7/6/2022
فشل الجهود الأوروبية في وقف الحرب الروسية الأوكرانية.. رؤية غربية
على الرغم من أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا، والتي بدأت في أواخر فبراير 2022، قد مرت بعدة مراحل من القتال ومحاولات المفاوضات؛ يبدو أن الصراع لم يقترب من نهايته. وبدلاً من ذلك، نشأت حرب استنزاف في المناطق الشرقية المتنازع عليها، حيث لا يتمتع أي من الطرفين بالقوة الكافية لإزاحة الآخر، وبالتالي، كسب اليد العليا في محادثات السلام. ومع استمرار القتال وتصاعده، توقف الحديث بين المفاوضين الروس والأوكرانيين فعليًا.
ومع ذلك، حاولت كل من فرنسا، و ألمانيا، التوصل إلى سلام في أسرع وقت ممكن. وفي حين أن استمرار الحرب، وفقدان الأرواح يشكلان مصدر قلق بالغ، فإن العواقب الاقتصادية والجيوسياسية العالمية طويلة الأجل في أوروبا الشرقية، تمثل قلقًا للقادة الأوروبيين. وبصرف النظر عن الجهود السابقة التي بذلتها تركيا، يبدو أن معظم الدول مقتنعة بأن الخيار الدبلوماسي، يعد ذات جدوى محدودة حاليًا.
وفي الوقت الذي أوقفت فيه الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، فعليًا، محاولاتهما لإقناع الرئيس الروسي، بوتين، بإنهاء الحرب؛ لا يزال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني، أولاف شولتس، يتواصلان بشكل مباشر مع الكرملين. وفي 28 مايو 2022، أجرى القادة الثلاثة مكالمة هاتفية ثلاثية، حث خلالها ماكرون، وشولتس، موسكو على النظر في مفاوضات جادة مباشرة مع كييف، والإفراج عن حوالي 2.500 أوكراني تم أسرهم بعد حصار مدينة ماريوبول، ودعوة البحرية الروسية إلى إنهاء حصارها لميناء أوديسا الرئيسي، الذي تتدفق من خلاله صادرات الحبوب والقمح الأوكرانية.
وعلى الرغم من دعوة القادة الأوروبيين إلى وقف فوري لإطلاق النار، وانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا. كتب شون ووكر، في صحيفة الجارديان، أن بوتين من غير المرجح أن يستجيب لمثل هذه الدعوات، في الوقت الذي أكد فيه أن المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا خطيرة، وخطوة تخاطر بمزيد من زعزعة استقرار الوضع.
ووفقا للعديد من المحللين فإن فرنسا وألمانيا في مأزق جيوسياسي صعب، ففي الوقت الذي يسعيان فيه إلى تحقيق سلام تفاوضي بين أوكرانيا وروسيا، ينتقدان تصرفات الأخيرة، ويدعوان لتوحيد الجهود الغربية ضدها. وقبل أسبوع من المكالمة الهاتفية -المذكورة سابقا- انتقد شولتس الغزو الروسي، ووصفه بأنه محاولة لإعادتنا إلى زمن كانت فيه الحرب أداة مشتركة للسياسة في عصر كان العالم بدون نظام مستقر. ويوضح روبرت تومبس، في صحيفة التليجراف، سبب استمرارهما في قيادة الجهود الأوروبية لتحقيق التسوية، إلى وجود العديد من المصالح الاقتصادية والسياسية، التي تحتم عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي.
ومع إخفاق الجهود الدبلوماسية الأوروبية، وخداع بوتين، عبر الإيهام بأن الغزو لم يكن مخططًا له؛ فإن إنشاء قوة ردع ذات مصداقية، جرت الإشارة إليها على أنها أفضل الطرق لإجبار روسيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ورأى ستيفن سيستانوفيتش، من مجلس العلاقات الخارجية، أنه لكي يقنع الأوروبيون روسيا، بالتفاوض عليهم أولاً إقناع بوتين، بأن الوحدة الغربية ضده ستستمر. ومع ذلك، فإن هذا الطريق لن يكون سريعًا لتحقيقه، ومن المرجح أن تكون المعركة بحاجة إلى خوضها اقتصاديا، وسياسيا، جنبا إلى جنب الحرب المستمرة في شرق أوكرانيا.
ومن جانبها، ترى آن أبلباوم، في مجلة ذي أتلانتيك، أن فكرة البحث عن حل مُرضٍ بالنسبة لبوتين -لحفظ ماء الوجه بعد دحر الأوكرانيين لهجومه الأولي- هي فكرة جيدة، ولكن الافتراضات التي يقوم عليها هذا الاعتقاد خاطئة، أي الاعتقاد أنه بحاجة إلى أن ينهي الحرب في الوقت الحالي، متسائلة كيف يمكن الوثوق بأي اتفاق مع موسكو، خاصة أن وقف إطلاق النار يجب أن يتضمن تنازلات من كلا الجانبين. وأشار ووكر، أيضًا إلى الاعتقاد السائد في أوكرانيا بأن الموافقة على تسوية تفاوضية ستمنح روسيا ببساطة الوقت لإعادة تجميع صفوفها قبل شن هجوم آخر . وذهبت أبلباوم، إلى أنه لا يمكن تصديق أي وعود مستقبلية تقدمها روسيا، طالما أنها تحت سيطرة بوتين.
