31/5/2022
هل ينجو رئيس الوزراء البريطاني من فضيحة «بارتي جيت»؟
وصلت أكبر فضيحة في فترة ولاية «بوريس جونسون»، كرئيس للوزراء إلى ذروتها مع إصدار «سو جراي» -أحد كبار موظفي الخدمة المدنية- تقريرها عن التجمعات والحفلات المحظورة، التي عُقدت في مقر الحكومة البريطانية أثناء عمليات الإغلاق لمكافحة انتشار فيروس كورونا عامي 2020 و2021. ففي وقت كان آلاف البريطانيين يلتزمون بقيود صارمة على مقابلة الآخرين والاختلاط؛ منعا لانتشار الفيروس، كان مسؤولون حكوميون -بمن فيهم رئيس الوزراء- يشاركون في أنشطة غير مسموح بها أو مقبولة.
وفي أعقاب التقارير الأولية والتسريبات التي أفادت بأن العديد من التجمعات قد عُقدت في مقرات حكومية أواخر عام 2021، متجاوزة قيود الإغلاق؛ فقد طلبت الحكومة رسميا التحقيق فيما حدث وتحديد المسؤول. وفي هذا الصدد، ووصفت مجلة «الإيكونوميست، «جراي»، بـ«المحقق الرئيسي»، و«أقوى شخصية في بريطانيا لم يُسمع بها من قبل». وفي حين، أن هذا التقرير لم يقدم اقتراحات بشأن الإجراء السياسي، الذي يجب اتخاذه بشأن أولئك الذين ثبت أنهم ارتكبوا مخالفات في مناصبهم، فقد شكلت فضيحة «بارتي جيت» هذه، «ضغطًا كبيرًا» على مصداقية حكومة المحافظين وشعبيتها في ظل أزمة تكلفة المعيشة والحرب المستمرة في أوكرانيا.
وعلى الرغم من إصدار نسخة محدودة من التقرير في يناير 2022، فإنه –بحسب شبكة «سكاي نيوز»- قدم «دليلًا دامغًا» على التجاوزات التي حدثت في مقرات الحكومة أثناء الوباء. وتم إصدار النتائج الكاملة للتقرير في 25 مايو 2022، وسط توقعات إعلامية وسياسية كثيرة. ووفقًا لـ«مارك لاندر»، و«ستيفن كاسل»، و«ميغان سبيشيا»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أفاد التقرير الكامل، أن جونسون «ترأس مكان عمل غير منظم، حيث كانت هناك انتهاكات لقيود فيروس كورونا»، فضلاً عن وجود «فشل جسيم» من قبل أعضاء الحكومة في الالتزام بـ«المعايير المتوقع الأخذ بها من جميع البريطانيين». وتم الإبلاغ عن «استهلاك مفرط للكحول» في إحدى الحفلات خلال أول إغلاق للوباء في يونيو 2020، بالإضافة إلى «أمثلة متعددة على عدم الاحترام وسوء معاملة موظفي الأمن وعمال النظافة».
وقبل إصدار التقرير، تم الكشف عن صور ضارة لـ«جونسون»، وهو يرفع كأسًا من الكحول في إحدى هذه الحفلات، على الرغم من أن «لاندر»، و«كاسل»، و«سبيشيا»، قد أشاروا إلى أن التقرير الكامل نفسه «لم يحتو على أي اعترافات جديدة حول سلوك رئيس الوزراء، بل «نسب التقرير بعض الفضل إلى الحكومة في محاولتها تغيير بعض ممارساتها لتحسين صورتها.
وفي ظل الوضع الحالي، تمت الإشارة إلى هذه الفضيحة على أنها ضارة بمصداقية حكومة المحافظين الحالية. واعتذر «جونسون»، علنًا عما حدث وتلقى غرامة من الشرطة، لكنه أصر على أنه ملتزم بالبقاء كرئيس للوزراء، وأنه «لم يضلل مجلس العموم خلال هذه الأزمة»، وأن «الوقت قد حان للبلاد للمضي قدمًا وتجاوز الأمر». الأمر الذي وصفه «لاندر»، و«كاسل»، و«سبيشيا»، بأنه «مزيج من الندم والتحدي»، واعتراف بأن رئيس الوزراء «تعلم درسًا». في حين علق «كريس ميسون»، في شبكة «بي بي سي»، بأنه «اعتذر، وبصورة محددة، بذل قصارى جهده لشرح سبب اعتقاده أنه لم يضلل مجلس العموم عن قصد في رواياته السابقة لما حدث».
