28/5/2022
تقييم «البنك الدولي» لتعهدات دول الخليج بشأن المناخ
في وقت انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 26)، عام 2021، قدمت دول الخليج تعهدات والتزامات رئيسية لخفض مستويات انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون، وغيره من الغازات الضارة؛ للمساعدة في الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي. وتعهدت «السعودية» و«البحرين»، بالوصول إلى مستويات انبعاثات «صفرية» بحلول عام 2060. في حين تعهدت «الإمارات» بتحقيق نفس الهدف قبل عِقد من الزمن. ونظرًا لأن دول الخليج من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، كانت لهذه التعهدات أهمية إضافية، وعززت اعتقاد المحللين بأن هذه الدول تتبنى الآن عملية التحول بعيدًا عن الهيدروكربونات، نحو مصادر بديلة أكثر صداقة للبيئة.
ولتقييم هذه الجهود حتى الآن، بالإضافة إلى إصدار توصيات حول كيفية تسريع هذه العملية وضمان نجاحها؛ أصدر «برنامج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، التابع للبنك الدولي، تقريره الاقتصادي لمنطقة الخليج لعام 2022، والذي تناول أحدث المستجدات الاقتصادية لدول المجلس، تحت عنوان (تحقيق التعهدات المرتبطة بتغير المناخ).
بدأ التقرير بالإشارة إلى التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا في دول الخليج، حيث سجل «انتعاشًا قويًا» في عام 2021، على الرغم من استمرار وجود الفيروس. ولاحظ أن «الإمارات» و«البحرين» و«قطر»، تعافت تمامًا من مستويات النمو التي كانت عليها قبل انتشار الوباء بحلول الربع الثالث من عام 2021، وقد حققت السعودية ذلك، بحلول نهاية ذلك العام. وتم توضيح كيف تمكنت هذه الدول من «الصمود في وجه عاصفة»، متحور «أوميكرون»، في أواخر عام 2021، بفضل جهودها في عمليات التطعيم الناجحة.
وبالنظر إلى التوقعات المستقبلية للنمو الاقتصادي؛ قدّر «البنك الدولي»، أن الاقتصادات الإجمالية لدول مجلس التعاون، ستنمو بنسبة 5.9% بحلول نهاية عام 2022، مع «زخم قوي على المدى المتوسط مدفوعًا بقطاعات هيدروكربونية وغير هيدروكربونية». وتم تسجيل نمو متوقع بنسبة 3.7% في عام 2023، و3.3% في عام 2024. وفي قطاع الطاقة، أشار إلى أن نهاية إجراءات خفض إنتاج منظمة (أوبك) بحلول نهاية عام 2022، ستعمل على «اعتدال» نمو القطاع من مستوى مرتفع يبلغ 12% في عام 2022، إلى 4.1% في عام 2023، و3.7% في عام 2024. بالإضافة إلى ذلك، أوضح أنه «في أعقاب العجز القياسي في عام 2020»، من المتوقع أن تتحسن الموارد المالية الحكومية بشكل ملحوظ خلال الفترة (2022-2023)، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط. وتم الاستشهاد بكيفية تسجيل الميزانية السعودية فائضًا عند 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، بينما من المتوقع أن تسجل الكويت فائضًا أكبر بنسبة 13%.
وعلى الرغم من التنويع المستقبلي للطاقة في المنطقة؛ فقد رأى «البنك الدولي»، أن التداعيات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا على سوق الطاقة؛ ستكون لها «تأثيرات إيجابية كبيرة» على دول الخليج، وتحديدا من جهة ارتفاع أسعار النفط والغاز. ومن المتوقع أن تسجل المنطقة فوائض قوية في كل من أرصدة المالية العامة والحساب الجاري في 2022، موضحا أن استبعاد روسيا من سوق الطاقة الغربية، يمثل فرصة لدول الخليج لجذب شركاء جدد، لا سيما في ضوء اعتماد الدول الأوروبية على النفط الروسي، وبحثها عن «بدائل محتملة». ومن المتوقع أن يكون هذا البديل دول «منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا». ومع ذلك، حذر من أن «تباطؤ التعافي العالمي بسبب الحرب»، و«تقلب قطاع النفط»، هما من أسباب توخي الحذر.
وحول تعهدات دول الخليج بشأن المناخ، وتنويع مصادر الطاقة، والتحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة؛ رأى أنه على الرغم من الجهود الجارية بالفعل - مثل خطط «الرياض»، لإنشاء محطة طاقة شمسية هجينة، وجعل «الإمارات» من إنتاج الطاقة الهيدروجينية محورًا رئيسيًا لتعهدها بشأن الانبعاثات لعام 2050- فإن هذه الدول لا تزال تعتمد بشكل كبير على السلع الأساسية، وهو أمر قد يتركها عرضًة لانخفاض الأسعار. ووجد أن «البحرين» فقط - وبدرجة أقل «الإمارات» - كانت «قادرة على اتخاذ خطوات كبيرة في نمو الصادرات غير النفطية»، ووصف ذلك، بأنه «مشكلة حرجة» لاقتصادات الخليج الأخرى.