ومن ضمن الصعوبات الأخرى التي يواجهها الغرب لتحقيق سلام مع روسيا؛ أن الأوكرانيين، في حين أنهم تراجعوا، لم ينجحوا في تحقيق تقدم في مواجهة الهجوم، فضلًا عن ثقتهم في قدرتهم على كسب الحرب عسكريًا. لذلك، عندما علق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، في المنتدى الاقتصادي العالمي، بأن أوكرانيا يجب أن تستعد للتنازل عن الأراضي لضمان اتفاق سلام؛ ذكرت هولي إليات، من شبكة سي إن بي سي، أن هذا تسبب في إثارة ضجة سياسية كبيرة، حيث دعا إلى العودة إلى حالة ما قبل الصراع، وأصر على أن مواصلة الحرب بعد الوصول إلى حالة ما قبل الصراع لن يكون حول حرية أوكرانيا، بل حرب جديدة ضد روسيا نفسها. ورفض وزير خارجية أوكرانيا، دميترو كوليبا، تقييم كيسنجر للوضع، بينما انتقد تومبس، لغته، باعتبارها تقوض بالفعل الموقف التفاوضي للأوكرانيين، من خلال إظهار خضوعهم لمطالب روسيا.
وفي تأييد لهذا، رفضت أبلباوم، أية موافقة محتملة من جانب أوكرانيا للتنازل عن جزء من أراضيها، معتبرًة الأمر أشبه بمكافأة موسكو على غزوها غير المبرر. وبالتالي، بدلاً من حث كييف للتنازل عن أراضيها، طالب سيستانوفيتش، الأوكرانيين بالانتظار لتأمين وضع أفضل على الأرض قبل الدخول في مفاوضات مرة أخرى، مشيرًا إلى أنه إذا ما استطاعت القوات الأوكرانية دفع الروس للعودة إلى خطوط ما قبل الغزو، وتحديدًا في 23 فبراير، أو حتى بالقرب منها، ستكون تلك هزيمة استراتيجية حقيقية لبوتين، وبالتالي، فرص التوصل إلى نتيجة تفاوضية أكثر ملاءمة، ستكون أعلى بالنسبة لكييف.
ومن المهم ملاحظة أن مسألة قبول أوكرانيا بشروط أقل للسلام بات محل شك، طالما استمرت موسكو في إظهار القليل من الاهتمام بالتفاوض. ورغم أن مونيك بيلز، من صحيفة ذا هيل، أوضحت أن بوتين أعرب عن قبوله استئناف الحوار، خلال مكالمته -المذكورة أعلاه- إلا أن القليل من المحللين يتوقعون أن تتفاوض موسكو مع استمرار عملياتها العسكرية في شرق أوكرانيا.
ولمزيد من التوضيح، أشار سيستانوفيتش، إلى أنه على الرغم من معاناتها جراء انتكاسات مؤلمة، لا تزال روسيا تحتل أجزاء كبيرة من أوكرانيا، تعادل تقريبًا أربعة أضعاف حجم الجمهوريات الانفصالية لـ«دونيتسك ولوجانسيك». وبالمثل، أشار ووكر، إلى أن المقاومة الأوكرانية، شهدت تراجعًا في دونباس، وأن الاستيلاء على مدينة سفرودونتسك، من شأنه أن يمنح روسيا السيطرة على منطقة لوهانسك بأكملها. في غضون ذلك، رأت أبلباوم، أن أهداف بوتين تكمن في إنهاك القوات الأوكرانية، وإلحاق الضرر بالاقتصاد الأوكراني عبر حصاره، وإرهاق شركاء كييف الدوليين، مشيرةً إلى أنه يريد أن يؤكد أن تدمير أوكرانيا، بات أمرا أساسيا، وهو الهدف من الغزو، ولا يوجد أدنى دليل يثبت تخليه عنه.
ومن جانبه، أشار سيستانوفيتش، أيضًا إلى أن الرئيس الروسي، يرى أن الغرب قد بالغ في دعمه لأوكرانيا، وأن مستهلكي النفط والغاز لن يتحملوا ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة التي فرضتها العقوبات والحرب كأمر واقع. وهذا الاعتقاد سيجعل بوتين، أقل احتمالية لإبداء أي مرونة في المفاوضات. ومع ذلك، ربما تؤدي أية إخفاقات عسكرية روسية مستقبلية إلى تغيير تفكير موسكو بهذا الصدد، حيث أكد أنه في حالة فشل العمليات الهجومية الروسية المقبلة، فإن موسكو ستدعو إلى إجراء محادثات تفاوضية.