وفي الواقع، كانت الانتقادات الموجهة إلى الحكومة ورئيسها «شديدة». ووصف زعيم حزب العمال المعارض، «كير ستارمر»، إصدار التقرير، بأنه «إدانة لغطرسة الحكومة». ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن «ستارمر»، نفسه يخضع للتحقيق من قبل الشرطة لاحتمال انتهاكه قواعد الإغلاق من خلال حضور حفلة. ومن أجل ذلك، تعهد بالاستقالة إذا ثبت أنه خالف القانون.
ومن جانبه، وصف وزير الخارجية السابق، «توبياس إلوود»، التقرير بأنه «مُدين»، سائلا زملاءه في مجلس العموم، عما إذا كان بإمكانهم «التفكير في أي رئيس وزراء آخر كان سيسمح بمثل هذه الثقافة من عدم الانضباط أن تتم من دون الاستقالة». ومع ذلك، لاحظ محررو «نيويورك تايمز»، أن «إلوود»، كان النائب المحافظ الوحيد، الذي تحدث بصوت مسموع فور صدور التقرير، وأن معارضته لـ«جونسون»، «راسخة» بالفعل. وبالمثل، دعا عدد من النواب المحافظين، مثل «ديفيد سيمونز»، و«جوليان ستوردي»، و«جون بارون»، رئيس الوزراء أيضًا إلى الاستقالة، على الرغم من أنه لم يتضح بعد ما إذا كان هذا العدد من النواب قد ارتفع إلى مستوى يُتيح التصويت على سحب الثقة من الحكومة.
وبصرف النظر عن هذا، تم انتقاد تحقيق «جراي» أيضًا. وعلق «تيم بيل»، من جامعة «كوين ماري»، بأن هذا «لن يكون أبدًا هو التحقيق المستقل الذي كان يأمله الكثيرون»، لأن «رئيس الوزراء هو من كلف الموظفة بإجراء التحقيق». وبالمثل، قُوبل تحقيق شرطة لندن الكبرى، بشأن التجمعات في الحكومة بالانتقاد. واستشهدت مجلة «الإيكونوميست»، بشكاوى حول «نفقة التحقيقات ومدتها وغموضها»، مع إصدار غرامات بحق 83 شخصًا، بمجموع 126 غرامة.
علاوة على ذلك، أشار كل من «لاندر» و«كاسل» و«سبيشيا»، إلى إصدار التقرير نفسه، باعتباره «لحظة لإعادة حسابات زعيم بريطاني تعرض لفضيحة»؛ لكنهم مع ذلك، خلصوا أيضًا إلى أن هذه الفضيحة لم تكن «بالضربة القاتلة، التي من الممكن أن ترديه أرضًا». وبالمثل، ذكر «جورج باركر»، و«جيم بيكارد»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن رئيس الوزراء خرج منها «متأثرًا بعض الشيء.. لكن غير منكسر». ورأى «ميسون»، أنه «جونسون بمأمن في الوقت الحالي».
الأهم من ذلك، أن النواب المحافظين لم ينقلبوا على رئيس الوزراء كما توقع العديد من المراقبين. ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز»، رد فعلهم بأنه «هادئ نسبيًا». في حين أشارت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى انحسار «أي شعور بالاستياء سريعًا بعد صدور تقرير «جراي». وأشار «ميسون»، إلى تخفيف جونسون لبعض التوترات بعد تقديمه اعتذارًا للنواب خلال أحد الاجتماعات» بعد ظهور نتائج التقرير وتحقيقاته بشأن القضية. وعلى الرغم من ذلك، رفض العديد من أعضاء حزبه التقليل من شأن هذه الفضيحة؛ لإدراكهم أن تلك الأخطاء لا يمكن التغاضي عنها، أو محوها كليًا».
ومع ذلك، تم الاعتراف بأن أي جهود للإطاحة بـ«جونسون» لن تكون مجدية. ورغم أن هناك 17 نائبا من حزب المحافظين قدموا خطابات بحجب الثقة عنه، فإن الأمر يتطلب 54 خطابا لإجراء انتخابات لرئاسة الحزب، وإجراء تصويت بحجب الثقة عن قيادته. وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن «الموالين لـ«جونسون»، واثقون أنه لن يواجه تصويتًا بحجب الثقة». وأوضح «روب ميريك»، في صحيفة «الإندبندنت»، أن ردود الفعل بدت «ضعيفة»، خاصة أن معظم نواب حزبه ينتظرون استنتاجات «جراي»، قبل اتخاذ أي قرار في هذا الصدد»، وفي الوقت الذي كانت ردود الفعل في بادئ الأمر تعكس مدى «الغضب» إزاء القضية؛ إلا أنها سرعان ما هدأت مع مرور الوقت». وكما أشارت شبكة «بي بي سي نيوز»، فإن رئيس «لجنة المحافظين لعام 1922»، «جراهام برادي»، «اعترف بمدى قلة الخطابات الداعية بحجب الثقة في ضوء أن بعض النواب أبقوا غضبهم إزاء قيادة جونسون للحزب من دون أي ردة فعل».