وفيما يتعلق بالزيادة - المذكورة أعلاه - في الموارد المالية الناجمة عن زيادة الطلب على إمدادات الطاقة، فقد أوضح أن «الطفرة السلعية الأخيرة»، قد تُعرض «جهود الإصلاح لتنويع اقتصادات دول الخليج، بعيدًا عن النفط، للخطر. وعلى وجه الخصوص، أشار إلى رغبة «قطر»، و«عمان»، في تسريع إنتاج الغاز الطبيعي للاستفادة من نقص الإمدادات العالمية، باعتبارها تمثل «تعارضا» أمام تعهدات دول الخليج بشأن خفض انبعاثاتها الكربونية، الأمر الذي ينطبق أيضا على التوقعات بنمو إنتاج النفط في المنطقة، بما يصل إلى 12.5 بالنسبة لعام 2022، مع توقع أن تزيد «الكويت» وحدها مستويات إنتاجها بنسبة تصل إلى 8.6%.
وفي ظل أن تنويع الطاقة يعد «أمرًا حاسمًا» للتخطيط طويل الأجل، أشار التقرير إلى «نموذج جديد»، ليس فقط «للتنويع بعيدًا عن النفط»، ولكن التنويع «نحو التقنيات الخضراء». وفي هذا الصدد، تعد كلا من «ألمانيا»، و«كوريا الجنوبية»، و«الولايات المتحدة»، نماذج يُقتدى بها في هذا الصدد، كونها استطاعت تحقيق إنجازات غير مسبوقة في مجالات تحول الطاقة.
علاوة على ذلك، أوضح «البنك الدولي»، أنه من الضروري أن تستثمر دول الخليج المكاسب المتوقعة من ارتفاع أسعار الطاقة خلال عام 2022، في «التحول نحو الاقتصاد الأخضر»، موضحًا أن هذا سوف «يقلل من مخاطر اعتمادها على الهيدروكربونات، وخاصة في ظل أن دول العالم باتت ملتزمة بالانتقال إلى مسارات تنمية أكثر مراعاة للأبعاد البيئية»، كما تم التأكيد على اتخاذ الإصلاحات الهيكلية «اللازمة» لاستهداف «نمو اقتصاد قوي ومستدام وشامل وأخضر»، مشيرًا إلى مراعاة «تنمية القطاع الخاص وزيادة نموه، وخلق فرص العمل بالتزامن مع تنفيذ تلك الإصلاحات». واستعرض التقرير آثار التغير المناخي على دول الخليج، حيث أشار إلى أن ارتفاع درجات حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين، سيقابله زيادة في درجات الحرارة بمقدار 4-5 درجات في المنطقة، كما أن هناك بلدانًا مثل «الكويت» قد تصل بالفعل إلى درجة حرارة مقدارها 50 درجة مئوية.
من ناحية أخرى، أشاد التقرير، بالتعهدات «الجريئة» من قبل دول الخليج، بما في ذلك التزام قطر، بخفض إنتاج الغاز الطبيعي المسال، بنسبة 25% بحلول عام 2030، فضلاً عن الخطة السعودية «لزيادة نسبة الكهرباء المولدة لديها من مصادر الطاقة المتجددة من أقل من 1% حاليًا إلى 50% بحلول عام 2030»، فضلا عن «مبادرتها الخضراء»، التي تهدف إلى زراعة مليارات الأشجار ورفع المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من البلاد». وتم الإشادة بالإمارات لإنشائها، «أول وزارة للتغير المناخي وحماية البيئة في العالم»، وتعهدها بإنفاق أكثر من 160 مليار دولار» في الطاقة النظيفة والمتجددة حتى عام 2050.
وبالمثل، تمت الإشادة بـ«اللجنة الوطنية المشتركة للبحرين بشأن تغير المناخ»، كون خطتها تستهدف زيادة حصتها من المزيج الكلّي للطاقة المتجددة بالمملكة بنسبة 5%، أي ما يعادل نحو 250 ميجاواط بحلول 2025، وبنسبة 10% بحلول عام 2035. كما تم الترحيب بعضوية دول الخليج داخل «سلسلة من التحالفات المناخية العالمية»؛ مثل «التعهد العالمي بشأن غاز الميثان»، «شبكة النظام المالي الأخضر الدولية»، و«منتدى المنتجين لتصفير انبعاث الكربون»، فضلاً عن تبنيها الأنظمة الصحية وممارسات التنمية منخفضة الكربون، خلال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ «كوب26».
