عن الإجراءات التي اتخذتها المنظمات لمواجهة التهديدات، أشارت إلى دور الاهتمام الخارجي الكبير بـ«دعم الأمن الرقمي»، في مساعدتهم في تحديد الانتهاكات الأمنية، فضلاً عن أنهم بدأوا في التنسيق بشكل أفضل مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي نفسها لمواجهة حملات التلاعب.
وبشأن إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط، في «سياق عالمي»، وصف «ميسيرول»، روسيا والصين، بأنهما أبرز مؤيدي فرض المراقبة على هذه الوسائل، حيث إنه يمثل وسيلة أسهل لتتبع المعارضين من تتبعهم في الواقع، مشيرا أيضًا إلى انتشار «عمليات التأثير» على الصعيدين المحلي والدولي.
وفيما يتعلق بأهداف الحكومات على مواقع التواصل، أوضح أن الهدف منها «ليس تغيير رأي شخص ما» حول مسألة اجتماعية، أو سياسية معينة، ولكن الهدف هو التأثير في المواطنين من خلال تأكيد تحيزاتهم الخاصة. وكمثال على ذلك، ذكر أنه عندما بدأت جائحة كورونا عام 2020، ادعت منشورات صفحات التواصل الموالية لإيران، أن أمريكا صنعت الفيروس، من دون تدعيم ذلك بدليل. لذا، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بهذه الطريقة يهدف إلى تأكيد التحيزات واستقطابها، استنادا على حدس الشعب.
وتأكيدا لذلك، في مايو 2019، أفادت شبكة «إن بي سي نيوز»، أن العديد من حسابات وسائل التواصل المزيفة التي كان مصدرها إيران، انتحلت صفة الكثير من السياسيين والصحفيين الأمريكيين البارزين «في محاولة لتعزيز مصالحها. وفي عام 2019، علق» لي فوستر»، من شركة «فاير آي»، إن مثل هذه الأساليب تُظهر «أن الجهات الفاعلة التي تشارك في هذا النوع من الأنشطة تستخدم جميع أنواع التكتيكات والتقنيات المختلفة التي تمتد عبر مجموعة متنوعة من الوسائط والمنصات الإلكترونية».
وحول فرض بعض الأنظمة عددا من القيود على وسائل التواصل الاجتماعي، استشهد «ميسيرول» بقيام تركيا، بتمرير تشريع جديد يقضي بأن يكون لمواقع التواصل مسؤولون محليون في تركيا، وأن تلتزم تلك المواقع بمطالب الحكومة إن رغبت في شطب محتوى ما، مشيرًا إلى أن تلك القيود تجعل تلك المواقع أشبه ما تكون بـ«رهائن تحت رحمة الحكومة التركية». وخلص، إلى أنه على الرغم من أن استخدام وسائل التواصل من قبل الجهات في منطقة الشرق الأوسط، يقوم على «استغلال تأثيرها وتلبيتها لأهداف بعينها»، لكن الطرق المختلفة التي تمكنت بها الأنظمة من وضع ضوابط معينة أمام إساءة استخدام هذه الوسائل، هي «اتجاه مثير للقلق»، بالنسبة إلى المراقبين الغربيين في الوقت الراهن.
وحول إجراءات شركات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» للرد على الانتهاكات التي تتعرض لها وسائلها من قبل بعض الجهات، أشارت «حسين»، إلى نهج «ثلاثي» لمعالجة تلك الانتهاكات، والذي يشمل «التواصل مع المواقع التي يتم استهدافها»، و«فهم الأساليب ونقاط الضعف التي حدثت من خلالها تلك الانتهاكات»، واللجوء إلى «الجانب التشريعي لمنعها تمامًا»، موضحة أن شركات التواصل الاجتماعي، «تواجه باستمرار تحديات تشريعية جديدة لضبط أنشطتها»، وأن هذا يجعل مهمة تلك الشركات تتسم بالصعوبة في محاسبة الحكومات. وعندما سُئلت عما يمكن أن تفعله هذه الشركات، بشكل أفضل للتعامل مع الانتهاكات، أجابت «أبروجي»، بأن مواقع مثل «فيسبوك»، يمكنها بالتأكيد إعطاء الأولوية لجهودها نحو حماية الحسابات الإلكترونية للمنظمات الدولية المختلفة التي تستهدفها الجهات الخبيثة.
وفيما يتعلق بسبل الاستجابة التي قد تقدمها الدول الديمقراطية مثل أمريكا في هذا الصدد، أوضح «ميسيرول»، أن تلك الدول يجب أن «تواجه هذه الانتهاكات بمهارة»، لاسيما عندما يتعلق الأمر بنشر المعلومات التضليلية وبث الروايات المثيرة للانقسام عبر المواقع، مضيفا أنه لا يستطيع «تحديد» الكيفية التي ينبغي للدول الغربية ككل اتباعها في مثل هذا المسار، وأنه بدلاً من ذلك، يجب توجيه مزيد من الاهتمام لمساعدة النشطاء والمنظمات الأخرى الداعية إلى ممارسة مبادئ الحرية في كل من روسيا والصين وإيران، إلخ.