وفي المقابل، أشار «ميسون»، إلى أن «الكثير من الوزراء عبروا علنًا عن ولائهم لجونسون». وأصر وزير الصحة، «ساجد جاويد»، على أن الحكومة تركز الآن على «مواجهة التحديات الهائلة المقبلة». وأشار «أليكس كولبيرتسون»، من «سكاي نيوز»، إلى دعم وزيرة الخارجية، «ليز تروس»، ووزير العدل، «دومينيك راب»، لجونسون».
وبالنسبة إلى رئيس الوزراء، فقد تحول اهتمامه الآن نحو تجاوز هذه القضية والتركيز، بدلاً من ذلك على معالجة القضايا المحلية والدولية. وفي خطابه بمجلس العموم، علق قائلاً: «إن إرادة تلك الدولة هي ما تجعلنا الآن نثني على جهود «جراي»، ونتائج تقريرها، وأن نبدأ «في طي الماضي والتحرك إلى الأمام». وفي حديثه، لاحقًا في مؤتمر صحفي لتناول نتائج التقرير، أشار إلى ضرورة معالجة «الارتفاع الهائل في تكاليف المعيشة، وارتفاع أسعار الغذاء والوقود»، الناجمة عن «وقوع أكبر حرب في أوروبا منذ 70 عامًا»، وهو ما يعد دليلاً على كيفية تركيزه «نحو التقدم وخدمة شعب هذا البلد».
وفي تأييد لهذا، أوضح كل من «لاندر»، و«كاسل»، و«سبيشيا»، أن تلك الفضيحة «تم تخفيف آثارها بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، والدور الذي لعبه «جونسون»، في القيادة الغربية أثناء الغزو وتجاوز ما دار من سجالات في الدوائر الحكومية في أعقابها، مشيرين إلى أنه بدا أكثر عزما على الانتقال إلى معالجة القضايا الأكثر اهتمامًا بعد إصدار التقرير». وانعكاسًا لهذا النهج، أعلنت «الحكومة»، بالفعل عن ضرائب جديدة على أرباح منتجي النفط والغاز؛ بهدف خفض أسعار الوقود المرتفعة للمستهلكين. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك حزمة بقيمة 15 مليار جنيه إسترليني، وافقت عليها؛ بغرض إتاحة مبلغ قدره 650 جنيهًا إسترلينيًا لمرة واحدة إلى ثمانية ملايين أسرة منخفضة الدخل للمساعدة في ارتفاع الأسعار.
وفي الوقت الذي يبدو أن الحكومة قد نجت من هذه الفضيحة، إلا أنه لا يمكن تجاهل الآثار طويلة المدى لها. ومع توقع الانتخابات العامة المقبلة في عام 2024؛ صرح «جونسون»، أنه يعتقد بشكل قاطع أن حزبه سيفوز بها بـ«أغلبية ساحقة»، على الرغم من تأكيد زعيم حزب العمال، «كير ستارمر»، أن احتمالات فوز حزب المحافظين، بها تعد «معجزة».
على العموم، يتضح من تحليل المعلقين أن حكومة «بوريس جونسون»، قد خرجت من هذه الفضيحة؛ لكن مصداقيتها قد تضررت بين الجمهور بشكل لا يمكن إنكاره. وعلى الرغم من تأكيد رئيس الوزراء، أن اهتمام الحكومة سوف ينصب الآن على تناول القضايا المحلية والدولية، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام، ستتغاضى عن متابعة التحقيقات بتلك القضية، خاصة أنه لا يزال يخضع لتحقيق من قبل «لجنة الامتيازات»، التابعة لمجلس العموم.
ومع استمرار التحقيقات وظهور نتائجها، فإنه وفقا لـ«بي بي سي نيوز»، من المتوقع أن يستقيل «جونسون». وبالمثل، سيتم معرفة الآثار طويلة المدى لها من خلال الانتخابات العامة المقبلة، وبالتالي، من المستحيل القول أن فضيحة «بارتي جيت»، قد اختفت تمامًا.