علاوة على ذلك، فإن جهود فرنسا، وألمانيا، لتسهيل المحادثات، أصبحت معقدة أيضًا؛ بسبب المساعدة المتزايدة للتحالف الغربي للأوكرانيين من خلال المساعدات العسكرية، بالإضافة إلى مليارات الدولارات. وذكر ووكر، أن واشنطن تفكر في إرسال أنظمة صاروخية متطورة بعيدة المدى لأوكرانيا للمساعدة في تعزيز دفاعاتها.
وتوضح قوة هذا الدعم أن على الغرب هزيمة موسكو، والاعتقاد أنها النتيجة الطبيعية لهذه الحرب، بدلاً من السعي لخلق مخرج لموسكو دبلوماسيًا. وكتبت أبلباوم، أن الهدف النهائي للغرب لا ينبغي أن يكون إتاحة مخرج بديل لبوتين لإنهاء الصراع، ولكن ينبغي هزيمته. وشرحت كيف يمكن الوصول إلى هذه الهزيمة بعدة أشكال، من بينها حث واشنطن على زيادة مساعدتها وتسريع وتيرتها، بالإضافة إلى الاستمرار في تشديد العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وضمان إنشاء هيكل أمني جديد، يشمل تأمين وحماية دول مثل أوكرانيا مهددة من قوى استبدادية. وبالمثل، أوضح تومبس أن الغرب يجب ألا يفكر بأقل من هزيمة بوتين لإنهاء الحرب.
الأهم من ذلك، أن هناك حدودًا لمستويات المساعدات التي ترغب الدول الأوروبية في تقديمها إلى كييف. وذكر ألكسندر بوريلكوف، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، أنه على الرغم من أن ألمانيا أعلنت بشكل غير مسبوق، زيادة الإنفاق الدفاعي، وتخصيص 100 مليار يورو، إضافية بغرض تحديث جيشها، كانت هناك انقسامات في السياسة الألمانية أدت لمنع بعض عمليات نقل الأسلحة المقترحة، كما أن شولتس، نفسه رفض مخطط شركة راينميتال الدفاعية لإرسال 50 دبابة ليوبارد ألمانية الصنع إلى كييف، ولكن تم إرسالها بوتيرة متباطئة إلى أوكرانيا بالنهاية، مضيفا أن كل خطوة لتقديم المساعدة العسكرية لا تزال مثيرة للجدل في ألمانيا.
من ناحية أخرى، فإن عدم نجاح الجهود الأوروبية في إقناع بوتين، دبلوماسيًا بتخفيف هجومه على أوكرانيا يجب أن يضاف إلى عدم قدرتها على التأثير بشكل فعال على المفاوضات الجارية في فيينا، بشأن عودة أمريكية وإيرانية إلى شروط الاتفاق النووي لعام 2015. وعلى الرغم من أنهم عملوا كوسطاء بين واشنطن، وطهران، وظلوا أبرز المؤيدين للعودة إلى الاتفاق، إلا أن اللامبالاة والخلافات بين الطرفين الرئيسيين أدت إلى تهميش أصوات الدول الأوروبية، مما يدل على أنهم أصبحوا أقل تأثيرًا في القضايا الخارجية الدولية.
وفي حالة أوكرانيا، تبين مرة أخرى أن الدبلوماسية الأوروبية أصبحت ضعيفة. وعلى الرغم من تأكيدات بوتين، أنه ملتزم بالحوار، يبدو أنه في نهاية المطاف، لا يهتم كثيرًا بالاقتراحات الأوروبية لوقف إطلاق النار. وتعد النتيجة المتوقعة لهذا الضعف هو حالة من الجمود العسكري في أوروبا الشرقية، وازدياد آراء السياسيين والمحللين حول حتمية هزيمة روسيا، وسقوط بوتين لتحقيق ذلك. ومع رفض أوكرانيا، التنازل عن أراضيها لضمان السلام، وإصرار بوتين على أنه لا يزال من الممكن إنهاء الحرب لصالحه، لا يبدو أن هناك نهاية لهذا الصراع في الأفق حاليًا. وكتب توم تاغ، في صحيفة ذا أتلانتك، أن الغرب يحتاج إلى التفكير في خيارات أخرى، بعدما اتضح أن تلك المعركة من غير المرجح أن تنتهي في أي وقت قريب، وأن هذا الصراع لا يتعلق فقط بالقوة العسكرية، ولكن أيضًا بقوة شخصية وإرادة قادة الدول المعنية بالسلام.
على العموم، من المهم التأكيد على أن فشل الدبلوماسية في منع هذه الحرب، أو إنهائها لا يعني أن جهود التسوية يجب أن تتوقف. وبمجرد أن تصل الحرب إلى مرحلة يكون فيها أحد الطرفين قويًا بما فيه الكفاية، أو أصبحت تكلفة الحرب بالنسبة إلى كليهما أكثر من اللازم، يمكن للدبلوماسية الأوروبية أن تثبت أنها أداة ناجحة لإبرام اتفاق سلام. وطالما لم يتحقق هذا السيناريو فإن معالجة الأزمة من خلال أساليب دبلوماسية بين طرفين غير مهتمين وغير موثوقين ببعضهما البعض ستذهب سدى.