وعن الأسباب التي أكسبت البلدان التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في الأنشطة الخبيثة، «خبرة تكنولوجية»، للقيام بتلك الأنشطة، أشارت «سيغل»، إلى أنه تم توجيه «قدر لا بأس به من الاهتمام» لدى الدول الغربية، نحو ضرورة مواجهة الصين، باعتبارها «مصدرا» للأنشطة الضارة الرائجة عبر الشبكة العنكبوتية. وفي حين أشارت إلى أن البنية التحتية الرقمية والتكنولوجية لخدمات الإنترنت ووسائل التواصل مختلفة تمامًا عن مثيلاتها في الشرق الأوسط، مقارنة بالصين، فقد أضافت أن العديد من الأدوات والآليات السيبرانية، التي تستخدمها الصين بدأ الاعتماد عليها بشكل أكبر من قبل بعض أنظمة الشرق الأوسط مثل طهران. وردًا على هذا أيضًا، أكد «ميسيرول»، كيف قدمت روسيا والصين «نموذجًا» للأنظمة الأخرى لتتبعها، وأن الولايات المتحدة، «فطنت لهذه القضية» في السنوات الأخيرة، لكنه أضاف أن «معالجتها لا يزال يتطلب مراقبة مستمرة لأنشطتها في هذا الصدد».
ولاحظت «حسين»، أن «فيسبوك» يدرك ما وصفته بالديناميكية «الحساسة» للمنطقة، ويسعى إلى تجنب «المعاملة التفضيلية» من خلال تبني مبادئ الشفافية قدر الإمكان كونه «متاحًا للجميع» بلا استثناء.
وحول ما إذا كان هناك المزيد من المشكلات المتعلقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط، أوضح «ميسيرول»، أن مسألة «الانقسام والتشعب لخدمة الإنترنت بين الدول المختلفة» في المنطقة، تمثل خطرًا كبيرًا يجب مراقبته والعمل على مواجهته. واستشهد كذلك بكيفية نجاح الصين في إنشاء إنترنت معزول و«مؤمم»، حيث باتت تتمتع الحكومة بالسيطرة الكاملة على انتشار المعلومات المتاحة، وكيف أصبح الشرق الأوسط الآن على «شفا» تبني هذا الأمر. وعلى صعيد أوسع، أوضح أنه في المستقبل القريب، قد يشهد العالم تطورا لشبكات إنترنت منفصلة في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط وما إلى ذلك، بسبب إدخال تشريعات تنظم استخدام خدمة الإنترنت في أجزاء مختلفة من العالم.
وبالمثل، فإنه من «منظور تقني»، سلطت «حسين»، الضوء مرة أخرى على قضية الاختصاص التشريعي والقضائي، وكيف أن تطبيق التشريعات التي تتحكم في طرق استخدام الإنترنت في بلد ما غالبًا ما يكون لها «تأثير» على البلدان المجاورة أيضًا. وذكرت أنه في حين أن تلك التشريعات التي قد يتم تطبيقها في بلد ما قد تكون بادرة عن «نوايا حسنة»، ولكن في دول أخرى قد يتم استخدام هذه القوانين نفسها تلبية «لنواياها السيئة. ولمعالجة هذا التحدي، أوضحت أن «الحوار بين دول العالم» مطلوب، وعلى الرغم من أنه لم تتم تحديد ما سيترتب على ذلك الحوار بالضبط، فإنها أقرت أنه «لا أحد» يريد أن يرى شركات تكنولوجية مثل «فيسبوك»، «متحكمة» بشكل عام في تحديد من هو «جيد» من مبادئ وخلافه، ومن هي الأطراف التي لا تعتبر على مستوى الدولي من حيث التزاماتها المختلفة وغيرها.
على العموم، قدمت الندوة عرضا مفصلاً للتهديدات التي تتعرض لها وسائل التواصل الاجتماعي، وعكست مدى قلق المعلقين الغربيين بشكل متزايد من مسار القيود وضوابط السيطرة والتحكم في هذه الوسائل في المنطقة. وتم تأكيد أن النماذج الصينية والروسية والإيرانية المعنية بالتحكم في إتاحة المعلومات، ونشر بيانات كاذبة، وتطبيق تدابير تشريعية صارمة؛ تعد «تطورات مقلقة بشكل خاص».
وبصرف النظر عن الاقتراحات الغامضة لضرورة وجود «حوار عالمي» والدعم الغربي للشركات التكنولوجية، فإن الاقتراحات حول كيفية معالجة انتشار آليات السيطرة والمعلومات المضللة عبر هذه الوسائل، كانت غائبة بشكل كبير في الندوة.