بالإضافة إلى ذلك، تم التأكيد على الدور المحتمل لدول الخليج في أن تتبوأ مكانة كبيرة في مجالات تحول الطاقة والتعهدات المناخية في هذا الصدد، حيث إن عقد قمة المناخ (كوب27)، في شرم الشيخ بمصر في نوفمبر 2022، وانعقادها في الإمارات العام الذي يليه؛ يعني أن «المنطقة لديها فرصة واسعة لتشكيل أجندة أعمال دولية للمضي قدمًا نحو المستقبل الأخضر». وأكد «البنك الدولي»، أن السعودية ودول الخليج الأخرى، لديها القدرة على الاتجاه نحو «تعزيز نمو اقتصادي شامل وأكثر اخضرارا»، وأن القيام بذلك، من شأنه أن يؤثر على «العديد من البلدان الأخرى» لخفض انبعاثاتها، بما يتماشى مع التعهدات العالمية.
ومع ذلك، فقد أشار «البنك الدولي»، إلى أنه على الرغم من «هذه الالتزامات»، فهناك «تقدم محدود» في تحقيقها حتى الآن، حيث يفتقر الكثير منها إلى «الدعم المؤسسي، كما أن القطاع الخاص، بحاجة إلى قدرات مؤسسية ونظم أيكولوجية ملائمة توفر بيئة مواتية لنمو الاقتصاد الأخضر». وبالتالي، يجب بذل المزيد من الجهود لخفض مستويات الانبعاثات في الخليج.
وبينما أشار إلى أن جهود خفض صافي الانبعاثات الضارة إلى «الصفر»، وتثبيت مستوى الانبعاثات الغازية المسببة للتغيرات المناخية؛ «متعددة الأوجه»، و«معقدة»، و«تتطلب معالجة كل قطاع تنموي بسياسات جديدة»؛ فقد أكد أن «إلغاء الدعم على الطاقة ورفع أسعارها»، من شأنه أن يوفر «حافزًا ماليًا للأسر الضعيفة، وتفكير المستهلكين جديًا في طرق الحفاظ عليها». موضحا، أن ما يقرب من 70% من إنتاج الطاقة الكهربائية في الخليج يستخدم في «تكييف الهواء»، وأن «اللجوء لتطبيقات عملية لتقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات وزيادة كفاءة وحدات التكييف»، فضلاً عن عزل المنازل حراريًا بشكل أفضل؛ يمكن أن يساعد في الحد من الانبعاثات، رغم أن هذه التوصيات، ستستغرق وقتًا للتنفيذ».
ومع استشهاده، بأن «الطاقة المتجددة أرخص بكثير من الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز»، في ضوء انخفاض سعر الطاقة الشمسية بنسبة 85% في السنوات العشر الماضية - حث «البنك الدولي»، منطقة الخليج على أن تصبح أشبه بـ«مراكز لتوليد الطاقة المتجددة»؛ بسبب وفرة «الكثير من الأراضي غير المستغلة والمناسبة لوضع الخلايا والألواح الشمسية اللازمة لتحول الطاقة». ومن المهم أيضًا ملاحظة أن التنوع الخليجي في إنتاج الطاقة، سوف يجذب أيضًا الدول الأوروبية، التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، حيث أوضح أن دولًا مثل السعودية، وسلطنة عمان، والإمارات، بإمكان مشروعات الطاقة الهيدروجينية الخضراء الخاصة بها، أن تستحوذ على حصة الطاقة في السوق الأوروبية»، وأن تحل محل روسيا، كمصدر للطاقة بأوروبا على المدى الطويل.
على العموم، تشير تقديرات «البنك الدولي»، إلى أنه بحلول عام 2030، ستكون دول الخليج «على المسار الصحيح لخفض مستوياتها من استهلاك الوقود الأحفوري بنسبة 23%، وتوفير ما يعادل 354 مليون برميل من النفط؛ بسبب الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتوفير أكثر من 220 ألف وظيفة، جراء هذا الأمر». ومع ذلك، لا تزال المخاطر الخارجية «قائمة»، حيث يشير التقرير إلى أن «المعركة ضد كوفيد-19 لم تنته بعد»، في إشارة إلى «عودة ظهور حالات مصابة في شمال آسيا»، و«ما حدث من تشديد إجراءات الإغلاق في مدينة شنغهاي الصينية»، و«مخاطر اضطراب سلاسل التوريد العالمية»، بالإضافة إلى إدراك أن الغزو الروسي أدى إلى «ارتفاع أسعار السلع الأخرى كثيفة الاستهلاك للطاقة». وبالتالي، كل هذه التحديات وضعت ضغوطًا إضافية على اقتصادات دول الخليج، والتي يجب اتخاذها في الاعتبار عند مناقشة استراتيجيات تحول الطاقة والانبعاثات الصفرية.